• ×
السبت 27 أبريل 2024 |

اليولة وحطبتها

0
0
4191
 اليولة وحطبتها



تتردد كثيرا في مسامعنا كلمات : ( اليولة ، اليوّيلة ، بنيول ، ييولون ) في عدة قنوات إعلامية ـ تلفزيونية وإذاعية ـ وهي مصطلحات باللهجة العامية لعدة ولايات في شمال سلطنة عمان وأغلب الأماكن بدولة الإمارات العربية المتحدة حيث يقلبون حرف الجيم ياءا في كثير من الكلمات التي تحتوي على حرف الجيم ، فالكلمات التي بين القوسين إن أرجعناها لأصلها في الفصحى ستكون حسب الترتيب السابق هي : ( الجولة ، الجوّيلة ، بنجول بمعنى سوف نجول ، يجولون ) وفي بحث بسيط عن معنى الكلمة في قواميس العرب وجدت بانها جاءت من المصدر ( جال ) وجال القوم في الحرب أي تراجعوا وفروا ثم كروا وهجموا ، وأيضا تأتي الجولة بمعنى آخر وهي مرحلة من مراحل مباراة المصارعة أو الملاكمة . أذن فـ ( جال ) هي عملية بدنية تستوجب الحراك والتنقل والإستعراض بقدرات ومهارات معينة . وقد بدأت هذه القنوات بالترويج وبث فكرة أن ( اليولة ) هي فن شعبي وهي من مقومات الهوية المحلية إن كانت في عمان أو في الإمارات ، والتي يجب المحافظة عليها ، وخرج إلينا المنظرون الذين يحاولون وبكل قوة إثبات هذه المعلومات الخاطئة في أذهان أبنائنا الصغار، وتقيم بعض المحطات التلفزيونية مسابقات مختصة في اليولة ، وسمعت بأن البعض طالب بوضع هذا الفن ضمن المناهج الدراسية في المدارس والكليات ! فكم من سؤال وإستفسار ورد إليّ شخصيا من عدة أفراد بعيدين عن منطقة ( اليولة ) جغرافيا يسألون عن : ما هية هذا الفن ؟ وكيف يؤدى ؟ وما المناسبات التي يقام فيها ؟



وهنا أقول : اليولة ما هي إلا فن إستعراضي حركي مصاحب للعيالة و الرزفة ويؤديها اليوّيل وهو يحمل البندقة أو السيف بترس أو بدون ترس أو العصا ، ولا تعتبر اليولة فنا بحد ذاتها ، فهي عملية حركية تؤدى أثناء ممارسة فن العيالة أو فن الرزفة ، ولا تعتبر حكرا لفئة إجتماعية معينة فاليولة لمن أراد من الموجودين أثناء أداء أحد الفنيين ، واليوّيلة هم كالزفينة بالسيف لبعض الفنون الموجودة في داخل سلطنة عمان ، وعادة ما كانت تؤدى العيالة أو الرزفة في المناسبات القبلية أو الدينية أو الإجتماعية .



اما اليوم فقد أصبحت اليولة تؤدى مع الأغاني الحية أو المسجلة ، فنراهم في الأماكن العامة قد فتحوا أبواب سياراتهم ورفعوا صوت الأغاني ليرقصوا ويتمايلوا عليها ويرفعوا صوت ضحكاتهم تحت مسمى أنهم ( هوّاوية وطربانين ) ويرددون المثل الذي يقول ( الطرب للعرب ) دون ان يفهموا معنى المثل الحقيقي ، وأصبحت تلك الخشبة المصنوعة على شكل بندقية ومزينة بألوان عدة تباع بأغلى الأثمان ، حتى كادت ان تصبح اليولة وخشبتها من اهم مقومات الهوية عندنا . وتقوم كثير من المدارس بمسابقات وانشطة عدة عن اليولة ، ويكاد لا يخلو إحتفال من إحتفالاتنا الرسمية من وجود اليولة بسبب أو دون سبب .



وأنا من هنا أدق جرس الإنذار لأنبه أولي الأمر في سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة وأصحاب القرار بهما إلى خطورة تفشّي ( اليولة وحطبتها ) في الإرث الشعبي في البلدين ، فلا هوية وطنية ستجدونها في عقول وقلوب جيل يتربى على ما يقوم به الإعلام من عبث في الموروث الشعبي ، أنقذونا من هذا الإعلام وإلا ستكون تلك ( الحطبة ) هي القشة التي ستكسر ظهورنا قبل أن تكسر ظهر البعير .



راشد بن سعيد الشامسي

البريمي ـ 19/5/2013م