• ×
الجمعة 10 أكتوبر 2025 |

دور المثقف ماله وما عليه

0
0
826
 
دور المثقف ماله وما عليه
للكاتب : سالم السيفي


لقد أصبحت الثقافة هي وقود التطور الحضاري وقاعدته وأساسه المتين ومن منا لا يحتاج إلى المعرفة وتطوير ذاته من خلال الاطلاع والوقوف على كل جديد يضيف إليه ما يجعله قادرا على توسيع مدارك فهمه وإفادة الآخرين ممن هم حوله والثقافة هنا لا تعني القراءة والكتابة فحسب وإنما بمعناها الشامل الذي هو ثقافة النفس في جميع جوانبها الحياتي والفكري والترفع عن كل ماهو منبوذ ومخل بالقيم الإنسانية التي يجب أن تكون في مصاف النبل والرقيّ..

فعروة التقدم في العالم المتأزم الخانق الذي يضج بآلام الغربة عن الذات وضياع الهوية والانشغال بالنزاعات الجانبية عن القضايا المصيرية تجعلنا أكثر بحثا وتعمقا في هذه الجوانب.. وما أكثر القضايا المصيرية التي تحتاجُ من يقف عليها وقفة جادة ..ومن أهم هذه القضايا تنشئة الجيل الذي يحمل المضامين الإنسانية السامية بكل ما تحمل من معنى بدءاً من تمسكه بعاداته وقيمه والحفاظ على هويته وارثه ونشر الوعي في جميع المجالات الخاصة به حتى يكون جيلا مهيئا لمستقبلٍ تحكمه المتغيرات على جميع الأصعدة الحياتية وتكثر فيه السلبيات فإن لم يكن رب الأسرة الرقيب الأول على تنشئة أبنائه تنشئة قائمة على أساسٍ متين وصادق فإن مما لا شك فيه أن هذه الكينونة ستصبحُ هشة يحيطها الضعف من كل حدبٍ وصوب..

ولو أردنا أن ندلل على ذلك سنجد أن الكثيرين من الأشخاص يتحدثون عن مفهوم الوعي ويحتفظون ببعض النظريات التي توارثوها سماعيا من هذا وذاك ولم يلامسوا حقيقتها سنجدها كثيرة .. ولكن لو بحثنا في الجانب الأخر لوجدنا أن الحاجة ماسة للتطبيق الفعلي فهل من الصعبِ على أي شخص أن يكون في وضع يجعلهُ قادرا على التماهي مع حقيقة ذاته وتكون نظرته نظرة المتأمل الثاقب لما تدور حوله من أحداث.. قد يقول قائل نعم هذا الأمر ليس بذلك الأمر الصعب وقد يقول آخر أنني أفضل من غيري في أمور كثيرة..ولو تسألنا هل من المنطق أن يدلف كل واحد منا ضمن مفاهيم لا يدرك معناها وأبعادها وذلك إيمانا منه بقناعاته قائلا أنني ما دمت على صوابٍ فلمَ أنظر إلى تجارب الآخرين وهذه مقولة باتت مشهورة لدى الغالبية العظمى وما أن يأتي عليه يوم من الأيام ويجدَ نفسه غارقا في مغبة الفشل وعندها يعي كم من الوقت استنزفه بالتمسك برأيه القاصر والذي جهل فيه تجارب الآخرين ممن سبقوه إلى المعرفة والاطلاع .

فلذا ليس من العيبِ أن ننتقي السمين ونتركَ الغث كي نستطيع مواكبة جميع الأحداث ونحن نحمل رؤية ثاقبة أتت بعد بحثٍ واطلاعٍ شاملين هيأت لنا قاعدةً متينةً من الفهم والإدراك . إلا أنني أجد من الغرابة أن لا تُبدي الأوساط المثقفة في مجتمعنا الثقافي أي اهتمام بهذا الجانب ولا تتطلع إلى غرس مفاهيم ثقافية فاعلة في أراضينا الخصبة..وحينما أقول خصبة ليس من باب الاعتقاد لأنني على ثقة كبيرة أن مجتمعنا يحمل في وسطه قابلية للتغيير والتأثير الثقافي إذا ما تكاتف الجميع تحت مظلة واحدة وهي مظلة التوجيه السليم المشروع لكل فرد من أفراد المجتمع يجدُ نفسهُ قادرا على تغير الخطأ فكم من الأشخاص تنقصهم النصيحة والتوجيه ولديهم قابلية التغيير السريع لأنماط حياتهم التي تأثرت بالمؤثراتِ السلبية وأفقدتهم العديد من الأشياء الجمالية التي تكون مخبأة فيهم ولكن لم تجد من يقوم باكتشافها وجعلها ذات نفع..مع أننا لابد علينا أن نركز على العوامل التي كرّست الجهل والتخلف واللامبالاة والتي قد تكون ناجمة عن سلوكيات مكتسبة من البيئة المحيطة بهؤلاء الأشخاص أو من عدم اهتمام الأسرة ذاتها وانشغالها بتوفير لقمة العيش دون النظر إلى الجوانب الأخرى الأكثر أهمية كنشر الوعي والنصح السديد بين أفراد الأسرة..أو يكون الاعتماد الكلي فقط على المدرسة والمؤسساتِ التعليمية في معالجة هذه الأخطاء وهذا بحد ذاته غير كافٍ إن لم تكن البداية من الأسرة ذاتها.


ولو تساءلت عن دور المثقف في عملية التوجيه والإرشاد..فهل هذا يعتبر خارج صلاحياته كشخص أنعم الله عليه بنعمة العلم والمعرفة وهذا حسب اعتقادي هو ما نحتاجُ إليه اليوم سواء كان على مستوى الفرد الأسرة - و المجتمع حتى لا ندلف بعوالمنا الثقافية في محيطات فكرية لا تعد سوى اجتهادات شخصية يتناولها البعض على مضضٍ وتجد الآخرون يتثاءبون وكأن الأمر لا يعنيهم إطلاقاً..فماذا سيكون لو طرحت هذا السؤال الذي بات يؤرقني ويشغلني كثيراً والذي أجد الإجابة عليه ليست من ضرب الجنون وليست من فرط المستحيل وسؤالي هو: ماهو الحيّز الذي يشغله مثقفونا اليوم في هذا المجتمع وما هي الآمال والطموحات المرجوّة من ثقافتهم وماذا تعني مقومات العمل الثقافي لديهم هل هي فقط التقوقع في صومعة الأخلاء والاكتفاء بالنظرة الصامتة ليتربعوا على رأس الهرم أم أن هناك خياراتٍ أخرى لديهم وتوجهات قيد الإنشاء تدلل على أهمية الرسالة التي يحملونها وأهمية نشرها بين أفراد مجتمعهم مساهمة منهم في الأخذ بيد الآخرين ممن ينقصه هذا الجانب المهم وتوجيهه توجيها يفتحُ عليه أفاقا أخرى من المعرفة.

فمتى سنجد من هم قادرون على أن يكيّفوا الدور الثقافي كماً وكيفاً ويصيروه عبر صيرورة تستحوذ على الاهتمام الكافِ.. حتى تأتِ اللحظة التي تأخذ حقها من الدراسة والبحث من أقلام وأفكار المثقفين ويكون من بين هذا البحث والتقصي جيلاً ثقافياً يعطي دونما توقف..

استطيع القول أن الذين اعتنوا عناية لا بأس بها من هذا الجانب قليلون..وهذا يعني أني لم أجد ما يسمى بالعمل الجاد الذي يفعّل دوور المؤسسات الثقافية في احتضان هذا الجانب احتضانا يمنحه صفة التميز في الأداء وبذل الجهود المرجوة منه وأرجو أن لا يفهمني البعض على أنني أقلل من شأنهم أو أنكر عليهم جهودهم ولكن نحتاج إلى شحذ الهمم من الجميع ولا نميزُ فئة عن أخرى حتى يكون الناتج ايجابيا للجميع .

فمتى سنرى المبادرة بقيامِ مشروع ثقافي شامل يضمُ بين دفتيه وتحت مظلته الرؤى والتطلعات والآراء التي تساهم مساهمة فعّالة في بناء هيكلٍ ثقافي قوي يخدمُ جميع شرائح المجتمع ..وبأفكار متوهجة العطاء بدلاً من الأفكار التقليدية الاستهلاكية وقيام مشاريع لها صيتها وتأثيرها وبروزها على الساحة.. يتأثر بها كل فرد من أفراد المجتمع وتتأثر به. فهل تعتقدون أن تحقيق هذا الأمر غاية في الصعوبة ؟!