قراءة انطباعية في مجموعة \"أرق\" لفيصل العلوي
04-28-2009 11:04 مساءً
0
0
1989
![]() | ![]() | |
قراءة انطباعية في مجموعة \"أرق\" لفيصل العلوي الشعر الذي يُقرأ من كل الجهات قرأتها: أصيلة المعمرية عندما نحاول الحديث عن \"أرق\" الإصدار الأول لـ الشاعر فيصل العلوي وقتها يجب أن ندرك أننا أمام تجربة شعرية متكاملة مرت بمراحل عدة في بناء القصيدة الشعبية.. 1- ما يميز قصائد فيصل العلوي عن غيره، إنك تستطيع قراءتها من البيت الأول للأخير أو من البيت الأخير للأول، ولن يختلف شيئاً عليك، على الرغم أن فيصل العلوي يحافظ على الوحدة العضوية والموضوعية لكل نص من نصوصه، إلا أنك لو أطلعت على قصيدة \"الفقد والشح\" والتي تجدها في الصفحات الأولى من إصداره \" أرق \" لوجدت أنك بالفعل تستطيع قراءة القصيدة من البيت الأول الذي يقول فيه : ما زلت نفسي والبكاء لأجل نفسي**اعزي الحاله على الفقد والشح \" حتى تصل للبيت الأخير : \" من أولك لين آخرك .. لين نفسي *** ما به سوى غير الفراغات والشح\" أو العكس تماماً _أي تبدأ من البيت الأخير حتى تنتهي بالبيت الأول _ فـ لو بدأت من البيت الأخير متسلسلاً فر قراءة القصيدة بشكل عكسي حتى تصل للبيت الأول ، لن يتغير عليك المعنى عزيزي القارئ ، ولن تشعر بأدنى أرق على أنك تسير في المسار العكسي أو أنك تقرأ القصيدة بشكل خاطئ، القصائد الحقيقية هي التي تستطيع أن تقرأها من كل الجهات حتى وإن كان مطلعها خاتمة أو خاتمتها مطلع، أو كذلك هي التي نستطيع أن نقرأ صدرها كـ عجز، وعجزها كـ صدر دون أن نشعر بإرتباك في النص الشعري الذي أمامنا .. تماماً جداً كقصيدة : \"مساء الدخان\" والتي تقع في النصف الأول من الأرق، يقول الشاعر : وتزعل !! وش ترى معنى الزعل في سكة الخوان *** وترضى وش بعد يعني رضاك بجنب هجرانك ؟ ... / فمثلاً نستطيع أن نقرأ هذه القصيدة ونقول : وترضى وش بعد يعني رضاك بجنب هجرانك *** وتزعل وش ترى معنى الزعل في سكة الخوان \" كل ما فعلته أنني حاولت أن أقرأ هذه القصيدة من كل الجهات فجعلت صدرها عجز وعجزها صدر .. وبدأت في قراءتها أكثر من مرة ولم أشعر إلا أنني أتناول شعر حقيقي وإبداع .. كل ما يمكن أن أقوله أن الإبداع هو ما نستطيع أن نقرأه من كل الجهات .. 2- عندما تتنقل بين الأرق الذي قدمه لنا هذا الشاعر ، فإنك تجده يستطيع كتابة كل البحور الطويلة والقصيرة ، ومن الجميل جداً أن لا يحصر الشاعر نفسه في بحرِ واحد ، بل يترك لنفسه كل مساحات التعبير وبكل الطرق، فهناك من يقول بأن الشاعر المتمكن هو وحده من يجيد الكتابة على البحور القصيرة، وهناك من يقول بأن الشاعر الذي يكتب على البحور الطويلة هو من يستطيع إيصال كل ما في نصه من تعبير وإحساس، على الرغم من أنني أقتنع تماماً بأن كل الشعور الذي نكتبه أما على البحور القصيرة أو البحور الطويلة فهي في المقام الأول والأخير شعر ولا نختلف عليه ولكن بشرط أن لا يكون البحر طويلاً فيحشو الشاعر فيه كل ما له وما ليس له علاقة بالقصيدة .. والشاعر الذكي هو من يخلق لنفسه فرص الكتابة على كل البحور ، فيكتب على البحور القصيرة والطويلة ويكتب العمودي والتفعيلة مثلما قدم لنا فيصل العلوي باقة متنوعة من الشعر والشعور الذي قد خطه بطرق متعددة كلها تصب في المطاف الأخير بـ أرق شعري جميل .. 3- هناك تسلسل واضح في التجربة الشعرية عند فيصل العلوي فهو في إصدار أرق قد طرح لنا 33 قصيدة كتبها في مراحل مختلفة من حياته، كل قصيدة كانت تعني له مرحلة ووقت وتاريخ معين، فبالفعل عندما تقرأه ستجد أنه قد طرح لنا تجربة كاملة من بداياتها لـ نهايتها الحاضرة ، ما يلفتني بالفعل هو التسلسل الواضح في نضج كل قصيدة بشكل خاص ونضج التجربة بشكل عام .. 4- تأمل الأبيات التالية جيداً .. تلذذ بالشعر المنحوت على جبين كل حرف قد دسه في هذه القصيدة بالذات: حبيبي غادروا .. مدري تضيق أنفاسهم .. ترتاح عصوني وادفنوا قبرك قبل لا يحفروا قبري وراحوا باقي أنفاس المدينة وكل ركن طاح يا أمي ما بقى يشفق سواك البارحة عمري قصيدة للغياب أو كما يسميها \"مرثية الشمس\" .. فمن الصعب جداً أن يرتبط الغياب بالشمس ولذا فإن الشاعر يطرح لنا قصيدة يناجي فيها هم الغياب والحضور وفي نفس الوقت يخلق لنا الأعذار .. فإن غادروا لا يعلم إن كانت ستضيق أنفاسهم أم ترتاح، وفي الشطر الثاني من البيت الأول يترك لنا صورة شعرية جميلة وجميلة جداً عصوني وادفنوا قبرك قبل لا يحفروا قبري .. يترك لنا تساؤل عجيب .. فكيف يُدفن القبر؟ يشكي الغياب والسنين العجاف التي ما جادت بهم وبالتفاصيل الصغيرة ينتقل في البيت الثاني : يشكي لأقرب الناس \"أمي\". أبيات قد كتبت بكامل الأناقة الشعرية .. هذه الأبيات عندما تحضر .. تستقر في الذاكرة ولا تغيب .. وما يميزها موسيقاها الداخلية والتي جاءت متوافقة مع قافية النص التي تحمل لنا جرساً موسيقيا رائعاً .. لن أطيل الحديث عن هذه الأبيات بالذات .. فقط عليكم أن تتأملوها وتستمتعون بالدهشة التي تزرعها في ذواتنا والشعر .. 5- يعود الشاعر ليكتب عن الشمس مرة أخرى في قصيدة \" وداع الشمس \" فيبدو أن فيصل العلوي من الشعراء الذين يتأثرون بالأجرام والكواكب السماوية دون أن يتعمدون المصادفة .. ففي هذه القصيدة يقول : يا ريف العمر .. ترحل بي نجومي والمدار أفلاك أباخذ بعض حزني اللي بقى من سالفة عمري فبالفعل ربما شاعرنا يبحث في جيوب الشمس والمدار والأفلاك عن أمنية تشبهه تسطر الغياب والوداع ، فالشمس دوماً ما تكون مرتبطة بنتاج الشاعر فيصل العلوي في أغلب الأحوال .. 6- ما يكتبه فيصل ليس كلاماً مباشراً خالياً من الشعر ولكنه في نفس الوقت ليس شعر رمزي غامض، وما أقصد بالرمزي الغامض هو البعيد عن الرمزية كل البعد .. إلا من اسمه، .. ولكن ما يكتبه فيصل هو شعر سلس وجداني بعض الأحيان وعاطفي في أحيان أخرى .. حتى وإن كتب فيصل العلوي للغربة والتابوت والدخان والشمس والقبر والبلاد .. يظل الشعر الذي يكتبه فيصل مفهوم ، نجد أرواحنا فيه وفي ما يكتب .. 7- في قصيدة إطلالة والتي يرثي فيها جده _ رحمة الله عليه_ دون أن يلفتنا فيصل لذلك نجد أنه يقول : مرت ثلاث سنين ياعمري يواريك التراب ما جيت في عيدي ثلاث أعوام واليوم أربعه .. تخيل عزيزي المتلقي حجم الحزن الممتلئ بهذا البيت فقط .. ناهيك عن القصيدة بشكل كامل .. مرت ثلاث سنين يا عمري يواريك التراب .. ما جيت في عيدي ثلاث أعوام واليوم أربعه .. الشاعر يحصي الوقت الذي أستوعب كل لحظات الغياب .. فمن الصعب أن تشعر بالحزن والفقد والحنين لـ روحِ ما ولكن الأصعب أن تُحصي عدد السنين التي حالت بينكما .. 8- الألفاظ والمفردات التي يقدمها لنا فيصل العلوي في قصيدته من ألفاظ الساحل من البيئة العمانية، ولكنه في نفس الوقت يحافظ على اتزان اللغة في قصيدته فلا يكتبها بطريقة شعبية بحته ولا بلهجة بعيدة كل البعد عن حدود أوطاننا، وإنما يكتبها بلهجته ولهجة مجتمعه الدارجة مع المحافظة على خصوصية اللفظ القادم من ابن تضاريس هذه البيئة .. 8- من الأساليب التي تميز القصيدة من الشاعر العلوي أنه دوما ً ما يخاطب الملهمة في قصيدته والمتلقي في نفس الوقت فمثلاً في قصيدة أرق: لمن تمريني كذا والوقت يجرفني غرق لمن أطيح .. أطيح .. اطيح البارحه ولا تسألي / يا سيدة قولي كذا والا كذا أو نفترق بس المهم لما تقولي أي شيء افعلي / وأنا بقول أن الضمير اللي معي .. ضاع ..انسرق ولمن تمريني وهم .. أرجوك لا لا تسألي .. لو حاولنا أن نقرأ هذه الأبيات أكثر من مرة لوجدنا أن شاعرنا بالفعل يخاطب نفسه وملهمته والمتلقي .. فدوما ما نلاحظ أن فيصل العلوي في قصائده يخلق الأعذار ويخاطب نفسه ويعدد الخيارات مثلا تطرق للضمير وقال : انا بقول أن الضمير اللي معي .. ضاع .. انسرق .... فهذا الشاعر دوما ما يتعمد هذا الأسلوب في المخاطبة في التحليل وخلق الأعذار أو تعدد الخيارات في طرح أي معنى أو فكرة .. وعلى سبيل المثال أيضاُ عندما قال في الأبيات السابقة : لمن تمريني وهم .. أرجوك لا لا تسألي .. هو يخاطبها في هذا الأرق .. وحدها ... كما أن فيصل دوماً ما يكرر اللفظ على مستوى البيت الواحد في كل نص شعري .. فعندما قال هنا سابقاً لمن أطيح ... اطيح .. أطيح البارحة ولا تسألي .. فهذا ما يكمل حديثنا عن المخاطبة في نصوص فيصل وطرح تداعيات كل المعنى الذي يأتي به في نصوصه الشعرية حيث يؤكد ويبرر ويحلل ... 9- الفجر في قصيدة الفجر مر ... ولكن فيصل في هذه القصيدة لم يكتب للفجر فقط وإنما كتب للشعر والملح والجرح ، كتب لكل الأشياء المرتبطة بذلك الوقت .. من سنين وفقر وأعذار وغياب.. للطهر والسهر .. في هذه القصيدة بالذات أعتقد أن فيصل أختصر كل الديوان وقصائده في قصيدة الفجر مر .. لأن في الفجر مر : تجد الكثير من التراكمات والألفاظ والتراكيب الشعرية .. فهذه القصيدة التي لم تتعدى 12 بيتا إلا أنها حملت قناعات كثيرة وذكريات وهموم وفقر ...قصيدة أختزلت مراحل كثيرة من الشعر والعمر والهم والمواقف .. والأفكار والشخوص .. هناك قصائد نكتبها لتختصر كل شيء في حياتنا .. كقصيدة \"الفجر مر\" لفيصل العلوي وهذه دعوة لـ قراءتها والاستمتاع بها عن قرب .. 10- أختم كل ما أردت أن أقوله عن هذا الديوان بحديثي عن قصيدة : رحيل وهالجسد أرضي ... والتي تحملت كل التفاصيل الصغيرة والارتباطات العميقة، قصيدة ترتفع فيها وتيرة السرد .. كتبت على التفعيلة والعمودي .. وفق الشاعر في انتقالاته بينهما، قصيدة بُنيت على الحوار، تصاعدت الأحداث فيها .. سردت كل التفاصيل بعمق تام ووضوح بليغ .. هذه القصائد لا يتقنها إلا قلة .. سندرك جمالها مع الزمن .. فهنا تجديد القالب الشعري مع الحفاظ على السمات الأساسية للنص، قصيدة تمتلئ بألفاظ البيئة العمانية والشعر العماني الأصيل، قصيدة تمتلئ بالواقع العماني والتفاصيل اليومية في حياة كل فرد، قصيدة تأخذك لأيام عتيقة تشعل فتيل ذكرياتك، تعرفك على أرواحنا بالطريقة الصحيحة، قصيدة أجزم على أنها لو تُركت في مكان ما خارج هذا الوطن .. لكانت أنسب ما يمثله ويتحدث عنه وعن تاريخه وبيئته .. يتحدث عنه بصورة صادقه دقيقة .. عن الشخوص والأرواح التي عاشت فيه .. هي القصيدة العمانية بكل اختصار .. التي نحتاجها في هذا الوقت بالذات شيء ما أكنه في صدري كلما بدأت في الحديث عن شاعر جميل كـ فيصل العلوي : \" العمل الصحفي الإعلامي ربما يقتل الشاعر ، فـ كون شاعرنا فيصل العلوي يشرف على صفحة الشعر النبطي الأسبوعية في جريدة الوطن ، تجعله ينشغل بإظهار الآخرين و مد يد الضوء لهم، فـ ينسى نفسه ، يركز كثيراً على مقالته الأسبوعيه وطرح قضايا تتتعلق بـنا جميعاً من شعراء ومؤسسات معنية بالشعر والأدب، فحتى وإن ذيّل كل مقالة له بـأبيات وحيدة، لا بد أن المتلقي يشعر بغياب نص فيصل العلوي الشاعر، فهو من الأرواح التي كم سنكون محظوظين بها لو كانت متفرغة للشعر بشكل كامل، وكلنا نعرف تماماً كم هي متعبة مهمة الاشراف على صفحة الشعر الشعبي في ساحة باتت من أهم ساحات خليجنا العربي، فكل التوفيق لفيصل العلوي الشاعر والصحفي والإنسان . | ||
![]() | ![]() |