 |
قسم الحصن الاسود صورة النمــل |
صورة النمــل اتكأت على الوسادة العتيقه التي بدت الثقوب فيها كغربال انسحق لونها الاسود المدبوغ بالتراب كأنما غطست في وحل وتناهى الى سمعى صوت رجل اشيب خشن يعلو في الطرقات قارعا طبله الصغير المعلق على رقبته صائحا : سنموت مسحوقين كالحشرات ، سنموت مسحوقين كالحشراااات نهضت وازحت الوسادة حتى التصقت بالجدار في البيت المسقوف بالتبن والطين ، هرعت و فتحت النافذه في شيء من السخط انخلعت ضلفة الشباك الخشبي في يدى ورميت بأعقابها المتخشب على البساط القصير من السعف المفروش على الارضية المتربه ، وكان صوت الرجل الاشيب المجنون مثلما يدعي اهل هذه المدينة العقلاء يتكرر على مسمعى كتنبيه لمدينته الصامته في نسغ المساء الدامي بحمرته في النواحي ، تحسست وجهى وقبضت على الاسياخ الحديديه المغروسة وراء الشباك وقرعت رأسى بيدى وتأكدت انى في الحقيقه اسمع وارى وليس كحلم في منام ، وكان الرجل الاشيب يتوارى في الازقة ويتهادى ندائه بعيدا حيث غرق في الحواري المقابله لحارته ، كانت الحجرة ضيقة في وسطها روزنه خالية الا من تراب معلق بقربها وتد من خشب مغروس في جدار الطين يتدلى منه دشداشة باهتة اللون وازار متسخ بابها الخشبي المهترأ يقابل الشباك مباشرة ، في ركنها الايمن يقبع سراج صغير متدلية منه فتيله في قبعة من زجاج ، وسقفها سافر بجذوع النخل والسعف 00 دخلت امى رثة الثياب مهلهلة الوجه حزينة الاعماق ذات لسان سليط حينما تغضب تحطم كالمنشار كل غصن طري في الشجرة الباسقة فيه بالجفاف ، حاملة في يديها ماعون به بعض تمرات وماء ، في حين كانت الاشعة المضرجة بحمرة تنسكب من الشباك فتندلق خيوط الضياء في الحجرة كنثارات اتربة معلقة في الهواء ، ابصرت امي ماتبقى من ضلفة النافذه ملقى بقرب الجدار ، صعدت حاجبيها الى السقف فأبصرت سحلية تهرب مابين الجذوع وتختفي في السعف ثم دلقت بصرها رويدا على ابنها الذي كان ينتظر الشتم والضرب ، وغصصت مبتلعا ريقي كبقية من عظم تشنج في الحلق ، وضعت الماعون على بساط السعف ولعنتني و ابي وجدى وعائلتى الكريمة حتى الجد العظيم في التسلسل العشرين ثم توقفت تسألني : الم تجد ياابن الخفاش الا النافذه كي تمارس قوتك فيها من سيشترى اخرى ، ابوك الملعون الذي هرب منذ سنين ام جدتك المجنونه التي تصارع الصغار في الطرقات ، ثم نظرت الي حيث اقف ورعب يندى من جبيني كقطرات عرق تنضح في الجسد ، وامرتني بالجلوس فجلست ، ثم اردفت 00 كل 00 كل 00 ثم اخلط التبن والطين وسد به النافذه لئلا نتجمد من البرد 00 نظرت الى التمر والماء في الماعون المزهر بوردة حمراء في وسطه المتآكل بالصدأ وتمتمت في نفســـي : كل مساء تمر ماء 00 تمر وماء 00 احس ان بطني سيتحول الى نهر و نخله وعلت ابتسامة خفيفه تحركت بها شفتاي ، التقطت امي من الماعون حبة تمر وفلقتها واخرجت من جوفها نواة بلون البن والقتها على الجدار ثم راحت تمضغها وهى تدلق نظرها نحوي و بالكاد اقتربت من الماعون ومددت يدي نحوه ، تذكرت شتائمها لابنها الوحيد وكادت تنزلق منها بسمة ضاحكة حجبتها بكوب الماء الذي حملته ودلقته في جوفها 0 ***
خرجت من البيت لا الوي على شيء ، رنوت الى السماء فرأيت السحاب يتدفق فيها مثل رغوة الصابون ازحت بصري قليلا فتألق صوب شجرة البيذام التي تلتصق قرب عتبة البيت فألفيت حمامة ترفرف على غصن في عش تحضن صغارها حيث هديلها زغرودة فرح ، دحرجت قدماي في الطريق المزدحم ومشيت صوب السوق احرك دمي وهرعت الى دكان تاجر يبيع سجائر فأشتريت علبة ودسستها في جيبي ومضيت اشتم الهواء متخيلا سماء ماطرة وهزيم رعد يقصف الافق وبروق تضيء الجبال بسفرها الابيض في الليل ، وحينما عبرت الشارع الى الضفة الاخرى قابلت امرأة تسير في غنج وكانت صوت الخلاخيل في قدميها تبعث اغنية تنبثق من جسد جريح والملاءة السوداء الملتفه حواليها حيث الكحل في عينيها يزهر اللوتس على ضفاف نهر اسمر ، تمضغ اللبان بأسنان منضودة كثلج وشفتيها كوردتان تلمعان على ضياء شفق احمر ، اقتربت منها وحينما كدت التصق بها زاغت ببصرها نحوي وهتفت : ماذا تريد 00 صحيح الي اختشوا ماتوا ، انكفأت على نفسي جرحتني هزيمة اللقاء وهبط برأسي نحو الاسفل فشاهدت نمله تجر بفيها دبور ميت هاربة به لكنها لم تفلت من دعسة حذاء اسود ، اجتاحني غضب عارم من منظر مزهق كهذا ورفعت بصري عاليا الى حيث رأس صاحب الحذاء فألفيت نفسي امام جثة مثل برميل متخم بالقمامة في حين كانت المرأة تختفي وتذوب في الزحام ، عبرت الشارع عائدا الى البيت كنت افكر في احتساء كوب شاي مع فنجان من القهوة تحت شجرة الجوافة وقلت سأنفث السيجارة تحتها واكتب قصيدة عن نملة تجر دبور ميت صعقتها قدم احمق ، وانا اسير ارتطمت برجل في الطريق فأمسكني من كتفى على مهل قائلا: مرة ثانيه افتح عينك وشوف قدامك عن حد يرضك ، واندس بيننا طفل هاربا من ابيه ومضى الرجل الى حاله ، وراقبت الطفل المشاكس وهو يراوغ ابيه خشية ان يقبض عليه فيذيقه علقة من الخيزرانة التى تشبه الغول ، دلفت الى المقهى لم يكن فيه من اعرفهم انما كان رجل يصرخ على الحاضرين ( ستموتون مسحوقين كالحشرات) ثم فر من المقهى كملاحق وغيبه الزحام لم انتبه الى صورته انما كان رجل فارع الطول لا اعرفه كان شكله كشيء تماهى مثل زئبق رمانا بكلماته التي اصتكت في الآذان كقرط من نحاس ذكرني صوته بالرجل الاشيب والخلاخيل والسجائر وكدت ان امسك بالعلبة لالقيها من نافذة المقهى التي كانت تطل على السوق المكتظ بالسابله ، لكني تمهلت في ذلك حينما وقف النادل لصق الطاوله الخشبية المهترأ حوافها يسألني عن خدمة ، فأمرته باحضار كوب شاي مر ، وضع النادل الكوب على الطاوله كان نشيش البخار يتصاعد منه وحبل رأسي بأفكار سخيفه اقلها انهيار المقهى على روؤسنا وتفتت اجسادنا في الشارع او زلزال يضرب الارض وسألت نفسي وانا احمل كوب الشاي واحتسيه كيف تأتى لتلك الحمامة ان تغرس العش على غصن بيذام وصاحبة الخلاخيل الم تغمز لى برمش عيناها فأستجبت وحينما اقدمت صعقتني بماانا له اهل ، تذكرت علبة السجائر وضممت يدي الى جيبي لاخرجها ، وقطع استجابتي رجل اشيب يطرق الباب الزجاجي للمقهى ، خشيت ان يكون من قدماء العائلة ، فأخرجت يدي من جيبي خالية الوفاض و نهضت مسرعا لالحق بالرجل اصطدمت بالطاوله اندلق كوب الشاي حتى سال عليها وانسكب على بلاط المقهى وانا اجتاز الجالسين على الطاولات اوقفني النادل بصوته : ايه 00 اخينا الفلوس توقفت دسست يدي في جيبي اخرجت علبة السجائر ونتاف ورق ممزق فيه ونقدت النادل بعمله معدنيه وواصلت السير نحو الباب الزجاجي للمقهى حتى وقفت قبالته لكني لم ار الرجل الاشيب الذي كان يقف عليه قبل هنيهات ، وسألت في استغراب النادل الذي كان يمر بقربي حينئذ : الم يكن بقرب هذا الباب الزجاجي رجل اشيب بعصاه ؟ اجابني وهو ينادي على آخر ( حاضر 00حاضر وعندك فنجان قهوه ثقيل للطاولة رقم 10) نعم اخينا ماذا قلت فرددت عليه السؤال 00 اين ذهب الرجل العجوز الذي كان يقف هنا ؟ قال وبسمة تعلوه وجهه 00 لم يقف على هذا الباب رجل اشيب ربما كان احد الزبائن اكمل جملته وهو يخترق الكراسي والطاولات حامل صينيه بها فنجان قهوة تفوح برائحة بن ثقيل0 ***
خرجت من المقهي لفحنى هواء المساء المقبل بعد قليل بليل ترتعش سماواته بفوج من بروق في السحب فتومض في بياضها اشعة تشبه اللهب و تنفست النسائم العابقة بالروائح المفعمة بالعرق والعطور وانحنيت لصق الرصيف عن كلب اسود كان يقوده صاحبة بسلسلة طويله حيث كان لهاثه يفزعني بينما كان الصغار يقفون بالقرب منه عابرا على صراخهم وضحكات النساء كمن ينتظر وليمة فخمة في مكان ما ، ابتسمت احداهن كانت تمشي بقربي على استحياء وربما ترائ لي من شفتيها القرمزيتان صوتها في همس هل تخشى الكلاب ، لكنى استدركت وركزت بصري امام قدمي وانا العن الشيطان في سري ، تكفيني هذا اليوم سخرية واحدة ولست بقادر على اخرى وانا اعبر الشارع مندسا بين امواج العابرين متجها صوب البيت هطلت على كلمات امي من السماء كالعتمة : اخلط التبن والطين وسد به النافذه لئلا نتجمد من البرد00 كانت الشمس تتأهب للغروب تلملم بقايا حمرتها من المغيب لتستريح قليلا في العتمة والضجيج ، اسرعت الخطى فأنزلقت قدمى اليمنى على حجر صغير كان ملقى في الشارع وتدحرجت بطولي حتى سقطت ، تبسمت النساء وانتشلني احدهم من السقوط وهو يهتف بي حتى استقمت : سلامات ، ثم تركني ورحل في الفج ،و تناهى الى سمعى صوت طفل يخبر امه بصوته الرقيق مثل كتكوت : ماه طاح ، طاح 00 وهي تعبر به مسرعة غير آبهة بمايقول 0
وصلت كان شراعة الباب يلامسها جلباب اسود ورائها تقبع امي ممسكة بالعصا ، وقفت ثم حورت بصري يمنة وشمالا ومشيت على اصابع قدمي وخرجت من حيث اتيت ثم يممت وجهي من وراء البيت وقفزت من جدار الطين المبعثره حصواته ، كانت الشمس تلوح بيديها لحظة وداع النهار كأستراحة لمحارب ارهقه توزيع الضياء ، وانا اخلط الطين بالماء تحت الجدار بالمسحاة كان صورة امرأة ينكسر ظلها على رأسي وينسكب على الطين وحينما رفعت رأسي الى الاعلى قليلا كانت امي تقف فوق رأسي مباشرة ، لكنها ولله الحمد لم تنبس بشيء انما كانت تهمهم بشفتيها ربما تسبح الله وتحمد ه في هذا المساء الساجي بليله الماطر ، واصلت خلط التبن والطين وانا اغمغم : امسينا وامسى الملك لله 0
|
|
|
| | |