 |
قسم الحصن الاسود لا نهر خلف الضفــــاف |
لا نهر خلف الضفــــاف
( أقــــــــارب) بكى الطفل الاعرج اليتيم ذو الخامسة حين كان عمه يجره اليه وكان وجهه يتلظى مثل جمر المواقد كان غاضبا على الصغير وقال : ( ادب اليتيم وكل نصف ماله )، وجره امامه الى سبلة الطين الذي بناها ابوه وتركه وحيدا بين وحش كهذا ، فتح باب السبلة في الظلام الغزير دفعه من ظهره بقسوة وصفعه على خده وغرق الطفل في البكاء ، رفعه الى صدره الذي يغلي كمرجل وقال : ان بكيت لطمتك اخرى وسأله العم ودمع غزير ينهل حتى بلل الثوب : لما ذا سرقت النقود مالذي ينقصك حتى تتسلل كلص من وراء البيوت وكان الطفل صامت ويصيح بصوت خفيض ، وتذكر حين زار امراة عمه ذات اصيل كانت اول زيارة ليتيم الى بيتهم ، وبدأ يتسائل : هل سرقت حقا وتذكر ابيه الذي رحل وتركه لهذا الضبع كما تخيله وشعر الطفل بعداوة وبغضاء تتنزل عليه كساطور ينحت العظم وجاس العم في السبله بغيظه ولم يسمع من الطفل الا النشيج وعاد بحبل متين من سعف وقربه الى عنقه وكان الدمع قد انطفأ في العتمة وقال : ان لم تعترف بالسرقة خنقتك بهذا الحبل ورفعت جثتك فوق الوتد ، واقترب الحبل من عنق الطفل حتى لسعه السعف ، وصرخ الطفل وهو ينتحب ، سرقت سرقت والله سرقت ، فرمى العم الحبل من يده وسقط على ارضية السبلة ورحل في الظلام راسما وشم الاصابع على الجبين المخضب ببقيا دموع وحزن عظيم 0
( حــــزن امرأة )
حاولت ان تزيل هذا الحزن الكبير الملصق في حائط القلب كفولاذ ، دعكت صدرها النافر في ثوب الحرير مرارا رأت السقف ينزف وجع بلون السواد وبلل الجدران حتى كاد يتكسر على السجاد ، تنهد ت ارسلت بصرها صوب شجر الظل المتكاثف في الطريق وهي تخرج من الدار الى الشارع الفت السماء تتبرج في ثوب الغروب وغيوم رشقتها كرشاش الرضاب ، تبلل الملبس الزاهي والجوف كقاع صفصف ، وكان غراب ينعب فوق النخيل لم يسكته حجر او صوت السماء حاولت ان تبتسم ان تلقى ببعض همومها في المنحدر لكن البسمة توقفت في الشفاه حين نعق الغراب وطار بعيدا وزعق الرعد في وجه السواد وانسكب المطر 0 ( الضوء الوحيد )
في المساء يعود بالكيس المقرطس بالفواكه ، يفتح الباب تصعد من حواليه جلبة الناس في الدروب وضحكات طفل يقفز وراء الكرة ، يدلف داخلا قبل الضجيج ، ، وحيد الجدر والكراسي والعتمة القادمة في المساء ، يجلس فوق الكرسي المهترأ الخشب قبالة الكيس المقرطس بالفواكه ، رمق الستائر لاحظها مفتوحة نوافذها لم تغلق منذ البارحة تؤرجحها حفيف الرياح لم يكن الضوء دافقا في النوافذ جال ببصره في السقف لم ير الا البياض ، تدحرجت دمعتان حارتان وسط هذا الصمت الثقيل والعتمة تتزحلق من ظهر المساء وتسكـــــب قطر اتها السود في وجه النوافذ0
( اللعبــــــــة ) كان الطفل يقترب من دميته حين سمعها تقول له : عندما تكبرستكسرني وترميني الى اقرب قمامه وحين تكبر سيكون لك لعبة غيري ، فصاح الطفل وبكى بكاء غزيرا وحين سمعته امه حملته في حضنها تهدهده ليكف عن صراخه ولكنه لم يصمت ، فخرجت به الى الخارج وعندما تدفق الضوء في عينيه صمت والتفت فلما ير دميته امامه فعاود البكاء ، وحينئذ انسحبت الدمية ورمت بنفسها من الباب الخلفي للبيت وكادت تنكسر الا انها وثبت واقفه ودارت حول البيت فيما كان الطفل يواصل بكائه ، كانت الام تنظر الى السماء في ذلك الصباح المشع بأزاهير الضياء من شمس اشرقت منذ قليل ، وحارت في بكاء طفلها فقد كان صامتا امام لعبته دون بكاء وتذكرت اللعبه وعادت به الى الداخل ولكنها استغربت حين لم تجد اللعبة في الصالة المتروكه فيها منذ هنيهات ، ودخلت حجرة طفلها فوضعته على السرير وبحثت عن العابه وامتدت يدها تحت السرير فلتقطت لعبة على شكل دب يقرع طبل صغير ادارت مفتاح التشغيل وقربتها من طفلها فبدأ الدب يقرع الطبل فكف الطفل عن البكاء بينما كانت دميته الاولى تغادر الدار 0
( سلالـــــــة )
ابتهل الجنين في بطن امه متوسلا : اللهم اذا نزلت من هذا الرحم في بيت فقير فحولني الى حمار فأني لا اطيق ان اعيش في الفقر وغيري يتمرغ في النعيم ، فقالت الام : آمين ، وخرج الطفل الى الدنيا فتلقفته يد الفقراء الخشنه وعاش حياة ضنك لم يرض عنها ، فأستجاب الله دعائه ولكنه لم يحوله الى حمار مع البهيم انما تحول كالحمار لا يحيد عن الطريق التي مشى فيها منذ طفولته حتى آخر العمر ولا يرفع رأسه الى السماء واذا فكر أن يرى زرقتها دهمه الرعب واللجم والضياع ، وكانا امه وابيه اول مرفوس بحافريه ، يمشى على الحيطان ولا يتكلم فيما لايعنيه واذا سمع مايكلفه التعب هرب بعيدا وهو يلثم يداه بالحمد ، ويقول نحن في خير حال مادمنا نستنشق هذا الهواء العليل ، وعلق احفاده وصاياه كأسفار فتكاثرت سلالة كهذه حتى ملئت السهول نهيقا ورفسا وراء الجدر0
( فحيـــــــح ) قال لا اسكن هذه الدار اني رأيت فيها افعي تشرب اللبن واني راحل منذ الصباح ولولا ان هذا الليل معتم لسافرت فيه وحدي ولكني اخشى الظلمة والذئاب ، وواصل هذره حتى قال له ابنائه اخرج وحدك في العتمة فلسنا بخارجين ، فحاول الابناء تهدئته وذكروه بشهامته التي يعرفها الجميع فصمت الابناء في حين زاغت اعين ابيهم وهو يحملق في السقف وقال انظروا الى لسانها الراعف بالسم انها تقترب نحوي اقتلوها والا قتلتني ، تفرق الابناء في البيت ليشاهدوا أي افعى مرت واضاؤا الحجرات وركزوا ابصارهم في السقوف فلم يروا اثرا لافعى تمر او متربصة به وعندما عادوا بضجيجهم وضحكهم يملء المكان وجدوا ابيهم ملقى على ارضية البيت ممدد وثمة علامة لناب على رقبته ، وحينما سجوه في الفراش كان قد فارق الحياة فنظر بعضهم الى بعض وما نطقوا بشيء انما كانت نظرات اعينهم المرعوبه تزعق بفحيح الموت 0
( انتقــــــــــام ) توغل بعيدا عن البلد يحمل بندقيته المحشوة بالرصاص بينما المخزين في جيبه المليء بالطلقات كان الوقت ربيعا يرسل نسائمه على الشجر الاخضر ويقطرمن جبين الورد الطافح بالندى هفهفات تشبه العطر ، اشتم اوراده وهو يغذ السير برجليه يعانق فرح الطبيعة البكر المتفجرة الوانها حواليه ، كانت اسراب من النحل تحلق على اكمام الزهر المتفتق رحيقه كالشهد فيما كانت الطيور ترفرف بضجيج زقزقتها فوق السدر الخضير ، قابله غدير صغير يتدفق من ضلع جبل قريب وينتهى في الرمال ، احس بالظمأ وضع البندقية على صخرة قريبة من النبع وبدأ يشرب ، وراءه مباشره فوق الجبل كان الوعل ينظر اليه بعين صياد متوثب ينتظر الغفلة ماان رآه يقعي ليشرب الماء حتى تفلت صوبه كطلقة راكضا نحوه بقرنيه ، سمع الهدير القادم نحوه ،رفع رأسه والتفت امامه ليلتقط سلاحه فرضه الوعل على صدره في ومضة البرق ترنح واصطدم برأسه على الصخره و بينما كانت البندقية تغرق في الماء والنبع اصطبغ بلون النجيع كان الوعل يحرث الجبل بحافريه 0
( للقلب حبيب آخــر ) نشأ تحت ظلها الوارف في البواكير كان يحبها كأبنائه الذين تربوا حولها وخمشوا جذرها بأياديهم الصغيره في تلك الطفوله التى سافرت في القوافل من هذا الهجير، تسلقوا غصونها الخضر وراء اعشاش الطيور ، كانت قريبة من الدار و القلب وتحتها اشرقت ذكرى سنين الاحبة ، تذكر وليمة العرس قبل اكثر من نصف قرن كل تلك الاهازيج والضحكات اين رحلت ؟ اين غارت كل تلك البسمات الساطعة في العيون السود ، الموت يسحق اجمل الاشياء ويصمت ، وتحتها تشرق صباحات بلون الذهب ومساءات تسافر في الدم بطعم الحنين وتحتها انتحب وسحت عيناه دمعا غزير حين فقد عضده في الحياة وواراها التراب ، وتحتها كبر ابنائه في غفلة من هذا الزمن المتصدع برقاع التعب والوجع والذكريات ، كان في سفر الى الحج وحين عاد ليلا لم يجد سدرة النبق ، شعر بنصل حاد يوغر في الجسد وان القلب قصمته الجراح وكأن زلزال يخض احشائه فلبث ينظر الى المكان الحزين حيث سطعت دنياه ذات وقت وأفلت كالغروب ، نكس رأسه وراح في صمت كبير لم يغضب ولم يقل شيء لهم انما بدت نظراته كالمسكين المنكسر ، وكاد يفقد وعيه لكنه تحامل على نفسه وصار حيث جذر سدرة النبق وتلمس الجرح العريض الاخضر و شعر انه بحاجة الى نحيب طويل ودخل البيت ولم يلق السلام وحمل بطانيه وافترشها قرب السدره ونام ، تنفس الابناء الصعداء وحدثوا انفسهم : الاب متعب من السفر وسيفيق راضيا بواقعه ، في الصباح هرع الابناء على صراخ اخوهم الصغير كان الاب قد فات منذ البارحه ، تجمعوا حول جثة ابيهم ينتحبون كان الندم يعض صدورهم قرب سدرة النبق ، فيما كانت الشمس تستيقظ متثائبة من وراء الجبل تنضح ضيائها الذهبي مثل كل يوم 0
( آخر القطط) اقترب القط الاسود من السور القديم وراح يبحلق فيه كانما يراه لاول مره ، حركت رياح عابره كانت تمر غصون شجرة الفرصاد الناهضة قريبا من السور ، وتساقط التوت الاحمر ولم يأبه القط به ، وظل معلق بصره في السور ، وماءت القطة الشقراء بدلال وركضت قريب منه ثم دحرجت نفسها عليه فلم يأبه بها وعندما رأت خيبتها تحولت غاضبة اليه ونفشت شعرها حتى برز كالدبابيس وشعرت بالمهانه حين لم يرفع بصره اليها ، ورحلت عنه تخدش في غيظ بمخالبها كل حجر تمر عليه ، تحرك القط الاسود وتثائب واستلقى على بطنه وكان ثمار التوت يحيط به فاصطبغ لونه الاحمر بسواده ، ابتعدت القطة الشقراء عنه وحاولت ان تعيد النظر اليه لكنها ابت وقفزت الى السور الخلفي للبيت وذابت في ضواحي النخيل ، حط على شجرة الفرصاد طير اخضر اللون وشرع يزقزق وينطنط في الشجرة من غصن لغصن ، فانتبه القط الى زقزقة العصفور ونهض واقترب من جذر شجرة التوت ورفع رأسه عاليا تجاه النشيد وظل محلقا ببصره حتى تعب العصفور وطار ، وحين انتهى غناء الطير عاد الى مجلسه السابق ودحرج التوت الاحمر بقدمه اليمنى وازاحه حتى يتسنى له ان ينبطح ليواصل تأمله لكل شيء جديد 0
|
|
|
| | |