\"مزاج الطين\" لعبدالحميد الطائي.. صورة نحو المعاني
03-29-2009 05:03 مساءً
0
0
1313
![]() | ![]() | |
- كل جملة فيه تأسيس لكتاب - \"مزاج الطين\" لعبدالحميد الطائي.. صورة نحو المعاني - أسلوب مغاير لكل الأساليب التي اعتدنا عليها في قراءة النصوص الجادة - عناوين صريحة لمقولات خرجت من خلال اختبار كاتبها لتفاصيل في الحياة لا يمكن إلا للدقيق الاقتراب منها . نحن أمام الكتاب الثاني للكاتب العماني عبدالحميد الطائي، أو كما يسميه \"حروف عبدالحميد الطائي\".. تجربة فريدة لم يسبق أن تناولها أحد من كتّاب العربية تستحق التوقف عندها بالنظر إلى الصبر الذي تحتاجه في القراءة والتأني في إدراك معانيها واستبطان أغوارها.. وبقدر ما يخيل للمرء أنها من النوع السهل الممتنع إلا أنها إيضا تحظى بمنطق صعب لاعتمادها على الجملة القصيرة التي تحمل معناها بعدد من الكلمات، إضافة إلى النظام المهموس الذي هو المسافة بين الاذن والفم حيث طيب الكلام الذي يعلو على الصراخ. والكتاب الثاني هذا إبحار في ذات التجربة التي بدأها الكاتب في كتابه الأول باللجوء إلى أغنى المفردات التي تنتج أدبا خالصا. ففي كل جملة معنى، وفي كل معنى مكان لجملة أخرى تختبئ وراءها.. ووراء ما هو غير معلن صورة يتصورها القارئ ليتقدم بها نحو المعاني المختلفة. وهنا يعنيني القول بأن الكاتب يزرع الحكمة على ضفاف أدب عظيم.. بل هو يعلمنا الحياة على نحو ألا نخطئ، ويعلمنا نظامها كما يجب أن يتشكل بعيدا عن اللهو، لأنها عنده مدرسة للحقيقة، ومدرسة للاقتراب أكثر من الضرورات التي يجب أن تسلكها الطبيعة البشرية كي ترقى وتترقى. أسلوب مغاير لكل الأساليب التي اعتدنا عليها في قراءة النصوص الجادة. ولعل الكاتب عبدالحميد الطائي حاول الاقتراب من تجربة عظيمة في مضمار الحكمة والتعقل التوجيهي كما افتتح به كتاب \"نهج البلاغة\" للإمام علي، والذي وزع فيه تجربة حياة كاملة تتدخل في كل صغيرة وكبيرة، فتصبح كل كلمة فيه ثمرة جهد خلاق مبعثه الحياة الإنسانية بكل أبعادها ومعانيها. لا يختلف اثنان ممن قرأوا كتاب الطائي الثاني في أنه تقدم حار في مقدمات سيكون لها شأن كبير في الإلمام بالإنسان وتوجيه جل الاهتمام له. فهو يحاول الوعظ، لكن من باب الادب الكبير والشمولي، وهو يكشف ليكتشف أن المسافة بين عطائه الفكري وبين فهمه لكيفية ممارسة الحياة تستند إلى الكلمات والحروف، كما يستند المتعب إلى جدار عندما يرتعش بدنه من رحلته الطويلة. ولهذا السبب كان \"مزاج الطين\"، وهو عنوان راق للكتاب الثاني، أمام بحث عن مكنون التعريف بهذا الطين، هل هو الإنسان، وهل غيره من هذا الطين الذي يذكرنا بقصيدة ثرية لأحد أقطاب المدرسة المهجرية إيليا أبو ماضي عنوانها \"الطين\" يقول في مطلعها: \"نسي الطين ساعة أنه طين فصال تيها وعربد\".. عبدالحميد الطائي يرد على هذا البيت بأن الإخلاص للإنسان لا ينبغي تفكيك مواجعه وأحواله وتقديمه بصورته القاسية، بل بإرشاده إلى النقاط التي تلزمه أن يكون هاديا ومهديا في آن معا. في \"مزاج الطين\" عناوين صريحة لمقولات خرجت من خلال اختبار كاتبها لتفاصيل في الحياة لا يمكن إلا للدقيق الاقتراب منها. فهل هنالك من ان يكون \"مرارة الحلق عسلها الحق\" كما يقول، وان يكون \"مرزوق السعادة تحسده التعاسة\" كما يكمل.. وان تذكرنا جملته الرائعة \"محاسبة النفس فرض يومي لتقويمها\"، وكأنه يكمل ما بدأه جبران خليل جبران الذي يقول \"تعجبت لمن يغسل وجهه مرات في اليوم ولا يغسل قلبه مرة في السنة\".. وكلما اوغلنا في متون كتاب \"مزاج الطين\" للكاتب الطائي اكتشفنا علما في المعرفة من حيث قوله \"مثلك في الحرص عليك لن تجد\"، إلى أن يتوقف عند جملته المدوية التي تهزنا قراءتها بقوله \"مرعب فقدان الأمل في غد مشرق\"، ففي الغد المشرق لا يجوز فقدان الأمل، بل إن الكاتب يريد تفسيرا مختلفا لذلك، حين يترك للقارئ تفسير الجملة بأبعادها الفلسفية، حيث للفلسفة الحق في التفسير المنوع. أتعبني الكاتب في تطريزه لجمله وفي حبكته وإيجازه إلى الحد الذي استلهم فيه روح الشاعر شيللي بقوله الدائم \"اللهم اجعلني مفهوما\".. وقد أدركت منذ لحظة قراءتي الأولى لكتابه \"مزاج الطين\" أن أبوابا مشرعة على النص الإنساني يمكنها السيطرة على الإرادة كمثل ما يقوله من ان \"منفوش الريش ينتفه الزمن\"، وكلمة الزمن هنا قد لا تكون وقتا، إنها الصفة الأزلية لمشروع بقاء الإنسان على الأرض. ليس \"مزاج الطين\" كتاب شعر، ولا هو أي نوع من أنواع الكتابة، بقدر ما هو فن جديد لتأكيد القدرة في السيطرة على الحروف ضمن تشكيل جديد يؤدي أغراضه ومعناه، فنكون أمام ملحمة في فن الكتابة المكرسة أولا للإنسان، وثانيا لطموحات كاتبها المتجلية في الوصول إلى أروع ما في هذا الإنسان بتحديد المسارات الملائمة له والتي هي نبض حواسه وقلبه ومراس عقله. \"مزاج الطين\" كتاب كل جملة فيه تأسيس لكتاب. زهير ماجد كاتب مصري | ||
![]() | ![]() |