 |
قسم الحصن الاسود الطــــــارق |
الطــــــارق
استيقظ شاغر الصقر ذات ليله على قرع في باب بيته يعلو ويهبط مثل صخرة تنزلق من فوق منحدر فأنتابته رعشة خوف واكتست ملامحه علامات من ترقب للقاء لم يحلم به قبلا وتناثر على مسامعه شظايا لزجاج نافذة مكسوره ثم تخيل اليه كمن يرى ايتام يتباكون خلف جنازة بيضاء لا تحمل احدا ثم ازداد خقان قلبه وهو يتراىء له نحيب كلاب بيض في ليل اسود وعندما اشاح اللحاف من وجهه رأى الظلمات تحيط به من كل صوب فتسائل في حزن : ان هذا الليل لم يكن بهذه الصورة من قبل ثم التقط انفاسه وتلمس زوجه بيده اليسرى حتى ارتمت على نهديها فاعادها وحك شعر رأسه في قلق وحملق في زوجته وهي تغط في السبات فبدت له مثل جثة غريق لفظه البحر وقال في نفسه : اني احلم 00 انه حلم اللهم اجعله خير ، وعندما عاود النوم اعاد الطارق قرع الباب بلطف كما طقطقة قطرات مطر تسقط في ماعون فلم يلبث شاغر ان ازاح اللحاف ونهض بتثاقل نحو مصباح الحجرة الذي كان مفتاحه في مقدمة الباب وانزلق من فراشه حتى كاد يسقط في حضن زوجته مرعوبا ، كان السرير في وسط الحجره الممتلئة به فتلمس بيديه السرير في شيء من الحذر وراح ينساب خطوة اثر اخرى نحو الجدار الذي التصق به مثل ثعبان لتصل يده الى مفتاح المصباح الكهربائي كما اعمى يتلمس الاشياء ليسير مستقيما على الدرب ، اضاء المصباح المعلق على الحائط فتناثر حول الحجرة ضياء خافت يشبه تصدع بدايات فجر في العتمه ، اغمض شاغر عينيه هنيهات ثم فتحهما وهويرى اشراقة تفاصيل حجرته بوضوح وايقظ زوجته بصوته المتحشرج كزمجرة ريح عقيم في قعر بئر: الا تسمعين ياامرأة طرق على الباب ، تثائبت زوجته مثل خيل جموح اتعبتها المسافه وردت عليه وهى بالكاد تفتح عينيها : لا اسمع طرق 00 ربما انك تحلم ، لكن شاغر جلس قبالتها وانثنى على ردفيها بكلتا يديه وهزها برفق حتى جعلها تتكأ على مسند السرير ثم مسحت وجهها في كسل متعب وقالت : انت تحلم 00 لست بسامعة طرق على الباب ، قال شاغر : استيقظى ياأمرأة كوني واعيه ، استمعى الآن ، الا تسمعين طرقات على باب البيت 00 انزلقت صباح في السرير وغطت رأسها باللحاف وهي تغمغم : لا اسمع طرق على الباب ، اذهب وانظر من الطارق ، ربما انها الريح .. واعاد شاغر ماقالته صباح وهو ينظر الى جسدها المسجي مثل كفن وقال : ربما انها الريح .. ارتدى شاغر قميصه واتجه مسرعا صوب الباب وعندما فتحه ماسمع شيئا ولم يجد احدا وحين تقدم بضع خطوات الى الخارج وطئت قدماه ظرف لرسالة فأحس بها والتقطها منحنيا بيمناه وكانت ثمة اشواك بدأت تنغر انحائه ويخزه حزن مبهم لا يعرف مصدره وكان الليل يعج بالعتمه ويكدس غسقه في نواحي القريه مثل كتل رصاص مذاب يساقط من السماء حاجبا ابتسامة قمر فأخفاه ، اضاء شاغر مصابيح البيت فأنثال الضياء يكسر سواد الليل مثل كهف مظلم اجتاحه صبح لاهب وبدأت توغل فيه وحشة رعب قارس ثم انتابته حسرة كمد مالبثت ان انطفئت حشرجتها عندما فتح الرساله فالفاها خرقة بيضاء خالية الوفاض ثم تابع فتح الظرف في شغف ومزقه حتى القعر فأنتابه غضب جامح وتخيل اليه احد اصدقائه الثملى الذين لا يخفون هلوساتهم حين يسكرون لكنه ارتد كطائر ارتطم بجدار وتسائل في ريب : لكنه مافعلها معي ابدا ، ثم طمأن نفسه واستراح حين فسرها بالريح التي حملتها من قمامه في اقاصي بعيده مع احجار حملتها وارتطمت بها على باب البيت 00 وانداح وجه صباح مبتسمة له بصوتها العذب الذي يشبه رقرقة ماء زلال في نهر وتهادى في حناياه : ربما انها الريح 00 فأبتسم ولاحت منه التفاته الى نافذة الصاله فألفاها مفتوحة الصدر وقبض بعنف على الظرف والخرقة البيضاء وطحنها بكفه الايمن ثم تقدم بخطى وئيده نحوها ورمى بما في يمينه من النافذة فحملتها الريح بخفه كانت تمر حينئذ من بيته ناعقة نحو الاعالي مثل حشرجة بوم عجوز اتعبه السفر00 أحس بعطش يجتاح احشائه فهرع الى قنينة ماء مركونة بقرب من الجدار الصافن حوله فتقدم اليها باحثا عن كأس في ارجاء الصاله الذي فتح بابها واتجه صوب المطبخ وانار مصباحه ورمق كوؤس كثيرة ملقاة في مغسلة بنحو غير مرتب والتقط احداها وفتح صنبورة المياه وغسله من بقايا خبز عالق فيه ومشى بخطواته في شيء من الرفق لئلا ينزلق على البلاط اللامع من انعكاس الضياء عليه فتراىء له قبر مقلوب ينتظره تعوذ بالله من الشيطان الرجيم واغلق الانوار والباب ومضى يسكب الماء في الكأس ويدلقه في جوفه فسرت في جسده برودة القطرات المنزلقة من الكأس على صدره وامتزجت بالنسمات المتسربه من النافذة اليه في لطف ، اتجه صوب حجرة ابنائه واطلق شاغر تنهيدة ارتياح واستيقظ في صدره ابتسامات لعيون نضره وصعدت نحو السماء اشواق هطلت في دمائه وابل عشق 00 عاد وارتمى على اريكة الصاله ثم قادته قدماه الى حوش البيت فتذكر الرسالة والخرقة البيضاء وحاول التهرب من وسواس كهذا بسيجارة ينفثها كآخر حريق يلمسه ، ثم استدار متذكرا علبة السجائر في حجرته التي كانت مصباحها مشتعل والزوجة نائمة ، دخل الحجرة وفتح دولاب صغير بالقرب من تسريحة الشعر ملصوق بالجدار فأحدث الدولاب صوت صرير لذيذ ذكره بلعوب التهمها بالقبلات فأنهارت كنار جائعة تتلظى مثل ثلج يسقط في لهب ولعق شفتاه بلسانه متذكرا شفتاها اللتان كانتا تشبهان غنج شهد في صدر ورده فأمعن النظر في جسد زوجته وازال اللحاف عنها فاجتاحته رغبة عارمة في البكاء على صدرها وتهادى اليه من بعيد صوت زورق يغرق في بحر جارف حطمته امواجه وتناثرت اضلاعه في اليم فسرت في جسده رعدة عشق حين التفت الى صدر زوجته فبزغا نهديها المتكوران مثل عصفوران يغردان في وجع وجوع 00 بلع ريقه وتلمظ شفتاه وخرج الى حوش البيت حاملا علبة سجائره والثقاب صوب كرسي مرمي في آخره ارتمى عليه مثل عليل واشعل الثقاب فملئت صورته المكان مثل شبح منقرض تلاشت اشلائه حين اطفأ عود الثقاب واصطدم بالعتمه وجر حريق سيجارته كأصداء سلاسل تتشظى في سواد الليل ، تذكر شاغر امه ففاضت عيناه حين تصورها وحيدة وعمياء تقودها ايدي البؤس ، وتراءات له في بركان من غضب تستبيح مروجه الخضر فتحصدها يبابا وسيطرعليه بكاء طاغ من فرط الندم فرمى اعقاب سيجارته ودفن وجه بين كفيه وعلا نحيبه حد النشيج نحو السماء اللامعة بالانجم فلم يعره الليل وماوسق شيء من الشفقه وراح يقلب عينيه الدامعه في صمت الجبال وسكون الشجر وقال في اسف : سأسترغدا ماسلبته السنين 00 وبدا لشاغر ان الغد بعيد جدا وليس لهذا الليل من آخر، قام عن حزنه وودع الوجع وسار نحو حجرته يترنح مثل ثمل اطفأ المصباح الكهربائي وارتمى بقرب زوجه وراح في سبات طويل00 في الصباح الباكر حين داعبت اشعة الشمس روؤس الجبال والشجر وزقرقت العصافير في بهجة النور، ، ترامى في الافق ضجيج حزن في نواحي القريه وهرعوا حول بيت شاغرالصقرعلى صراخ صباح المر زاعقة بصوتها الجاف وارتمت مفجوعة القلب 0 غاب شاغرالصقر وحين حملوا نعشه نحو مثواه الاخير كانت الريح شجرة حزينه مورقة الدمع تخايل نظرات خريف غاضب يكتسحه اشباح بيض غارقة في انتظار ليل عابر و عندما عاد الناس من موارات شاغرالصقر في قبره ، كان البيت يضج في حزن عارم وفيه امرأة متوشحة بالسواد طاف عليها ذاكرة رجل راحل وتصورت الغروب الساكب شفقه في جسد السماء مثل خضة عشق تحت اسفار رجل آخر 0
|
|
|
| | |