• ×
الأربعاء 16 أكتوبر 2024 |

أشباح في الشبكة

0
0
1588
 

أشباح في الشبكة
تكتبها لكم : هدى الجهورية


(أنا لا أعتبر نفسي مدونا). بدت هذه الجملة شعارا ردده أغلب المدونيين العمانيين عندما سئلوا عن مدوناتهم، فبدا وكأن التدوين تهمة لا بد من الفكاك منها، وبدا أن ندوة (المدونات والأدب الرقمي) التي نظمها مجلس الاثنين مؤخرا ندوة بلا موضوع، ما دام المدونون يعتبرون أنهم ليسوا مدونين.

قدمت د. فاطمة الشيدية ورقة بعنوان (النص الرقمي .. قراءة في ملامح النص الشعري عبر الشبكة المعلوماتية) حيث تحدثت عن الأسباب التي أدت للاتجاه إلى العالم الافتراضي ومنها: انحياز بعض أصحاب الصحف والمجلات لثلة خاصة من الكتاب والشعراء والأصدقاء، وصعوبة النشر في كتاب، ومقص الرقيب، والهجرة التي أفرزت حالة من الغربة الثقافية، والوضع الاجتماعي المأزوم في بعض المجتمعات العربية بسبب الحروب وويلاتها. ثم تحدثت عن المجلات الثقافية الإلكترونية والتي عادة ما يكون محررها أديبا أو مهتما بالأدب، كالشاعر قاسم حداد مشرف جهة الشعر، والشاعر صموئيل شمعون مشرف مجلة كيكا، وغيرهما.

قالت الشيدية: إن النصوص المتسيدة في الظهور على المنتديات الأدبية هي نصوص الشباب، وهذا يشكل ظاهرة معاكسة للنشر الورقي حيث غالبا ما تحتفي الصحف بنصوص الأسماء المتحققة التجربة الطويلة ذاتها. وأشارت إلى غزارة حضور شعر المرأة بشكل يفوق الوسائط الورقية.

أما مساوئ النشر الإلكتروني فتتمثل ـ بحسب الشيدية ـ في سهولته التي حرضّت الجميع على اقتراف فعل الكتابة، وجعلت سيلا من النصوص التي لا ترقى لمستوى الظهور تحاذي بالمناكب النصوص مكتملة الشروط الفنية، والتي تعتبر بصمة لصاحبها. من مساوئ النشر الإلكتروني أيضا غياب المصداقية وضياع حقوق المؤلف، وهذا ما دشن ظاهرة السرقات الأدبية (الأثيرية) لنصوص كاملة أو لجمل أو لمعان، وتكرار نشر النص نفسه في معظم المجلات الإلكترونية والمنتديات، مما يؤدي إلى تشابهها وملل القارئ أو اكتفائه بموقع واحد. والمجاملة على حساب النص، فالتهليل والتكبير لنص ضعيف أصاب الكثير من مراهقي الشعر بالعظمة مصدقين تلك الكلمات الرنانة، وعدم اعتماد الدراسات والبحوث في بعض الأحيان على (الإنترنت ) كمصدر للنصوص خوفا على مصداقية المصدر.

لا أعاني من المنع:

الشيء الجميل الذي أشار إليه مقدم الجلسة الصحفي والشاعر عبد الرزاق هو (توقع حضور جيل الشباب لجلسة كهذه إلا أن الجيلين حضرا معا) بعدها تحدث الربيعي عن الأدب الرقمي والنشر الإلكتروني، وعن الصحف الكبرى الورقية التي أغلقت أبوابها، وفتحت صحفا إلكترونية. كما تحدث نبهان الحنشي مدير الجلسة عن أن النشر الإلكتروني يتيح مساحة كبيرة من الحرية، وأن عدد المدونات بلغ 70 مليوناً، وبلغ عدد المدونات في الوطن العربي 480 ألف مدونة وهي تشكل 0,07 من مجمل مدونات العالم، ولكنه أشار إلى أن العدد في تنام. ويعزو الحنشي السبب الرئيسي لعمل المدونات إلى أحداث 11 سبتمبر وحرص الناس على معرفة الأخبار الحقيقية من مصادر أخرى عدا الإذاعة والتلفزيون.

بعدها وجه الحنشي سؤاله إلى القاص هلال البادي عما إذا كان اشتغاله على مدونة يرجع إلى سبب منعه من النشر الورقي؟ فأجاب البادي: (بدأت مدونتي في أغسطس 2008) ثم أضاف: (أنا لم أجد تعقيدا مع مسألة النشر الورقي، ولا أعاني كثيرا من المنع، واشتغالي على مدونة كان فرصة لأدخل عالما مختلفا، وكل ما نشرته في مدونتي نشر أصلا في الصحف) ثم قال: (مدونتي ربما ليست تجربة حقيقية كما قال معاوية الرواحي عندما تحدثنا في الخارج .. كل ما أفعله هو لي شخصيا، ولا أطالب من أحد أن يتفاعل مع المدونة، وبصراحة لو أردت تفاعلا حقيقيا لذهبت إلى المنتديات الثقافية، ولكني لم ألجأ إليها بسبب الأسماء المستعارة).

أصابت .. لم تصب:

الشاعر يونس البوسعيدي علّق على ورقة الشيدية قائلا: (اعتقد أن الشيدية أصابت الصحة في أشياء، وجانبتها في أشياء أخرى)، وأضاف: (من تجربتي الشخصية في مدونتي.. لم أنشر أي نص شعري إلا بعد أن كنت قد نشرته على الورق، ولكن لا أشعر أن المواقع تقدم الامتيازات التي ذكرتها الشيدية .. بل على العكس أشعر كأني أنشر في فضاء أصم وأبكم).

وعن مدونته قال: (مدونتي ليست شخصية، وإنما لنشر الأدب العماني والفكر)، وعلق: (المدونات لا توفر ما نتمناه .. اعتقد أن من يعرف فاطمة الشيدية سيقرأ مدونتها ومن لا يعرفها لن يقرأها أبدا).

لا أحد يتعاون معنا:

محمد الراسبي مدير مجلة (السلطنة الإلكترونية) قال: (الكتاب العمانيون يكتبون في كل مكان، ولكن لا يجمعهم أي مكان .. لذا فكرنا بعمل موقع للثقافة العمانية .. الموضوع كان صعباً للغاية فكم شاعراً .. كم قاصاً .. كم مسرحياً لدينا في السلطنة؟ .. بالطبع كثر( ثم تابع قائلا: (بدأنا بموسوعة الشعر العماني قبل سنتين، اتصلنا بالشعراء وتواصلنا معهم لتجميع المادة ثم انتقلنا إلى أشكال أخرى من الكتابة .. والمشكلة أن لا أحد كان يتعاون معنا إلا القليل جدا من المؤسسات .. تحولت الموسوعة بعد ذلك إلى (مجلة السلطنة العمانية) وهي مجلة إلكترونية تصدر كل شهر .. لدينا قصائد صوتية بالإضافة إلى مكتبة الأخبار، وبعض الدول والجرائد تأخذ من أخبارنا، ولدينا الآن فكرة عمل إذاعة إلكترونية أيضا).

الدشداشة .. فخ المثقف:

سأل الحنشي معاوية الرواحي عن تواريه خلف الاسم المستعار الذي يستخدمه في مدونته (المهذون) فقال الرواحي: (المهذون) من الهذيان وهي كلمة ساخرة ثم أضاف: (لم نسأل أنفسنا لماذا يدخل 80 ألف زائر إلى موقع السبلة العمانية؟) ثم سرعان ما أجاب: (السبب بسيط ويرجع إلى ما يعانيه الإعلام لدينا) وأردف: (أنا في موقعي أكتب ما أشاء، وأحاول أن أكتب بالإزار بعيدا عن الدشداشة لأتفلت من فخ المثقف) وأضاف: (17 ألف زائر من 15 يناير يدخلون إلى مدونتي، وهذا رقم جيد) ثم علل مشكلة الصحافة أنها تكمن في الإطار الشكلي الجاهز، وليس في الرقابة. وحول هذا قال محمد الراسبي: (كثير ممن كتبوا في الإنترنت بأسماء مستعارة تحولوا إلى الصحافة لاحقا).

مدونة تعنى بالتسويق

القاص حشر المنذري قال: (أنا لا أعتبر نفسي مدونا، ولكني أعتبر معاوية الرواحي مدوناً مثلا بالرغم من اختلافي معه، وذلك لحرصه الدائم على تسجيل الحدث كما هو الأمر عند حمد الغيثي وعمار المعمري). وقال عن مدونته: (تعرفت على المدونة التجارية، ومدونتي فقيرة فيما يتعلق بعدد الزيارات) وأضاف: (لم أدشنها بسرعة لأني كنت استقرئ ماذا سيحدث)، ثم اختلف مع يونس البوسعيدي فيما يتعلق بأن المدونة لا تشكل فارقاً. وقال عن مدونته: (مدونتي تعنى بالتسويق، وبصراحة لا يهمني عدد الزوار، ولا أنصح غير المهتم بمجال التسويق أن يدخل مدونتي).

التخفف من عبء الخارج:

(عادة يتمتع المثقف برصانة كاذبة .. بينما في المدونة يمكن للكاتب أن يتخفف من عبء الخارج عندما يكتب عن الخاص) هكذا قالت الشيدية معلقة على كلام الرواحي، بعدها ردت على يونس البوسعيدي قائلة: (في ورقتي كنت أتكلم عن مواقع غير عمانية)، وفيما يتعلق بالحديث عن الأسماء المستعارة قالت: (أنا كتبت في السبلة العمانية باسم مستعار، ولكن عندما خرجت من إطار المحلية، وكتبت في موقع مثل (مدينة على هدب طفل) كتبت باسمي الصريح، ثم علقت: (نضجنا داخليا على فكرة الأقنعة .. لا يوجد منتدى عماني حقيقي .. فقط عوالم من الأشباح كما قال هلال البادي .. فالأسماء المستعارة ربما تجعل من هو أقل خبرة ودراية يهلل ويكبر لأي عمل مما يؤدي إلى حالة غير صحية).

بين الورق والفضاء:

ومن تجربة الشيدية الشخصية قالت: (عُرف اسمي من المواقع الإلكترونية، وطلبت أعمالي من المواقع إلى صحف مرموقة .. فعلى سبيل المثال موقع كيكا أشهر من أي جريدة عربية). وقالت أيضا: (من يقرأ ملحق آفاق .. أشرعة .. شرفات!! فقط نحن الكتاب العمانيين، ولكن من يفتح المواقع العربية ويزورها؟؟ بالتأكيد أعداد هائلة). ثم أشارت إلى أن مجلة نزوى متابعة من خلال موقعها أكثر من ورقها. ولكن يبدو أن الربيعي كان معترضا إذ قال: (هذه المواقع لا توفر إلا ردود أفعال سريعة، على عكس النشر الورقي .. أنا أنشر ولدي موقع شخصي وتصلني الردود فيه بسرعة، بينما عندما أنشر عن طريق الورق، لا أتلقى ردود إلا بعد فترات طويلة، ولكن من الظلم أن نقارن النشر في الفضاء والنشر على الورق من خلال ردود الأفعال). البادي أكد ما قاله الربيعي بقوله: (مجحفة هذه المقارنة، فهنالك خصائص للأدب الرقمي، وهنالك أدباء رقميون لدرجة أنه من النادر أن ينشروا على الورق من مثل(محمد السناجلة )، ولكن فيما يتعلق بالمدونات في السلطنة اعتقد أنها تشكلت بسبب أن الكاتب لم يجد فرصته للنشر الورقي.. فالنشر الورقي لا يزال مغرياً للكاتب العماني، ولكن لأنه واجه مشكلة الرفض من المؤسسات أخذه الحماس إلى المواقع) وأضاف: (الأدب الرقمي الحقيقي لم يظهر إلى الآن.. فما ينشر برأي هو ما يراد له النشر الورقي، وتحد الظروف من تحقيق ذلك). بعدها طرح الربيعي سؤاله على الشيدية قائلا: (هل الأدب الرقمي سلسلة من التطور أم محاولة للتعويض عن النشر الورقي؟) فأجابت الشيدية: (الأدب الرقمي سلسلة طبيعية والذهاب بها سيكون إلى المستقبل .. بعض الشركات تطلب نقودا من الصحف كوسيط للنشر، بينما المواقع تلغي هذه المشكلة،وهذا يعني أن النشر أداة من أدوات التطور، أما النص ونضجه فهذا سيأخذ مداه مع الوقت).

نفتقد المؤسسة النقدية :

وسأل الحنشي الناقد د. محمد الشحات: (أنت كأكاديمي.. هل تأخذ بأي نص منشور على المواقع الإلكترونية؟) فأجاب: (رغم استمتاعي بما قيل إلا أني أشعر بالتشويش لأننا نتكلم عن مفاهيم مضطربة) وأضاف: (دعونا نتفق أنه ليس كل ما يكتب في المدونات هو أدب. الإنترنت فتح التواصل الافتراضي دون قيود مما أدى إلى دخولها إلى التابوهات المحرمة: الدين والجنس والسياسة. بينما الأدب الذي تشرف عليه المؤسسة يقوم على ثلاثة أشياء أساسية المبدع، الناشر، والحركة النقدية التي تفرز النصوص الجيدة من الرديئة، ولكن تحولها إلى وضع فوضوي يجعلنا نقول هنالك مدونات أدبية وأخرى غير أدبية .. لذا أنا كناقد عندما آخذ نصاً لشخص افتراضي لا أعرفه يبدو أن الأمر به مقامرة) ثم انتقل للحديث عن كلمة مدون قائلا: (كلمة (مدون) .. تشعرني بالخوف عندما أسمعها) ثم عرّف التدوين قائلا: (هو نتاج الدردشة التي تناوش الفن من قريب أو بعيد).

وعلّق على ما ذكرته الشيدية في ورقتها أن الأعمار التي تكتب تتراوح بين 17 و27 سنة قائلا: (اعتقد أن الكاتب الكبير إذا همّ بالكتابة في المواقع سيضع رقيبا على نفسه أكثر من الرقيب الخارجي) ثم شدد على أهمية وجود مؤسسة نقدية لأن الكتابة المتحررة التي تقترب من القذف والسخرية والاختلال في اللغة تجعلنا في فوضى - بحسب رأيه.
الكاتب محمد الحجري عرّف مصطلح التدوين بعد أن رآه يتعرض للاهتزاز قائلا: (التدوين هو توثيق المعرفة من الشفهي إلى المكتوب، بينما التدوين الإلكتروني يعتمد على تحويل المادة الموثقة الثابثة إلى المادة السائلة .. فانظروا إلى هذا التباين) ثم تساءل: (هل ما نراه الآن يعد أدباً حقيقياً أم أناس يلعقون جراحهم إلكترونيا !).

استعملها للتدريب:

بعدها طمأننا نبهان الحنشي إلى أن الصحف في السلطنة لا تزال أسرع من الإنترنت خصوصا في المناطق البعيدة عن العاصمة. ثم عاود لطرح الأسئلة، وهذه المرة على القاص وليد النبهاني قائلا: (هل ما تنشره في مدونتك هي نصوص أقل جودة أم ما رفضه مقص الرقيب؟) فقال النبهاني: (كل ما نشرته في مدونتي من قصص نشرتها من قبل في الصحف) وعن استعمالها قال: (استغلها لأدرب نفسي على كتابة المقالات لأني خريج صحافة)، ونفى أن تكون هنالك حواجز رقابية كبيرة، وأكد على ضرورة أن يكتب الواحد منا بذكاء وأن لا يشاكس.

مدونتي للمتعة الشخصية:

هلال البادي أجاب عن سؤال الحنشي ذاته قائلا: (ترفض الصحف بعض المقالات، ولديها أسبابها في ذلك، وعادة الصحف تشرح أسبابها حول مسألة الرفض، وأنا احترم وجهة نظر الصحافة لأن لديها ثوابت لا تتعداها) ثم أضاف: (الرقابة ليست سيئة دائما كما نعتقد، وعادة ما يكون المنع في المقالات .. أما فيما يتعلق بالنصوص الأدبية فهي غالبا لا تتعرض للرفض، وإن وجد الرفض علينا أن نبتكر أسلوبا آخر وأن نقفز على الرقيب .. ففي كل دول العالم يوجد رقيب، وتوجد ضوابط وليس فقط في بلدنا) أما عن سبب توجه البادي للتدوين فقد قال: (النشر الإلكتروني بالنسبة لي للمتعة الشخصية، وليس لما تم رفضه في الصحف، فهنالك أشياء رفضتها الصحف، ولم أضفها إلى موقعي). إلا أن الكاتب علي الزويدي خالفه الرأي واعتبر الرقابة خانقة، وثمة ملاحقات أمنية على المدونين. بينما اتفق رئيس النادي الثقافي سالم المحروقي مع البادي في أهمية وجود ضوابط حيث قال: (نحن كمجتمع نام نمر بمرحلة انتقالية، والمرحلة الحالية أفضل بكثير من السابق، لذا من الحكمة استخدامها دون محاولة حرق المراحل من أجل إحداث تراكم معرفي). فاطمة الشيدية أكدت في نهاية الأمسية على أن المدونة هي مسودة غير ناضجة أو يوميات، لذا يجب أن تنقح لكي تصبح صالحة للنشر الورقي، وأشارت إلى أن المدونة تقبل الهذيان، ويمكن للهذيان أن يكون في كتاب أيضا، ولكن الصحف لا تقبل الهذيان.