• ×
الثلاثاء 25 نوفمبر 2025 |

الشعر الشعبي العماني المعاصر.. تجارب الشعراء العمانيين في برامج المسابقات الشعرية

0
0
4365
 
الشعر الشعبي العماني المعاصر.. تجارب الشعراء العمانيين في برامج المسابقات الشعرية

عمان : رؤية - راشـد بن سـعيد الشـامسي:--



image

مثلت المسابقات الشعرية الشعبية المحلية وبرامجها المختلفة على وجه الخصوص أحد أهم روافد الشعر الشعبي العماني، لما تمثله من أهمية كبرى بالنسبة للشعراء، حيث الألق الاعلامي، والنجاح الجماهيري وثقة الشاعر بشعره ونفسه، فضلا عن المكاسب المادية والمعنوية الأخرى التي تحققها هذه المسابقات والبرامج الشعرية لكثير من الشعراء، لذلك لم يكن عجبا أن نجد الشعراء الشعبيين يحرصون على الدخول في هذه المسابقات والبرامج. كما تعتبر المسابقات الشعرية الشعبية في السلطنة أهم رياح التغيير ـ على الاطلاق ـ التي أثرت في القصيدة الشعرية الشعبية العمانية على مدار العقدين الماضيين على أٌقل تقدير. وتعد من أهم وأقصر السبل لانجاح الشاعر الشعبي العماني واظهاره وتلميعه اعلاميا. وتعتبر هذه المسابقات بالاضافة الى الصحافة المحلية والشبكة العنكبوتية من أهم الشرفات ـ ان لم تكن أهمها ـ التي يطل من خلالها الشاعر العماني على الجمهور وعلى المتذوّق وعلى المشهد الثقافي في داخل السلطنة ليخرج من خلاله الى مجال أرحب وأكثر اتساعا. كما تعد هذه المسابقات الشعرية من الرعاة الرسميين والدائمين حافزا على الابداع بين الشعراء الشعبيين على اختلاف مشاربهم والمدارس الشعرية التي ينتمون اليها وتوجهاتهم وأذواقهم. ومن المحركين الرئيسيين في اذكاء نار الاجادة والتميز بين الشعراء الشعبيين العمانيين.

وتعتبر المسابقات الشعرية المحلية هي النواة الحقيقية لصقل موهبة الشاعر، من خلال التوجيه المباشر من قبل المحكمين.. بالاضافة الى الاحتكاك بممثلين مختلفين لمدارس الشعر المختلفة وممثلين للأساليب الشعرية الموجودة في سير المسابقة آنذاك، وتكوين آراء ربما تكون جديدة أو مختلفة عما كانت عليه قبل المشاركة في المسابقة.

ونستطيع القول إن المسابقات الشعرية الشعبية العمانية على شكلها الحالي بدأت مع اطلالة النهضة المباركة في أواخر السبعينات من القرن الماضي. ولكن لم تكن منتشرة وموجودة كما هي عليه الآن، فقد كثرت المؤسسات التي تعنى بالشعر الشعبي العماني ومسابقاته، كما كثر الشعراء المتسابقون والسبّاقون للمشاركة فيها. وهنا لا بد من ذكر الجهود التي كان يقوم بها المرحوم الشاعر ربيع بن سالم العلوي ـ محرر ومعد صفحة الشعر الشعبي العماني بجريدة عمان ـ في فترة من ثمانينات القرن الماضي حيث كان يطرح لغزا أسبوعيا على قراء صفحته الشعرية الشعبية ليحاولوا الاجابة عليه شعرا أو نثرا، فكان هذا الجهد نوعا من أنواع المسابقات الشعرية الشعبية المحلية. كما لا يفوتني أن أذكر المساجلات الشعرية التي كانت تدور بين الشعراء الشعبيين العمانيين وهم يمارسون فنونهم التقليدية في شتى أرجاء السلطنة. ويطرحون الأسئلة على بعضهم البعض حتى يتمايزوا فيما بينهم وحتى يقيسوا قدرات الشاعر الخصم وسرعة بديهته وسرعة رده على اللغز الشعر الشعبي على القافية والوزن ذاتهما.

ونستطيع أن نحصر المسابقات الشعرية الشعبية المحلية بالسلطنة في نوعين رئيسيين وهما:

المسابقات الشعرية التي يكون فيها الالقاء قبل اعلان النتائج، كما في مسابقة مهرجان الشعر العماني ومسابقة الملتقى الأدبي للشباب.

المسابقات الشعرية التي يكون القاء النصوص الفائزة فيها بعد اعلان النتائج، كما في مسابقة مجلس الشعر الشعبي العماني ومسابقة المنتدى الأدبي والمسابقة الأدبية المحلية ومسابقة النادي الثقافي والمسابقات التي تنظمها بعض المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية الأخرى.

وتكاد أن تكون شروط المسابقات الشعرية متطابقة الى حد كبير مع وجود بعض الرتوش المتغيّرة بين مسابقة وأخرى، فمن حق الجهة المنظمة أن تحدد اشتراطاتها وأن تحدد رؤاها للمسابقة التي سوف تنظمها وتشرف عليها، وان ما يهمنا في هذه الشروط بندين في غاية الأهمية أرى من الضروري اعادة النظر فيهما.. حتى يتسنى للكثير من المبدعين أن يشارك في سير هذه المسابقات. وهما:

(أن تكون القصيدة حديثة ولم يسبق لصاحبها أن قام بنشرها أو القائها في مناسبة) فربما لا يكون للشاعر المبدع نصا جاهزا لم ينشر كتابة أو مشافهة خلال الفترة ما بين الاعلان عن سير المسابقة وآخر موعد لاستلام النصوص. وربما يكون قد نشر نصا في يوم الاعلان أو قبيل الموعد ويكون نصا ناضجا، فيحرم من المشاركة به وتحرم المسابقة من نصٍ ربما سيضيف اليها جمالا وألقا.. ويبرر القائمون على تنظيم المسابقات الشعرية ذلك بأنه يجب على القصائد أن تكون سرية ولجنة التحكيم لم تطلّع عليها من قبل حتى لا يكون هناك محاباة لأسماء دون الأخرى. ولكن يناقض ذلك بأن لجنة التحكيم في غالب المسابقات سوف تستمع للنص من الشاعر نفسه في أمسية من أمسيات المسابقة وقبل اعلان النتائج النهائية لها. فتكون صفة السرية هنا قد التغت نهائيا.

(لا تقل أبيات القصيدة المشاركة عن اثني عشر بيتا ولا تزيد على خمسة وعشرين بيتا ولا تزيد القصيدة الحديثة عن خمسة مقاطع) لا تعليق هنا سوى أن الشعر لا يقاس بالكم ! ويفضل أن يلمح بدلا عن هذا الشرط بأنه لا يحبذ أن يكون النص الشعري من المطولات.
ويقوم اختيار لجنة التحكيم في المسابقات الشعرية على عدة أسس ونقاط يضعها القائمون على تنظيم المسابقة، نستطيع أن نوجز أهما في النقاط الآتية:

تجربة المحكم الشعرية أو النقدية وغالبا ما يكونون شعراء.
اسهامات المحكم الأدبية والشعرية.
المتابعة والمراجعة عن كثب لنشاطاته الكتابية في المجالات ذات الصلة.
اختلاف المذاهب والمدارس الشعرية التي ينتمي اليها أعضاء اللجنة الواحدة.
اختيار المحكمين من داخل وخارج السلطنة لزيادة الحيادية في التحكيم.

يرى الكثير من المهتمين بالشعر العماني (فصيحا وشعبيا) أن أهم مسابقة تنظم على المستوى المحلي وتهتم بالشعر هي مهرجان الشعر العماني، ومن مسمى الفعالية نجد أن هناك رؤيتين على طرفي نقيض لصيغة مهرجان الشعر العماني. فالأولى ترى أن يكون المهرجان مهرجانا للشعر واحتفالا به وله فقط كما كان في مهرجان الشعرالعماني الخامس الذي أقيم بمحافظة مسقط في عام 2006م. والأخرى ترى ضرورة اقامة مسابقة في مهرجان الشعر العماني لغربلة الغث من السمين كما هو قائم في جميع المهرجانات ما عدا المهرجان الذي ذكر سابقا.

لكن المتفحص لدورات مهرجان الشعر العماني السبع يرى أن جميع المهرجانات عبارة عن مسابقات شعرية وتقييم نص وليس تقييم شاعر وتجربة وان أعلنت نتائج ومراكز فائزة، وحتى ان لم تعلن، فحتى مهرجان الشعر العماني الخامس الذي لم تعلن فيه نتائج هو في حقيقة الأمر مسابقة لم تعلن بها مراكز.. ولكن المشاركين فيه كيف شاركوا؟ ألم تقيّم نصوصهم من بين نصوص متقدمة! ألم يفاضل بين تلك النصوص جميعا واختيرت هي؟ ألا تكون عملية الاختيار والتفاضل مسابقة ضمنية؟

وهناك رأي يأتي من بعيد وأنا شخصيا أميل اليه وهو أن يحتفى بالتجارب الشعرية وليس بنص شعري واحد ـ ربما يخون الشاعر فيه حسن الاختيار ـ .. فليتم اختيار خمس تجارب شعرية بشقيها الفصيح والشعبي في كل مهرجان من مهرجانات الشعر العماني.. وتكون هذه التجارب متحققة وفق شروط وضوابط تحددها الجهات المعنية لاقامة المهرجان.. فيتم دعوتهم ودعوة النقاد والمهتمين بالحركة الشعرية العمانية للاحتفاء بهم وتسليط الضوء عليهم ومناقشة تجاربهم ومعرفة رؤاهم.

وعن الخصائص الفنية لنص المسابقة الشعرية الشعبية في السلطنة ان رجعنا للقراءة المشتركة للأستاذين الشاعرين صالح بن سعيد الرئيسي ومحمد بن صالح الصالحي ـ عضوي لجنة تحكيم الشعر الشعبي في مسابقة الملتقى الأدبي السادس عشر الذي أقيم بولاية صحار 2010م. قال الأستاذ صالح الرئيسي: «لقد أفرز الملتقى الأدبي السادس عشر الذي أسندت اليّ وإلى الشاعر محمد الصالحي مهمة تحكيم نصوص الشعر الشعبي فيه الى وجود نصوص ذات موضوعات مختلفة ومن الطبيعي جدا تنافس قصائد لشعراء يكتبون الشعر ولربما فازت قصائد لهم في مناسبات أدبية سابقة وكان أمام لجنة تحكيم الشعر الشعبي 43 عملا تم اختيار 15 عملا جاءت بعد تريث وقراءة وفق الشروط التي وضعتها وزارة التراث والثقافة للمسابقة ولا شك أنه وجد بعض الأسماء المشاركة لأول مرة التي سجلت حضورا طيبا واستفادة ايجابية في المشاركة حيث ان هذه القصائد الفائزة لشعراء لهم مشاركات في مجال الشعر الشعبي وكان لا بد للجنة التحكيم أن تنظر لمعايير مهمة في مجال تقييم النصوص التي أمامها وهذا ليس بالأمر اليسير خاصة اذا أدركنا أن بناء العمل الفني يقوم على أساسيات مهمة ترتكز على الفكرة والموضوع والموسيقى والصورة واللفظ والعبارة والرمز وطريقة استخدام هذه العناصر وابتكار واتباع منهج يعطي الاطار العام للقصيدة الجديدة دلالة وقيمة أدبية.

وقد امتازت القصائد بتنوع الموضوعات المطروحة وجاءت لغة القصائد متنوعة في الابداع والدهشة وبرع الشعراء في القائهم لنصوصهم والبحث في خبايا الأغراض الشعرية المتنوعة والصور الشعرية التي تميزت بها القصائد.

من هنا نستطيع أن نستخلص بأن نص قصيدة المسابقة الشعرية ربما يبدو لدى بعض المتابعين عن بعد أنه لا يختلف كثيرا عن نصوص القصائد العادية لغير المسابقات، ولكن في حقيقة الأمر، أن الشاعر الشعبي العماني يشتغل أكثر على نص قصيدة المسابقة من حيث الفكرة أولا، فيحاول أن يكون متميزا في فكرة نصه عن نصوص المتسابقين الآخرين، فنجد الكثير من النصوص الشعرية الشعبية للمسابقات ترتكز على البعد القومي والانساني والذاتي الفلسفي في الفكرة العامة للنص، وتحاول تفكيك الصورة الواحدة الى صور صغيرة متلاحقة ومتراكمة على بعضها البعض لتشكل صورة عامة متوحدة مع بعضها في كامل النص. مع تكثيف الصور الشعرية بقدر المستطاع في النص. وربما تبتعد عن الشاعر الشعبي في بعض الأحيان الخيوط الرفيعة التي تربط بين الصور التي يشبع بها نصه فيبدو متفككا ومترهلا أحيانا أخرى. فيعتمد على الرمز حينها ليبتعد عن توحّد الصورة الكلية، والبعض يوغل في الرمز لنصه حتى يبدو لنا أن النص عبارة عن طلاسم لا نجد رابطا لها أو بينها.. فيغيب عن ذهن بعض الشعراء (المحدّثين)- ان صح التعبير- أن يتركوا لنا مفاتيح نستطيع من خلالها أن نسبر أغوار النص والفكرة.

ونجد بأن بعض الشعراء حين يكتبون نصا لمسابقة ما، ينسلخون عن ذاتهم الشعرية الأصلية ويحاولون كتابة نص مفصل على هيكل المسابقة، ويحاولون استقراء توجهات من يعتقدون بأنهم سيكونون في لجنة التحكيم فيكتبون لذائقة من يظنونهم أعضاءً في لجنة تحكيم المسابقة الشعرية. كما برزت في الآونة الأخيرة المزاوجة في النص الواحد بين الشكل العمودي الكلاسيكي للقصيدة الشعبية وقصيدة التفعيلة، أحيانا تعطي النص بعدا جماليا جوهريا وخارجيا ان كان الكاتب يعي ما يريد بالضبط، وأحيانا يأتي النص مشوها كالمسخ لا فائدة من المزاوجة بين الطريقتين فيه. وقد برزت في الآونة الأخيرة أيضا نصوص تشتغل كثيرا على فكرة الموت والحياة والغربة الذاتية والسفر والترحال. وهذا ما يسمى بالنصوص الذهنية. حتى نجد بعضها أصبح ترفا شعريا أقرب للنظم في قالب شعري من أن يكون شعرا خالصا.

من هذا كله يجدر بنا القول بأن المسابقات الشعرية الشعبية العمانية لها بالغ الأثر في تطور الشعر الشعبي العماني، فقد أنتجت لنا أسماءً مهمة على الساحة الشعبية العمانية، نستطيع أن نراهن على أن بعضهم يعتبرون من صفوة الصفوة في الكتابة الشعرية الشعبية العربية وليست المحلية فقط، كما أفرزت لنا محكمين ونقّادا استطاعوا أن يفاضلوا بين هذه الكتابات ويقيموها التقييم المناسب ان لم يكن الأفضل، واستطاعوا أن يمسكوا بمشعل التوجيه لمن هم أقل تجربة منهم، فأضاؤوا سماوات المسابقات بالرؤى السديدة والأفكار الناضجة والأطروحات القيمة التي تخدم الصالح العام. كما أفرزت تواصلا بين أجيال كتابية مختلفة بمدارسها الشعرية، وزادت من توطيد العلاقات الاجتماعية بين الشعراء في شتى محافظات ومناطق السلطنة فقد كان من الصعب تجمعهم في مكان وزمان محددين لولا وجود المسابقات الشعرية. ومن أهم فوائد المسابقات الأدبية العمانية أنها ردمت الهوّة التي كانت موجودة بين كتاب الأدب عموما والشعراء الشعبيين، فمن هذه المسابقات اختلفت نظرة كثير من الأدباء التي تصور الشعر الشعبي بأنه ناقة وخيمة ودلة قهوة وقمر ووجه حبيب وربابة.

كما أبرزت جيلا من الشعراء الشعبيين الواعين لما يكتبون، وأغرت الكثير منهم ـ ان لم تجبرهم حقا ـ على الاطلاع على التجارب الأدبية المختلفة في سبيل تطوير أنفسهم وثقافاتهم ونصوصهم، ولكن يؤخذ على هذه المسابقات وجود بعض المتطفلين على الشعر ممن يكتبون بغير وعي لمعنى المفردة الحقيقي واختلافه الاختلاف الجذري ان وضع في صورة اخرى ولكنهم قليلون ويتلاشون مع الزمن.

وهنا تجدر الاشارة الى ان الكثير من الأسماء الشعرية الشعبية العمانية قد آثرت الاحجام عن المشاركة في المسابقات الشعرية المحلية، لتشبعها بالعدد الهائل من هذه المسابقات، ومقارعته لأبناء بلده في كل منها، فلماذا لا يفتح المجال للشعراء الشعبيين العمانيين لمقارعة الشعراء الشعبيين من كل الوطن العربي، وذلك باستضافة السلطنة لمسابقة شعرية عربية يدعى كل الشعراء الشعبيين العرب للمشاركة فيها بالاضافة الى الشعراء العمانيين، وتكون تحت مسمى رمز من رموز السلطنة. وترصد لها موازنة تتناسب مع اسمها ومع مكانة السلطنة.

كما يلاحظ أيضا عند اعلان أسماء المشاركين في بعض المسابقات الشعرية المحلية واعلان بعض نتائج المسابقات يكون هناك استياء وعدم رضا من بعض المستبعدين أو المشاركين الذين لم يفوزوا وأحيانا يصل هذا الاستياء لبعض الفائزين في مراكز متقدمة ومن بعض المتابعين لسير المسابقات.