لماذا لا تمزح معي؟
12-17-2008 10:46 مساءً
0
0
2971
![]() | ![]() | |
لماذا لا تمزح معي؟ رؤية : بدرية الوهيبي جاءت مجموعة \" لماذا لا تمزح معي ؟\" القصصية للقاص محمود الرحبي لتشكّل إضافة جديدة وهامة في تراكمه الإبداعي، كمسار يشي بقدرة الكاتب المتواصلة والمتجددة التي تسترفد من التراث التخييلي العالمي، وحقول معرفية وعلمية مختلفة ، تقع المجموعة في 90 صفحة من القطع المتوسط، وتجزأت الى 3 اقسام هي : \"\"حكايات عتيقة\"\" وضمت سبع قصص، و\"\"حكايات المرآة\"\" وضمت ثلاث قصص، و\"\"شذرات حية \"\" وضمت خمس عشرة قصة. على امتداد متون هذه المجموعة القصصية وأنا أبحث عن دلالة واحدة لعنوان المجموعة القصصية ( لماذا لا تمزح معي) التي لا وجود لنص بهذا العنوان وحتى المغزى في مجموعة الرحبي ، ومن هنا اصبت بالحيرة والدهشة ، ماذا يريد الرحبي من صيغة السؤال في عنوان المجموعة ؟!! وهذا الأمر له علاقة بالمؤلف نفسه ، كل ماعلينا هو أن نقرأه بشفافية مطلقة ونصيغ جماليات السرد كما تؤهلنا أدواتنا .. * سمكة الحنين في القصة الأولى هذه يستعير الكاتب ب\" ضمير الأنثى\" الساردة والشخصية الرئيسية في هذا النص الذي يحكي قصة فتاة ميتة تتذكر طفولتها وعشقها للماء الذي جعل الناس تلقبها بــ \" سمكة\".. هذا البعد التخيلي وتحويل الاحداث من الواقع الحقيقي إلى الواقع التخييلي، هو تحوُّل يمنح النصّ أدبيته، ويفتحه على تعدد القراءات،حيث نتفاجأ بأن الشخصية مجرد وهم لأنثى تذكرت انها ميتة فجأة ولكنها لا تعرف كيف ماتت الا انها تتذكر ان ثمة صخرة سقطت عليها بالأحرى اما ان تكون سقطت عليها فجأة فأماتتها أم أن ثمة من رمى عليها الحجر ولكننا لا نعرف من ؟ ولماذا ؟ لا شيء متاح في هذا النص سوى ادراكنا برغبة البطلة وحياتها في الماء الى ان كبرت وظهرت تفاصيلها و\" كبرت تفاحاتي\" كما تقول وانتقالها من منطقة بحرية الى منطقة في الداخل بها فلج وحيد وناس ثرثارون ، هذا الانتقال المفاجىء الذي يشبه اقتلاع روحي لذات الانسان هو جزء من تكوين شخصية البطلة \" ونحن نرى حياتنا وذكرياتنا تتحول من مكان الى آخر \" .. ومن ثم موت أمها وعنوستها ونظرة المجتمع ووالدها الذي مات فيما بعد وتركها تخيط العرائس وتستقبل الأطفال الذين يأتون اليها كل يوم وفي جميع الاوقات ، نكتشف اللعبة التي أوقعنا فيها المؤلف وهي \" موت \" البطلة ، يقول بلسانها : \" ذات صباح حملت أشيائي واتجهت ناحية الجبل ، وتحت ظل صخرة هناك ، شرعت أصنع بصمت عرائسي من الخيوط وقطع الزور ولأنه لا يمكن أن أعرف سبب موتي، فإن كل ما أتذكره : كنت منحنية أنسج نولي تحت خيوط القمر ، حين سمعت دوي صخرة ورائي \" بائع البرسيم وجود امكنة مختلفة في هذا النص تجعلنا نشق الرؤية جيئة وذهابا على مواضع ةاماكن الحدث ، و للمكان مفرداته، أي الأشياء المكونة له، فالمكان مليء بالأشياء وهي تمثل جزءا من إنسانية الانسان، فأين ما يوجد إنسان توجد أشياؤه، وللأشياء حضورها المؤسس لعلاقات المجتمع، عبر صراع الذات الانسانية مع هذه الأشياء المكونة للمكان والتي تحمل نسقها بوصفها وجودا من خلال جدلها مع الذات والذات مع المكان، فالصراع قائم بين الرجال والنساء والرجال والأشياء والنساء والأشياء، أي ان لأشياء المكان دورا عاكسا للمجتمع عبر هذا الصراع- كما يقول ماجد موجد- وفي قصة بائع البرسيم ثمة حكاية قديمة عن رجل \" لايعرف في حياته سوى ثلاثة أمكنة : وهي بقيعة تصغير لبقعة مظللة في سوق فنجا وهو سوق قديم وتقليدي أتذكر اننا كنا نعرج عليه في ذهابنا الى المنطقة الداخلية وكان أشبه بعادة فلابد ان نعرج على هذا المكان ، المكان الثاني كان براد ضخم في وسط السوق ، اما المكان الثالث فهو مزرعة البرسيم فان الرجل يبيع البرسيم او انه مزارع يقول:\" وحين يأتي المشتري ، تستيقظ الحزم أمام قدمي البائع ، فيرفع طرفا منها ثم يزيده ثلاثة أعواد ، يحزم كل ذلك بخيط سعفي يستله من كيس بجانبه ، وفوق أذنيه النائمتين بالصمت ، حيث تنكفىء كوفيته المرصوصة في رأسه المحلوق أبدا حتى ملمس الجلد ، يضع أوراق النقود ، يرصها بيديه تحت تلك الكوفية المسنودة بأذنيه النافرتين ، يرفعها من رأسه ثم يحطها امام عينيه وهو يبحث عن اوراق صغرى يرجع بها ماتبقى عليه \" هذا الاهتمام الوصفي لأدق أدق التفاصيل يجعلنا نتصور شكل الرجل وهيئته وطريقة حركاته وتصرفه العادي من شخص بسيط في مستواه الشخصي والانساني ، في مجموعة الرحبي اعتقد ان ثمة اهتمام من الكاتب حول تبوأ الذات مكانة مركزية في كتاباته. مشغلا على رصد أعطاب المجتمع وأزماته وتشخيص الخلفية التاريخية والنسانية التي أوصلت \" البطل\" لحالة العجز عن تحقيق رغباته، وتحوله لكتلة راغبة فقط .. فبائع البرسيم رغم حياته المنهكة وعمله المضني الا انه لا ينسى ان يحب فهو ينتظر دائما ابنة صاحب المزرعة ..\" والتي بعد ان تجز حزمها وتجمعها ، تنتظر وعيناها شاخصتان الى حيث التلة التي سيظهر منها رويدا بائع البرسيم وحماره ، فتشرق عينا الفتاة ، ثم تساعده في حمل الحزمة وربطها على ظهر الحمار ، وأعينهما لا تفترقان ، يرفع بائع البرسيم كوفيته وينزلها \" تظهر العقدة في نص \" بائع البرسيم \" أخيرا حيث تسقط احلام البطل أثناء عودته من المزرعة محملا حزم البرسيم على ظهر حماره ومتجها الى البقيعة التي يبع فيها البرسيم ولكنه تفاجأ بوجود \"جاروفا\" ضخما يتربع كمارد ، والجاروف هو الهادم والمدمر والمحطم هذا مايرمز اليه دائما .. \" وفي صباح اليوم التالي كان يُرى في سوق فنجا ، حمار تائه،يفتح عينيه على أشدهما وهو يبحث مع صاحبه عن بقيعة تأويهما \" . الفرو الأبيض من قال أن اللون الأبيض لون خال من المعاني؟\" جاء في معجم الرموز: \"البياض يحيل عادة على الطهرانية والفضيلة والنبل\" ، ولكن يبدو ان الفرو الابيض في هذا النص سبب في خسارة بائع الجلود \" البهلوي \" ، وجاءت تسميته حسب الكاتب- الى بهلاء العمانية ، ويبدو ان البهلوي عكس الفهلوي هنا حيث انه يقع في شباك النصب والاحتيال والخسارة بسبب طمعه ربما أو سذاجته .. وقعت الاحداث في مدينة \" فاس\" بالمغرب وبعد الظهيرة تحديد ، وافتتح المشهد بجلوس البهلوي التاجر يدحرج ببطء خرزات مسبحته : \" في دار الدباغة بفتس، بعد ان توارت الظهيرة ، جلس التاجر البهلوي ينكش بإحدى يديه أفكار الخسارة التي تراوده ، وبيده الأخرى يدحرج ببطء خرزات مسبحته \" واختتم المشهد في القصة كنوع من الفلاش باك بعد ان خسر خسارة كبيرة واشترى الفرو الابيض بثلاثة ملايين سنيتم مأخوذا بحديث الشاب الذي جاء يبحث عن الفرو الابيض في حانوته وبالمبلغ الكبير الذي عرضه الشاب عليه \" خمسة ملايين سنيتم ودفع له تاكيدا على حسن نيته نصف سنيتم ولكن ماحصل ان البهلوي وجد الفرو الابيض على كتف احد المارة وعرض عليه ان يشتريه منه بنصف سنيتم ولكن الرجل باعه له بثلاثة ملايين سنيم ، وقد يكون هناك علاقة كشبكة نصابين بين الشاب الذي جاء يبحث عن الفرو والشاب الذي كان يرتدي الفرو ..\" ومنذ ذلك اليوم ، والأشهر تمر أمام عيني الهلوي كعداد المسبحة البطيء بين أصابعه ، وهو يرمق الوجوه امامه ساهما ، دون أن يراها \" سبت سمارة وجريان نحن امام نصين قصصين قصيرين جدا ، لغة مكثفة ومختزلة ، مع العناية بالسرد وتسلسل الاحداث بصورة لقطات سريعة بأقل الكلمات ، غير متناسيا التفاصيل الصغيرة التي تزيد في خلق رؤية اخرى ومتشعبة للتاويل والبحث عن القصدية ، حيث انهما ( النصين)مختلفين ، مكان آخر وزمان آخر قد يكون الكاتبه عاش في ( المغرب العربي) لفترة طويلة كما في نص ( سبت سمارة ) ، ولكنه لم يعش زمان الملوك والفرسان في نص ( جريان) ، وهو يحكي قصة ملك اراد معرفة سرعة جريان الفلج الذي انتهى من بنائه فكان يرمي عجل كل مرة ويصل الى المصب ميتا ، ثم هدمه وبنى فبلجا آخر جديدا وأمر ابنته التي يبدو انها تتميز بقوة النظر ( كعيني صقر) ان تصعد الى قمة الجبل لترى سرعة جريان الفلج ورمى بتمرة في منبع الفلج وأمر الملك أسرع فرسانه بالتسابق مع التمرة وابنته تراقب من الاعلى فأخبرته بأن التمرة وصلت قبل الفارس فأيقن ان فلجه سريع ، في هذه الحكاية يود الكاتب اخبارنا بسوء التفكير والتصرف لدى بعض اولي الأمر والملوك الذين يتحكمون في مصير شعب بأكماله وصغر نظرتهم ورؤيتهم ربما . حكايات المرآة في بعض نصوص هذه الجزأية الثانية التي عنونها ب( حكايات المرآة ) محاولة لتعرية الذات واسقاط أوراق التوت عن عورات المجتمع الراهن دافعا بنا للمساءلة عن المآل والتحول وعن المستقبل الذي نروم تأسيسه، فالقرينة السردية التالية لا تطلب جوابا بقدر ما تطلب تأملا ووقفة حقيقية لما وصلنا إليه ، ففي نص ( الراكض أمام المرآة ) قصة موظف حكومي يمارس روتينه والسأم المعتاد حين باغته الفراش:\" ترى من يشكل الثابت ومن يشكل المتحول في هذه المعادلة القيم المطلقة أم الإنسان المتحول؟!.. تعامل مع جغرافية القص بوعي؛ جعل مشهده القصصي أكثر جدوى في الوصول إلى مبتغاه، وبأقصر الطرق وأذكاها فضلا عن اشتماله (المشهد القصصي) على روح النص، ليعطي دفقاً وغنى للسرد الوصفي... وهكذا يحمل عناصر المشهد عمقاً في المعنى لا يمكن تجاوزها بسهولة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن تجربته الروائية، وإن أخذت قوتها وكثافتها من تجربته القصصية، لكنها أفادت في منح العقدة الدرامية/ الحبكة بشكل أدق/ مساحات إضاءة أكثر إشراقاً وتماسكاً، وليس من نافلة القول أن نذكر الدور الذي لعبته تجربته في الكتابة للأطفال في تكوين المفردة المسؤولة وصقل جمله الغضة التي تساعد على خلق هذا السرد المتدفق بمناورات ذكية متحاشية الولوج في متاهات، ربما تقحم النص في اللاجدوى التي يقع فيها الكثير ممن يأسرهم السرد المتواتر، ليخرج بمحصلة ربما كانت نموذجية في التعامل مع معطيات النص (وحيداً في المقهى) يقرأ صفحات كتابه، فوق طاولة تحوم حولها عيون مستغربة لعمال لم يألفوا قبل هذا اليوم رؤية أحد يقرأ كتاباً في مقهى. يرتشف كأسه الساخن ويقرأ، والعيون تشرئب من حوله، وحين وصل الى المشهد الذي سيفتر بسببه ثغره عن ابتسامة ثم ضحكة شع بها جبينه ووجنتاه، اهتزت الأكتاف المحيطة به وعم الضحك، وكل عابر يرشق المكان بضحكاته ويمشي. انتشر الضحك سريعاً كالعدوى، المطلون من النوافذ وأولئك المنقبضة وجوههم بسبب الزحام، جميعهم أطلقوا حلوقهم عن آخرها، وعجوز أعمى توقف قليلاً إثر الضحكات ثم انسحب ضاحكاً، أطفال تلفتوا وراءهم ضاحكين وهم يعبرون الخط المشمس وحقائب تحني ظهورهم.. وحده الساكع بين أوراق كتابه، لم يلمح شيئاً مما حدث، ارتشف آخر جرعة من كأسه وانسحب مبتعداً. ذكرى المعلمة حليمة التي تسكن في خيمة بأعلى الجبل، والتي يشبه قلبها نهراً تطفو فوق صفحته فراشات ولعب، كانت تحفظنا جزء عَمَّ، وتحذف عن أعيننا سورة \"\"الكافرون\"\" وتقول إنه لا يجب أن يقرأها الأطفال، ولم تكن تحدثنا إلا عن الجنة. وفي كل ظهيرة تطلق أرجلنا القافزة من بين أسنة الصخر، بعد أن تفتح رداءها المليء بالحلوى، كلٌ يشتري بالبيسات التي ضمها في كفه، وكان بعضنا يقدمها إليها في دخلته الأولى، فتعطي كل واحد شيئاً مما ضمته صرتها، ولا تميز بين الذي أعطاها مالاً وذلك الذي لا يملك أهله شيئاً. نتقافز راكضين بعدها، مودعين خيمتها التي ترفرف أطرافها كأيادي الوداع في أعلى الجبل. تحت ظل الشجرة ماسح الأحذية، يقرفص وحيداً وعيناه على أقدام السائرين في الرصيف المقابل، يشير إليهم بأصابع خجلى أن يقتربوا. تمر فتاة بمحاذاته، فيُسقط عينيه على التراب، ثم يرفعهما باتجاه آخر فرع في الشجرة حيث عصفوران يعاركان غصناً نائماً. قطة تحاول بحذر أن تحتمي بظل الشجرة، وحين تستريح الى نواياه، تفرش ظهرها الأملس بجانب جلسته. تحت شمس مسقط القائظة، وبعد أن لفظته جميع الأبنية التي لجأ إليها باحثاً عن عمل، لم يجد الشاب ذو العشرين عاماً سوى تلك الشجرة، وعلبة الأصباغ تلك، أمام أقدام لا يمكنها أن تفكر سوى بالطريق الأسرع للهروب من مسامير الشمس اللاهبة. ويعد محمود الرحبي من الأصوات القصصية المهمة في سلطنة عمان، وسبق أن صدر له مجموعتان قصصيتان هما \"\"اللون البني\"\" عن منشورات دار المدى السورية عام 1998 و\"\"بركة النسيان\"\" عن وزارة الثقافة العمانية عام 2006 ، كما له تحت الطبع \"\"درب المسحورة \"\" وهو عبارة عن مداورة سردية لقصيدة عمانية قديمة، و\"\"تحت شمس لا تنام\"\" وهو عبارة عن نص سردي طويل. | ||
![]() | ![]() |