 |
قسم الحصن الاسود الديجور الجارح |
الديجور الجارح
ولقد تقلص جسدي من الجوع وقلت للريح ان تحملني الى مدائن ذات فاكهة بلون الجنه وقلت للشمس ان تحميني بظلال من الغيم وان لا تحرقني وانا سائر في دروب الصحراء حيث امكنة الحقيقة والحلم ، فسافرت وقابلت وجوه كثيره اكثرها قاتمة بلون الحزن كأنها راحلة في سفائن محترقة في بحر من لهب 00 ودخلت مدينة كبيره تعج بناس كثر ورأيت وانا اندلق في شارع قديم كعجين غير مختمر 00 طفل يبكي 00 ، وسألته وانا اربت على رأسه بلطف لماذا تبكي ؟ فرمقني بنظرة حارقة كما نيزك محتقن بالغيظ في سديم منفجر00 وقال ودمع يتلأ لأ على خده مثل ورد محمرينهمل منه الندى في صباح مزهربالنور : تركتني امي وحيدا في البيت 00 وهرعت في البحث عنها ، هل تساعدني في البحث عن امي ؟ وتخيلت امه بصحبة رجلا آخر ممدده على سرير من لهاث محموم ، فأخذت بيده وطفنا خطوات قليله 00 وجاءت امه مسرعة ونادت طفلها بفرح كبير ، وتركني الطفل مسرعا نحو امه واحتضنها في تضرع ولهفه - - كانت المرأة تبدو جميله وشهية وكانت قطرات العرق ترشح من جبينها الابيض كسماء ابرقت طيف من وجع ثم انداح منها سيل غزير 00 حملت طفلها ونظرت الي بأستغراب وقالت بنبرة خوف : الى اين تريد ان تأخذ طفلي ؟ الا اتعلم ايها الغريب ان ممارسة السحر في هذه المدينه عاقبته الموت والحرق، وتخيلت نفسي كأنسان مصلوب بأصفاد من مسد على مصطبة من خشب وحولي ذئاب تعوي هادرة في غضب والنيران تلتهم الحطب الى جسدي الذي سيصير رمادا بعد رقصة الموت وقلت : ماانا بساحر00 اما الموت والحرق فقد يستحقه غيري ممن يمارسون السحر بطقوس مختلفه ، وفهمت مانويت اليه وابتسمت في حنق ، وعندما سألت طفلها عني صرخ في بكاء طاغ 00 ادخلت يدها اليمنى في صدرها ثم انتزعت منه بعض وريقات من نقود ذات مظهر قديم ثم رمتها امامي وقالت بأستهزاء مر : دع عنك مهنة السحرة واشترى بهذه النقود طعاما يقيم وأدك لاني ارى في عينيك موت قريب ، وكانت نظراتها فريسة مهترئة في مستنقع قذر00 حملت طفلها ورحلت ، وتركت لي بقايا من نقود مرمية تحت اقدامي وتذكرت الجوع والموت 00 وقلت لم اخسر شيئا وكسبت نفسي ، تناولت النقود ورحت ابحث عن مطعم في شوارع المدينه المضيئة في ليل مقمر وسألت عجوز كانت تمشى امامي هدها الدهر حاملة في يديها سلة من سعف فيها بعض برتقالات تلمع بلون الغروب وسألتها : ياامي 00 ياامي الا يوجد هنا مكان للاكل ؟ وتوقفت ثم التفتت الي بوجهها الذي بدا لي كجبل متغضن ارتسمت عليه مواقيت البؤس والسطوه وحدجتني بنظرة مليئة بعواصف من رمل اخترقت بستان اخضر فجعلته رميما وقالت بصوت متهالك : هؤلاء بناتي ، واشارت بيدها المرتجفه الى ثمر البرتقال في السله واكملت بلطف : اقتات عليهن لحظة الجوع واعيش طويلا، وتناهى الى سمعي من سلة العجوز اشجار حزينه ذات اوراق خضر وغصون باكيه في خريف ثقيل صارخ بالوداع والموت وتصورت العجوز قطة كبيره حول صغارها ، تحميها بالقتل من الكلاب الشارده وتأكلهم بنهم في منظر ضاج بالقسوة والحزن 00 فما احتملت لحظات الخوف المتناثرة كغيوم رعب في سماوات موحشة وركضت هاربا من العجوز كمن يبحث عن ضياء بعيد في آخر النفق حتى توارت عن نظري وغابت في التلافيف 0
*** واقتادتني اقدامي الى شارع آخرتقبع فيه امكنة سافرة بروائح الليل والحنين والشجن في صدور مثقلة بالتعب كدمعة الفقد الشاحبة بالغياب ، دخلت الى مقهى قريب واقتعدت احدى كراسي المناضد الخشبيه الملقية في اطرافه بغير نظام 00 كان سقف المكان يلتحف باضواء خافته ، رجال ونساء يتحلقون على كراسي كثيره وكانت النظرات طيور سود تحلق في سماء زرقاء وتنقض على الغيم فيستحيل الى مطر من شواظ ولهيب في اراضي اليباب المترعة بالحريق والظمأ 00 وجاءني النادل ثمل و مهلهل الخطى يشبه شجرة عارية تهزها الريح واخرجت النقود من جيبي وقلت له بود : ماذا اشترى بهذه النقود عندكم ؟ وتطلع اليها ثم ارسلها الى انفه ليستنشق منها بقايا من نفح بعيد وقال : تساوى رغيف وزجاجة نبيذ وسيجاره، ثم امعن النظر طويلا في وريقات النقود كأنه يستنطقها وبدا لي في ضعف كعاشق انقض عليه وحش الغدر واحاله الى اشلاء ممزقة امام عيون حبيبته التي انسحبت عنه وتركته قبر من رماد 00 ونظرت الى عيونه الحمر اللتان كانت تبدوان كذئب اهرق دم فريسته ولعق لحمها الغض00 وقلت له : ارحنى بها من فضلك 00غاب النادل قليلا ثم عاد يحمل بين يديه طبق معدني عليه رغيف وزجاجة نبيذ وسيجاره تتراقص فيه بضع خدوش قديمه كما بثور صفر في جلد غزال جميل ثم وضع الطبق امامي بأسلوب فج ومضى يتهادى الى اصوت اخرى تناديه 00 تناولت الرغيف ورحت اطحنه في نهم 00 من يمتلك الخبز يستطيع ان يملك الاحرار والحب ، وصرخت بصوت مرتفع كما سيل جارف يسقط من عل : النار 00 يامالك 00 النار وجاء النادل يحمل في يده علبة ثقاب بلون جحيم مشتعل ورماها على المنضده وانزلق مسرعا صوب الآخرين 00
ورحت اشعل الرأس بكوؤس ممرعة بالصحوة وانفث سيجارتي واجر حريقها الى صدري في هيام بالغ حد الرعشه00 وتحلق حولي دخان كثيف في فضاء واسع كرائحة ظبي مشوي في صحراء شاسعة بلون الرحيل فتصدح في شراييني انغام جذلى تنـثال نحو حقول من ازهار بيض يحيط بها نهر باذخ بحيوات مزهرة بربيع زاخر بالبهجة ، وحلمت بنهد بطعم الشهد هارب من نار جائعة في حريق الجسد وتخيلت نفسي امير من فولاذ وحولي فرسان من غسق نسير نحو ثأر قديم واصواتهم البالغة العلو تخترق وجه السماء في فزع وكان القمر عجوز شمطاء تسحب بريقها الآفل في سواد سحابه والنجوم شموع مطفأة من اللظى المشتعل في الاعين الغضبى ، وحين وصلنا عتبة الضياء لم ار احدا وبقيت وحدي 00 وتصورت كأني اصعد الى سماوات شاهقة واطل على خراف موشومة بالذبح تفصل روؤسها انياب كلاب كثيره ، ثم رأيت نفسي كما عشب اخضر انهمر عليه سيل من جراد جائع فتركه يباسا مثل حلم عمر محترق ، ومرت بقربي امرأة زاهية النظر تتهادى في مشيتها مثل طاووس يبرق في محياه اطياف ريش باهروقمت من الكرسي اترنح ثملا بالكاد اقف حتى اسقط عليه كسفينة ذات الواح ودسر في بحركبير اجتاحها ليل كاسرفأغرقها حتى العمق ثم دفعها موج عاتي الى سطحه الازرق بقايا قطع من خشب و امسكت يدها التي كانت تبدو ناعمة كحليب ابيض وقلت : انت بضاعة جميله 00 سأشتريك بأغلى ثمن فتحت عينيها الناريه كسعير تلتهب تغيظا وزفيرا ثم بصقت في وجهي وصفعتني قائلة : ايها السكير الخسيس دع امك تربيك نزلا اخرى لتعلمك مخاطبة المحترمين والشرفاء ، فتهاويت على الارض وسقط وجاء من اقصى المكان رجل يسعى وقبل المرأة على جبينها وقال في ظفر : لك النصر ياحبيبه كنت في قلبي جزء من الطين والآن امتلكت قبضة الارض ، ثم ارسل نظره الى افق بعيد كمن يتأمل سحق نملة بقدمه قائلا : انت امرأة وقد ردت عليك امرأة مثلك ولا تستحق اكثر من ذلك ، ثم تعانقا وطوقها بذراعه ورحلا في الزحام 00 وتذكرت سمراء بلون الشيوكولاته وتراء ت لي آنئذ شمس زاهرة بالعفه مشرقة بالشرف تنشر ضياؤها الفسيح في فضاء ساطع بالعتمه ثم تسربلت بانحدار لئيم واصبح جسدها ملكا لرجال كثيرين ، ماتذكرت وجه اى وجه ( الا وسبقني اليه تاريخ الخيانه) لجهنم الف وجه ولكن حريقها واحد فاجتاحني غثيان مر في احشائي وتقيأت دما كأنما اتقيأ كل تلك الذكريات القذره العالقة في كبدي التي جمعتني بها 0
*** ثم خرجت مترنح الخطى اجر انكسار لاذع مثل اطلس هشمته صواعق ابرقت ضواري من غضب فأستحال رمادا 00 وامتشقت درب ضيق يلذعنى فيه الجرح كما حشرجة قهر في نفس رجل ضعيف وغرقت في بحرا من الظلمات وحيدا حقيرا حتى الثماله وكانت السماء جراح تنزف دماء شرسه وتغطي وجه الارض بسلالة من زلازل وبراكين ، ورحلت كأحتراق السجين بين جدران الالم وملء عيني الدموع ولون القلب حزينا 0
|
|
|
| | |