• ×
السبت 27 أبريل 2024 |

يلوون ألسنتهم بالكتاب

0
0
1851
 



يتحدث البعض من متتبعي التاريخ وعشاق مدوناته عن شح المعلومات التاريخية العمانية ، وعدم تركيزها وتبعثرها هنا وهناك ، فضﻻ عن صعوبة الحصول عليها ، باﻻضافة الى غياب التدوين الممنهج لها ، وهو أمر ربما تشترك فيه الكثير من البلدان العربية عموما والبلدان الخليجية خصوصاً ، نظراً لتأخر ظهور الطباعة في وطننا العربي مقارنة بالدول الاخرى ، بالاضافة الى الصراعات والتجاذات السياسية سواء اﻻستعمارية او المحلية في ذلك الوقت ، وإن كان التاريخ العماني أكثر حظاً من الكثير الدول العربية على اﻻقل في تدويناته الحديثة نسبياً اذا ما تحدثنا عن فترة اﻻمامة اﻻولى والثانية وصوﻻ الى دولة البوسعيد ، نظراً للطبيعة الدينية الفقهية العلمية التي يقوم عليها المجتمع وصوﻻً الى التوسع الامبراطوري العماني على يد السيد سعيد بن سلطان ، وما تبعه من مظاهر النهضة الفكرية والثقافية والاقتصادية، قبل الفترة التي ﻻ نتوانى في ان نطلق عليها انتكاسة ساهمت القوى الخارجية فيها مساهمة كبيرة ومباشرة.
الدولة العمانية تبقى أوفر حظاً من الدول المجاورة لها نظراً لما سبق ذكره ، ولكن هذا ﻻ يعني التباطؤ حديثاً في جمع التاريخ العماني ومحاولة تدوينه ، ورغم وجود بعض المحاوﻻت التي سعى اليها البعض إﻻ انها تظل دون المستوى. . حتى هنا يبدو الحديث مكرراً وعادياً سمعنا ونسمع به كثيراً ونتداوله في مجالسنا بشكل يكاد يكون يومياً لمحبي التاريخ ومتتبعيه.
إﻻ ان الحديث غير العادي ، والذي يثير الدهشة واﻻستغراب هو شماعة الحكومة ومقصها العتيد التي ما فتئ يقطع كل المحاوﻻت في بعث التاريخ الى القارئ من جديد ، ومحاولة وأد كل مبادرة تسعى الى النبش فيه ، وهو حديث ﻻ يخلو اطﻻقاً من المبالغة والتهويل واحادية النظرة وحشر الموضوع في زاوية ضيقة ، ورمي الكرة في ملعب اﻻخر لتبرئة أنفسنا!
وحتى نقف على منطقة واحدة من الجميع نقول أن التاريخ يكتبه المؤرخ تحت تأثير اللحظة التي يعيشها والفريق الذي يمثله ، ولأن عمان كسائر البلدان المحيطة لطالما ذاقت ويﻻت التشرذم والصراعات واﻻطماع الخارجية فإن ما يمكن قراءته سابقاً يحتاج هو اﻻخر الى اعادة نظر ، فكم من قصص وبطوﻻت باتت من مسلمات المجتمع ﻻ يمكن أن تجدها إﻻ في كتب الخوارق والمبتدعات ، وكم من أحاديث تتناقلها اﻻجيال ليل نهار تحركها العاطفة دون ان تضع للعقل سبيﻻً ، لذا فإن الحديث عن التدوين واﻻحياء يجب أن يقابله مركز بحثي حقيقي لأشخاص كفؤ ، بدﻻ من التطبيل والتزمير لأي كتاب يصدر يدعي إعادة تجميع التاريخ وتوثيقه واحيائه.
عمان القديمة ليست عمان الحديثة بوحدتها السياسية والجغرافية والمصيرية التي تعيشها اليوم ، لذا فإن الحديث عن تداعيات سابقة يمكنها بدغدغة المشاعر ان تسمى كتاباً توثيقياً يجب ان يتصدى لها الجميع اذا ما كانت ستساهم في إثارة أي مشكلة.
التاريخ ليس أولى من الحاضر والمستقبل ، والبحث عن ثغرات اﻻختﻻاف والعزف على وتر الصراعات ليس الطريقة المثلى للنهوض بحركة التدوين . . ﻻ اريد ان اتحدث بالنوايا هنا ، ولكن مصداقا لحديث الرسول الكريم حين قال المؤمن كيس فطن ، فالتباكي الذي يقوم به البعض بحجة ضياع التاريخ وعدم تدوينه وضرورة جمعه من جديد ، ﻻ يجب ان يكون سلماً الى قلوبنا كي ننادي بضرورة تشجيعه.
التاريخ عظة وعبرة ، قالها القران الكريم ، منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة في غير موضع من مواضعه ، ولم يكن يوماً لرفع شأن ناس على حساب اﻻخرين ، أو ﻻحياء فتنة خمدت وماتت ، ومحاولة البعض اﻻصطياد في الماء العكر بحجج واهية يجب ان يقابل بسد منيع يحمي وحدة المجتمع ، بل علينا تأصيل المواطنة الحقة التي تحققت منذ بواكير النهضة المباركة.
مورس الكثير من التهميش على عمان قديماً ووئدت الكثير من الشخصيات العمانية التي هضم التاريخ حقها ولم يذكرها وضاع صحابة عمانيون ساهموا في نشر دين اﻻسﻻم عبر مختلف الفتوحات وذاقوا حﻻوة الشهادة في سبيل اعﻻء دين الله ، هذه الشخصيات تم طمسها ﻻعتبارات كثيرة ليس أقلها دخول عمان في صراعات مع الدولة اﻻسﻻمية ، مثل هذا التاريخ يجب ان ننبشه وأن نبحث عن تفاصيله وأن نحييه. أما الصراعات القبلية والمناطقية والتجاذبات السياسية التي ساهمت قوى خارجية في اذكاء نارها فهي ليست مجاﻻً للشرف واﻻفتخار ، بقدر ما هي تبطيء للخطوات ، ومساهمة في إثقال تحركنا لﻷمام ، وليس من العيب ان تمر على المتخصصين كي يفندو مزاعم كل الكتابات التي دارت حولها وأن يئدوا كل التلفيق الذي شابها.
الصراخ بمقص الرقيب الذي طال على حد زعم بعض المتسلقين كتاباتهم وتوثيقاتهم كي يضخموا من اعمالهم إلا وهم يعشش في عقولهم أو محاولة لجذب اﻻنظار اليهم ، أما الرقابة المتزنة التي تعي أن المتلقين ليسوا على مستوى واحد من الثقافة واﻻدراك والقدرة على قراءة ما بين السطور فهي متبعة ليست لدينا فقط ، وإنما في دول العالم أجمع ، لأنها تعي مقدار التقهقر الذي قد تسببه بعض اﻻدعاءات التاريخية بمزاعمها.
أما من يتحسس من ذكر منجزات عمان الحديثة فهو إما نقام أو جاحد أو حاسد ، لأن العين ﻻ تخطئ النهضة التي حققها العمانيون بأيديهم وفكر قائدهم على أرضهم التي كانت بوراً فزرعوها جهدا ورووها عرقاً ، والحديث عن محاولة اختزال التاريخ في أربعين سنة فقط ليس سوى محاولة لذر الرماد في العيون ، ففي الوقت الذي وصل اليه هؤﻻء المدعين الى ما وصلوا اليه من مستوى تعليمي وانفتاح ثقافي وتﻻقح فكري ما زالوا يأكلون الود ويتقيئون الحقد.
عمان الحديثة شامخة بشهادة العالم أجمع وقبل هذا وذاك شامخة بإنسانها العماني الذي استطاع أن يتبوأ مراتب العز والفخر في نهضة تعليمية وصحية واقتصادية وفكرية أذابت كل الحواجز الطبقية والجغرافية البائدة وباتت تنهض على أرضية راسخة ، قوامها المواطنة والتساوي بين جميع أفراده.
نقولها ونكررها التاريخ الذي نريده هو التاريخ الذي نفخر به والتاريخ الذي نتعظ من خطوبه ، وليس التاريخ الي يحيي النعرات ، ويذكي نيران الفرقة تحت ستار التدوين التاريخي النزيه.