Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/init.inc.php on line 55

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/init.inc.php on line 56

Deprecated: Function split() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 268

Deprecated: Function split() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 271

Deprecated: Function split() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 271

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/members.php on line 227

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 29

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 29

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 29

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 29

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 29
المجموعات القصصية للسلطنة الأدبية
  
 

قسم قصص متنوعة
شرقا جهة...... أبو راشد العود
تاريخ الإضافة: 24/08/2009 رشح | إهداء

شرقا جهة......... أبو راشد العود
 
يتكلم  جدي " محمد بن صالح " ووجهه معقود إلى  الشرق ، جهة الشمس العظيمة ، بأنه دأب عبر العشرين سنة الماضية على الاستظلال بالحجر ، رأيته يعلق أحداقه إلى الجبال ، المكان الذي يغزو قبله ويبقيه كائنا جديدا ، ويشعره بأنه يسمو إلى الأعلى ، إلى  السحاب الأبيض ، وكلما شاهد التقاء جبلين شهق بحسرة وقاده الحنين إلى موطئ أقدامه العتيق،كان  إحساسه يعظم بأن هنالك حياة متواصلة تدب بتفان عجيب  بين الصخر الصامت .
بعينين متقدتين يخرج " محمد بن صالح " عصاه العتيدة ليصل إلى ذاته ، يشير إلى رأسه ليخبرني أن لا شيء يموت في ذاكرة الجبال ، لأنها تبقي كل ما تراه وتسمعه بين طياتها ،و يقول بلهجة خبير متمرس
- معهم هناك ، ستلقى تحت كل حجر وجها ، وحكاية .

 ولأنه أخبر " أبو راشد العود " عن كل شيء حدث معه ولم يخفي عنه حتى دبيب الحزن الذي غزاه في آخر زياراته إلى قرى الجبال ، تصور بعمامته البيضاء الصغيرة أن حكايته لا بد أن تكون ملأ الأفئدة في تلك القرية والقرى التي حولها إذ أن " أبو راشد العود " رجل لا يستقر له مكان لأكثر من شهر حتى يبدأ حجه إلى المناطق البعيدة ثم يعود بخبر مبهر لم يسمعوا بمثله من قبل  .

دار في فكر  " محمد بن صالح " وهو قاعد أسفل جبل ،أن وجهه " أبو راشد العود " ما يزال طريا ولم تغيره السنون ، رغم أن له من الدهر ما يقارب المائة عام أو يزيد  وأنه يبدأ الحكاية في الليل هنالك ، حيث السماء سقف مزين بالنجوم والقمر والنسائم الباردة .وحيث للناس نفس سمت الهدوء والاتزان وقوة الذاكرة التي تمكنهم من اختزان كل شيء ونقله لمن يخلفهم على الأرض  .  و حكايته حين يحيكها بنسيج حروف متقاربة تشبه ألوان الجبال المتدرج حتى أعمق مناطق الروح ،والتي  تبهرك بجمالها الفطري و الذي يبقى ملتصقا بها بعناد في وجه تغيرات المناخ . يتلو حكايته كمقاطع صغيرة ، متنقلا بين المجالس والبيوت ، وبين أكثر من ارتفاع وانخفاض في سطح الجبل ، ومن ثم يستظهر النقش الذي حفر في حنجرته بين الرجال والنساء عندها يحتمل كل حرف ينطقه فهمين لدى السامع فهم للكلمة المجردة المنطوقة  وفهم آخر لحركاته وسكناته غير المنتهية 
 
ينظر " محمد بن صالح " جهة نقطة التقاء جبلين ويرفع يدا ثابتة نحو جبينه  ليغطى  عين الشمس الدافئة فوقنا ويقول بروية كبيرة من أنه يعرف كما يراني  الآن أن مما رواه "أبو راشد العود" عنه - دون إسهاب كبير-  وهو في مجلس الرجال و نسبه – تحفظا- إلى حديث سمعه من مَن تبقى من الأصول الأجيال المتلاحقة ، أنه جاء في الأثر غير البعيد أن الرجل الذي كان يغشاهم مرة مطلع كل شهر عربي كان يسمى " محمد بن صالح " ، ويصفونه بتشبيه برجل من أهل الجبل عندهم يسمى ب" أبي عبد الله الطويل " على أنه طويل القامة ، أسمر البشرة ، بهي الطلعة ، يخلط كلماته بملح المزاح ومن عاداته التي أشتهر بها أبا عن جد كما أخبرهم بها في أحاديثه الكثيرة أنه ينتقل من قرية لأخرى ، ويبيع ما يحمله على ظهر حماره من أمتعه يجلبها من المدينة الكبيرة ، وأنه بمرور الأيام  - وتردده عليهم للبيع أصبحوا  يدعونه " بالمطروش ".

 وأنه كان ينتظره الرجال فيهم مثل النساء ، ومن ديدنهم  اتجاه أنهم لا يستأثرون باستضافته بل تقتطع كل أسرة حصة من طعامها له في مدة الأسبوع الذي يقضيه بينهم .

وكان " المطروش"  - على مدار الأعوام التي عرف بها طريق القرية -  إذا جلس بقرب شيخهم يأخذ جانب اليمين حتى يصبح قاب قوسين أو أدنى منه وعن يساره يجلس الرجال الأكبر سنا وثم الذين يصغرونهم ، وأنهم كثيرا ما سمعوا بين الاثنين حديث التلميح الذي لا يفهم جله وأن كانت الشائعة التي بقيت تتداول بالكتمان كانت تقول أن  شيخ القرية جعل " المطروش " موضع سره  حتى أنه استشاره، عن دواء لمرض يصيب الرجال في مثل سنه ولا يجدون جرأة صغيرة للبوح به أمام أي إنسان مهما كانت  درجة القرابة وأن " المطروش " ذاته أثبت للشيخ بأنه جدير بتلك الثقة ،فلجم لسانه ولم يتقوه بكلمة واحدة وإن أكد بعض من حضر ذلك المجلس أنه دس في جيب ثوب الشيخ في ذات زيارة حبات من  لون لم يتبينه وإن كان الشيخ قد نظر إليه برضا . ويكمل " أبو راشد العود " أن "المطروش " ضحك في مجلس شيخ القرية في تلك الزيارة  ووعده أن يحمله ليرى جبالا من أمواج البحر بشرط أن يهديه الشيخ جبلا يزرعه في أرض قريته المنبسطة بوداعة .إلا أن زيارة " المطروش" الأخيرة  انتهى بجفوة حادة بين الرجلين ، رافقت الشيخ إلى مثواه الأخير وقطعت دابر خطوات حمار "المطروش"  " نهائيا عن أرض الجبل .

ترتاح ملامح جدي " محمد بن صالح " وهو يسعف ذهنه في حياكة أخباره المدفونة على ارتفاع لا بأس به من الأرض ، ففي جهة الشرق ، جهة الشمس الحاضرة الغائبة تبقى الحكايات طازجة ولم تمسها يد الأيام بتشويه كبير، وكأنها  تستيقظ كل صباح مع مداعبة أول الخيوط الذهبية لها ، وتصبح كشاهد عيان يتحدث بحرية تامة في أذهان أهل الجبل المخلصين عادة للأحداث التي تمر بهم وتحرك شيئا من سواكن الأماكن هنالك .حتى " أبو راشد العود " ظل محتفظا بإعزاز رأس كل جبل تسلقه ، يكفيه كما كان يردد بين كل رحلة وأخرى أن يرى الأشياء في قاع الجبل صغيرة ليعرف بأنه يتملك السماء وما جوارها . 

والبداية التي لا ينساها جدي كانت  بين قاعدتي جبلين منفرجتين في انحناء صغير حيث كانت القرية الصغيرة تقع ، في أول الأمر  لم يلمح " مجمد بن صالح "  إلا بيوتا من الحجارة المتناثرة وحينما دقق واقترب قليلا لاحظ أن هنالك صوت الماء المتدفق ثم شاهد حركة للناس والماشية وقدر بعين متفحصة أن أغلب سكان هذه القرية بقوا على طبيعة الخليقة الأولى لم يشاهدوا إلا مناظر الحجر والنور الساقط عليهم من السماء ، أنهم إذ نظروا إليه لأول مرة لم يسعهم أن يخرجوا نقودهم الفضية القليلة في الأساس ، وإنما عرضوا عليه مقايضة سلعته بالعسل والسمن وحبات التمر الجافة .وبعدها سلكت قدماه على الصخر ، وأصبح يعرف أهل الجبل كما يعرف أبنائه . 
 

في فترات أصبحت تتباعد الآن يلح علي  جدي لأن آخذه إلى ظل جبل يعيد فيه  اكتشاف أشياء غابت عنه في شبابه ، ويحكي لي وبتأكيد لا تشوبه شائبة أنه في صباح اليوم التالي يكون " أبو راشد العود "  قد أمسك بزمام الحكاية كليا وحين تتجمع له ثلة من نساء الجبل ، يبتسم وهو يمد يده إلى حبات التمر التي أحضرنها ، يسمع حفيف همساتهن وهو يراقب مشاهد اللهفة في عيونهن الواسعة لسماع ما تبقى من الخبر الذي بدأه ليلة البارحة ، وأن بياض الوجوه فيهن يكاد يتحول إلى حمرة قانية تكاد أن تفجر بإلحاح متواصل ، تتعالى الهمسات إلى كلمات متقطعة ثم إلى صمت مطبق وهن يلمحنه يدفع بفنجان القهوة إلى فمه ، يتنفس الصعداء يهز الفجان بين أصابعه  ويضعه في يد من سكبته له ويقول باتسام زائد 

- أحسنت .

 يكتمل الخبر بلسان جدي ، حيث يقول على لسان " أبو راشد العود " " في الأيام الأولى كانت الحجارة قد أدمت أقدام المطروش ، بينما كان يتعجب من أن أقدام النسوة هنالك وهي تتراقص على الحجارة وكأنها تسير على الحرير خالص، من حركة أجسادهن يعرف أنهن يردن  أن يصل إلى لب الخبر وأن  يكمل ما سمعنه البارحة من أزواجهن ، يغير من هيئة جلسته ويخبرهن " في المساء وقبل أن يجلس " المطروش " في صدر مجلس الرجال يكون قد نشر عن طريق " غنية بنت جمد " أنه أحضر بضاعة لم تر نسوة القرية مثلها قط ، والنساء اللاتي تركن آذانهن مفتوحة على اتساعها لكلام " غنية بنت جمد " عدن لنشر رائحة الأسرار بينهن وذهبن إلى "المطروش"  يدفع لها شيئا من ربحه وأنه فوق ذلك عين له في كل قرية يحل بها امرأة تشبه " غنية بنت حمد " .

-" غنية بنت حمد "

نطق جدي " محمد بن صالح"  اسمها مقطعا ، وبتؤدة كمن يتذوق طعاما حلوا يبقى طعمه  حتى آخر الحلق ، يداعب قطعة صخر " يخبرني أن الجبال تعجن النساء كما تخلق الرجال ، و"غنية بنت حمد" سرب طير مقدام تدرك كل شبر في أكنان الجبال ، كانت قد  سبرت الأيام جيدا وهي في مطلع الشباب ، فكرت تلك المرأة وحسمت أمرها وفعلت ما لم يفعله الرجال ، ففي الزيارة الثانية لجدي أتته تسحب غطاء رأسها الذي الممتد إلى بداية أعقابها ، وأخبرته بوقفتها الثابتة أنها تعرض عليه أن تروج له سلعه نظير مئونة بيتها الشهرية التي يحضرها لها من المدينة البعيدة . وأمام نظرة الفرس الجامحة منها  لم يكن ليرد لها طلبا وإن بدا في غير موضعه .

من جهته يكون " أبو راشد العود " قد جذب خبر " المطروش " إلى نقطة جديدة وهو ما يزال متربعا في جلسته أمام عيون نسوة القرية المتيقظة إلى كل كلمة يقولها

" كانت صالحة من بين نساء القرية قد تأهبت لصباح الغد ومع أنها كانت أقلهن اهتماما وكلاما عن  " المطروش " إلا أنها في ذلك الشهر تحديدا استخلصت من أبقارها السمن ، وبدأت بتجميعه  وتخزينه منذ هلال الشهر الفائت ، وفي حقيقة الأمر أن صالحة كانت قد وضعت ثوب الحرير الأحمر الذي رأته في آخر مرة بين بضاعة " المطروش " ، نصب عينها قد منعها تعسر حال المعيشة من شرائه ، كان ذا  لون مبهجا وقاتلا ، تصورته بعد أن تضعه على جسدها وكيف سيشع نورا من اللحم الأبيض الناصع وكيف سيشع بها  لون الدم ،ابتسمت " صالحة " بانفراج بسيط لطرفي شفتيها ، كادت أن تشعر بالنور الأبيض الممتزج بالنور الأحمر ،همست بين خفية والعلن

- نور على نور .

  وزاد الأمر إصرارا في نفس " صالحة " أن رأت تكدرا وأعراضا من أبي  عيالها في الفترة الأخيرة ، قدرت أن مثل هذا  الثوب يمكن أن يذيب كل رواسب النفوس القديمة ، وعندما ارتفع قرن الشمس مسافة ذراع  غشيت البرزة التي يقيمها " المطروش " وجدت أنه غير مكانه بالقرب من بيت " غنية بنت حمد " وأشاع  بين النساء الكثيرات أن الأمر العجيب الذي لم تره النسوة في القرية بعد يتوجب عليه فعل ذلك ، رأت صالحة الحمار قد أناخ قريبا من البضاعة التي لك لم تفك بعد ، كانت الأمشاط وحبات الكحل والقماش والصندل وأواني المنزل وألوان الأثواب الزاهية ولعب الأطفال الجديدة قد ربطت وصفت بعناية في صرة من الثوب الرقيق ، وكان "المطروش"  يقف بطوله الجميل ويغري النساء بالدخول إلى بيت " غنية بنت حمد " لرؤية ما أحضره من الجديد . ويعدهن بعدها بنشر بضاعته الأخرى .

و لم يكن من الغريب أن يحضر الجديد لهن ففي أحدى المرات أحضرن لهن ألوانا مختلفة " بين الزهر والأحمر القاني " وأخبرهن أنه يوضع على الشفاه ولاحظ كيف انبهرن باللون الذي ضاعف  من جمال شفتي " غنية بنت حمد "  وزاد من حجمهما وقد فضلنه في أوقات على لون السواك المائل إلى الصفرة الداكنة الجميلة  فوق اللثة والشفاه أو حتى على حبات  الفرصاد الناضجة التي استخدمنها  في مواسم الحر لصبغ الشفاه بلون الشفق  .

يمسك جدي " محمد بن صالح " عن الكلام ، ليخبرني أن أكثر ما أعجبه فيمن يستوطن الجبال ، ذلك الصمت الجميل ، الذي تخاله للحظة عجزا عن متابعة الكلام ولكنك فقط إذا نظرت إلى العيون ستجد أن الحديث أخذ مجرا أخر ، وأن الصخر الأبكم الذي يحبط بالمكان يتحدث بكل تلقائية إذا ما كررت زيارته وأنصت إليه بشكل صحيح . وأن هذا الصمت ذاته سيتخلل الخبر الذي يرويه " أبو راشد العود " عن " محمد بن صالح " ليفهم كل من أراد أن يفهم دون تدخل منه ، لذا ولبرهة يسكت " أبو راشد العود " ليمسد لحيته ، يفرقع إصبع السبابة في يده اليمين ، ينظر إلى حبات التمر أمامه ، تحدثه نفسه أن يتناول حبة منه ، ولكن وجوه النساء الواجمة أمامهم تسد عليه الطريق ، ليعود إلى مخزون الكلام في ذهنه ويخبرهن عن صورة المرأة التي بدأت تتشكل في رؤوسهن .

في تلك الأيام كان كل ما انتشر في تلك القرية الفتوى والتي أطلقها إمام المسجد و أشارت صراحة إلى حرمة استخدام أو شراء الدهان الذي أحضره " المطروش " ويذكر من حضر خطبة الجمعة التي صافت اليوم الثالثة لآخر زيارة قام بها المطروش " أن الإمام ختم خطبته بصوت حاد وقاس مؤنبا الرجال الذين تركوا الحبال على الغارب للنساء ليغيرن ما خلق الله ،  وعللت تلك الفتوى أن الله خلق الإنسان كاملا من غير سوء وأن الشعر النابت على جسد الإنسان من ذكر أو أنثى إنما هو ستر له ووقاية وأن إزالته ربما تعرض حياة الإنسان للخطر الكبير .

ورغم أن تلك الفتوى صريحة إلا أن النساء لم يتركن الموضوع ينسى كما نسي من قبله موضوع طلاء الأظافر الملون مكتفيات بلون الحناء لتقوية الأظافر وإعطائها لون غير اللون الأبيض المعتاد ،  وإنما بقيت كل منهن تحاول سرد الموضوع وكل ما رأته بطريقتها الخاصة وأن كن اتفقن على أن جمال ساق " غنية بنت حمد " كان فوق التجاهل .

بالنسبة لصالحة كانت التجربة أكثر من مفاجئة في ذلك الصباح كانت قد تقدمت من باحة بيت " غنية بنت حمد " ، رأتها تكشف عن ساق بعد أن أشارت إلى إناء صغير ومحكم الإغلاق بقربها ، كانت الساق لامعة وصقيلة وشهية وخالية تماما من الشعر الخفيف أو الكثيف الذي ألفنه على أجسادهن ، لم ترتفع العيون عن ساق " غنية بنت حمد " على تكلمت طالبة منهن بالتجربة الدامغة أن تتقدم أحداهن لترى مفعول ذلك الدهان السحري ومع الهمس واللغط الذي زاد في المكان وجدت " صالحة " الأيدي تدفعها إلى موضع قريب من الحصير المفروش ، أمسكت "غنية بنت حمد " بيد صالحة " رفعت الكم إلى منتصف الساعد ، ظهر شعر كثيف ، قالت بفرح غامض

- يدك يا صالحة تشبه أيادي الرجال . 

 بتمهل وضعت الدهان الأبيض عليه ،انتقلت العيون متوجسة بين المرأتين ، ثم  اتسعت بانتظار مكبوت وهي ترى تلك الطبقة من الدهان الأبيض الرطب فيما كان شعور صالحة بوخز خفيف سببا وجيها لخوفها وقلقها ، وفي زمن غير طويل غسلت " غنية بنت حمد " ساعد "  صالحة"  ،أمام العيون المبهورة تساقط الماء المختلط بالشعر الكثير ، بان الجلد نضرا وفاتنا ، أشبه بهضبة شامخة بين شجيرات غابة كثيفة ، رفعت " غنية بنت حمد " الساعد الخالي من الشعر أما النسوة وسمعت أكثر من شهقة تردد في المكان ، ولم تنبس بكلمة ، تركت لكل منهن تراه وتكتشف ما تريده  بنفسها .

بقيت " صالحة " ممسكة بيدها وقد تضاعف شعور غريب لم تجربه من قبل ، ترجمته " غنية بنت حمد " بأنه إحساس بأن الجسد والروح أصبحا خفيفان وأن الجلد قد تخلص من الأدران والأوساخ التي علقت به منذ الولادة ، كان شعور " صالحة " أرقى مرتين أو أكثر من كلام " غنية بنت حمد "  كان شعورا بجمال جسدها المخبوء تحت الشعر وإشعاع كل ما حولها ومع أن كل النساء هنالك كن قد جربن- دون فائدة يعتد بها – مسح أجساد بناتهن المولودات حديثا بباكورة الحليب المتدفق من أثداؤهن لاعتقادهن أن البنت ستكبر دون شعر على جسدها كما أنهن جربن دعك أجسامهن بالرماد الخشن للحد من نمو الشعر الخشن على أجسادهن إلا أن ذلك كله لا يضاهيه مفعول الدهان السحري الذي كسا ساعد " صالحة " نورا جديدا .

وعندما زاد اللغط في باحة المنزل كانت " غنية بنت حمد " تلمح تارة وتسر إلى النساء القريبات منها تارة أخرى - ميقنة  أن أفواه النساء لن تحتفظ بالكلام حتى عتبة بيتها – بأن  مفعول مثل هذا الدهان على  مناطق في أجسامهن لم تسمها صراحة باسمها له مفعول لا تستطيع أن تصف إلا من تجربه ! .

يأخذ " أبو راشد العود " نفسا حتى ينتفخ صدره الضامر ، يعود إلى مضغ حبة تمر بعدما ضمن شد القلوب النساء بين يده ، زاد صمت حتى أخرج حبة النوى من بين يده و وضعها أمامه ، تربع في جلسته وأخبرهن أن الأمر لم يطل طويلا في تلك القرية حتى رحل " المطروش " دون أثر لعودة قريبة ،وأغلقت " غنية بنت حمد " أبواب دارها أمام طلبات النساء للدهان الجديد " .

بعد ذلك تتشوش الصور في ذهن جدي ، يغلفها غطاء من النسيان المتعمد ، يقول عبارة ويصمت عن أختها وأن كانت الحصيلة بأكملها كانت تسير كأفكار في رؤوس من حكى وسمع ،  حتى "أبو راشد العود " لا يعرف له سبب في ترك مجالس النساء والرجال التزامه الكوة الوحيدة التي اتخذها مسكنا في قمة الجبل ، وقد نقل من رآه أن كان يسير بين الصخور الحادة  دون أن يبالي بالجروح الطفيفة التي بدأت تحفر في جلده ، فيما اتفق البعض أنه كان يسرى ليلا على ضوء القمر ، ثم ينظر إلى مصباح الليل الجميل مترنما بالأغاني الرعاة هنالك . أو متكلما مع نفسه في صوت خافت ، وهنا بحث أهل القرية عن كلام الصمت المخبوء بين الصخر الأصم والوجوه التي تكشف عن حجب الأشياء حتى دون تسمع بها ، وأطلقوا للخيال عنان التحليق حتى كاد أن يلامس قمم أطول الجبال المحيطة بهم ليكملوا  بقية الخبر ، عندها تتبع من خامره الفضول خطوات " أبو راشد العود " على مهاوي الوديان والمغارات السحيقة في محيط القرية وجد أن للرجل أكثر من أثر يمكن أن يلمس ، كما نظرت النساء إلى قمر الشهر التالي وتكلمت بعضهن إلى أن القمر كانت يحمل بين أشعته " تقاسيم " أبوا راشد العود " ، وأنه كان هادئا لا ينطق بأي همس ، فيما ذكرت بعض النسوة ، أن "أبو راشد العود " حكى لأطفال القرية أن أول من أحضر الألعاب التي بين أيديهم كان رجلا تمنى أن يدفن بين حجارة هذه القرية .

عندها  ذهب الرجال في مجلس سهرهم إلى ن سبب انقطاع المطروش عن أرضهم عائد إلى أن الحبات التي أعطاها شيخهم إذ أنها زادت من تفاقم المرض السري لدي وبل أدت إلى تهور سريع في صحته وحالته النفسية ، فحرم عليه أن يبيع في أرض هو موجود فيها ، وأن نساء القرية انقسمن بين مؤيد ومعارض للاستخدام الدهان العجيب ، ولكنهن رضخن في النهاية  للفتوى عندما يئسن من رؤية إطلالة " المطروش " في بداية كل شهر ، وأن المرأة الوحيدة التي خرجت بفائدة كبيرة كانت " صالحة " التي بقيت تراقب النور الذي سطع من ساعدها ،فبدأت تفتش دون كلل  عن ما يحررها من الشعر الذي يخفي نور جسدها ، وأنها ريب قد واتتها الفرصة لتشتري الدهان من " غنية بنت حمد " قبل أن تغلق الأخيرة بابها في وجوه بقية النسوة .

و تكلمت النساء في الوقت ذاته عن أمر ظاهر حدث  بين نسوة ذالك الزمان وذهبن بعد تمحيص كلام "أبو راشد العود " أن هنالك مقطفات في الخبر بات من عيونه دون أن ينطق بها لسانه وكانت النهاية كما عززها خيالهن ومن شذرات الكلام المتناقل ، بأن الأمر كان برمته متعلق ب " غنية بنت حمد " وحدها ، خصصت من رجحت هذا الرأي من النسوة إلى أن الموضع الذي دهنت بها ساقها تورم أولا ومن ثم احمر مع انتشار بثور كبيرة ملأها الصديد وسبب سوادا في ساقها الصقيلة ليس له علاج ، ولأن " غنية بنت حمد ، كانت امرأة ذات مكانة وحظوة فأنها شكت إلى الشيخ ولم تترك الموضوع يمر بسلام ، وتؤكد النسوة هنا إلى أن حسدا بدا في عيون نساء القرية اللائي حضرن تجربة الدهان – والعجائز منهن خاصة - وأن غيرتهن كانت واضحة من الشهقة التي تضاعفت بعد رؤية ساعد " صالحة " والتي كانت قد بدأت مكتومة وغير معلنة عند رؤية ساق " غنية بنت حمد " وكان ذلك من خوف منطقي أن تظهر جلودهن مترهلة إذا انتشرن استخدام مثل هذا الدهان . واتفقن مع الرجال أن " صالحة " أصبح يضرب بها المثل في جمال الجسد في تلك الأنحاء .

و دون يصل إلى مطاف آمن يفترض جدي أن  أهل الجبل – بنفوسهم البيضاء ونواياهم الحسنة - ارتاحوا بعد أن قاموا بجمع أطراف الخبر من فم " أبو راشد العود " ومن بين خبايا الخيال الذي بسط جناحيه على القرية في تلك الأيام ، ومن رفرفة كل طائر حام على قمم الجبال في مدى بصرهم ، وازدادت الراحة عندما سمعوا غصا " أبو راشد العود تضرب الحجر بنغم ومن ثم شاهدوا جسده النحيل يتهادي كضبي صغير جهة الشمس ، عندها أيقنوا أنه رحل ليبحث عن خبر جديد  يحكيه بقلة الكلمات وكثرة الصمت ، وأن حادثة " المطروش"  تركت للأيام السابقة لتلوها وتنسجها حسب ما تأتي به من الأحداث .
 
 وحده جدي " محمد بن صالح "  ما زال يحرقه الشوق إلى كل مرتفع يتهادى أمامه بخيلاء ،دو يتطرق ولو من البعيد إلى لب الموضوع الذي أشاعه  على لسان " أبو راشد العود " ، وان تحدث بسهو ذات مرة بأن للحجر للملون أسرار تبقى بينه ومن عاشرهم 

- الحجر مثل  البحر، أعطه سرك و لا تخاف 

وقي أيامه الأخيرة ، بقي جدي " محمد بن صالح " ساكتا ولم يتحدث إلينا إلا بإشارات الأصابع الكثيرة ،وإيماءات كثيرة تشي بأسماء لم نتبينها بشكل صحيح  وبحركة اليد الوهمية التي رسمت هضبة مرتفعة  ، طالبا بوهن منا أن نحمله إلى ظل الجبال في لحظة ، في اللحظة الأخرى سأل عن أبي

غلق أنظاره جهة الشمس العظيمة



قصص متنوعة

حب ....خرافة ....بحر
سأخون ذاكرتي
حكايتي اسمها مريم
القايمة
شيء من رمضان

بيت البرزنجي
سأخون ذاكرتي
حكايتي اسمها مريم
القايمة
الجدة فاطمة

الشعراء الدواوين القصائد

Powered by: kahf diwan Version 2.1.0 Copyright ©1999-2025 www.alkahf.net