 |
قسم الحصن الاسود الحســـــــــن |
الحســـــــــن وصل الحسن وعمه الى المستشفى عبري في الصباح الباكر ، كان صباحا ازهرت شمسه واحاط ضيائها بالمكان وداعب الاشجار والنخل وقنن الجبال فأنسلخت لوحة النهار المشع بصورة اهله من عتمة الليل ، منذ البارحة كان الحسن يعاني من التهاب في الصدر ، دخلا عيادة الاطفال ، كانت احداهن تضحك فتنساب صدى الضحكة في الصالة على الجدران والكراسي الخشبيه الملصقة في الحيطان بلون صندل قديم و تمضغ اللبان بصوت يسمع من بين شفتيها صرير اسنانها اللامعة كالعاج وغمرت العم تلك الضحكة الجميله متذكرا صهيل الخيل واخرى ، تغازل النور السافر في الصاله وتنضح ببسمة تفتر عن ثغر بلون البروق مخضبة اليدين بالحناء كأنما تستعد لعرس ، تعوذ العم بالله من الشيطان وتمنى في نفسه لو كان وحيدا اذ لايستطيع تحريك شفاته بكلمة او يتأوه بحركه فالحسن الذي امامه سيسجل كل شاردة تصدر منه وسيعلق عليه امام اهله بكلمات تثير الدهشة من تعليق ساخر يتكلم به مثل هذا الطفل الصغير، وقالت اخرى تقف على الكونتر كالمجنونة اصبحنا واصبح الملك لله فاراد الطفل ان يرد عليها بسلاطة لسانة التي ورثها من عمه في الصغر كما تقول جدته الا ان عمه فتح له عيناه فتضخمت عينا العم حتى خشي الطفل ان تلتهمة النظرة الغاضبه فآثر الصمت طلبا للسلامة 0 دخلا على الدكتور كأول من يستصبح عليهما هذا النهار سلما عليه الفياه في حالة يرثى لها واجم مرتبك نوعا ما شارد الذهن كأن مصيبة او كارثة حلت على رأسه مقيد بها ولا يستطيع الفكاك منها ، جلس العم في الكرسي قريبا منه وشرح له حالة الطفل والدكتور لايكاد يتكلم الا بنعنعة الرأس وطيب طيب وحاضر حاضر ، وضع الدكتور سماعته الطبيه على صدر الحسن الذي كان يقبع في حضن عمه ثم ولى ظهره نحو مكتبه المليء بالورق فتح النافذه الزجاجيه ذات الاطار الابيض التي كانت تقبع عن يمينه فأندلق الهواء يتدفق في الغرفة كالنسائم يحمل روائح بعض ازهار مغروسة خلف الجدار في حين كانت اشعة الشمس الذهبيه تبرق في طاولته المصقوله كوميض ، وكلم الحسن عمه بصوت مسموع :( رهان ان عرف هذا الطبيب مرضي ) ، كان الطبيب يستمع لمايقوله الحسن فاحمر وجهه خجلا واخطأ وهو يكتب روشة الدواء للطفل ومزق الورقه والقى بها في سلة مهملات كانت قريبة منه ونبه العم ان يحفظ هذا الطفل لسانه وقال : (يااخي احنا نهيس من تطلع الين تغرب ،ولسنا بحاجة لمضايقات من طفل 00 هذا الذي كان ينقصنا ان يستهزأ بنا الاطفال) ، فأبتسم عم الحسن ووضع يده على فم الطفل وامره بالسكوت فصمت الطفل والبسمة تتدفق في اصابع عمه ، رن الهاتف رنين متواصل لم يأبه به وفي ومضة رفعه الى اذنه بدأ الطبيب يهز رأسه واقفا فغمغم وهو ينهي المكالمه : حاضر يافندم حاضر انا جاي حالا 00 وضع السماعة وجلس على كرسيه ثم نهض كالتائه اصطدم بالكرسي وهو يتناول معطفه الابيض الذي كان معلق على مشجب مغروس في الحائط واصطدم بالكرسي حين ارتداه ، كانت الروشته متروكه على ظهر الطاوله يتبدى فيها الاحرف الاولى من اسم الحسن باللغة الانجليزية رقد عليها قلم ازرق جاف ، واسرع يخرج دونما استئذان من احد ، تزحلقت قدمه قبل ان يبلغ الباب وكاد يسقط على رأسه لولا انه تماسك واعتدل في سيره ، ضحك الحسن بصوت خفيض وقال لعمه :(ماقلت لك)، التفت الدكتور الى عم الحسن احس بوخز كلمات الطفل وقال : (اسكت هذيان طفلك لان روحي واصله هنا ) واشار باصبعه السبابة الى انفه حيث فتح الباب وهبده بعنف وغاب في الممر ، انتظرا العم وطفله ان يعود اليهما ليكمل روشة الدواء لبثا ساعات طويله ولم يعد ، خرج العم تاركا الطفل على الكرسي ومشى الى القاعة اندهش في تغيير الطاقم ولبث يحور عيناه في المراجعين وينقلهما بين الممرضات فلم ير من تمضغ العلكه ولا مخضبة الكفين ، فأحس بحزن لم يدر سببه وغمره شعور جارف بالحقد على كل شيء ، وتقدم من ممرضة سمراء يسألها عن الدكتور الذي تركهما وحيدان في الغرفه ولم يعد ، كانت السمراء ترد على مكالمة هاتفيه مرددة : حسب الموعد اذا كان موعدكم بعد ثلا000 وقطعت حديثها لاصقة اصابع يدها اليمنى على ثقوب سماعة الهاتف واجابت على سؤال العم : عنده اجتماع مع المدير ولا نعرف متى يعود 00 واكملت جملتها المبتورة وهي تبعد اصابع اليد عن السماعة :( ايوه اذا كان موعدكم بعد ثلاثة ايام الدكتور هيكون موجود) ، وعاد العم الى الطفل فالفاه ينظر من النافذه الى الخارج ويشتم عبق رائحة الازهار القادمة من بين اشجار المستشفى ، اخذه من يده خرجا من غرفة الطبيب فتحا الباب احدث بعض الضغط في الغرفه حيث هرع الهواء حاملا روشتة الطبيب والصقها على الجدار وانسابت منكفأة في البلاط الابيض في حين تزحلق القلم الازرق وسقط على الكرسي ، اجتازا قاعة عيادة الاطفال ، كان الصراخ والضحكات والضجيج يختلط فيها فلا تميز صوت الممرضة من صوت طفل يصيح في حضن امه ، وصلا السياره فتح العم للحسن الباب وحين ادار مفتاح السياره هبطت كلمات الحسن على قلب عمه كغمامات داعبها النور ( رهان ان اعرف مرضي) وانفجر عمه يضحك بقهقهته المعهوده حتى انسكبت دموع غزيره على خديه من قوة الضحك ، وقاد سيارته معيدا تشكيل الموقف في مخيلته فواصل الضحك كبكاء جارف ، بينما كان الحسن ينظر من النافذه غير آبها بضحكات عمه المنفلت عقالها في الطريق منتظرا ان يرى احدى النوق سارحة في السيوح 0
|
|
|
| | |