صباح بلون الفستق

كان صباحا باذخا  بالضياء الفجري  يترقرق في اعالي الشجر وينزلق على اجنحة العصافير مورقا بنور يلمع  كخيوط ذهبية  وتنساب  اطيافة اللامعة  مثل لجة تتلألأ  في  بقع على  حوش البيت المحاط  بسدرة النبق الكبيرة  تحضنه  بأذرعها  الخضراء العريضة على جوانبه  وتستحم فيه الكائنات المستيقظة بعد عتمة  ، ويصقصق  الطير في السدرة التي  اجلس تحتها حين اشرب  فنجان القهوة  الصباحي كل شروق ،  اشعلت سيجارتي ونفثت دخانها الازرق في السماء كان الجو  يميل  الى البرودة  وثمة رياح تحرك الشجر احسست بشيء يتصدع في رأسي شبيه بهديل يمام في  مطلع  الفجر وتذكرت سواد غريب  يلوح في الافق حسبته غيم مقبل بسيل غزير اغمضت عيناي وفتحتهما فلم ار في الفضاء  الا زرقة تتحدر كغسيل الموتى  دحرجت بقدمي صخرة كانت تحت حذائي ذكرتني بفستقة البحر المتغطرسة بأخوتها الذين انتظروني بعصيهم على الشاطيء ذات مساء  لولا اني اخلفت موعدي لذقت طعم الخيزران  وتأدبت بعدها عن مغازلة النساء ، حملقت في   صخرة بقربي   وركلتها في غيظ كأني  اتذوق  طعم  فستق اخضر   حتى  قرقع صريرها في  عتبة باب الحديد  ،  لمحت الكرسي الخشبي الذي اجلس عليه متكأ على  حائط  السور وتلمظت بلساني  بهجة الحريق وانا امج  دخانه  في صدري  فتهاوى  يتكور من فمي  وانفي   ينوس ويذوب في  الهواء لحظتئذ  ارقدت  السيجارة على جدار  النافذة وهرعت اهرول صوب الكرسي الخشبي  ورفعته  فاذا به يتمايل كالممسوس   وقلت :  ود  الملعونه من فعل بك هذا ورماك مكسور الضلوع رزته قليل بيدي  ورفعته  عاليا  وقذفت به نحو السور بقوة لاجهز على بقاياه ، فأصطدم بعنف على وجه الجدار وتمزقت اخشابه متحطما بالمسامير ولاح من بعيد رجل اشيب سقط من صفنته وتركته الايام مشلول زمن طويل حتى مات، وقفت هنهيات لا الوي على شيء ودخان السيجارة تجتاح انفى ثم  تهادى الى اسماعي  صوت طفل يبكي في الشارع وحيدا ويصيح بصوت حزين فآليت على نفسي الا اخرج هذا اليوم من حوش البيت يكفيني مااسمعه من اهانات النساء ، الطفل مازال صوته الباكي يثير الشجن و بائع اللبن  ينادي بصوته المزعج  ( لبن لبن لبن) من  وراء السور ، لقد  اوصيته مرارا  ان  يناديني  بصوت خفيض وامتشقت الدرب المبلط بكاشي احمر اللون الى باب السور الحديدي وقبل الوصول تذكرت السيجارة  وعدت اليها في شغف  كانت تشتعل على النافذه التقطها و لسعني  اشتعالها الاخير  لكني واصلت نفثها بضراوة   فامتزج بكاء الطفل بدلال اللبــن ( لبن لبن لبن )   حتى اذا  بددتها  رمادا القيتها  في حضن التراب .