 |
قسم الحصن الاسود حجرات بلا سقف |
حجرات بلا سقف ( الثأر المعلق) كان عفيف الزن يستيقظ كل يوم من كوابيس طويلة منسوجة كليل ، شرب من كوز ماء معلق بقربه على حائط في السواد تبين ملمسه الخشن بطرف اصابعه ولمح اشباح تمر حواليه شاهد نجمه تومض على رأس جبل وهو يقلب بصره ذات اليمين وذات الشمال ، الصخر خدش النجم وتفجر الضوء تبسم وهو متسربل بالظلام روض في صحاري الغسق ولا قمر ينير التراب وحين نضح الصبح ازاهير ه الصفراء من خلف النافذه واخترق زجاحه المكسور وركض في الجدر متسلقا لوحة ابيه المغروسة على شكل نصل مرغه النور متدفقا عليه كشلال فلم يجد بدا من النهوض مشرئبا بعنقه نحو تلك الصورة كأنه يلقي عليها تحية الصباح متمسحا بمنظر ابيه المطعون الذي ينتظر ثأره في القبر منذ سنين وغرق عفيف الزن في نوبات جنونه ملتمسا من ابيه ان يعفيه من صفقة الغدر كاد ان تندلق منه ضحكة وهو يلتمس العفو ، اقترب من الباب سطعت في وجهه دفقات الضياء حين كانت الشمس تشرق في المدينه حيث الناس كالفراش المبثوث في الشوارع وبقيت ثمة ظلال مبعثره قرب الجدر اخطأها الشعاع هم بالعبور وتذكر الدم المراق والنصل والوجه فأغلق بابه 0
(الطريق الازرق)
المرأة التي فقدت احطابها في الغابة منذ سفر له وجه شمس ، كانت تذكر ذلك اليوم الشتائي القارس وهي تحتسي فنجان قهوتها متكأة على جدار الاسمنت في حجرة ابنتها الوحيده التي تركها ابيها ذات زمن قوض رحيله المضرج في الجسد حتى ادماه بلون النحيب ، تقص حكاياها عليها وهي تنظر عبر النافذه في الشارع المكتظ بالسابله يحملون افانين من القهر على اكتافهم لو ينزلق صديدها لاغرقت الارض كفيضان ، كنت في ميعة الشباب وكان ابوك يحاول جاهدا ان يسمع صدى الخلاخيل ونظرت الى احداها فألفتها قد تكرمشت ووشحت بالتجاعيد ، قرب بيتنا الذي يطل على بيتهم في الزمن القديم الذي تخطفته الايام ومزقه الناب ، كان ابوك يلقي بنظراته الناريه علي ونحن الصبايا نسير صوب النبع الذي يسيل زلاله في الوادي حاملين على روؤسنا الجحال ، وكانت الخلاخيل المطروحة في ارجلنا تثير خرمشة في المشي مثل صليل الفضة ، وفي الاصيل حين كانت الشمس تجر وريدها الدامي في الافق وتذبح شفقها الاحمر كقربان ، خطبني ابوك ، فتحركت الاشجار التي كانت تنوس ظلالها تحت الجبل القابع على عتبة البيت ، وسافرت الدنيا بنا في سماوات بعيده ، ثم نهضت واطلت من النافذة ونظرت الى السماء فالفتها كما هي باقية في قبتها الزرقاء كأن لم يسافر فيها نجم محضون الضياء وتذكرت كبصيص نور في سجن ملئته العتمة هودج العرس المحموله فيه منذ نصف قرن وكان ازيز الرصاص يقعقع في الافق وتنهار الزغاريد على القلب مثل حبات برد في الصحاري وتنهدت بصوت مسموع كأنما تنفث بقايا حريق خمد وتلألأت دمعه في عينها ، وقعدت كخرقة مهملة وكادت تكمل حكايتها لولا ان رأت ابنتها تغط في السبات ، فمازال ليل الغابة طويل كهذا الطريق الازرق .
( فجـــــــــرامرأة )
تأخر الفجر هذا اليوم لكأنما حلكة الليل التي هطلت البارحة في سخاء غير مسبوق قبضت على تلابيبه حتي اكبت عليه بالغسق ، فما استطاع الفجر النهوض ولم يستطع المشي على قدميه وترنح حتى سقط متأسفا على سطوع النهار ، بحلقت هدى في الساعة رأتها لم تجازو منتصف الليل ، قالت ماهذا الارق مااطول هذا الليل كبحر ارخى سدوله ، ولمحت امرؤ القيس في حصانه الاشهب قد ضرب موعد ا لعشيقته في البراري ، ثم رأته يثير النقع بحصانه وهو يركضه بعيدا حيث خيمة وحيدة في الصحراء ، ثم رأته يحتضن عشيقته والحصان مربوط على احد اوتادها يمضغ شيء ما في الخارج وهمست في نفسها ان لم تستح فأفعل ماشئت كأنما تحاول كبت دبيب تفجر في الجسد ، قامت واشعلت مصباح حجرتها وتعجبت كيف ان الفجر لم يأتي وقد نامت قبيله بعض الوقت ، ازاحت ستارة النافذه وفتحت عيناها في تعجب بالغ حين شاهدت الشمس ترقص بضيائها وراء النافذه ، وتزقزق العصافير على الشجرة القريبة منها ، اغمضت عيناها بيديها غير مصدقة ، ان تلك الكثافة من الظلام قد حجبت الضياء في حجرتها ، ثم فتحتهما لتسمع الزقزقة على الشجرة وترى تمايل الغصون مع الرياح التي داعبت وهي تخترق النافذه شعرها الغزير الفاحم المنسدل على كتفيها ، على الفور غيرت ملابسها وبسمة تضيء الوجه ماذا سيقول الناس تأخرت عن موعد الخطبة والناس في انتظارها ثم كتمت ضحكة كادت ان تلفظها لولا ان وضعت يدها على شفتيها فتدفق الهواء على راحتها كنسيم صباحي بارد قعدت على التسريحة نظرت الى المرآه ، اعجبها منظرها المصقول جمالا المنعكس عليها ، بحثت عن احمر الشفاة في الدرج الاسفل واخرجته وبدأت تقلبه في يدها ثم فتحت العلبة وضرجت شفتاها اللتان تشبهان وردتان تفتحتا على الطل المبلل بالندى ، اعادت احمر الشفاه الى درجه السفلي من التسريحه ثم رجلت شعرها و تناولت زجاجة العطر رشقت بها يديها اولا ثم رشت قطراته على جيدها الأبيض كالعاج ، ونظرت حواليها فألفت المصباح يضيء الحجرة ، نهضت القت نظرة اخيرة في المرآه فتبدى بزوغ الحسن فيها يتلألأ ناضجا كالذهب ، خرجت من الحجرة ابصرت المكان ظلاما دامس لا نور فيه ، تذكرت ان الصاله لم تفتح نوافذها بعد ، صارت حتى حاذت باب البيت وحين فتحته سطع الظلام في وجهها مثل سد كبير ، طرقت بيدها على مقدمه جبينها وكادت تصرخ ، اغمضت عيناها وفتحتهما فألفت الليل الاسود قبض على الامكنه كمحيط ، اغلقت الباب في خوف ، كادت ان تقرع على ابويها اللذان يغطان في السبات لكنها تماسكت واقلعت عن ذلك وهي تسير بطيئة نحو حجرتها ، فأسرعت نحو النافذه رأت كل شيء يستحم في العتمة وبدا كل شيء مظلم فلم تسمع زقزقة ولم تر شمس مشرقة وكادت تضحك وهى تعود الى السرير ، بينما كان المصباح يمزق العتمة بضيائه الزاعج في الحجره 0
( ذكريات الرجل العجوز)
سطعت ذكريات رجل عجوزعلى البساط السعفى المهترأ من وقدة الشمس وكان نورها اللافح يشبه جمر تنور وبرغم الظلال المتكدسة التي تنوس في الضوء الاصفر من الاشجار في الضاحية الا ان قطرات العرق تنزلق من جبينه المتغضن بالتجاعيد وتسيل حتى تبلل الوجه الخضيب وحلمت الذكريات بالصعود الى النخلة الجالس تحت جذعها ولكنها تمايلت على شجرة النارنج وراحت تحدق في اوراقها الخضر وظلالها الموغلة في الطين قريب الساقيه التي كانت زوجته ترش الضاحية من مائها الصافي بلون المرايا وحدقت طويلا في الساقية وسمعت زوجته تناديه وهى تعلق ثياب الغسيل على الحبل المتين المقلود من سعف بين جذع نخلتين وقطرات الفلج تتدفق من الثياب المعلقة على الحبل حتى تنساب في التراب ،وصعدت الذكريات البصر فألفت على الفضاء حمامات تسير في سرب كطيف وتبسمت حين تألقت السماء بسقفها الازرق الدافق بالضياء ، وتهاوت حنى تدحرجت على سطح صفة الطين التي كانت زوجته تصعد فوقها لتقطف ثمر الامبا بالزور الطويل واستقرت تمشي على الارض كأنها تحمل وزن ثقيل اجهضها التخلص منه ، واصطدمت بالنخلة المتكأ عليها الرجل العجوز وعادت اليه مفجوعة بوجع شبيه بلسع الحنين ، وسمح لها بالسفر في دمائه لكنه غير الحال ورفع بصره الى النخله ، فأسرعت بالصعود الى جذعها البني العريض ، وطلعت حتى استقرت فوقها وشاهدت من عل ، ذات عصاري مضرجة بشمس المغيب الساكبة في ذوائب النخلة الخضراء لون الغروب ، سقوط قط اسود من فوقها ربما تزحلقت قدماه وهو يبحث عن فأر فتهشم جسده على حجر عتيد قرب الساقية وشخبت دمائة كنافورة وتحنى ماء الفلج اللامع كالزجاج بلونه الاحمر ، واقسمت زوجته ان لا تشرب من سافله ثلاث ليال في المكان الذى شهد الحادث ، واستمعت الذكريات الى قسم المرأة كالبارحة ، وكاد النشيج يترجرج في عينيها ويسح منها دمع غزير بكثافة هذا الظل المطل عليها ، لولا ان الرجل العجوز نهرها فأستمعت اليه وهي تنزل على جذع النخلة فى هدوء خشية السقوط كقط آخر بلون النهار ، عادت اليه واقتربت منه فعانقته واستحمت في دمائه ، واحس العجوز براحة صفراء مثل نسيم الخريف بعد الليل الطويل المترع بالغيابات حيث كل شيء يتلاشى في الغبار ، وآنس دمعتان تطفران من عينية وتمتزج بقطرات العرق المنزلقات على شعر لحيته الاشيب 0
|
|
|
| | |