رثـــــاء لرجـــل  لم يــــمت بعـــــــد  

 

***

احببتك كما لم يحبك شخص آخر جئت الينا وفي يديك قنديلا أذكره كان مشتعلا بالأحلام وأرصدة لزمن جميل سوف يأتي مثلما قلت في كلامك اول مرة  كي تبدد الظلام ...  وأعدت الينا طمأنينة لم نعرفها من قبل ، هل أعترف لك ؟ أن قطاع الطرق والمجرمين في قرانا  كانوا  يقتلوننا ونحن نمشي في الطرقات ....إلا إذا كنت قويا وعن يمينك عشيرة كالجبل لا تقضها المعاول ....... أما الضعفاء والفقراء الذين لا حيلة لهم كي يعيشوا أحراراًً فإنهم يغتالون بالمجان .......أحببناك ورغبنا أن نتغير من الداخل فنحن مهزومون ومنكسرون  منذ أزمنة  القبائل المعتقة بالجهل والخرافات والعادات البالية 0

***

هذه القبائل التي لا تصنع حضارة ولا تقود إلا إلى الرجعية والتخلف  ، قال لنا التاريخ إن أكثرنا صعقته القسوة  والجبروت والظلم والإهانه والاحتقار ، وتركتنا آثاراًًً من الرمل تقرأها الريح .

***

أحببناك  كوجه أشرق ذات يوم بفجر جديد ....  وعاهدتنا أن تسير معنا إلى آخر الدرب أحراراً مكرمين بعد سنوات الجفاف والذل .... راكلا في طريقك كل فساد قد ينخر البيت الذي شيدت  بنيانه  سابقا بالفولاذ ونهض ساطعا بجلال قدرك وحكمتك ، وعشنا فيه تحت كنفك أباً طيب القلب كان يرعانا نحن اليتامى قبل أن تهجرنا وترحل عنا بعيدا الى حيث لم نعد نراك الا كنجم داهمته العتمة في سماء بعيدة 0

***

 بيتك الآن  محتاج الى ترميم محتاج كي تعود إليه ويفرحنا لقاؤك  بذلك التواضع الذي كان أكثره تصنعا وتزلفا  ولم يكن حقيقيا ابدا ، فما إن رحلت عنا حتى بدأت سطوتك تخلخل السقف وفسادك يعلو على الحيطان ما الذي  غيرك الى هذا الحد ؟ .... من تقمص رجلاً ممزق أضاع الجهات ، ومن  الصعوبه أن يعود الا  كجثة قذفها بحر اللذات والغرور  خاوية  المضمون والمعنى 0

 هل كنت مصاباًًًًًًً بانفصام الشخصية كي تكون سلفا بكل ذاك البهاء والرقة والحنان أم انك تعلمت التمثيل   لاحقا في حفلة تنكرية  ما زالت قائمة الى الآن 0

بيتك الآيل للاندثار تركته تحت زحف الأيام  وحيدا شوهته عوامل التعرية ورونقه الساطع بالبياض آنفا في حكم التمزق 0

 ***

هل أعاملك ياأبي كمرتد مثلا ؟ ..... عاصر غزوات الرسول ودفع أثماناً باهظة في سبيل دعوة ربما كان يحلم للوصول  فقط ، ولم تكن  عقيدة راسخة مبنية على يقين أبدا ، وعندما تهاوت الاعمدة لتلك الدعوة كنت أول مرتد 0

***

 ما فائدة ما خسرته إذن إلا إذا كان ذلك هدف مبيت منذ البداية ، ها نحن نعود ادراجنا إلى  نقطة الصفر فبينما كان قطاع الطرق ينهبون حياتنا بالمجان دونما عذاب ....... ما نشهده اليوم حد الفجيعة والبكاء كثرة اللصوص والخونة   والمرتزقه  يخربون البيت من الداخل يسرقون كنوزه ويبيعون ضياءه لمن يدفع أكثر....... هؤلاء أصبحوا اعظم  شرا  وقسوة من سابقيهم إنهم يمتصون دماءنا ويتركونا عراة نموت جوعا في صحراء بلا مأوى دون رادع او ضمير0

 إنهم يدكون الجدران بنفوذ القسوة والسطوة والجبروت التي منحتها لهم دون وجه حق ، بينما حراس البيت الحقيقيون استبعدوهم في أمكنة بعيدة كي لا يرشقون أخطاءهم  في وجهك 0

***

 ماهذا التحول المجرثم بالخطيئة من النقيض إلى النقيض ،  من الحلم كي نكوّن بنياناً عظيم الشأن صامدا غير مزعزع في وجوه الآخرين إلى السقوط في الهاوية دون محاولة منك لفهم ما يجري وما يحدث 0

***

كل الآباء يخطئون وهذا هو مسار الحياة منذ الازل ، الفشل الذي يرينا أخطاءنا  في المرايا هو أعظم نجاح لكل رجل عظيم يتمنى أن يؤثث بيته بالحكمة والحداثة والعلم والنور ...... ليس هكذا أبدا تسير الطبيعة مهما بدا الطقس لك  هادئا ،  فحتى البحر الهادىء الذي تمخر عبابه السفن ويسافر العشاق في خضمه تحته  يستعر الجمر ...... وزلزلة فقط  تصدم قاعه ستنفجر كل تلك النار من قعره .

 هل سمعت بماء كالطود العظيم  تنهض من باطنه  جهنم كل موج يؤجج اوراها غضبا ؟

***

في منازل بعيدة تقطنها الضواري  كل شيء قاحل ومنذر بالهلاك برغم السيل الغزير المتدفق  من سماء كثيفة الغيم ....... يباب كل هذه النفوس من بعدك أيها العابر في عيونهم كالضوء .... من ذا  الذي فتح لك الباب أول مرة ؟ وانت المدجج بالذكريات تعيد سيرتهم وتنحت ما تبقى من هذه الصور على وردة القلب ، حتى  لا يدركني العطش وأنتهي في صحاريك جد لي قطرة ماء عكرة في هذا الجفاف ، كي أفتح عيني على وجهك وأنام  0

***

رجوت لك أن تعود مكسوا بالبياض / رجوت أن أراك ملتحما بي في العروق لترى ما حل بي - من انكسار - بعد رحيلك ... من يشبهك في هذا الزمن المكتظ بالحرائق ؟ ..... كل الدروب التي دونتها في حياتك كشاهد للعبث تبسط أجنحتها للغرباء 0

****

أيها الأب الراحل  دون وصية أو وداع ، ماذا تركت لي ؟ ...  عدا  فراق يتكرر ، وغير احزان  كإرث / من أي الجهات سيبزغ وردك كي تكتمل لوحة الدم ؟00

 المكان الذي تركته ذات مساء مخضبا بالبكاء لابثاً مازال تحتويه النخيل /  لا أحمل لك غير ذكرى مسيجة بالحنين  وسفراً لم ينته بعد 0

 ***

في الحلم أفتح أبواب كثيرة خلا بابك ، تجتاحني رعشة للبكاء وأبكي ، مستيقظا  في آخر الدموع بوجهك / ما الذي يفصل بيننا غير رفقة من سحاب تبخرت  في وطن باذخ بالجحيم /

غير ذكراك لا شيء يؤوب مكتظا بالشجن هذا المساء متكسرة في دمي ، وعدا ظلالك تفيض من حزن البارحة 0

***

 لوجهك مسافات سنعبرها معا في  حزن لاحق ربما / هذا المساء المطير يذكرني بك ، آن كنت تركض نحو البيت منتظرين دخولك ........  قادماً مفعماً  بالبسمة تحت مطر غزير،  غبّـاً كنت تراوح الركض مكانك لم يكن البيت بعيدا آنذاك ، هذا المساء نتجمع أمام الباب منتظرين إيابك بفارغ الصبر ..... ساعة  دحرجت الريح (فراغا بحجم الجبال) / كل خطوة مثقلة بك ، كل خطوة لابد كانت آنذاك مهدا للمصير  الذي وصلت اليه قبل الفاجعة.

***0

كل الذين في مأتمك كانوا يشتهون حزنك ..... تفرقوا في البراري كي يلتقوا على نبع وحيد كطريدة ، في أعينهم تبرق شموس قديمة لمدائن أزهقتها الخناجر 0

***

الصورة الوحيدة  المعلقة على جدار الصالة قذفت بكأس في حفل بهيج 0

إذ كانت صورتك تزعجهم تؤرقهم ، تعيد إليهم ماض سحيق دفنوه في الرمال مشوهين بأزمنة الحضيض فيبزغ عارهم أمامهم كالضياء  ، يبدون في قمة سطوتهم  آنذاك،  وحين  يغلقون الحجرات- على أنفسهم  - يسقطون في النشيج 0 

***

وإذ نافذة وحيدة تكفي كي تشاهد كل هذا الخراب ....  تمر الأيام تجر حجراتها كالقطار تاركة ضجيج  لصليل بعيد ...  لا يصل منه الآن إلا ذكرى عابرة لرجل كان حيا 000

***

لا أستطيع أبداً أن أحبك كوطن لا يخون ، أستطيع فقط أن أراك في المرايا إن  كان ثمة ماتبقى من   ود بعد انتهاء الفصول  ، وحده الوطن يبقى شبابه دائما برغم فداحة الأحزان  والفقد ، ونحن من يوغل  الى أرذل العمر وفقدان الذاكرة

***

سيكون موتك حزينا وفاجعا بالتأكيد، لكن سيمر عليه  التاريخ كما مر على أزمنة أخرى  دون أن تبكيك سماء ولا أرض  عدا - ربما - قطيع من الغربان والجوارح تنتظر في جوع بقايا الفريسة المرهونة أشلاؤها في كل الجهات 00