قراءة نقديه في قصيدة عبدالعزيز السعدي
08-16-2009 04:44 مساءً
0
0
1085
![]() | ![]() | |
الشاعر العُماني/عبد العزيز السعدي (بين الخوف والشفقة) قراءة للناقد السعودي/ محمد مهاوش رماد أحلام شفني رمـاد احـلام وحشة مشاوير واطرق علـى شباك ليلـي غيابـك واكسر قناديلـي كـذا دون تقصيـر ياما انكسر حظـي على اعتاب بابك أهديت نبضـك من جنونـي تعابيـر تتلحـف بشعري وتلحـق سـرابك وأهديت عودك فـي جفافه عصافير تسترخـي بحضنه وتحضـن عذابك عودتني والصبح فـي دربي يسيـر أسرح واصافح فـي زحامي ضبابك وعلقتنـي بجناح حلمـك ولا اطيـر وعلمتنـي أسـري سكيـك اغترابك مرت سنه أسقـي شموعـي معاذير وانا انتظـر هالوقت يجمـع سحابك ماتت شواطـي دنيتـي والنوافيـر ومـات الكـلام بشفتي لا حكـى بك هذي المرايـا تذبـح الحلـم وتغير وذيك الشـوارع خاليـه من صحابك وهذا الحـزن من غيبتك لي طوابير وهذا المسا مكسور ما قد ضوى بك شف صدري اللـي ضيقته الأزاريـر ما فكها حلـم ٍ علـى الليـل جابـك وشوف اول احلامي مسافات واسير وشفني عطـر يحلـم يعانـق ثيابك وشفنـي مواويل الوجع رحلة الطير وشفنـي شجـر مات بخناجر ترابك وشفني ظما مطرود من رحمة البير كلمـا سألنـي غاب فينـي جوابـك هـذي سنه والحال مـا عاد به خير شفهـا شموعـي تنطفي من غيابك توطئــــــــــــة بعيدًا عن العبارات الشعرية الجاهزة كنص مفعم بالحزن ، أو قصيدة تضج بالأسى وتتوشح الكآبة . فمثل هذه العبارات الفضفاضة تضر بالنص الشعري الجيد ، أكثر مما تنفعه ، مع يقيني التام والجازم أنها تؤثر في نفسية الشاعر ، لكن تأثيرها آني ، سرعان ما تزول آثاره من النفس ، لاسيما لدى أنصاف المثقفين من الشعراء والمهتمين في هذا المجال .. أما القراء المتمكنين في النصوص فلا يرضيهم إلا استكشاف النص والسفر بين خباياه للوصول للجمال الفني المأمول ونحن في هذا النص الذي يحمل عنوان ( رماد أحلام ) للشاعر العُماني/عبد العزيز السعدي ، سنحاول قراءة ما وراء النص من أجل الوقوف على ما يحمله من كنوز جمالية ومعان ٍ إنسانيه . إن مثيلات هذا النص بحاجة إلى لغة أخرى ، وبحاجة إلى تفكير وتأمل لاستكشاف البعد الجمالي والعمق النفسي والفلسفي فيها ، لهذا لا بد من كتابات جادة لا تتناغم معها شعوريـًا بقدر ما تسمو بها ، وذلك من خلال علاقة الإنسان بالإنسان وموقف الشاعر من القصيدة ، ونظرته الخاصة إلى الحب باعتباره مشروع حياة القــــــــــــــــــــراءة شفني رمـاد احلام وحشة مشاوير واطرق علـى شباك ليلـي غيابـك واكسر قناديلي كـذا دون تقصيـر ياما انكسر حظـي على اعتاب بابك في هذا الإستهلال يتوجه الخطاب من الشاعر إلى المحبوب والذي من الممكن أن يكون إنسانــًا أو قصيده ، وهذا على سبيل العموم لا التخصيص ، أي أن هذه الحالة غير ممكنة مع هذا النص الذي تدور حلقاته حول مسألة علاقة إنسانية بين طرفين .. لأن مثل هذا حقيقة لا يضيف للمتلقي أي قيمة فنية ، بل الذي يريده المتلقي من أي نص شعري هذه الشحنات الحرارية الشعورية التي صورها لنا الشاعر في المقام الأول ، لأن دورنا ليس الكتابة التوثيقية لمواقف هذا الشاعر أو ذاك ، بل الكتابة لرسم وجه آخر للجمال عن طريق هذا النص .. لهذا يسعى عبدالعزيز السعدي إلى مدنا بهذه الصور الشعرية التي نثرها في هذا النص . تبدأ القصيدة بقولة ( شفني ) فهذه العبارة الشعرية سوف نتوقف عندها كثيرًا فيما بعد ، لقد بدأ السعدي هذا الخطاب الشعري بهذه الكلمة من أجل شد إنتباهنا لما يريد قوله ، وذلك من أجل خلق الشفقة والخوف في روح المُخَـاطـَب لكي يُصغي لكلامه ، فهو يتعامل مع هذه الثنائية المسرحية كما هو في المسرح التراجيدي اليوناني القائم على عُنـْصري (الخوف والشفقة) وهذا ما سنراه من خلال مسيرتنا في هذه الوقفة .. فالشاعر هنا حاول جذب المحبوب والمتلقي إليه ، وشد الأنظار والأذهان لما ينوي التصريح به ، وهذا ما سنراه في هذين البيتين :- أهديت نبضـك من جنوني تعابيـر تتلحـف بشعري وتلحـق سـرابك وأهديت عودك فـي جفافه عصافير تسترخـي بحضنه وتحضن عذابك هذه الثنائية الشعورية النابعة من حالة الإستفزاز العاطفي تدخل في هذه المشاهد وفي كثير من الأحيان تلتقي لدرجة التمازج ، لكن الملفت أن الشاعـــر لا تحركـــه عقـــدة الخـــوف مــن المقابل / المحبوب ، بقدر ما يحاول تحريك عنصر الشفقة فيه بالدرجة الأولى ، وهذا واضح من خلال إعتماده على بعض العبارات الشعرية الموحية بهذا السياق ( أهديت ) التي تكررت مرة في كل بيت ، وكذلك قولة ( جنوني تعابير ) وذلك من أجل فتح المجال للتـَخَيّل وإمكانية تصور الموقف الإنساني الخاص به ، وذلك أنه مستمر في إقناعه بالعوده وبضرورة اللقاء مــرة أخرى ( وتلحق سرابك وتحضن عذابك ) فهذان التعبيران يوحيان بالأسى وتـَحَمّل مرارة الحزن ، فالسراب طريق مليىء بالمرارة والعذاب ، ألم لا يمكن تحمله فما بالنا إذا كان السراب ( يُطرد ) أي يتم الجري وراءه من أجل اللحاق به ، وما بالنـا بالعذاب الذي ( يَحْضِن ) . فأي حياة ستكون ؟! , ومن يستطيع تحمل ذلك ؟! عودتني والصبح في دربي يسيـر أسرح واصافح فـي زحامي ضبابك وعلقتنـي بجناح حلمك ولا اطيـر وعلمتنـي أسـري سكيك اغترابك مرت سنه أسقـي شموعي معاذير وانا انتظـر هالوقت يجمع سحابك ماتت شواطـي دنيتـي والنوافيـر ومـات الكـلام بشفتي لا حكى بك في هذه المقطوعة يطغى هاجس الخوف من المستقبل على تحفيز شعور الشفقة في نفسية المحبوب تجاه الشاعر ، وذلك أن هذا المشهد المتواصل لا يرسم للشاعر الأمل باللقاء أو التواصل وكأنه جاء كجَلـْدٍ للذات ومحاسبة للنفس مع العلم أن تداعيات هذا الهاجس مسيطرة على الجو العام للنص لكنه بارز في هذا الكلام فهو يتوجس من الضياع والشتات ، وخائف على هذا الحب من التلاشي ، لهذا كان استدعاء عنصر هذا التلاشي الموحية في آخر هذه الأبيات جاء كمحصلة نهائية لهذا التوجس ، فكل ما كان يقوله من ضياع للصبح المتمثل بالأمل في الحياة وعدم مقدرته على الطيران والتحليق في سماء حبه ، وهذا الطريق الطويل من الإغتراب ( أسري سكيك اغترابك ) وانتظاره الطويل والمرير على مدار سنة كاملة .. قد ماتت ( شواطيه ونوافيره ) واضمحل الكلام بين شفاهه . إن حضور مفردتين تشيران للماء ، وهما ( شواطي النوافير ) دليل على سيطرة القحط الشعوري على عاطفة الشاعر ، لأن الماء كما هو معروف من علامات الخصب والعطاء ومؤشر على الحياة وما هذا الكلام إلا نتاج لهذا الشعور بالخوف لأن الخوف هو الذي حرّك فيه كل هذه المشاعر التي استفزت فيه هذا التوجس الذي تـَفـَرّد هنا في هذا المقطوعة مع العلم أنه في أماكن أخرى من هذا النص يتمازج مع الإحساس بالشفقة أي أنه يتمازج مع محاولات الشاعر من إستدرار عطف المحبوب للشفقة عليه . هذا الهاجس المواكب للموت .. الموت الإيحائي الناتج عن سيطرة القحط العاطفي على شعور الحب لديه جعله يفقد متعة الإحساس بجمال الصبح وروعة الحلم ، لأن في الحب صباح جديد وحلم لا يتمنى العاشقون أن يصحوا من إغفاءته الجميلة هذي المرايـا تذبـح الحلـم وتغير وذيك الشـوارع خاليه من صحابك وهذا الحـزن من غيبتك لي طوابير وهذا المسا مكسور ما قد ضوى بك وها هو يعود لمحاولة إستدرار عطف المحبوب عليه عن طريق هذا الحضور الإشاري ، نسبة لأسماء الإشارة (هذي ذيك هذا ) وذلك من أجل إشعاره بمدى الحميمية التي له في قلبه ، ومن أجل تحفيز لمخزون الذاكرة لديه لكي يتذكر الأيام الخوالي التي قضوها سويـًا . غير أن الناظر لهذين البيتين يجد أن مخزون الذكريات لديه نوعان (وَهْمٌ حِسي ووَهْمٌ معنوي) فالحسي مرتبط بالمرايا والشوارع ، والمخزون المعنوي مرتبط بالحزن والمساء ، فهو حينما ينظر للمرايا إنما يريد إستكشاف الغيب فيه وكذلك يريد النظر إلى ملامحه التي غـَـيّرها الفراق والغياب ، أما حينما يمشي في الشوارع فيجد أنها خالية منه ، أي أنها شوارع بلا قيمه ، وذلك أنها كانت تعيش فيه ومن أجله لهذا يرى أنها شوارع خالية من الحياة بسبب هذا الفراق .. أما المخزون المعنوي فيتفجر عن طريق تحريض الذكرى في كيان الشاعر ، والملاحظ أن هذا المخزون المعنوي مرتبط بالأسى ، حيث أن الحزن له دلالة واضحة بهذا التوجه كما أن الليل أو (المسا) في تعبير الشاعر محرض على الذكريات وموحي بالشعور بالوحدة والإنعزال ، أي أن كلا المدلولين مرتبطان بالأسى ، وكذلك (المرايا الشوارع) لهما ارتباط بهذا الفهم الإيحائي للحزن وهذا شيء طبيعي في هذه العملية فلولا الإحساس بالحزن والأسى ما تولد في كيان الشاعر الشعور بالخوف ولـَمَا دفعه هذا الخوف لمحاولة إستدرار جانب الشفقة في نفسية المحبوب ، فالشعور بالوحدة جلب له الذكريات ، والذكريات قادته للتأمل والحزن ، والحزن فجّر في وجدانه هذه الثنائية الشعورية : الخوف / الشفقة شف صدري اللـي ضيقته الأزارير ما فكها حلم ٍ علـى الليـل جابـك وشوف اول احلامي مسافات واسير وشفني عطـر يحلم يعانـق ثيابك وشفني مواويل الوجع رحلة الطير وشفني شجـر مات بخناجر ترابك وشفني ظما مطرود من رحمة البير كلما سألنـي غاب فينـي جوابـك لو حاولنا رصد الكلمات الموحية بتعلق الشاعر بالمحبوب لوجدناها كثيرة في هذا النص مثل ( عودتني علمتني علقتني أنتظر ) لكنها تنحصر رغم أهميتها في هذا السياق أمام العبارة الشعرية المكثفة والتي جاءت مع المفردة ( شفني ) التي تكررت في هذا النص حتى كاد هذا التكرار أن يقتل الروح الشاعرية الساكنة فيه ، إلا أنها من جانب آخر تشير إلى مدى تعلق الشاعر بالمحبوب والتي كادت أن توصله لدرجة الهذيان الشعري المرتكز على كثافة هذا التكرار ، فهذا التوظيف الشعري لهذه الكلمات ( شف شوف - شفني ) يتناغم من حيث الإحساس والتواصل مع الحالة ومع أسماء الإشارة التي تطرقنا لها لأن التوظيف جعلنا نتخيل الشاعر وهو يتوسل المحبوب خوفــًا من إستمرار الضياع وطول مدة الغياب من ناحية ومن ناحية أخرى من أجل إحداث روح الشفقة في نفسه عليه وهذا في تصوري هو جوهر الحب والشعور الصادق لعكس هذا الموقف الإنساني ، فالحب القائم على التعامل النِـدّي مع المحبوب ليس حبـًا ، لأن ثقافة التنازل مطلوبة في مثل هذه العلاقة وهي مأخوذة من الفهم الحقيقي للدين ( فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) كما هو ما معناه - في الحديث النبوي الشريف ، لأن العودة للأصول الروحانية في التعامل مطلوبة وملحة في هذا الجانب ، فمهما فعلنا أو قلنا فلن نبقى معزولين عن هذا النسق الديني بحال من الأحوال وهذا ما حاول الشاعر إبرازه في هذا المقطع وفي عموم القصيدة كذلك هـذي سنه والحال ما عاد به خير شفهـا شموعي تنطفي من غيابك يقول بدر شاكر السياب ( إن مَوْتِيَ إنتصار ) وهذا يتناغم مع فكرة طائر الفينيق كما في القصص الأسطورية عند الشعوب القديمة أي أن في الموت حياة ( والموت للشعراء عمرٌ ثانِ ) كما يقول الشاعر العربي ، وفي إنطفاء دموع الشاعر هنا محاولة لإعادة بعث جديد ( شفها دموعي تنطفي في غيابك ) فهذا الحضور للغياب لم يكن حضورًا من أجل توصيف حالة بقدر ما هو حضور من أجل إطالة عمر هذه العلاقة ، لا على المستوى الحسي الملموس عن طريق عودة المياه إلى مجاريها كما يقال بل من أجل أن يكون هذا الإنطفاء روحًا متوثبة تشتعل كلما انطفأت. إن محاولة العودة الخاطفة لأول بيت في هذا النص (شفني رماد أحلام) تأكيد لهذا الإنسجام النفسي بين الخاتمة والمطلع ، وأن (رماد الأحلام) جاهزة للإشتعال مرة أخرى حالها كحال الدموع التي (تنطفي من غيابك) . لهذا يظل هذا النص وكأي نص جميل آخر ، مشروعـًا للتخيل ، لا على سبيل كتابته بل على مستوى التعامل معه كقراءة أدبية تحاول تـَلمّس بعض الجوانب الإشعاعية فيه من خلال تفكيكه ومن ثم إعادة لملمته من جديد ، رغبة بالوصول إلى العُمق النفسي المنشود عن طريق هذه العملية | ||
![]() | ![]() |