• ×
الجمعة 10 أكتوبر 2025 |

أبطال المواقع الإلكترونية

0
0
1257
 
أبطال المواقع الإلكترونية
للكاتب: مسعود الحمداني
Samawt2004@live.com


ينتشرون في كل مكان، تراهم يكيلون المديح لهذا، ويذمّون ذاك، يتحوّلون فجأة إلى شعراء، وبعد حين إلى نقاد، ويعد فترة إلى منظّرين، ينظّرون في كل شيء من الإبرة، وحتى الصاروخ الباليستي، وراءهم يطبّل عشرات المجاملين، ويدقون دفوف الكلام، ويجعلون من الريش نعامة كاملة، وترى أبطال المواقع يردّون بكل تواضع، ويسيّسون الأمور، ويلبسون جبّة العلماء، ويتقمّصون جلسة الحكماء.

يكثرون كالطحالب، وينثرون عبثهم في أروقة المنتديات، ويكوّنون شلّتهم الخاصة، جوقة موسيقية كاملة، منهم المطبّل، وعازف الناي، والعوّاد، وضارب الجيتار، وضارب الرمل، والراقص على كل كلمة وكل حرف، شعارهم (كما تُقرِض تقترض..وبكثرة مديحك يكثر مادحوك..)..لا مكان في كثير من هذه المواقع للإبداع الحقيقي، ولا مجال للنقد الراقي، فالمبدع مذموم، حتى يثبت نفاقه، ومداخلاته الحميمة، موزعا حلوى المديح، وشوكولاتة المجاملة.

(ما أروع هذه الكلمات)..(مرورك كالمطر الهادر)..(قصيدتك تنضح بكل معاني الجمال)..(شكرا لمرورك)..(أنستني بحلاوة حرفك)..هذه بعض عبارات متناسخة، قص ولصق، يكتبها المجاملون ويتقبلها النقاد والشعراء الموهومون بكل تواضع وتقدير، باعتبارهم أساتذة الساحة، وعلماء المواقع الوهمية، التي تفرّغ كل الإبداع من وعائه، وتجعل الشعراء المسطّحون شعراء لا يشق لهم غبار، وتجد الصفحات تضج بهذه العبارات، وتعج بهذه النوعية من الكتابات، ولو جئت لتقتفي أثر المكتوب، لما وجدت غير بياض كبير من المداهنات، والشللية الغريبة التي تشكّل العمود الفقري لكثير من هذه المواقع التي يتساوى فيها المبدع بالسطحي، والجاد بالساذج، والجيد بالرديء.

وتجد مشرفين، ومديري مواقع، ومستشارين، ومشارين، يتوزعون كلٍ بلقبه وصفته، كثير منهم لا يجيد حتى الإملاء، ولا يستطيع حتى تركيب جملة واحدة بلغة سليمة، ورغم ذلك تجده يوزع نصائحه، وهباته، ويشحذ همة هذا، ويحبط عزيمة ذاك، ويحذف ما يشاء عن جهل، و(يثبّت) ما يشاء عن علم، ولا تجد أمامك إلا مدينة ضباب لا ترى فيها الحق، ولا تشاهد منها الواقع، فكل شيء متشابه، والجميع يتحولون إلى أبطال، ونقاد، وشعراء، وكتّاب عظام، وتتضخم لدى البعض عقدة (الأنا)، ويصبح بين يوم وليلة (أستاذ كرسي) في جامعة طلبتها الكسل، وعميدها الجهل، وموظفوها المجاملات.

العيب أحيانا ليس في تلك المواقع فهي كجهاز الحاسوب تُغذّى بما يجود به مستخدموها، ولكن العيب كل العيب في بعض الذين جعلوا من هذه المواقع خواء لا نفع فيه، ولا حياة.