قراءة نقديه إنطباعيـه في قصيدة (آخر شبابي) للشاعر/ طلال الغساني
06-28-2009 02:52 مساءً
0
0
1793
![]() | ![]() | |
قراءة نقديه إنطباعيـه في قصيدة (آخر شبابي) للشاعر/ طلال الغساني للكاتب : ياسر الغانم ما عدت معني ألحــق الســرب واطير ما عدت معني أمتطيها سحابــي مانــي فتيــل احساس أو نافــخ الكيـر ماني حبر قرطاس فكري رمى بي كم دست خد الأرض من زحمة السير كم نمت صاحــي من طرواة ترابي كم قلت يا طيفــي بتصبـح على خيـر علــق ثيابـك وانسلـــخ مــن ثيابـــي خيّطت لك حلمي علــى حافــر العيـر مديــت كمــي ليــن آخـــر مـــدى بــي ليه اعدمـوا حلمي والقوه في البيـر ليـــه آتشـــرق مــــن بقايــــا لعــابـــي يا ذيب منت بخيــر دامـك بلا خيــر يا ذيــب دم الكـــذب منــك احتــوى بـي صليت فقــر الذنب واسلمـت تقديــر بانـــه مصـــابــي دوم أول مصـــابـــي يا رب وش ذنب الصقــر والعصافير يا رب مابـــــي مـــن روايـــات نابـــي فضلت خنق الناي.. دوس المسامير فضلــت صمتــي فـــي قرايـــة كتــابــي بالله شفنـــي صــار دمعـــي طوابير نادى الشبـــاب اليـــوم آخـــر شبـابـــي ما عدت معنــي أسجدك دون تبرير ما عدت معنـــي أنتفــــض من ســرابـي لست هنا ناقدًا ولا قارئًا ولا محكمًا فأنا بعيدٌ عن تلك كبعد الأرض عن سقف السماء ولكني هنا قائلا وشارحـًا لما يختلج في نفسي حول هذه القصيده التي بمجرد قرائتي لها علقت بذهني أكثر من تلك القصائد التي قرأتها سابقـًا للشاعر/طلال الغساني قبل أن كتابته هذا النص والتي ما زالت تدغدغ مخيلتي، يقولون إذا أشكل عليك أمرًا وأرق صدرك فاشكه لأحد أصحابك لتجد الراحة، لذلك شكوت ما في نفسي لهذه الورقة فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان .. ولكل قارئ مجتهد ٍ نصيب، لأن في هذا النص تحول جذري لتجربة الغساني ولكي لا أطيل سأبدأ من العنوان وأستسيمح القارئ لهذه القراءة عذرًا لعدم التوضيح الكافي وعدم تطرقي إلى كل جماليات النص. إن الشاعر وفي نظري إذا وضع العنوان لم يضعه من فراغ، فنحن نعلم بأن آخر الشباب هو بداية الشيخوخة، وإن بدأت هذه المرحلة في عمر الإنسان بدأ العناد والتمسك بالمبادئ القديمه، وعند علماء النفس آخر الشباب هو بداية مرحلة النضج ، وكأني أراه يقول لنا لن أتراجع عما أريد الوصول إليه رغم كل الصعوبات التي مررت بها والتي لازلت أمر بها، ومن خلال العنوان تتضح الإرادة والقوة والعزيمة التي تكون في مرحلة النضوج التي يمر بها الإنسان كما أننا نرى من خلاله تلك الإشارة التي تقول لنا بأني قد نضجت شعريًا، ولنحلق معا حول تفاصيل الصمت والعزلة والغربة التي مكثها الشاعر لندخل إلى أجواءه، ولكن قبل أن الدخل إليه سأبين البحر الذي جاءت به هذه القصيده حيث أن القصيدة جاءت على بحر المسحوب مع زيادة حرف في الصدر، فهذا البحر هو بحر مشهور في الخليج وهو بحر يتميز به شاعرنا ويتقن الكتابة فيه ، أرى أن البحر الذي جاءت به القصيدة مناسبا لموضوع النص ولمشاعر الشاعر. مــــا عــــــدت معنـــــــي ألحـــــق الســــرب واطيـــــــــر ما. عد. ت. مع./ ني. أل. ح. قس./ سر. ب. وا. طي./ ر. مستفعلـــــــــن/ مستفعلـــــــــن/ فــــاعــــــــلاتن/ ر مـــا عــــدت معنـــــي أمتطيهــــــا سحــــــابـــــــي ما. عد. ت. مع./ ني. ام. ت طي./ ها. س. حا. بي مستفعلـــــــــــن/ مستفعلـــــــــــن/ فـــــاعــــــلاتن وجاء ليعلن لنا عن بداية مرحلة جديدة ما عدت معني ألحق السرب واطير ما عـــدت معنـــي امتطيها سحابي ماني فتيل احساس أو نافـخ الكيــر ماني حبر قرطاس فكــري رمى بي دخول شعري رائع وكأن الشاعر من خلال هذا المدخل قد استدعى سائلا نكره ليجيبه بالنفي الذي عبّر عنه بالحرف (ما) في صدر البيت الأول وقد تكرر النفي تكرارًا لفظيا بعجز البيت وكلمة (ماني) في البيت الثاني وتكرارها في أول الصدر والعجز ما يزيد من قوة المعنى، إذ نفهم من خلال هذا النفي أن المتلقي (ضمير مستتر) وكان سببًا في رد الشاعر داريّا للخبر المراد إلقاءه إليه ومترددًا فيه مما تطلب هذا التكرار اللفظي ليزيل تردده ويقتنع بالحال الذي وصل إليه الشاعر والذي أعلن من خلاله بعدم اهتمامه بالطيران واللحاق بالسرب وامتطاء السحاب الذي يطمح أن يصل إليه كل من في هذا الجمع المراد الوصول إليه ، كما أنه نفى ما يعتقد البعض من أنه فتيل احساس أو النافخ للكير، ففتيل احساس صورة بلاغية جميلة أجادها الشاعر حيث أن الفتيل له وقت إشتعال ينتهي بانتهاء الوقت سواء طال وقته أو قصر فالفتيل هو مصباح قديم أو خيط متين متدلي بداخل زجاجة ذلك المصباح ، فهو إحساسٌ لا ينضب يضيء في هذه المعمعة التي بها ، كما أنه كرم نفسه بعدم الإتصاف بذلك الرجل الذي إما أن يحرق ثيابك أو تشتم منه رايحًا خبيثه وهذه صفة نافخ الكير التي نفاها شاعرنا عن إحساسه وإنسانيته والذي يأبى أن يكون حبرًا على قرطاس يرمي به فكره حيث لا يعلم . كم دست خد الأرض من زحمة السير كم نمت صاحي من طرواة ترابي كم قلت يا طيفــي بتصبح علــى خيـر علــق ثيابــك وانسلــخ مــن ثيابي خيّطت لك حلمي علــى حافــر العيــر مديت كمـــي لين آخـــر مدى بي ما زال الشاعر يأتي بالمؤكدات وينوعها لهذا المتلقي مستخدما يا المُتكلم فجاء بحرف (كم) الخبرية بعدة أفعال ماضية( دست، نمت، قلت) للتأكيد ولنستشف من خلالها الإستمرار في الحدث وكثرة تكرار الحدث والمحاولة والمعاناة التي كان يخوضها، فدست خد الأرض من زحمة السير دليل على تلك المعاناة، كل من في الأرض يدوس عليها وهذا أمر عادي ليس به من الشعر شيئا ولكن لو نظرنا إلى الصورة البلاغيه التي جاء بها الشاعر والتي صوّر فيها سطح الأرض بخد يشبه خد آدمي يطأه من كثرة الزحام في السيرفتضيع معالم ذاك الوجه ، فالإنسان يعرف فرحه وحزنه وصورته من تقاسيم وجهه والخد جزء من الوجه حيث نراه يحافظ عليهما (أي الوجه والخد) أكثر فهو أول من ينظر اليه الآخرين فإن كان منظره حسن إستحسنوه وبعث فيهم الراحة والألفة والطمأنينة والعكس صحيح ، وهنا تلميح على أن هذا الخد الذي وطأه الشاعر غال ٍ ولم يقصد أن يطأه لأن إطاءة الخد أو الوجه إهانة لصاحبه ، إلا أن السبب في ذلك زحمة السير وهذا العذر مقبول جدًا ففي الزحام وإن سقط أحدهم لا يمكن تحاشي أن يطأه الماره ، ثم ينقلنا الى فترة السكينه والهدوء (نائم) والنائم مرفوع عنه التكليف حتى يصحو وفي الوقت نفسه (صاحي) من أجل طهارة ترابه، فهو يعلم بمكان الوجه لدى صاحبه إلا أنه مغلوب على أمره وربما يحاول الشاعر تقديم إعتذار للأرض ، فــ( نمت صاحي) مفارقة جد جميله يعيشها الشاعر ويجسدها في البيت ، فأبو مسلم البهلاني يقول: نقي غبار الأرض بيض ثيابنا وتلك رثاث الأولين تطير فما أشبه الصورة بتلك وإن كان ظاهرهما خلاف مما نقول ، فالشاعر لم يكن ليدخل في هذا الزحام إلا من أجل أن يبقي على طهارة ترابه ومعدنه، لذلك كان يقول للطـَيف الخاص به (كم قلت يا طيفي بتصبح على خير، علق ثيابك وانسلخ من ثيابي) فبتصبح دعاء لهذا الطيف بأن ينام وهو في أحسن حال وهنا تظهر الرحمة والمحبة التي يكنها الشاعر لطـَيفه، و(علق وانسلخ) فعل أمر وكأن الشاعر يأمر طيفه الذي كان يزوره خوفـًا عليه من أن يبقى معه ويحدث ما لا يحمد عقباه، فهنا قد يكون الأمر قاسيا على الطـَيف ومن الوهلة الأولى كيف له أن يجمع بين الدعاء له والذي يدل على الرحمة والإشفاق وبين الشدة عليه؟ فإن غضبت الأم على صغارها دليل على رحمتها وحبها لهم، وإذا قرأنا البيت الذي يلي هذا الأمر الذي ظاهره قسوة نجد التفسير واضحًا وضوح الشمس، فهو لم يقسو إلا لأنه خيّط له حلمه على حافر العير، مع إمداد كـُمه إلى آخر ما وصل إليه الكـُم من امتداد، وكل هذا يساند ما ذكرناه سابقا، (فخيّط) على وزن (فعّل) وهي صيغة مبالغة، والحافر هو قدم الدابة والدابة كل ما يدب على الأرض، بدليل قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }هود(6) ،والعير الإبل وهي دابة على حسب معنى الدابة المستشف من الآية القرآنية والإبل ليس لها حافر بل خف ولكن الشاعر استعار الحافر الذي هو قدم الفرس للعير ومن وجهة نظري أرى أنه وفق في ذلك لإنهما يشتركان في الدّب فكل منهما يدب على الأرض، ولهذه الإستعارة دلالات عده منها أنه قد خيّط هذا الحلم على حافر الإبل أي على أمل رجوعها من السفر، لذلك مد كـُمه إلى آخر مد يصل إليه وهنا مجاز مرسل ، ذكر الكـُم وأراد اليد فالكـُم مرتبط باليد وامتداد الكُم أو قصره إشارة ماديه واضحه لتلك العلاقه المرتبطه بين الإثنين ، فالعلاقة لازمية والقرينة اللفظية مدّيت، فالشاعر يأمر الطيف بأن يُعلق ثيابه وينسلخ من ثيابه في صورة بديعه مع الدعاء للضمير المستتر الذي لم يعلن عنه وتركه مجرد إشارة على وجود مُخـَاطب في القصيده بالعودة على أثر حوافر الإبل التي رحلت مع امتداد يده التي تقول للراحلين عبثـًا (خذوني معكم) ، وهذا دليل على إلحاح الشاعر ورغبته الشديده اللحاق بالركب إلا أنه يفاجأ بأمر لم يكن بباله وهو الذي دفعه إلى هذا السؤال، بالخطاب النفسي، والإستسلام للنتيجة التي حصل عليها. ليه اعدموا حلمي والقوه في البير ليه آتشـــرق مــن بقايـــا لعابـــي يا ذيب منت بخير دامــك بلا خيـر يا ذيب دم الكذب منك احتـــوى بـي صليت فقر الذنب واسلمت تقديـر بانــه مصابـــي دوم أول مصـــابـي ليه اعدموا... وليه آتشرق؟ سؤالان في قمة الحيرة والدهشة مما جرى ويجري، وخطاب نفسي وعقلي يبين أثر المعاناة والصدمة التي تلقاها الشاعر في قوله (يا ذيب منت بخير...) والواقع المرير الذي جعله ينسى ويعتقد بأنه لا يوجد مصاب أعظم من مصابه، كما أن لهذه الأبيات توظيف ينقلنا مباشرة إلى قصة سيدنا يوسف مع أخوته عندما ألقوه في البير ورجعوا إلى أبيهم بقميص يوسف به دم كذب واحتساب سيدنا يعقوب مع علمه بأن ما قاله أبناءه كان كذبًا وتسليمه الأمر لله سبحانه وتعالى، وهذا التوظيف قمة ٌ في الإبداع حيث الإشارة والتلميح إلى القصة دون ذكر تفاصيلها ، لقد أُلقي بحلم الشاعر في البير وحلمه أن يرى ما تعب من أجله حقيقة ، لذا جاءت صَلاته بسبب فقر ذنبه الذي أتى به وسط ذلك السرب مسلمًا أمره تقديرًا وناسيًا أو متناسيًا مصائب الآخرين حيث لا يرى مصيبة أكبر من المصيبة التي أصابته، إن الإنسان المسلم بطبيعته ما أن يهن أمره إلا ويتجه إلى خالقه وهنا اتجه الشاعر إلى ربه بسبب فقره وذنبه وسلم ربه أمره إلا أنه نسي قول الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: \"لا يغلب يسرين عسرا\" أو كما قال الشاعر( ضاقت فلما استحمت أقفالها .. فرجت وكنت أضنها لاتفرج) لكن هذا التسليم ليس به شيء من التفاؤل والثقة لذا كان هذا السؤال الذي بثه يا رب وش ذنب الصقر والعصافير يا رب مابي من روايات نابي الرب: هو الله عزوجل في سائد القول وقد يقال ربْ للمربي أو لمالك شيء ما، فذاك أبي طالب يقول لإبرهة: \" إني أنا رَبُ الأبل، وإن للبيت ربًا سيمنعه\" لذا يمكن أن يكون المقصود رب هو من كان مسؤولا عن هذا الأمر الذي يسعى إليه الشاعر ولا أظنه يقصد بكلمة رب (الله عزوجل) لأن المسلم الصادق لا يعارض أمر الله ولا يمكنه أن يناقش ويسأل الله عزوجل عما يفعل، والصقر والعصافير رمزان للقوة والضعف حيث أن العصفور أضعف من الصقر هنا أراد الشاعر أن يقول لهذا الرب لماذا جعلت الصقر قويًا ألا تعلم بأنه يستطيع التحليق عاليًا واقتناص الفرصة والفتك بمن هو أضعف منه، هل يجب أن يبقى الصقر قويًا والعصفور ضعيفًا؟ وهذا سؤال فلسفي جميل جدًا، إذ أن الله عزوجل خلق كلً وطبيعته التي أرادها له دون اعتراض من المخلوق ولا يحق للمخلوق إلا الإنقياد التام لخالقه قال تعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }الزمر39، والكثير من الآيات التي تدل على العمل في القرآن الكريم، لذا إستندت الى البيت الذي يليه لتقصي ما فعل الشاعر: فضلت خنق الناي.. دوس المسامير فضلت صمتي في قراية كتابي كيف لنا تخيل هذه الصورة، رغم أنها حقيقية وما أعنيه هنا الناي المخنوق بالكامل لحظة العزف، وصرخة الألم حين تدوس المسامير فالناي لا يعزف ولا يشدوا بصوته الجميل والشجي إلا حين يخنق في مواضع ويفتح في أخرى وبشكل تتحكم فيه أنامل العازف ، ولا يصرخ الشاعر ويأن إلا مع شدة الألم ، لذا كان خنق الناي هنا سببًا في ما جاء في هذا النص، وكثرة دوس المسامير سببًا لهذا العزف أوالألم إن صح التعبير الذي أراد الشاعر بيان حالتة لحظة كتابة القصيده والضغط على نفسه بعدم الصراخ أو إصدار أي صوت يدلل على ضعفه مكتفيًا بتجرع الألم وخنق صوته الذي وصفه لنا بعبارة أخرى هي خنق الناي رغم ما يعانيه من دوس المسامير والإشتكاء والإحتساب لله مما جرى وتطيب النفس بكثرة قراءة القرآن والدال على ذلك (قراية كتابي)، فالدراسات الحديثة أثبتت أن كثرة قراءة القرآن تساعد المرء على الراحة النفسية والطمأنينة فالله تعالى يقول: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }الرعد28، كما أن خنق الناي وأنين الألم نسجا هذه المقطوعة الموسيقية الحزينة الجميلة التي جاءت في هذين البيتين الأخيرين حين قال: بالله شفني صــار دمعــي طوابيـر نادى الشباب اليوم آخر شبابي ما عدت معني أسجدك دون تبرير ما عدت معني أنتفض من سرابي فالدمع ينزل حين يتأثر الإنسان بكلام الله عزوجل ويُعود نفسه على سماعه لإن كثرة الإستماع للقرآن يُلين القلب وإذا لان قلب المؤمن خاف من عقاب ربه واستجدى رحمته فالله تعالىيقول في محكم القرآن: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ }ق45، ويقول تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الحشر21، الجبل يخشع ويتصدع من خشية الله فكيف يكون القلب ذلك العضو الحساس، في المقابل النقيض تنهمر الدموع تلقائيًا بمجرد إحساس الأذن بلحن حزين وأحيانا أخرى يحدث الإنهمار لسماعها لحنًا فرائحيًا ، وآخر الشباب يكون في أواخر العقد الخامس من العمر فبمجرد انتهاءه تبدأ مرحلة الشيخوخة وعند علماء النفس هي مرحلة الضعف الجسدي والوهن. وحين قال: (ما عدت معني أسجد...إلخ البيت) فهذا جاء بعد أن تيقن الشاعر أن السجود والخوف من السراب لا مكان له في ظل التمسك برحمة الله، قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة3 ، وهذا فعلا ما كان وصار فهو يغرد خارج السرب ولا يخشى أحدًا وقد رضي بهذا الدين مما جعل خفض من نبرة العنف والتحديفي الابيات الأولى والتحليق بالقصيدة بعيدا دون إعارة الآخرين أي انتباه. البيت الأخير يعود بنا إلى البيت الأول بتدويرة أتقنها الشاعر بحرفنة جميلة قل من يجيدون التدوير والختام فقد ربطنا بأول النص. قبل أن أختم قرائتي أود أن أبين هذه الملاحظات على أسلوب القصيدة وهي كثرة استعمال الأفعال الماضية (عدت، رمى، دست، نمت، قلت، اعدموا، خيّطت، فضلت، صليت،) وغيرها. استخدام صيغ المبالغة التي جاءت على وزن أفعل( فضّلت، صليت، خيّطت)، أي بشكل عام أن الجمل المسيطرة على القصيدة جمل فعليه نـَوعها الشاعر بين أفعال ماضية وهي أكثرها وأفعال مضارعة وأفعال أمر وبين مشتقاتها وكل هذا يخدم الحالة الشعورية التي مر بها ولو أكثر من الجملة الأسمية لوقع في خطأ كبير حيث أن الجمل الإسمية تفيد الإستمرار في الزمن بعكس الجمل الفعلية التي تفيد عدم الإستمرار. المراجع: · بعض آيات القرآن الكرم · مجلة وهج العدد السابع · سيرة النبي لابن هشام · المفصل في علوم البلاغة العربية · قواعد اللغة العربية (النحو والصرف) زبدة ما في شرح ابن عقيل وأوضح المسالك لابن هشام وشذا العَرف في فن الصرف · الموسوعة الشعرية ( المجمع الثقافي أبو ظبي) | ||
![]() | ![]() |