• ×
الأربعاء 1 مايو 2024 |

استحضار شخصية (المغّيب) في التجربة العمانية

0
1
2117
 


استحضار شخصية \" المغّيب\" في التجربة العمانية
الهروب من سؤال\" الموت\" الى الاسطورة



* سلطان العزري : اسباب وجودية نفسية كمحاولة الالتفاف على السؤال الابدي \"الموت\" من خلال الهروب لعالم الاسطورة
* شيخة الفجري : استحضار المغيب في النص كدلالة تضفي عليه مزيدا من الدهشة والغموض
* سعيد الحاتمي : ثيمة \" المغيب\" حاضرة بقوة في نصوص بعض من يمكن ان نطلق عليهم متقدمين
* خليفة العبري : يتحول \" المغيب \" من نكرة او فاقد للتعريف الى حاضر بقوة و فاعل صاخب وليس متجاهلا او مبنودا
* عبدالحكيم عبدالله : كلاسيكيات أدب الغرب لا ترقي الى ما نملكه من ارث ثري من الحكايات والحواديت والخراريف.

استحضرت ذاكرتهم : بدرية الوهيبي




يتكئ المشهد العماني شعرا وسردا على موروث شعبي يعتمد على الاسطورة بشكل كبير ، حيث لا يستحضر الشاعر أوالقاص العماني شخصية ( المغيبّ) بشكل كبير مع اختلاف أدوات التعاطي والتناول لهذا الموروث أو الاسطورة ، و( المغّيب) هو الميت الذي يظهر الى الحياة ثانية بدون ذاكرة وبدون عقل ، يقول الشاروني: \"إن التراث الأدبي العماني ـ شأنه شأن كل أدب عظيم ـ تكمن عبقريته في أن إغراقه في محليته هو الذي يهبه إنسانيته وعالميته\" .. وللكاتب محمد عيد دراسة تناولت المتخيل الشعبي في القصة القصيرة العمانية ، يقول فيها ( تمثل الحكاية الشعبية، بوصفها إبداعا أدبيا، إلى جانب الموروثات الأخرى من حكم وأمثال شعبية ومعتقدات منهلا خصبا لإمكانية توظيفها فنيا في الأجناس الأدبية المختلفة وخصوصا السردية منها ليعكس الكاتب من خلالها دلالات رمزية وإيحائية لاسيما في القصة القصيرة) ، ولعل نصوص سيف الرحبي المليئة بالسحرة والمغايبة والجبال تكاد لا تخلو من ثيمة ( المغيّب) ، كذلك نصوص سماء عيسى الفجائعية الذي تناول سيرة المغايبة بشكل متقن ودرامي جميل وهذه الاسطورة هي حكاية من إنتاج معرفي جماعي تنتقل مشافهة من راو إلى راو آخر، وتتداول من جيلٍ إلى آخر. \"وهي حلقة متصلة متجددة دائما بين ما هو قديم أصيل من التراث الشعبي وما هو حديث يستمد وجوده من الشعب \"

\" الزمن\" في هذا الموضوع تقترب من التجربة الشعرية والقصصية العمانية التي تستحضر هذا الموروث وتوظفه في النص بمختلف التقنيات المتاحة ..
* جذع شجرة موز
في نص (يا لحزن الدودة حين تفقد الذاكرة) لسليمان المعمري يتحدث فيه عن فتاة شبح تشبه شهد التي توفيت فجأة دون سبب ، والتي كانت \" تستيقظ قبل الديك كل يوم. توقظ أباها لصلاة الجماعة. تصلي مع أمها صلاة الفجر. تحلب البقرة. تساعد أمها في الطهي والغسيل والكنس. وتنطلق إلى المراعي بصحبة شويهاتها ..\" ، حتى عادت من المرعى مريضة فأخذها ابوها الى \" معلم\" وأخبرهم حينها : \" لا أرى إلا جذع شجرة موز«
ماتت شهد.. وكان غيابها المفاجئ مدعاة لتناثر الحكايات: الراعي الذي شاهدها في المرعى تحمل حزمة حطب، وعن الجيران الذين رأوها تحلب بقرتها في الفجر، وعن أحد متسكعي الليل رآها تضع إكليلا من الزهور على قبر أمها التي ماتت حسرة عليها.
ثم قيل ان ساحر الفتاة والدها: »صارحني أبي غير مرة بأنه يتمنى لو يكون ساحرا«. وحين أتيحت للأب الفرصة لتحقيق أمنيته لم يتردد عن التخلي عن ابنته ثمنا مقابل الانضمام إلى السحرة الذين اشترطوا عليه تقديم: »أحب مخلوق إلى قلبه ليأكلوه في وليمتهم التي يقيمونها كل أسبوع«
لكن دندان، وهو ساحر شاب ضخم الجثة، طلب من السحرة استبدال الفتاة بأمه، وقال لهم وهو ينظر إليها بشهوانية تكاد تنط من عينيه: »هاكم أمي واتركوا لي هذه الفتاة« ثم تزوجها وحملها معه إلى مغارته..

هذا جزء كبير جدا ومختصر لحكاية \" المغيب\" وكيف تحولت شهد الى هذه الشخصية بعد وفاتها كذلك أم دندان ..


* مرادف كلمة المسحور

يقول سلطان العزري ان ( شخصية المغيب هي نتاج انثروبولوجيا عميقة وقديمة في الثقافة العمانية، ترادف كلمة المسحور، غير انه يجوز استخدام الثانية بجمالية ايجابية ولا يجوز استخدام الاولى وتوظيفها الا من جانب سلبي، فمثلا يجوز القول انه مسحور بحبها، ولا يجوز استخدام الاولى في هذا، اعتقد جازما ان هناك اسبابا تاريخية لتنحدر الكلمة كالعلاقة التاريخية يشرق افريقيا وشرق اسيا والمزج بينهما هنا بالاضافة الى اسباب وجودية نفسية كمحاولة الالتفاف على السؤال الابدي \"الموت\" من خلال الهروب لعالم اخر/ الاسطوري وتفعيله او دمجه في الواقعي، ان قدرة اللاوعي الجمعي على توظيف المفهوم في احيان كثيرة تكون مختلفة عن التوظيف الكتابي من انها دعوة للوجود وللحياة.
تتفاوت النصوص الكتابية العمانية في طرائق تناول ذلك العالم السحري، فالخيال الشعبي بتراكماته يمثل احد المواضيع غيرالمدروسه ).

* دهشة وغموض

أما شيخة الفجري كاتبة درامية ، كتبت ( اليرام) الذي شاهدناه في رمضان وهو عبارة عن حكايات شعبية تقول حول شخصية ( المغيّب) : \" عادة ما يتم استحضار المغيب في النص كدلالة تضفي عليه مزيد الدهشة والغموض حسب التوظيف الابتكاري لها ، ويكون اثره كطلسم نجتهد في تتبع عوالمه والتي كثيرا ما تقودنا لغموض اخر دهشة اخرى .

* متقدمون

والقاص سعيد الحاتمي لم تستهويه فكرة أو حكاية المعيب وكان بعيدا عن تناولها فيقول : \"

بصراحة حتى الآن لم تستهويني هذه الثيمة كي استحضرها في نص ما. لا اذكر انني كتبت عنها يوما..ولكنني كنت اجدها حاضرة بقوة في نصوص بعض من يمكن ان نطلق عليهم متقدمين \" .


* روح البطولة
أما خليفة سلطان العبري الذي لديه نصوص قصصية استحضر فيها هذه الثيمة ولكن تم توظيفها بشكل مغاير حسب كلامه : \" ثيمة المغيب في النص الذي اشتغل عليه يأخذ روح البطولة دائما وهو الحدث وهو البؤرة الذي تنفتح له حدقة العين وتتوسع لتتحول من نكرة او فاقد للتعريف الى حاضر بقوة في المشهد يصبح فاعلا صاخبا وليس متجاهلا او منبوذااويصبح محفزا لتذكير الاخر بهذا الهامشي الذي يحاول قطع الشارع الى الضفة الاخرى في قصة \"كيس الدنجو\" التي احتوتها مجموعة \"فنجان عند سوق مطرح\" فتقضي على حياته سيارة فارهة مسرعة ..


* عوالم سفلية


أما القاص عبدالحكيم عبدالله فيعتبر ثيمة \" المغيب والمتخيل الشعبي بقوله : \" المغيب ثيمة تتعرض لعوالم سفلية يلفها دخان الغموض خاضعة لقوى السحر الاسود والشعوذات والعزائم التي تأمر الجان بتنفيذ رغبات السحرة، وتنتمي هذه الحواديت لموروث حكائي يخص منطقة الخليج يسمى \"الخراريف\" ولعل شخصية المغيب اكتسبت خصوصية في اساطير تراثنا العماني، وفي النصوص القصصية يتم تناول هذه الشخصية بدلالات ترمز الى اجواء من الاحاجي ومشاهد من الرعب والغموض المريب، ونصوص اخرى تطرح دلالات صور الظلم والشرور والاعتداء السافر علة انسانية الانسان بتأثيرات السحر ومردة الجن بتحويله الى مسخ يجول بأسماله في القفار والسيوح وكهوف الجبال.
ولمثل هذه الحكايا تأثيرها ـ او يبنغي ان يكون لها تأثير ـ على الادب السردي اذ انها حاضرة في ادبيات البيئة والروايات المتعاضدة تتواتر في احادثي الناس وهي بمثابة الخبر اليقين لدى بعض العوام \"رغم استحالة حدوث مثل هذا الامر حقيقة\" ـ فحري بها ان نجد لها حضورا في النص القصصي يشخص هذا المغيب ويرسم له ملامح وسمات ويصور تلك المشاهد المثيرة في اجواء وعوالم ذات غرائبية وعجائبية، تماثل ما نقرأه في ادب الغرب من كلاسيكيات لا ترقي الى ما نملكه من ارث ثري من الحكايات والحواديت والخراريف.... الخ