إضاءات عن الشعر النبطي في الملتقيات الأدبية 2000 - 2008
07-14-2009 07:18 صباحاً
0
0
1198
![]() | ![]() | |
إضاءات عن الشعر النبطي في الملتقيات الأدبية 2000 - 2008 للكاتب محمد عبدالله البريكي تقديم كانت القصيدة الشعبية العمانية تعتمد في لغتها وطرحها على شعراء أخذوا من البيئة التي يعيشونها كل ما يتعلق بالقصيدة من إيقاع وبناء، وكانت تلك البيئة عفوية تستطيع بإحساسها بالموجودات المحيطة بها أن تصوغ مشاعر جميلة، ولأنها قليلة التواصل مع الآخرين بحكم قلة وسائل الاتصال قبل مرحلة النهضة التي قامت في عام 1970، اعتمدت على ما كان يتناقل من أشعار ويتبارى به بين الشعراء من خلال بعض الفنون الميدانية كالرزحة والميدان والهبوت والتغرود والونة والعازي وغيرها من هذه الفنون، وبحكم الميدان الذي أعني به المساحة المكانية التي تجمع الناس بخلاف فن الميدان الذي هو أيضاً أحد مكونات هذه المساحة، كانت هذه الأشعار سماعية شفاهية تلقى أمام الناس في مواقف وأحداث يدعى لها الشعراء كالأعراس والأعياد، والتباري والتنافس بين الشعراء كالميدان والرزحة، ولأن هذه الأشعار كانت في الغالب ارتجالية، وللسبب الأول الذي هو قلة الاتصال مع الساحات الشعرية الأخرى، فقد غلب عليها البساطة والعفوية، وخلت في الغالب من الصنعة الشعرية، وظهر \"الغطو\" الذي يعتمد على اللغز لإعجاز الشاعر الآخر عن حله والتفوق عليه لكسب شاعرية وجماهيرية من خلاله، ومع أن الغطو والميدان وبعض الفنون الأخرى التي تظهر من خلالها بعض الإسقاطات المرتبطة بالتاريخ والتراث، إلا أنها كانت تعتمد في طرحها على اللغة والصورة المتداولة من البيئة التي لم تدخل عليها الصورة الفنية الحديثة التي تحتاج إلى صنعة واشتغال، فكان الشاعر مكتفياً بما يلتقطه من معان ٍ وألفاظ ٍ قريبة منه ومن المتلقي الذي يريد توصيل \"ارتجاله\" له، ولم يكن بالإمكان في ظل مثل هذه الظروف أن يشتغل الشاعر على جماليات القصيدة، فهي محتاجة إلى سعة اطلاع ومعرفة بما يدور من شعر وتجارب أخرى، لكي تكون محفزة لتقديم الجديد، وهذا الاطلاع كان ضعيفاً في ظل غياب القراءة ووصول المطبوعات، وتأخر ظهور الإعلام المسموع والمرئي وصولاً إلى عصر التواصل التكنولوجي الذي وصل إلى الساحة العمانية قبل سنوات قريبة تلت تلك المرحلة. وفي بداية الثمانينات كان هناك وجه آخر للقصيدة الشعبية بدأ يتشكل ويبرز من خلال شاعر أتى بتجربته الشعرية من خارج حدود بلده، ومن خلال عمله في الصحافة الشعبية التي سبقت البداية العمانية، وفتح لهذا الغرض زاوية أسبوعية في الجريدة الرسمية \"عمان\" ثم طورها لتصبح صفحة تعرض التجارب الشعرية الحديثة المجددة وتشجع عليها، فقد كان الشاعر ربيع العلوي رحمه الله حسب معايشتي لتلك الفترة من أوائل من نقل التجربة الحديثة في كتابة النص الشعبي، ساعده على ذلك وجود شعراء استطاعوا من خلال ما لديهم من رؤية للتجديد، ومن اطلاعهم على التجارب الأخرى، لتظهر صورة أخرى مغايرة للطرح السابق، وربما كان الحماس وثورة الشباب في الاطلاع على طرح جديد لم يتعودوا عليه، ولتوفر العناصر المساعدة على تقبل هذا الطرح من خلال المعرفة والاطلاع المكتسبة من التعليم، والتي أوجدت لغة تخاطب مختلفة أثراً في إفساح المجال لهذه التجربة لكي تنطلق، ولا تأبه بمعارضة من يعارض، ساعدها على ذلك تواجدها الإعلامي الذي كان مؤثراً بشكل قوي في تلك الفترة، ووجود شعراء سارعوا في الانضمام لهذه التجربة ومساندتها، كما أن لذكاء ربيع العلوي رحمه الله مع بعض الشعراء الشباب الذين يكنون لشعر آبائهم الاحترام والتقدير، وفي عدم رفض التجارب السابقة واعتبارها أساساً للانطلاقة الحديثة أثراً آخر جعل من الشعراء السابقين التقارب مع هذه المدرسة، وغض النظر عنها في أحيان كثيرة، خصوصاً أن للطرح السابق في القصيدة برامج شعرية ألهته عن مناوشة ومحاربة هذا الطرح، فظهرت أسماء شعرية قوية أسست للطرح المتجدد الذي يعتمد على الصنعة، والعمل على فلترة السابق وإبعاد الشوائب والزوائد والأشياء التي يعتبرها بعضهم منتهية الصلاحية، وتحتاج إلى إعادة نظر، وإلى إيجاد منتج جديد يلائم العصر الذي يعيش مرحلة نهضوية في كل مجالات الحياة، وينتقل من مرحلة العفوية والتذوق إلى مرحلة الصنعة، لكن تلك المرحلة التي سبقت ظهور هذه التجربة الشبابية مرحلة أثرت بيئتها بكثير من الشعر الجميل الذي يتناسب مع معطيات البيئة. وكان لابد لهذه التجارب بعد فترة من الزمن من تقييم، لكي يتبين من خلالها مدى الاستفادة من تجارب الآخرين، ولكي تفرز هذه التجارب للوصول إلى الأصلح والأنسب منها، ولتصحيح بعض ما علق بها من تقليد جعل بعضها متلبساً لعباءة الآخر، وغفل عن إيجاد هوية وخط سير مغاير لها، وبعد أن فتح المجال لهذه التجارب لمدة عشر سنوات تقريباً، كان لابد من المحاسبة لها إن صح التعبير، فوضعت هذه التجربة في أوائل التسعينات على المحك من خلال المسابقات الشعرية التي قامت بها الهيئة العامة لأنشطة الشباب الرياضية والثقافية آنذاك مع بعض الجهات الثقافية الأخرى، وكانت انطلاقة أهم تجربة لهذه الهيئة من خلال مسابقة الملتقى الأدبي، وخصصتها لفئة الشباب الذين هم المعنيون بأمر التجربة الجديدة في الشعر، ومستفيدة من المثل القائل \"العلم في الصغر كالنقش على الحجر\" لتكون هذه المسابقة الشعرية مع المسابقات التي ظهرت موازية لها، مظلة حقيقية ومناخاً مناسباً للتنافس بين الشعراء، مما جعل منها مغربلة لتجاربهم، ومحفزة لهم على كتابة نص شعري يعتمد على الاشتغال والصنعة، ويبتعد عن الالتقاط البسيط في اللغة والعناصر الفنية والجمالية للقصيدة، فأخضعت تلك التجارب إلى التقييم والنقد الذي يبين فيها جوانب القبح والجمال، ويسلط الضوء على ما فيها من تطور في عناصر القصيدة. الملتقى الأدبي بين عام 2000 2008 إذا اعتبرنا أن فترة لا تقل عن 15 عاماً والتي بدأت منذ بداية الثمانينات حتى هذه الفترة كافية لتظهر التجربة الجديدة على حقيقتها، وتجعل لها مكانة يحتذى بها من خلال الجيل الذي يعايشها ولحق بها للاستفادة منها، فإن الحديث عن التطور في القصيدة لدى الشباب الذين شاركوا في الملتقيات الأدبية خلال الفترة من 2000 2008 مرتبط بالحديث عن استفادة هؤلاء الشباب ممن سبقهم من شعراء أسسوا لهذه المرحلة، ولا زالوا يتواصلون مع الجديد ويطورونه بحكم أنهم لا زالوا شباباً يستطيعون تقديم مزيد من الخبرات، ولأنهم سبقوهم في التجربة وسعة الاطلاع بحكم أن المتسابقين ينتمون إلى مراحل عمرية متقدمة من الشباب لا تتعدى الثلاثين حسب نظام هذه المسابقة، وما يدلل على هذا الارتباط بمن أسس لهذه التجربة الحديثة هو اعتماد هذه الملتقيات في التقييم على نفسها، حيث أصبح \"المحكمون\" لهذه المسابقة من التجارب التي شاركت في بدايته، ثم طورت أدواتها لتصبح في موضع تقييم لمن يأتي بعدها، وقد كان هذا الجانب أحد الجوانب الذكية التي التفتت إليها الهيئة العامة لأنشطة الشباب الرياضية والثقافية ممثلة في المديرية العامة للنشاط الثقافي والاجتماعي في بداية هذه المسابقة التي انتقلت بعدها إلى وزارة التراث والثقافة لتكون هي الراعية لهذا الملتقى مع مسابقات شعرية هامة أخرى، حيث حفزت شعراء هذا الملتقى ومنحتهم الفرصة لكي يجربوا في مجال النقد والتقييم للقصيدة الشعبية لأنهم الأقرب إليها بمعايشتهم لمراحل تطورها. وبعيداً عن هذا الجانب الذي يحتاج إلى إبراز مساحة مفصلة له، فإن فترة الثمان سنوات التي كلفت بعمل إضاءات حولها من خلال مجموعة كبيرة من النصوص الشعرية الفائزة في هذه الفترة لا تحتاج إلى عجالة حين يتعلق الأمر بتقييم دقيق ممنهج لها، وهذا الجانب يحتاج إلى فصول تستعرض فيها كل مسابقة من خلال نصوصها الفائزة، وعمل مقارنة ومقاربة بينها أولاً، ثم بينها وبين المسابقات التي سبقتها، لذلك فضلت أن يكون هذا البحث عبارة عن ملامح عامة تمر على هذه الفترة كلها في حزمة واحدة. ملامح على مسابقات الملتقى 2000 2008 1 أثر الجغرافيا على المضمون تقول الباحثة الإنجليزية \"سمبل\" في بحثها عن تأثير البيئة الجغرافية المنشور في لندن عام 1937 وذكره الدكتور يوسف خليف في كتابه \"دراسات في الشعر الجاهلي\" ص 107 \" في كل مشكلة من مشكلات التاريخ يعمل عاملان أساسيان: الإنسان والبيئة الجغرافية، ويمثل العامل الإنساني القوة المتحركة الدافعة في كل نشاط بشري، أما العامل الجغرافي فإنه يمثل القوة الثابتة الموجهة لهذا النشاط التي لا تكف عن العمل وفرض حتميتها على اتجاهاته ومجالاته\" انتهى. وإذا اعتبرنا أن بيئة العربي أوسع من مساحة وطنه التي يعيشها، على اعتبار أن هناك عمقاً دينياً واجتماعياً وتاريخياً، فإن بيئة الشاعر العربي هو الوطن العربي الكبير الذي يتأثر بما يدور فيه من أحداث، ولأن البيئة العربية وخصوصاً الخليجية والقريبة منها تنعم بثروة اقتصادية هائلة، جعلها مطمعاً لكثير من الدول، فإن هذا جر عليها ويلات كثيرة مع كونها دولاً تدين بدين يخالف معتقدات الآخرين ووضعوه موضع العداء، وفي هذه الفترة التي نتحدث عنها كان العالم العربي يعاني من حصار فرض على الشعب العراقي تلاه اجتياح له، وكان لا بد لمشاعر الشعراء أن تتحرك مقابل هذا الاختناق عليها من خلال شعب العراق، أضف إلى ذلك القضية المحورية الكبرى \"فلسطين\" وما استجد تجاهها من ويلات وألم، والمتتبع للنصوص الفائزة والمشاركة في هذه الفترة يلمح أن الهم العربي هو السائد على هذه النصوص، ففي عام 2003 فاز ثلاثة نصوص كان مضمون اثنين منها عن العراق وهما النص الفائز بالمركز الأول \"أوراق الشقي\" لعامر الحوسني، وهو يصور الحالة التي يعيشها الطفل في وطن يعاني من الحصار ويعيش تحت القصف لا يعرف النوم إلا إذا أنهكه التعب وهو ينتظر عودة أطفاله: لا طاح دمعـــك وانتثر .. الريح لدموعك قراح كثبان دمعاتــــــك ألـــــم فـــي راحتينك إجمعه ظميت بشعورك شقا والوقــــــت تبدي به كفاح لا كانت المحنة ثلاث \"المعمعــة عي المعمعة\" إنبش ثراها واختزل من قشــــــة العالـــم فلاح بالكاد يحرقها لقا والوصل بشويش أقطعــــــــه (اتدوس بالميـّـت خيول.. والفكر لخيولي جماح ضبـــــاب في لحظك قسى يا ليت دجله يردعه وأنــــــده لأطفالـــي مسا يمكن يرجعهم صباح وأنام من كثر التعـب والموت روحي ترضعه) والنص الثالث \" قراءة في جبين نازح بغدادي\" لعبدالرحمن الخزيمي، من خلال التذكر والاسترجاع لما كان يعايشه هذا النازح في سرد لعالمه الذي عاشه بأنفة وعزة قبل مرحلة النزوح حين يصور جبينه على أنه هو الذي يجبر كسر داخله: تذكـّـرت اللحون اللي طعون ٍ تشتهي صدري وكان الفجر من دمع الفرات يرتـّـب الأشكال مسافــــــــر ما لقيت الا جبيني جابر ٍ كسري أمانــــــه لا تخلـّــــيني أموت ولا هنا لي بال ويطلق الشاعر من خلال هذا النازح صرخة للعرب لانتشال هذا النازح من الضياع: يا عين الحرف يتبعها بريق الراء في جمري واشيــــل الباء بكفوفي وأمنـّـي بعدها الأجيال وكأن الشاعر النبطي راصداً أو متنبئاً للحدث، فقد أتى هذا النص بمفردة \"نازح\" وهذا النزوح هو إخلاء للمكان ليكون موحشاً خرباً تسكنه الأشباح، أو ليكون في مكان نزوحه أشخاص آخرون يستحلونه، وبعد سنة كان الاحتلال لمكان هذا النازح الذي لا يعرف ماذا يترك أو يخلـّـف لمن يأتي بعده: أنا جيتك يا أرض ٍ ما تزال بحلمه العذري تسائلنـــي عن اللي أتركه للبحر والأجيال أما الفائز بالمركز الثاني \"دراق\" لناصر بن خميس الغيلاني فأتى هذا النص نتيجة إرث من الألم والوجع والانكسارات في القضية العربية المحورية \"فلسطين\" وربما كانت التقاطة جملة \"علـّـها تهمي\" قريبة من تصوير الحدث من خلال التمني في هطول مطر يبل يباس هذا الانتظار: ينادونـــــــــــي محبيني تصبـّـر علـّـها تهمي سحايب ما وفى عارض وعدها إرث أجدادي سنيين أتخيـّـل اللقيــا بروق ويصدق الوسمي يطل الحلم مستانــــــس على شرفات ميعادي كأن الحلم عذري في خدرها والزمن نشمــي يذود .. يذود رجعي بالفكر يستأصل عنــادي إذن هو الحلم الذي يعيش حالة من العند على تحقيق أمل طال انتظاره، وهو ما صوره الشاعر بمفردة \"سنيين\" وأضاف إليها حرف الياء لتكون يائين ليعطي دلالة بصرية على طول فترة هذا الحلم. وفي عام 2004 عاد عامر الحوسني لينتزع المركز الأول مرة أخرى وبنفس المضمون \"يتيمة المنفى\" وهنا اقتراب وتوضيح للصورة بعد النزوح مع اقتراب الاحتلال، وتصوير ٍ لحالة بائسة، مع أنه يرى أن الحق واضح كالنور، لكنه يعيش حالة من الاغتراب: يمـــــــر النور في عيني شعاع ولا طرق بابي أنا والنـــــــور أغــــراب بمدينة ما بها لي نور تصوّر لو كسر ظلــــــي مداه بزحمة أصحابي وش يكون المدى لو ينكسر في داخله عصفور تعالي شاطريني بـــــــاء يــــا ما ماتوا احبابي ويا ما كل ما قلنا ويا ما يا قــــــدر مشكــــــور أحاول كيف يا دمعه ألمـّـك وانثر أسبابــــــــي وأنا كل ما أهل الدمع في عذب الفرات يغـــور وجاء نص \"أغصان السوالف\" لفهد سرور السعدي في المركز الثاني ولم يخرج عن بغداد أيضاً واقترب من الحدث بمفردات كثيرة منها \"الطغاة والغزاة و.. لا حصير و.. لا رضيع و.. ضحايا\" مع أن النص جاء مفتوحاً على احتمالات وأبعاد أخرى قد تعود على وطن آخر يشترك مع هذا الوطن \"العراق\" في المعاناة والانكسار والألم، وما يعطي هذا الاحتمال هو مفردة \"اختزال\" الذي يأتي نتيجة تراكمات زمنية: والسؤال اللي اختزل في الذاكرة وامطر سحايب وسط معمعــــــــــة الضحايا من يقيم لـْـهم صلاة يا الحصير اللي حضنـــت اوجاعنا قبل المكاتب لا تأرشف همنا ما بيــــــن رف وطــــــــاولات لينتقل إلى ناقد للواقع بقوله: هو صحيح العين ما تعلى على قوس الحواجــب لكن الحاجب تأدب في وجـــــــوه السيــــــــدات (ومثل ما عيـّـت تدوم لـْـحد بهرجة المناصــــب مثل ما الدور ايتنقـّـل بين مجموعة خــــــــوات) وفي عام 2005 كانت فلسطين هي المتحدث الأبرز وعلى موعد مع نص مبهر في لغته وبنائه \"جسر وعظام\" لعبدالعزيز الحسيني الذي حاز على المركز الأول، واقترب هذا النص من لغة \"الحجر\" التي كانت تسود وقتها: وانتزعت السهم من لحم الظلام والحجـــــــر والسنديان وتربتي والسلاســـــل والمنازل والخيام يا تماثيل الوطـــــن \"حريـّـتي\" هذه الحرية التي تأتي على رمية حجر يحاول أن يثبت للعالم أن له هوية لا تسكتها المدافع والرشاشات: وش هوية هالحجر وسط الزحام؟! مدفع الهـــــاون؟! بقايا صرختي؟! وعلى النص الثاني لعامر الحوسني \"وجه الضباب\" وكأنهما اتفقا على \"الحجر\" ليكون ثيمة لنصيهما: أنا الفلاح يا يافا .. زمااااان وللحصى صحبه ألــــــــم لما يجي ذنب الغريب ببهرجه داسك في عام 2006 كانت الجغرافيا تتحدث بلغة أخرى بعد أن عادت من الترحال والسفر، استقرت لتستوعب ما في الداخل من تفاصيل، وكانت بين البيئة الصحراوية التي تعاني من شح المطر، وبين البيئة الزراعية التي تعاني هي أيضاً، لكنها تتميز بالطين، والطين هو البداية التكوينية والنهاية، وسافر عبدالرحمن الخزيمي في \"صحاري المستحيل\" التي لم تخرج بمفرداتها عن تفاصيل البيئة، ولينال من هذا السفر المركز الأول: وش للمدى إلا عيونك والنخيل متشابهه كل النجوم بضحكتك لو لامست أهدابك أطراف المدى وش حيلته كل المطر صوبك يميل يتساقط بعين الظما طاحت ورا شوفك تواريخ وفصول بينما تنقل مختار بن خميس السلامي بين \"حواري الطين\" بعد اعترافه بالبعد عنها فترة من الزمن \"الكتابي\" ربما: كثير ابعد وانا بقرب المدينه اللي حوت طيني أمانه يا حواري الطين نامي وارجمي البيبان أجي مثل الضرير وفي يديني أجمل اسنينــي ترى وش فايدة أجمل سنين بقبضة العميـــان ويتضح من جملة \"ارجمي البيبان\" على أنه عائد للمدينة ولا يريد الخروج منها لأنه طالبها \"برجم\" الأبواب أي إغلاقها خلفه، ثم كان في لحظة مكاشفة معها حين صور كل ما ناله من جمال خلال رحلة زمنية على أنه جمال يحمله أعمى ولا يراه، وقد حاز هذا النص على المركز الثاني. تلى هذا العام عام آخر من الاستقرار في الوطن للاستراحة من الركض خلف \"الهم القومي\" والالتفات إلى معاناة الشاعر الإنسانية والشعرية من خلال نصوص مثل \"قفر حافر\" لخميس الوشاحي الذي سافر بأمانيه ليجد الحزن وقد نصب خيمته وتسلل في خفاء إلى الإحساس الذي تشظت منه هذه القصيدة: كل الأمانــــــي سافــــــــرت للغرابيل والحــــــزن نصـّـب خيمته في تخفـّـي لين الأمـــــــل شــــد الظعن للمجاهيل لا النوم طابــوري ولا الضحك صفـّـي إلى أن يقول: اليـــــــوم ما عادت تصيف المحاصيل ومــــا عدت أبل الجدب من وبل نفـّـي لكن هذا الحزن وهذا الانكسار كان له أثر السحر على مشاركته هذه، لينهمر مطر الفرح ويحوز على المركز الأول. أما أحمد البلوشي فقد شارك ب \"كاريزما الحروف\" بعد أن عاد من سفر مع الورق في نص شارك به قبل عام بعنوان \"أسافر والوهن أوراق\"، وجرب مع التفعيلة ليضع بصمةً لتجربته، ولتكون هناك شخصية لحروفه: ما بقى غيري أنا قد صحا مليون صاخب بين أدراج السما والمسا بلور أزارير العناكب فتـّـش الليل الكثيب أما علي الراسبي فقد انشغل بالتقاط صورة بيئية رائعة أسقط عليها واقعاً من صراع البقاء، وتطلع إلى الأمل من خلال \"لو\" في كثير من مفاصل نصه الجميل، و\"لو\" حرف تمنٍّ وهو لامتناع الثاني من أجل امتناع الأول: لو فكرت في الذبح بعض العصافير ما قربــــــــت للقمح لو كان ما كان لو مات حبــــك يا شعور التصاوير ما كان أورق في الأحاسيس تحنان ما دام أفكاــــــــــر القصايد مغاتير بزجي مغاتيري وأنا صاحب الشان 2- اللغة وتماهي الهوية يذكر الدكتور محمد ولد عبدي في كتابه \"تفكيكات\" في الصفحة 67 أنه \"إذا كانت اللغة في بنيتها التكوينية والوظيفية نظاماً إشارياً تواصلياً له بنيته وأنساقه ومكوناته فإنها في سياق الكتابة الأدبية تستحيل إلى رموزٍ تتعدى أصول المعجم وتخترق التواصل الجمعي، لتؤسس نمطاً كتابياً موسوماً بالإبداع قائماً على الانزياح ومبنياً على التشييد والتخييل والتشكيل، فاللغة هي مادة الإبداع الأدبي والشعري منه بخاصة، إنها كيمياؤه التي منها يتشكل وبها يكون وعلى قدر قدرة المبدع في صوغها وتشكيلها بأصباغ كينونته يكون إبداعه\" انتهى. وإذا كانت القصيدة العمانية لدى الشباب في هذه المرحلة قد عرفت بيئتها العربية الواسعة، وتفاعلت مع ما فيها من وقائع وأحداث، فدونت ووثقت ورصدت، وحاولت أن تقترب من أماكن الأحداث بوصف حدث لحظي أو تاريخي أو مكاني، أو من خلال اللهجة واستخدام مفردات من بيئة الأحداث، فإن هذه القصيدة تكاد تكون بعيدة عن محيطها الداخلي، ووطنها القريب الذي تنبعث منه هذه الإشعاعات الشعرية، واتجه الشعراء الشباب إلى معالجة قضاياهم بلغة شعرية تمثلت في اتجاهين: الاتجاه الأول تأثر وانبهر بما وصل إليه من وهج إعلامي للساحات الخليجية القريبة منه، وأدهشه اتساع رقعة وصول الشاعر الخليجي من خلال لغته التي يخاطب بها المجتمع الخليجي والعربي، فدخلت على القصيدة العمانية لدى الشباب مفردات لا تمثل البيئة أو الهوية العمانية، فتجد مفردات مثل \"مير بدلاً عن بس أو لكن، وإليا بدلاً عن إذا\" إلى غيرها من هذه المفردات، وربما قل استخدام هذه المفردات في المسابقات، لكنها حضرت بقوة في بعض القصائد مثل القصائد التي تلقى في حفل افتتاح أو ختام هذا الملتقى، لدرجة أن رئيس الهيئة في الفترة كنت مشاركاً في تحكيم إحدى هذه الملتقيات استوقفني ليطلب مني تقديم النصح للمشاركين في عدم الابتعاد عن اللهجة واستخدام لهجات دول أخرى، وأذكر أني قبلها بيوم ذكرت هذه النقطة من خلال الإضاءات التي تقدم عادة قبل الختام بيوم. أما الاتجاه الثاني فهو في \"تفصيح\" اللهجة والتوغل في المفردات الفصيحة وإشباع النص بها، لدرجة أن المتابع للقصيدة في هذه المرحلة يجد مفردات تحتاج إلى الرجوع إلى المعجم \"الفصيح\" للوصول إلى معناها، وبعضها مفردات علمية تمثل محور الفكرة وإذا لم يفهم معناها فإن النص بأكمله لن يفهم وستكون مفاتيحه في يد هذه المفردة حتى لحظة فك شفرتها، فهناك استخدام لمفردات مثل الرجز وكاريزما ودراق وبراح وغيرها من هذه المفردات، وربما يعتقد المتتبع لما أوردته من كلام الدكتور محمد ولد عبدي أن هذا الإيغال اللفظي مطابق لهذا النهج وموافق له، لكن الدكتور ولد عبدي يوضح في فقرة أخرى ما قصده فيقول: \"غير أن الشعر لا يستطيع تحقيق ذلك ولا بلوغه إلا إذا ركن إلى لغة مخصوصة تقع في الدرجة الثانية من التواضع، وإلى بناء مخصوص قائم على النظام والانسجام وبهذه الخصائص يكون التفاوت بين الشعراء، حيث تجد البعض منهم لا يكاد يفارق لغة التواصل وأسلوب المخاطبة في نثرية مقيتة وتقريرية خرساء مهما كان اتكاؤه على الأوزان الشعرية التقليدية، كما تجد البعض الآخر يرتاد أخفى شعاب اللغة وأوغلها في الإيحاء مستدعياً كل ما فيها من عناصر دالة مهما تناهت في الصغر موظفاً إياها في لحمة النص\" انتهى. وقد غفل كثير من الشباب عن معنى التواضع والموازنة بين هذا وذاك، مثلما غفل كثير منهم عن استخدام ما يدل على البيئة من خلال اللغة، كما غفلوا كذلك عن استخدام ما يوحي أو يمثل مكانية الشاعر مثل الرموز الوطنية والتاريخية والمعالم الشهيرة والأماكن وبعض التقاطات البيئة ومسمياتها وغيرها، وربما غلـّـب الشاعر لغة المدينة التي تتماها معها كثير من اللهجات لتدخل في لهجة موحدة، وهذا الأمر على افتراض أنه أمر لابد منه لكي تصل القصيدة الشعبية وتنطلق خارج محدوديتها المكانية إلى نطاق جغرافي أرحب، إلا أن هذا لا يعني إغفال أن يدخل الشاعر في قصيدته ما يدل على هويته، وقد كانت القصيدة الجاهلية كما تشير الدراسات عبارة عن مجموعة من اللهجات اتحدت لتكوّن لغة أدبية موحدة هي لغة قريش التي نزل بها القرآن الكريم، ساعدها على ذلك ظروف اجتماعية ودينية واقتصادية، إلا أن الشاعر الجاهلي مع هذه اللغة الأدبية الموحدة لم يغفل هويته، فكان استهلاله الطللي دليل وإثبات لهويته كذكره لقبيلته وحروبها وأمجادها، كما ذكر الحب وذكر أماكن الحبيبة، كما هو عند امرؤ القيس وطرفة ولبيد وعنترة وغيرهم من شعراء الشعر الجاهلي، وأصبح للقصيدة الجاهلية مقومات فنية وتقاليد، ولا أعني أن تكون القصيدة النبطية الحديثة في استهلالها طللية، إنما ما أعنيه هو أن تكون هناك إيحاءات وإيماءات توحي للقارئ بمكانية وهوية الشاعر، فمعظم القصائد في لغتها أصبحت متداخلة، ووصلت إلى ما يسمى \"اللهجة البيضاء أو اللغة الثالثة\" وهذه اللهجة لا يستطيع المتلقي نسبة شاعرها إلى بلد معين إلا من خلال ذكر الاسم مع البلد في أسفل القصيدة وإلا فإن هويتها ستصبح مفقودة، وإذا كانت الحاجة ملحة إلى وجود هذه اللهجة ليصل الشعر إلى نطاق أوسع من محيطه الداخلي، فإنه لا يعني في الوقت نفسه أن يتخلى الشاعر العماني عن \"دشداشته\" وعمامته وخنجره ليقول لمن يقرأ نصه أن هذا النص إبداع عماني. 3- عنوان النص ودلالاته: لم يعد العنوان دلالة اعتباطية أو زيادة كلامية، بل يراه الناقد على أنه الدال على المضمون وأحد أهم مفاتيح النص الذي تتمحور حوله جزئياته، وتتلخص من خلاله أفكاره. وإذا أخذنا نصان من النصوص كنموذج للحديث عن دلالات العنوان فإن نص \"أوراق الشقي\" للشاعر عامر الحوسني نجد فيه أن العنوان يتكون من كلمتين: أوراق + الشقي، وربما يظن قارئ العنوان للوهلة الأولى أن كاتبه سيتحدث عن جغرافيا لا تتعدى أرضيتها قلبه ومشاعره من خلال دلالة المفردة الثانية \"الشقي\" حين يتحدث عن دلالة المفردة الأولى \"أوراق\" والأوراق لها دلالات مختلفة، فهي تحوي الحزن والدموع والوجع كما تحوي أيضاً الفرح والبهجة، فالورق قد يكون شيكاً بمبلغ ٍ مالي ٍ مجز ٍ أو شهادة نجاح أو خلافه، وفي جانب آخر قد تكون شهادة رسوب أو إقالة من عمل أو مخالفة تستدعي دفع غرامية مالية ونحو ذلك من الهموم والأوجاع والنكبات، لكن سياق النص ابتعد كثيراً عن هذه الجغرافيا ليصل بها إلى الجغرافيا الأوسع، وبجمع الشاعر بين الورق وبين الشقاء أعطى دلالة على أن محتوى النص له انكسارات ومواجع كثيرة. وقد لا يكون العنوان مفتاحاً أو ملخصاً لفكرة محورية، وقد يوحي إلى عكس ما يتوقعه القارئ، فعنوان قصيدة ناصر الغيلاني \"دراق\" يوحي بأن النص يحتوي على موضوع يبعث الأمل والسرور والبهجة في نسيج النص، مثلما يحدثه الدراق من تذوق شهي لهذه الفاكهة، لكن الشاعر قد لا يوفق أحياناً في اختصار فكرته ليجعل القارئ أمام خيار الإبحار في النص للوصول إلى مفاتيح أخرى، وهو ما فعله ناصر الغيلاني في البيت قبل الأخير: هنا الدراق يورق في بساتيني على رسمي وبرزخ هالوفـــــا ما بيني وما بين رينادي لتتضح الصورة كاملة في البيت الأخير الذي يرى فيه ارتباط الفلاح بأرضه، وبأن الأمل يبقى شهياً حتى وإن غيب الزمن موسم حصاده: هنا أرضي ونبض غايتي في حربي وسلمي هنا القدس الشريف وتذكرة موتي وميــلادي 4- الإيقاع: مثلما كثر استخدام بحر الرجز في الشعر العربي فإن هناك بحور كثر استخدامها في القصيدة الشعبية العمانية لدى هذا الجيل واستخدمناه معهم، فقد كثر استخدام بحر رجز النبطي الذي يأتي على وزن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن \"أربع تفعيلات\" في كل شطر، وعلى لحن الشيباني الذي يأتي على مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن \"أربع\" في كل شطر، وفي النصوص الفائزة لعام 2003 هناك أربعة نصوص مقسمة على هذين البحرين بالتساوي، فقد كان نص أوراق الشقي لعامر الحوسني وقراءة في جبين نازح بغدادي على بحر رجز النبطي، بينما كان نص دراق لناصر الغيلاني ونص ثورة المطر لفهد سرور السعدي على لحن الشيباني وقد سمي بحر رجز النبطي \"حمار الشعراء\" وأرى أن رجز النبطي مع لحن الشيباني هما حصانان وفيان يقودان عربة الشعر الشعبي العماني نحو مدن الجمال. شعر التفعيلة: وقد دخلت التفعيلة على النصوص المقدمة للتسابق خلال هذه الفترة متأخرة، فقد فاز أول نص في نصوص عام 2005 للشاعر سالم سيف الريسي بعنوان \"وجوه\" وقد وفق في العنوان وأعطى دلالة على الإيقاع الخارجي المتمثل في الشكل مثلما أعطى دلالة على الإيقاع الداخلي المتمثل في الأصوات المتداخلة في جزئيات النص وتشظي الفكرة، ثم تلتها تجارب ناضجة في السنوات التي تلت هذه السنة، وكانت بحق إضافة لهذه التجربة على الرغم من التوجس منها في بداية الأمر. الشاعر محمد عبدالله أحمد البريكي الملتقى الأدبي الخامس عشر البريمي من 4-8/7/2009 | ||
![]() | ![]() |