Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/init.inc.php on line 55

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/init.inc.php on line 56

Deprecated: Function split() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 268

Deprecated: Function split() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 271

Deprecated: Function split() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 271

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/members.php on line 227

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 29

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 29

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 29

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 29

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 29
المجموعات القصصية للسلطنة الأدبية
  
 

قسم قصص متنوعة
في الوجوه التي رأتها ريا الغريبة
تاريخ الإضافة: 24/08/2009 رشح | إهداء

في الوجوه التي رأتها ريا الغريبة

(1)
في الوقت الذي كان فيه قرن الشمس قد بان أبيض من غير سوء ، كان هو يقرع بابها للمرة الثانية ، برهة ، وعندما انشق وجه الباب عن شطر ملامحها المنبسطة قوم من انحناء ظهره ، رفع يده وهم بقول شيئا ،  لم تمهله ليلقي ما على لسانه من هواجس جديدة تمتمت له بجملة يتيمة
- ما في فايدة أبدا .
علقت العبارة كمسمار دقيق وحاد في مؤخرة رأسه ، ابتعدت عن شق الباب ، كادت أن تختفي ، تراجعت حينما رأت تسمر ظله على مدخل بابها ، أعادت بتؤدة مشفوعة بتنهيدة وبنَََََفس حملته ذات النبرة
- - البنت راسها يابس ، ما في فايدة أبدا .
خرس تماما ، لاإراديا  مد يده المرتجفة إلى  جيبه وأخرج عشرين ريالا ، هزها أمام عينها باستجداء قاتل ، أهملته تماما ، ، كان انعكاس ظلها على جدار البيت قد غادر ظلف البيت العتيق . سمع وقع خطواتها طويلة وثقيلة على الحصى الذي فرشت به باحة دارها.
في طريق قدومه إليها  كان الطريق أمامه عريضا ومفروشا بالتراب الذي أنضجته حرارة الشمس الرابضة أعلاه سمائه في أغلب أيام العام ، وعند أول انحناءة جهة يده اليمين كان يقع بيتها ، واسع وتعبق به رائحة لا يستطيع أحد أن يحدد ماهيتها ، الجميع متفق أن هنالك رائحة وأن تلك الرائحة تكاد تعيد الذهن إلى الماضي السحيق أو تحمله في أحيان  إلى ما سيأتي حثيثا في حياة من يشمها  ، ولكن لا أحد يستطيع أن يشبه تلك الرائحة برائحة شيء يعرفه تمام المعرفة ، إنها رائحة تشبه كل شيء وأي شيء قد يخطر بالبال . وإن سماها العابرون بالبيت  في أزمان عديدة برائحة الروح المغصوبة التي تبقى هائمة في الكون دون مستقر تأوي إليه ،و فيما شبهها  من عرف السفر و الترحال من أهل الحي برائحة الغربة التي تلتصق بالروح فتصبح ثقيلة ولكنها تمنحها الصمود والقدرة على العيش الضنك مع تتالي وقع الحياة . هو وحده من كان جازما أن تلك الرائحة تشبه رائحة "ريا الغربية " ومن قبلها كانت تشبه رائحة والدها ممتزجة بروائح الأجساد والوجوه التي مازالت تتقاطر على هذه الدار منذ أمد ليس بالقصير ،إنها رائحة عطر أجساد البشر الأولى  التي خلقت ووجدت معهم  ، وكأن تلك الأسرة قامت في الخفاء ودون إحساس متعمد منها بأخذ شيئا من طبيعة الوجوه التي تعاملت معها ومنحتها بالمقابل  شطرا من اهتمامها ، فأضحت الرائحة بتتالي الأيام غير محددة الملامح والسمات إلا بصوت رجل غيبه الأجل المحتوم وصورة امرأة جلست في مكانه بعمر جاوز الأربعين بخطوتين تزيد أو تقل قليلا .

(2)
" ريا " التي نهضت باكرا هذا اليوم ،اقتعدت منتصف غرفتها منتظرة بوجل طفيف ومتوقعة بين لحظة وأختها صياح ديك جيرانها لتبدأ أعمال يومها بهمة باتت تشعر أنها سحبت منها بمرور السنوات ، لاح لها مع الصمت المطبق للكون صيحة الديك الأولى وهي لحلابات اللبن فكل امرأة تملك بقرة ستجدها أوفر حليبا مع هذه الصيحة وبعد فترة وجيزة كان صوت أكثر وضوحا في الصيحة الثانية قالت ريا في داخلها
- صيحة لجامعات الحطب .
فكل نفس طيبة إذا خرجت تجمع الحطب من قمم الأشجار اليباب  مع صوت الديك الثاني ستكون أوفر حظا في الحصول على أجود أنواعه ،كهذا قالت "أم ريا "منذ زمن بعيد وهكذا صدقتها "ريا"  وبل وجعلت من ذلك - منذ ذلك الوقت - ناموسا لا تحيد عنه في حياتها ، ورغم أن "أم ريا " ماتت منذ أمد ليس بالقصير بسيرة عطرة ،وحياة سوية ،ورغم أن" ريا "آمنت بالموت سلطانا جبارا وظالما لا يسعها أن تسأله كيف ؟ ومتى ؟ إلا أنها ظلت مطمئنة النفس أن هنالك أرواحا يتناسها الموت حتى تطلبه حثيثا . وأن روح "عيسى " من بين كل الأرواح والوجوه التي عرفتها ستظل بينها وبين التراب الذي يؤول إليه الناس جفوة إلى أجل غير مسمى ، وعندما نهضت ريا زاد اقتناعها  بكلام أهل حيها من الأرواح لا تبقى ملتصقة بالأجساد إلا إذا كبلت بالخطايا ، عندها تتدنس وتفقد عذريتها الجميلة ، تأخذ صفات الجسد الفاني ،وتصبح ثقيلة كالحجر الصلد ، وإلا كيف يبقى " عيسى " وقد تهدل وجهه بجريان ستين  عاما جرفت معها أنضر أيام من حملهم على كتفه صغار!؟ا  . وكيف يموت زوج "مريم" و ما زالت  فرحته بميلاد ابنته الأولى  لم تكتمل ؟!.
في ذلك الصباح –وكعادتها -  تجاوزت " ريا " مداخل بيتها لتصل إلى زريبتها استعاذة بالله من شيطان نفسها الذي بقي يوسوس لها حول "عيسى " ويفتح لها باب جديدا كل كلما أغلقت الأبواب الأخرى ، فتحت باب  الزريبة بحذر ، و في ضوء مصباح خافت تحسست ضرع بقرتها ، وعندما شعرت به يفيض عن قبضة يديها كادت أن تبتسم رغم الانقباض الذي ملأ قلبها منذ البارحة ، ضغطت برفق على الضرع ، تدفق الحليب دافئا وبرائحة نفاذة ، حلبت بتأني ، شرد ذهنها للحظة ، أفاقت بسرعة ،كان الإناء قد تشبع باللون الأبيض ، تناثر قطرات الحليب على أطراف الإناء أمامها أصدر صوتا خافتا ، همت بإنهاء عملها وبين اعتدال قامتها وانثنائها عصرت الضرع الضامر ، نفرت البقرة من حركة يدها الأخيرة ، انسكب الحليب وشربت أرض الحظيرة السائل الأبيض بدا الزبد طافيا على التراب الرطب ، شهقت " ريا "بصوت مكتوم ، ضربت على فخذها بباطن يدها وقالت
- خير ! اللهم اجعله خيرا .

(3)
كانت رائحة القهوة قد بددت آخر ذرات الرغبة بالنوم في رأس " مريم " ، رائحة حبات الهال المطحونة والغارقة بين مغلي البن قد نفذت في المطبخ الصغير المتصل بممر إلى غرفة نوم ، خفضت على النار تحت القهوة ، أطلت على باب الغرفة بانت قدم طفلتها رقيقة وصغيرة تحت أغطية فراشها ، في الغرفة المجاورة سمعت صوت انسكاب الماء ، كان أخوها ، لم ينم البارحة ، شعرت بحركته على السرير طوال الليل ، مددت جسدها قليلا بالقرب  من ابنتها ، في لحظتها كانت تفكر كالجرذان  في الأوكار العميقة تبحث عن الظلمات المتراكمة ، عن العمق الذي لا تصله حتى بشق الأنفس ، هزت إصبعها الوسطى مرارا كمن يستنطق شيئا عظيما  ، كانت كلما عادت إلى حديث والدها  تعمد إلى هز إصبعها الوسطى ، لم يقل لها ما كانت تسمعه من الناس دائما من أن المصائب تأتي متتالية وإنما أعاد عليها أن المصائب تأتي ثلاث متتالية ومتناسقة من نفس الحجم ،ولم تتوقع أن تكون المصيبة الثانية أن تقف في المحكمة ، تململت في سريرها عندما تذكرت ذلك ، ما أشعل النار فيها أنها كانت السواد الوحيد واللافت في تلك القاعة والأكثر ألما أن الوجوه التصقت أكثر بظهرها عندما أجابت سؤال القاضي بتجرع ريقها في حلق جف تماما من الكلام ، كادت أن تتلاشي من جسدها ، رددت  فوق سريرها بكل جرأة افتقدتها في قاعة المحكمة ،
- لم أفعل ولست أنا ، اشتبه الأمر عليه ولا ريب .  
دلت أقدمها قليلا خارج السرير بان استواء جسدها وشبابه ، كان الترمل في سن الحياة مصيبة لا يمكن أن تضاهيه مصيبة إلا عيش الحياة ذاتها ، لقد مات زوجها منذ عام واعتقدت حد اليقين أن ذلك هو حصتها المقتطعة من الدنيا ، فبالنسبة لها الوجود مجرد حصص من الشقاء ولحظات الفرح وأن هذا الأخير سيكون دربا شائكة في وجهها وجه ابنتها ، والأدهى- لامرأة مثلها -  أن تعيش لهيب الانتظار لأمر يبدو غائما ، فمعرفة المصيبة تخفي قلقل الانتظار المقيت وتنهي نيران العجز اتجاه الغيب الغير أليف .
قطعت خطوات أخيها حبل أفكارها الممتد طوليا في عقلها قال لها باقتضاب
- صباح الخير .
ردت عليه بغمغمة غير واضحة ، لم تتصور أن تدعمها أسرتها بكل تلك القوة ، أن ترسل أخيها في مساندة غير معلنة لها لما عزمت على فعله ، لولاه  لما تحركت لمشوار هذا الصباح ولبقيت تتنفس من الفراغ حولها بحرية مكتومة ، ستعالج جرحها بالملح والاكتواء إلى أن يجف نزفه بين ردهات الزمن قلقت عليه بعد أن غادرا المحكمة شعرت أن عروق يده ترتجف بارتعاش قاتل وأن النار في داخله قد تحولت إلى جمرة دم في مقلتيه ،  رأته يقترب ليصب له فنجان قهوة ، أطفأ النار تحت ركوة القهوة ، ذابت الرائحة التي أيقظتها ، أدركت "مريم " أنه لا طائل من استدراكات حديثها ، فهي  تجعها تلوم نفسها المنهزمة ولا تقيها من الانغماس في حسراتها  ،عادت وهزت أصبعها الثالثة بسر وفي بخفوت وهي تمسد باليد الأخرى شعر ابنتها .

(4)
في تقدير " ريا " مر أكثر من مائة عام منذ استوطن أهلها هذه البقعة من الحي ، تتذكر " ريا " من كلام والدها أن أجدادها أ ظلوا يجوسون خلال الديار إلا أن استقرت بهم عصا الترحال في هذه البقعة من الأرض ، وعندما استأنسوا بالوجوه وبشاشتها بنوا هذا البيت ذي المساحة المترامية .
و الدار التي تقطنها وأولادها الشباب لم تتغير هيئتها إلا بإضافة حجر مكان أخر أو ترميم جدار من نفس نوع وشكل الجدار الذي سبقه .ومع أن "ريا " آنست بالدار راحة كبيرة- لم تشعر بها حتى في بيت زوجها المتوفى منذ ما يقارب العشر سنوات -   إلا أن أماني أولادها بالانتقال وتغير مكان سكنهم كان هاجسا جديدا أضيف إليها.
 وكان أعز ما على قلب "ريا "بين جدران تلك الدار الوجوه التي مرت عليها ،  وهي لا تحصي عددا لها  إلا أنها كانت تملك ذاكرة صحراء بأن تجد لكل وجهه علامة مميزة تجعله لا ينطبق مع أي وجه آخر، وفي ليالي عديدة استطاعت أن تسمع والدها يقول بمعنى قريب
- أن وجوه الناس تضع علامة في نفس كل من يقترب منها فإما أن يرتاح ، أو يبقى في داخله قلق لا ينتهي .
وذلك ما جعل "ريا الغربية " تهز رأسها مؤمنة على ذلك الكلام ،  فأبوها كان صاحب شفاعات حسنة يقف بين الجموع  بالوجه البشوش والكلمة الطيبة لتين القلوب التي قاربت من التحجر ،ولا ريب أن ذلك يتطلب قدرة تفوق قدرة البشر بدرجة إن لم يكن أكثر .
ومنذ أن حلت محل أبيها  أدركت "ريا " أن والدها الذي تعطر كفنه بأدعية المشيعين له بالرحمة والمغفرة تحمل كفلا من شفاعاته إذ أن الشكاوي كالحطب اليابس  يبدو مسالما ولكنه يتحول – مع مرور الأيام وكثرة الاحتكاك به -  إلى شفرات حادة ومحماة على نار  الاستماع في الآذان .
منذ أن ترملت فرشت "ريا " في منتصف دار والدها الحصير الذي استقبل عليه الناس في حياته، وفتحت باب الدار واسعا لكل كلمة طيبة قد تخرج منها .  ورغم أن الناس ألحقوها بأمها فسموها "ريا الغريبة " – والتي لم تكن من مشرب أهل الجبال ولا من أرضهم - إلا أنهم ارتاحوا بقين تام إلى أن " ريا " ورثت شيئا غير قليل  من قدرة والدها على تقديم الشفاعات والوساطات فيما يستعصى عليم حله من أمور دنياهم وارتاحت هي في قرارة نفسها لسير خط حياتها في هذه الاتجاه ولم تغلق الباب المفتوح إلا في وجه "عيسى"  وان عادت وتنازلت واستمعت له من وراء حجاب حبا في مريم وأولا وبرا بقسمها بأن لا تشفع لظالم ،وعلى وجه الخصوص هو إلا إذا جاء معترفا بذنبه ثانيا .

(5)
في المرة الماضية دست لها مريم في أذنها جملة ومضت
- أريده أن يعرف أن القرية ليست ملكه .
وعندما أولتها ظهرها كانت " ريا "تدرك أن ما تفعله كان من أجل خاطر من في هذا المنزل  لا أكثر من ذلك ، أما هو فلا  يمثل لها ولأهل هذا المكان سوى حجر عثرة يجدونه في كل طريق يسلكونه .
في لحظة عادت "مريم " بالقهوة والتمر ومرح طفلتها حولها ، لم تستطع " ريا " ألا أن  تقبل بهدوء وغبطة الحماس الذي تحدث به شباب "مريم " واندفاعها ، خالت - لحظة الخروج من بيتها - أن كلمات" مريم"  تتلبس كل شيء على البسيطة وأنها هي "ريا الغريبة "التي طالما كانت ميزان عدالة لا يبصر ،و لا تميل كفته إلى إلا الحياد ،كان ميزان مشاعرها في تلك اللحظة في فاقدا للاتزان بجانب"  مريم " وأنها تحرضها من حيث لا تدري على أن تذهب إلى المحكمة لترد ليس اعتبار ذاتها فقط وإنما اعتبار الأحياء والأموات الذين نالهم ظلم " عيسى " من كل الاتجاه .
هذا الصباح وبعد أن غطت " ريا " الحليب بقدم متحسرة ، أنهت أعمال بيتها هزتها روح والدها بعنف وأرادت أن تعيد الشفاعة التي دأبت أن تصفها بالحسنة .
وضعت قدما خارج بابها  شعرت بأن خطواتها القصيرة والمصوبة إلى بيت "مريم "مقيدة وأننا كبشر نهدر كرامة أبناء آدم  الذين رصفوا لنا هذه البسيطة من رميم عظامهم ومشاعرهم ، ولوهلة عنَ لها أن تجمع " مريم " بين يديها ، هذه المرة وأن تطلبها من أجلها لا من أجله بأن تتخلى عن المحاكم والقضايا .
- ترى الدنيا ما تسوى يا بنتي .
قدرت أن " مريم " ستسكت في صمت غير مفهوم ، وأنها ستنتهز ذلك لتكمل
- الله راح ياخذ حقك وحق كل مسلم منه ، إذ هو يقول إنك أخذت فلوسه ، فالله ونحن نعرف إنك بريئة .
من صمت " مريم " ستشعر عناد امرأة مطعونة في كرامتها بحدة
- أنت ما الوحيدة اللي وقفت في المحكمة ، وعيسى رجل مخرف ، احتسبي الأمر عند ربك ، واحسبي "عيسى " مثل جدك  .
 ستلاحظ طيف مقاومة قليلة عندها سترفع بنتها في وجهها ،
- وغلاة وراس هذه الغالية . ورحمة أبوها .
في وقتها ستحين التفاتة من "مريم " إلى أخيها .
- وراس أخوك ولد الأصل هذا . وخاطر أمك "ريا " .
 ستكون لحظتها قد قضت على أخر خيوط المقاومة لديها ، ستضرب كل عصافير العناد  التي تغرد في أشجار ذلك البيت  ، تعرف"ريا "معدن تلك الأسرة وطبعهم المتسامح ، تبقى نارهم متأججة ،  إلا أن رمادا باردا سرعان ما يحكم العقل .فيطغى التفكير المتأني على ثورة الأحاسيس الجامحة . 
 
 (6)
عالج القفل بفم المفتاح في يده ، فتح "السحارة " أمامه ومن تحت كومة ملابس بالية أخرج سيفا عتيقا ، ومن الجانب الآخر أخرج سلاحه كانت بندقية قديمة ، نظر إلى أرث عائلته والذي كان الشيء الوحيد الذي سمح به في لحظات رضاه أن يتناقل بين الناس ، في أعراسهم وأحزانهم ،" مريم"نفسها كانت قد أخذت سيفه مرتين ، مرة وضعت عند رأس طفلتها الوليدة لتحميها –به وبالملح - من الحسد ومرة عندما مات زوجها لتبقي روحه مستقرة في مأواه الأخير.
ترك " السحارة " مفتوحة عل آخرها ،أثقلت يداه بإرث العائلة فأخذ يحدق في الفراغ أمامه ،   منذ غادر دار "ريا " وأمر يعتمل في صدره أمسك زمام نفسه حتى اللحظة التي استطاعت فيها "ريا" أن ترده وأن تبقى الورقة النقدية ذليلة في يده . عاوده صوت المارين به بتعمد - كما قدر – وترديدهم  في كل مناسبة  كلمة
- حرمة  .
في داخله عاوده الشعور استوطنه منذ فكر في "مريم " وفي اتهامه لها شعر بأنه غير صالح لأي شيء حتى لأن تقبره الأرض في إحدى زواياه ، توسد السيف واحتضن سلاحه الوحيد ، ففي كل ليلة درج أن يجلس مع نفسه ساعة أو بعض ساعة وكان من الممكن أن تندثر مثل تلك العادات في داخله لولا أنه ظل منذ وقت مبكر من حياته يفترش  جسده يقتات  من عمره وحيدا وحتى  حين استظل بامرأة أخذت تنهش  منه بنهم ودون رحمة  ثم تركته كخواء جذع عتيق .
انكفأ على نفسه بصمت رهيب عندما  اكتشف – يوم المحكمة – أن تلك المرأة جادة في تهديدها له وأن الأمر ليس مجرد ثورة مفتعلة لاسترداد كرامة مسلوبة و أن الضلع الذي خلقت منه " مريم " لم يكن أعوجا بالدرجة التي تجعلها تصبح كالباقي فترضى مذعنة وصاغرة بشروطه المعروفة سلفا .
تقلب على الجانبين من جسده تذكر "ريا " التي قالت له ذات مرة من وراء حجبها  بأن معيشته تشبه معيشة الشيطان ذاته . وبأنه  يتهم الناس زورا  في مقابل عشرين ريالا يأخذها ليسقط تهما نسجها في أحد أحلامه . وقالت له " ريا"  بتحد قتله
- إذا كان الناس يخافون دخول المحاكم ، خلي في علمك أن "مريم " ما تخاف المحاكم .
كان قد اضمر في نفسه – صباح ذلك المساء – إن لم تفتح له ريا بابها فأنه سيفتحه حتى بماء روحه ولن يبقى الباب حاجزا ، لعل "ريا " تواصل نثر كلماتها والتي يصدقها الجميع قبل حتى أن تنطق بها صراحة  أو لعلها  تقوم عزيمة امرأة مثل "مريم"  بالاستناد إليها في إدخاله إلى أبواب المحاكم  ، ليزيد الناس من مص شفاههم ويعيدون وهم يهزون رؤوس استنكارا
- حرمة  ؟!
اختمر أمر ما في خياله ، شد سلاحه أكثر إلى صدره الضامر ، فتح عينيه  على اتساعهما ، فاجأه أن لا ضوء قريب منه ، أنتظر "عيسى " نور صباح الغد ليرى الناس شيئا جديدا لم يروه في حياتهم في هذا الحي .  

 (7)
كان الصباح الجديد  رشفة حياة في ضمير " مريم "، خرجت وقد امتلأت نفسها بالقناعة التامة بما عزمت القيام به ، كان أخوها يجاورها وطفلتها ما تزال شبه غافية على كتف خالها ، راقها أن ترى ثوب ابنتها أبيض وجميل ، بدت لها كحورية رائعة سرقت من حلم لم يكتمل .كان تفكير " مريم " قد هداها إلى أن تضع ابنتها في عهدة " ريا " إلى أن تعود من المحكمة  .ساروا خطوتين ووقفت ، كان وجه " ريا " المواجهة لها ساكنا وطيبا كما عهدته .

(8)
في الطريق إلى بيت مريم  استزادت ثقة " ريا " في حجة الشفاعة التي ستقدمها ، عيسى سيدفع لأول مرة في حياته بعد أن أجبر الناس على الدفع له لوقت طويل ، وأن ذلك سيشعر مريم بالظفر وهي المرأة الأرملة المسكينة ، كان الإيمان الكامل يسري في وجه ريا بأن "مريم " شكلت مفترق طرق وأنها نالت ما تريد وأن الهدوء الذي كان قبل هذه الحكاية سيعود يشمل النفوس قبل البيوت هنا .
                                    
(9)
وفي ذات الصباح وعندما غادر" عيسى"  بيته شعر بمرارة الضياع ، كان كرجل يلتقط آخر الأيام من درب وأنه لو حافظ على صلابته الأولى لوقف في وجهها ولما خاف من عبارته
- لو حضر إلى المحكمة لأكله بعظامه أمام الناس .
ترك سيفه في موضع وسادته سار معلقا سلاحه فوق كتفه .

(10)
في ذلك الصباح وعندما التقت العيون ، كانت عيون "عيسى " أكثر انطفاء وارتباكا ، وكانت عيون " ريا " غارقة في ذهول بالقرب من آثار خطوات المتجمعين حولهم ، بينما عينا "مريم" من بين كل أعضاء جسدها جامدتان على اللون الأحمر المتفجر و المختلط ببياض الثوب الصغير .



قصص متنوعة

حب ....خرافة ....بحر
سأخون ذاكرتي
حكايتي اسمها مريم
القايمة
شيء من رمضان

بيت البرزنجي
سأخون ذاكرتي
حكايتي اسمها مريم
القايمة
الجدة فاطمة

الشعراء الدواوين القصائد

Powered by: kahf diwan Version 2.1.0 Copyright ©1999-2025 www.alkahf.net