 |
قسم الحصن الاسود البحر لا يهدر كل يوم |
البحر لا يهدر كل يوم
كانت لفحة الغروب تقترب والشمس البعيده في الافق تحلق كطائر ذهبي عالق في السماء ويغطي بأجنحته المذهبة الجهات الاربع ناشرا فيها طقوس البشاشة والمغيب ، كانت الشمس تغطس في البحر ناثرة في مداها ضياء متورد يرفرف في الفضاء كغيوم مضرجة بالورد والماء ، وغرقت الشمس في البحر مثل كرة صفراء مزهرة قذفها طفل في بركة ماء وانبثق الظلام رويدا من البحر وصار وئيدا ريثما يقترب الغروب واسجى بأجنحته في الافق وزقزقت العصافير على الشجر وانتشر هديل اليمام عاليا كنحيب بطيء واصطفق الموج وزاد في مده حتى لامس القدم وبعثر صغار كانوا يركضون على الشاطيء مافي ايديهم من رمل في البحر وعادوا الى حيث ساحة العشب الاخضر المسجاة بمقربة منه وارتموا عليه فرحين 00 وكانت السماء باهية يتقضقض الضياء فيها مزقا متلاشيا كسرب ورود نهضت مساء ونشرت عبيرها في المروج ، كان منظر يثير البهجة والشجن تذكرك بطفولة مرسومة كوشم في جبل لا يحركه سوى حنين من ذكريات الظلال ، وظل الظلام يحتوى الامكنه بالاحضان ويمرغها مثل تيار جارف حتى امتشق الغسق الارجاء واقبل الليل ، كنت وابن عمي نراقب ذلك الغروب البهيج ثم سحب من جيبه علبة سجائرة وارسل واحدة الى فمه ورمى بالاخرى الي ثم مضى ماشيا نحو المقهى وكانت السيجاره بين اصبيعه في يده اليسرى وهو يمشي يبرق دخانها في النواحي مثل لهيب عود احمر يخبو ويشتعل ، اشعلت السيجاره بولاعة قذفها لي وهو مولي الادبار بالقرب من امواج البحر التي آثرت ان تثير في حدقتي نار زرقاء انطفئت ذات وقت حين اضرمتها غنج متخثر بالبياض في جسدا بلون الجبل ورائحة السدر في البلد00 بينما هو انساح نحو صديقات المقهى يضاحكهن ويحدق بنظراته الناريه التي تلتهم في تفجرها احاديث تلك النسوة التي بدت على استحياء بعض الشيء ثم مالبثت ان هطلت الكلمات ممزوجة بأبتسام له سخونة الكعك ، كان ابن عمي يثير الضحك وهو ينضح بابتساماته الفاجره ويرسلها تباعا نحو فتاة كانت ترتدي بنطلون ابيض عاليه قميص ازرق كأنما هي الاخرى بحر آخر امواجه جرح ومسامير00 وكانا نهداها مشدودان ويبرزان على صدرها كرماح مصوبة في حرب حمراء قطافها شفاة غطاها توت لذيذ كشهد ، وشعرها الاشقر يسترسل على جبينها وردفيها كسنابل حقول قمح ذهبيه يتماوج في الرياح القادمة من اليم فتثير في النفس شهية الغرق التي تسطع من عينان عسليتان كانا فيهما الكحل المرسوم بخطوط صغيره تشبه سهام ضوء في سماء بعيده حتى الصدغ مثل امرأة فرعونيه تحاور قمريصعد في الاعالي بلون سفرجل ناضج ويرسل اشعته الفضيه على شرفتها كروعة من لقاء باذخ بالجمال تنهدت وقلت بهمس : الحمد لله الشعب مرتاح حتى التبرج ، رشفت السيجارة بعنف وانتفخت وجنتاي بالرماد وانطلق الدخان كاسرا من خياشيمي وماتبقى نفثته بفمي ربما احرق شيء من هذا التبرم في صدري طلبت منه ان يجلب لي من تلك الكراسي الملقاة بالقرب من المقهى ذو المبنى الخشبي المضرج بالبياض لكنه كان غارقا في التفنن بالطلاء والبراد لكني صرخت عليه ( تو ماتسمع اقولك جيب كرسي) نظر الي احدهم شزرا ثم انكمش حول موقد شيشته محاولا ايقاد الجمرة الملتهبه فيها خشية ان تنطفيء ومج بشفتيه من دخانها واخذ وقتا وهو يرفع رأسه دالقا دخانه بعيدا في الهواء كأنما يحاول ان يحرق لهيب الم به وارسله وهجا متناثر في السماء ، جاء ابن عمي بكرسيان لي وله وغرزهما على الرمل ثم مضى الى حال سبيله والموج يقترب كحمام ازرق يرفرف بجناحيه ويطلق هديل حزين تحمله الريح البعيدة وتغرقه في الرمل ، جلست على الكرسي البلاستيك الابيض وتزحلقت عيناي نحو منظر البحر الذي يلطم بامواجه الشاطيء الرملي ، ، طلبت نسكافة بالحليب وقلت وانا امرغ نظراتي في البحر : قليلا من السكر وحاصرتني ذاكرة لعم لى واخوالي الكثر المصابين بالسكر ، جاءت امراة تمشي الهوينا ووضعت على الطاوله كأس الشاي الذي كان يطفح منه نشيش ابخرة ذكرني برائحة قهوة تفور تحت شجرة السدر كانت تدلق ابتسامه عريضه ملقية تحية مسائيه كعصفورة ترفرف على غصن مطير ، وحين ولت دبرها طافت في مخيلتي رواق موشى برخام اخضر اللون وانتبهت الى امواج البحر تصطفق على ارجل الكرسي ، شرعت اشرب الشاي وامج سيجارتي ، كان للبحر نداوة الليل التي تعبق بالروعة في الجسد وتغسله بالضياء المنهمر من قمر يدلق انوراه الفضية على سطح البحر فيسطع على جبهته نور وماء وفي البعيد وميض سفن تتمايل على سطحه حين تركض الرياح في اشرعتها وتسافر بها على موجه الازرق ، و نتف سحاب ابيض يتلاشى ويغور في النجوم المصقوله بالضياء و تومض اضواء طائره تعبر الافق ، وحين تقزمت السيجارة في يدي من كثرة المج ولسعني لسانها الحارق أرجعت بصري من فضائه والقيتها في اليم محنطة بالرماد والبلل 0
عاد ابن عمي من تلافيفه وهو يطقطق بأغنية لفنانة يبهجك منها تراقص اللحم قبل النغم واشار بيده ان ننطلق ، عندما ركبنا السيارة الى مطعم قريب كان مازال بصري معلقا بالبحر وامواجه المتدفقه في روعة القماري ، كان البحر بالنسبة لي شيء لا يوصف ، وحين ازور مسقط فأن اول شيء اقدم عليه زيارتي للبحر ليلا ، يحلو لي ان اسمع البحر وهو يناجي الافق والسماء والنجوم والشجر والضياء والعصافير والقرى 00 اريد ان اسمع رقرقته الزرقاء عن كثب ، لو كان في مقنيات بحرا لما اضناني مشقة السفر00 كأنما دائما حينما يصطفق الرحيل يبرق بوداع وردي له كأس مكسور يتشظى من نتفه الدمع في العين 00
|
|
|
| | |