خصوصية الأنثى عند الشاعرة العمانيه أصيلة السهيليه
02-13-2011 09:34 مساءً
0
0
1458
خصوصية الأنثى عند الشاعرة العمانيه أصيلة السهيليه
قراءة إنطباعيه للناقد السعودي/ محمد مهاوش
توطئة :
اعتمدت هذه القراءة على عنصرين هامين هما عنصر الاكتشاف وعنصر الربط , ومسألة الاكتشاف مثل عمل الغواص الباحث عن الدرر في أعماق البحار , وذلك أن موضوع الغوص مثل مسألة قراءة النصوص , كليهما بحاجة إلى الدخول في العمق والابتعاد عن السطح الظاهري من أجل اكتشاف المخبوء المستقر في القاع , ومن خلال هذا الفهم المبسط يمكننا التقريب بين البحر الحقيقي المعروف والبحر المجازي المتصل بالشعر , وهناك فرق بين الاثنين , باعتبار أن مسألة الاكتشاف هي بمثابة محاولة لإعادة خلق العمل الفني مرة أخرى , وذلك من خلال الانطلاق من النصوص المطروحة للقراءة , والتعمق بالغوص فيها من خلال النفاذ من السطح الخارجي لنصوص والدخول إلى أعماقها الداخلية , وهذا الوضع ما أعمل عليه دائمًا وأحرص على إبرازه في كل ما أكتب , لايماني بأن القراءة النقدية عملاً أدبيًّا متكاملاً أي موازيًا لنصوص , لا عملاً تكميليًّأ لها , أي أنها تخرج عن العمل الانطباعي الذي يحركه الشعور الانفعالي اللحظوي , مع العلم أن القراءة الانطباعية تعتبر عملاً نقديًّا كما يعلم المشتغلون بهذا المجال , غير أنني حاولت إضافة شسء آخر لهذا الاكتشاف وهو عامل الربط , وهذا العامل كنت ألجأ إليه لكن في فترات متعاقبة , وذلك من أجل تقوية العمود الفقري للقراءة وضخها بدماء فنية جديدة تساعدها على الوقوف , وتكون أكثر مرونة بالنسبة للقارئ بعد ذلك , وتشكل دفعة فنية تمنح النص القدرة على الثبات , وذلك أن المسألة التي أرمي لها في هذه القراءة مسألة دقيقة لا تكاد تلتفت لها العديد من الشاعرات بمثل ما التفتت إليها الشاعرة أصيلة السهيلي
قد تبدو هذه الكتابة نوعًا من التجريب لكنها على أية حال تظل أمرًا لا يمكن إغفاله من حيث كونه يرتبط بمسألة التوثيق الأدبي للذاكرة , لهذا تظل كتاباتنا أشبه بجزر متناثرة في محيط اسمه الشاعر أو الشاعرة أو الروائي أو الروائية , وهكذا دواليك حيث إننا نعبر في هذه الكتابات عن حالات منفصلة تعرض لنا في هذه الدنيا , منها ما يأتي في نظام قصيدة عمودية ومنها ما يكون متوافقًا مع شعر التفعيلة , وقد نخرج عن هذا وذاك لنقتحم فنونًا أدبية أخرى لا عهد لنا بها كالقصة أو الرسم أو المسرحية لأن الحالات التي تأتي عندما تجيء فإنها تأتي بجنسها الأدبي , أي أنها بالطريقة التي تشاء , فقد يفكر المرء بكتابة مقال أدبي , لكنه حينما يلمس الورق والقلم تتدفق منه المعاني بشكل غير مسبوق , وغير معد له ليكون العمل في آخر المطاف قصيدة أو لوحة فنية نرسم حدودها ولا تحتاج منا بعد ذلك إلا الألوان لتكتمل في آخر المطاف .
هذا ما حدث معي حينما اطلعت على النصوص الشعرية التي أرسلتها لي الشاعرة أصيلة السهيلي بعد أن طلبت منها فعل ذلك , باعتبارها تجربة شعرية لا يمكن نسيانها أو تناسيها , لا سيما وأنا أعمل على إعداد هذا الكتاب الذي يحتوي التجارب الشعرية لعدد لا بأس به من الشاعرات في منطقة الخليج العربي . لقد كنت أظنني أن سأتحدث عن موضوع آخر رسمته في ذهني , وهو موضوع السهر والليل في قصائدها غير أن الحماس لتناول هذه الفكرة لم يكن قويًّا , لذا فضلت التريث وعدم العجلة في هذا الشأن , كما أنني لا أحبذ طرق المواضيع ذات السياج الشكلاني في الغالب , فأعدت قراءة النصوص التي كانت بين يدي إلى أن لمعت هذ الفكرة في مخيلتي كلمعان البرق من وراء السحب في الأفق البعيد , فرحت بها وسجلتها في ورقة جانبية , ثم بدأت فرز المقاطع الشعرية المختارة , وبدأت العمل للكتابة
القراءة :
تحاول الشاعرة أصيلة السهيلي التوقف عند الخصوصية الذاتية التي تتمحور حولها حياتها , وهي خصوصية الذات الأنثوية التي لا تكاد تظهر كثيرًا أو تطل على استحياء عند بعض الشاعرات وفق ما اطلعت عليه من تجارب , ولا أدعي أنني كنت ملمًّا بكل إنتاج المرأة الشاعرة في منطقة الخليج العربي , وذلك أن الشاعرات أصبحن كما الشعراء كذلك يتكاثرون هذه الأيام كما تتكاثر حشائش السافانا في المناطق الاستوائية , وبما أن الشاعرة أصيلة تجربة شعرية امتدت لسنوات فإن شعرها استقر ولم تعد تجربتها الشعرية في طور التشكل , وعلاوة على الخصوصية الأنثوية لمحت عنصرًا آخر في شعرها , وهو اعتمادها على الحركة التي جاءت كداعم لهذه الخصوصية من حيث كونها تعمل على تركيز حرصها على مبدأ البقاء في الحب والتشبث في علاقتها مع الحبيب.
أجي منا .. تجي منا.. وأجيلك تمتمة أطفال
مثل طفلة وسط غيمة مطر أشتاق ألعابـي
تحاول الشاعرة الإحاطة بالمحبوب كما يفعل الأطفال الصغار مع آبائهم حين التوسل لهم والبكاء أمامهم , وذلك أنهم أي الأطفال لا يقوون إلا على فعل هذا التصرف الدالة على الضعف والبراءة للبرهنة على تعلقهم بالأشياء التي يريدونها , وهذه الأفعال تعتمد على الإكثار من الحركة , وهذا ما سنلحظه عند الشاعرة أصيلة السهيلي علاوة على تدقيقها بالأمور ذات الخصوصية النسوية الموجودة في شعرها , والتي تدل على أنها تسعى للانفراد عن مجموعة حواء في تعاملها الشعري , وذلك أن غالبية النساء لا تكاد تحرص على طرق هذه الجزيئية أثناء ممارسة العملية الشعرية .
تعلن الشاعرة هنا بأنها مع حبيبها أشبه بالطفلة الحريصة على حوائجها الطفولية \" الألعاب \" وهي في هذا التوظيف لا تريد إشعار المتلقي بأن الحبيب لديها لا حول له ولا قوة , أي أنه كالألعاب التي بيد الأطفال الصغار , ولا تشير كذلك أنها تتعامل مع الحب كمشروع للعب والعبث الساذج الطفولي , بل توحي بأنها أنانية تعشق التملك , ولا تريد من الحبيب أن يفلت من بين أيديها , لذا فهي متعلقة بحبيبها كما يتعلق الأطفال الصغار بألعابهم التي في حوزتهم , إضافة إلى أن الأطفال دائمو الحركة بين آبائهم , وهذا فيه خصوصية الإنطلاق والحركة في المحيط المكاني الذي يعيشه الطفل , والذي يعادل عند الشاعر الحب , وهذا الوضع يخلق حالة من الحنين والحميمية في العلاقة , غير أن هذا المجال لا نتحدث عنه في هذه القراءة.
هنا تاريخ ميـلادك أساطيـرٍ تهـد جبـال
أمررهـا تمررنـي أسـد بوجههـا بابـي
هنا دخان أنفاسك طواحيـن المسـا المنثـال
وشنطة هالرحيل وصورتك تذكار دولابـي
هنا ذكراك يا بعضي على بعضي تجي تختال
هنا عطر الدخون الغاير المسترسـل ثيابـي
هنا دفتر قصيد ومحبرة وأقصوصة الترحال
هنا عصفور شباكك رحل مع طير أسرابـي
تكثف الشاعرة من الألفاظ أو التعابير الشعرية ذات الصلة بالحركة أو ذات العلاقة بالخصوصية الأنثوية , حيث تبدو الصيغ اللغوية المرتبطة بالحركة سواء المرتبطة بالشاعرة أو تلك التي تراها أو تريد أن تراها في المحبوب \" تهدّ أمررها تمررني أسدّ - دخان - أنفاسك تجي تختال الدخون المسترسل الترحال رحل \" وهذه الألفاظ الحاضرة بكل هذا الزخم تؤكد بأن رغبة القبض على الحب وامتلاك الحبيب تتحرك في ذات الشاعرة وتنعكس هذه التصرفات على تعامل الشاعرة مع لغتها الشعرية التي تتواصل وفق هذا المسار , أما ما يخص الحضور الأنثوي في هذه المقطوعة فهو لا يقل عن الحضور الحركي كذلك \" أسدّ بوجها بابي \" لأن مثل هذا التوظيف لا يكون جميلاً بالرجل , لأنه يوحي بعدم المواجهة والخوف والتردد , بينما هذه الصفة أو ما يشابها تكون مقبولة في سلوك المرأة , وفي أضعف الايمان تكون غير معابة في هذا التصرف , ولم يقف هذا الاستعمال الشعري عند هذا الحد , حيث تأتي صيغ شعرية متناغمة مع الخصوصية الأنثوية \" شنطة هالرحيل صورتك تذكار دولابي عطر الدخون ثيابي \" , فهذه التعابير رغم دلالتها على الخصوصية الأنثوية فإنها تعمق من حالة حب التملك المواكب لهذا السياق , حيث إن الثياب والصورة والشنطة والدولاب المصاحب للتذكار علاوة على عطر الدخون أو الدخون والعطر في محاولة للتفكيك بين المفردتين , فإن كل هذه المسميات تدل على الخصوصية الفردية وتوحي بوجود نزعة للتملك والإنفراد بالشيء , وهو ما جُبلت عليه المرأة , وهذا بدوره يقوي من مسألة خصوصية الأنثى الواضحة في نصوص السهيلي
يا عمري ما بقى فيني ولا حالي بقاله حال
تصدق حتى من شوقي شربت الهم وأشقابي
نسيت ومن تذكرتك سجد هذا الدمع همـال
تعال امسح بكفينك بقايـا الملـح بترابـي
تعال اجلس على حزني وبعثرني بريح الفال
تعال تنام في عيني وأصحى فيك أهدابـي
لعل هذه الأبيات لا تقل فيها الخصوصية التي نرمي إليها في نصوص الشاعرة , إذ أنها تكون حاضرة ضمن سياق المقطوعة التي أمامنا , غير أنها في المقابل تعمل على استحضار التكثيف الحركي لديها أيضًا , وذلك من خلال \" تعال \" التي تكررت أكثر من مرة , أي التكثيف الحركي كحالة مطلقة هنا , علاوة على \" امسح اجلس بعثرني \" , وكأن هذا النهج من الشاعرة محاولة لضخ هذا المقطع بكل ما لديها من زخم نفسي , ومن ناحية يكاد أن يكون حضورها الحركي عامل مساعد لهذه الخصوصية , وذلك من أجل الإحاطة به والسيطرة عليه , بالإضافة إلى أن قولها المتكرر \" تعال \" إيحاء بالتملك الدال على أنانية المحب ورغبته بعدم منازعة الآخرين له هذا العالم , لهذا كانت تحرضه على القدوم وعدم التردد سواء من خلال قولها \" تصدق يا عمري امسح بكفينك تعال تنام في عيني \" الموحية بالمسكنة والانهزامية والتمسكن له من أجل المجيء إليها , وهذا ما دفعها للقول له كذلك \" بعثرني \" للتدليل على مدى استسلامها ورضوخها له , لأن الأنانية في الحب سبيل للتمسكن فيه , فحب الامتلاك يحرض صاحبه للرضوخ , وذلك من خلال عملية التقاء الأضداد , وهو ما أشار إليه أحد الزعماء العالميين بمسألة التقاء أقصى اليمين بأقصى اليسار.
أنـتهينا
قال أنا ما بي قيود!
يا أعود أو ما أعود
ما مهلني،،
أرتشف باقي جنوني من جنونه
من هجير الشوق فيني!
كيف ناح ؟؟
ما سألني-
ليه أموت- وكنت أعيـش
وكنت أشيله بماي عيني،،
لين ساح
في الوقت الذي تحاول فيه الشاعرة اقتحام المحبوب ومحاصرته بهذا الزخم العاطفي , وذلك من خلال هذا الوجع المتصاعد , وهو اقتحام ليس على سبيل الواقع بل عن طريق الانسياق وراء الخيال والحلم لأنه راحل عنها , إلا أنها تبدو ضعيفة رغم هذا الحماس المتصاعد , ويتجلى ذلك في توظيفها الشعري لهذه المقطوعة , والذي بدأ متموّجًا من خلال استخدامها لبعض الجمل الشعرية \" يا أعود أو ما أعود أرتشف باقي جنوني من جنونه كيف ناح \" حيث إنها تحاول التبرير لنفسها اتخاذ مثل هذه المواقف , مع العلم أن المسألة لا تحتاج لمثل هذا التناول , ولا تحتاج لكل هذا التبرير , ومن ناحية أخرى , وقد تبدو انقلابًا على الكلام السابق , أن مثل هذه المواقف مؤشر على وجود صراع نفسي يعتمل في وجدانها بين الواقع , وهو واقع الرحيل والفراق وبين المأمول المرجو المكتنز لديها في الذاكرة.
ما مهلني،،
أرتشف باقي جنوني من جنونه
فعدم منحه لها فرصة \" ارتشاف الشوق \" كما تقول هو ما دفعها للانزلاق في التخيل والجري وراءه وذلك من أجل تحقيق حالة من الاتزان الروحي بين ما هو حاصل وما هو مأمول .
ما سألني-
ليه أموت- وكنت أعيـش
وكنت أشيله بماي عيني،،
لين ساح
هذا التحسر الحاصل هنا جعلها لا تلوذ إلا بما يختص بها كأنثى \" وكنت أشيله بماي عيني،، لين ساح \" حيث استحضرت الكحل الذي يعتبر مرتبطًا بعالم المرأة خاصة أنها قالت : \" أشيله بماي عيني \" لخلق تلازم بين \" ماي عيني \" و \" ساح \" علاوة على موافقة هذه الخصوصية بعامل الحركية التي لازمت هذا التوظيف \" يا أعود أو ما أعود - أرتشف باقي جنوني من جنونه - وكنت أشيله بماي عيني،، لين ساح \" وكأن هذه الخصوصية المخبوءة فيها والتي تظهر في مثل هذه السياقات تعتبر حالة سلبية لديها ما لم تدعمها بالحرص والمتابعة الناتجة في الرغبة بأن تكون متواجدة هنا وهناك وفي كل مكان , وذلك من أجل إيهام الحبيب بأنها تحاصره من كل ناحية حتى على المستوى اللغوي , ومن ناحية أخرى من أجل إقناع نفسها بأنها متعلقة فيه وليس لديها رغبة على التنازل عنه , وهذا ما جعل روح التملك تظهر جلية عندها في العديد من نصوصها
لمي شتاتك.. دموعي والزمي صمتك!!!!
خارت قوى الدمع ما باقي معي خيره!!!
طبطب حنيني ع كتف الهم وطبطبتـك!!
وأتلف مسار الكحل عيني مشاويـره!!!!
عدد لا بأس به من الشاعرات توقعك كقارئ بالحيرة حينما تتصفح قصائدها , لا لكونها تكتب بلغة ذكورية أي تستخدم الصيغ ذات المدلول الذكوري , بل لأنك لا تستطيع اكتشاف أن وراء هذا النص أو ذاك امرأة , أما أصيلة السهيلي لا تكاد تجد هذا العائق يقف أمامك حينما تقرأ قصائدها , وذلك أنها تمد نصوصها الشعرية بمفاهيم ذات صلة بالأنثى سواء تلك التي تتصل بها اتصالاً مباشرًا أو تلك التي تدور الأنثى حولها , وهي في الأمر الثاني تكاد تقترب من الشاعرات الأخريات , بينما الأمر الآخر , وهو الأمر الذي يتصل بها اتصالاً مباشرًا , فإنها من الشاعرات القليلات اللائي يطرقن هذا المجال , وبعيدًا عن المفردات الأنثوية \" لمّي الزمي \" تطل علينا هذه الصيغ التي لا تخرج عن خصوصية المرأة كقولها \" مسار الكحل \" التي جاءت وحيدة في هذين البيتين , غير أن هذا المجيء ساعد الصيغ التي تدور الأنثى حولها كقولها \" لمّي شتاتك والزمي صمتك خارت قوى الدمع طبطب حنيني وطبطبتك \" على التماسك وتقوية دعائم الخصوصية الأنثوية , إذ أن هذه الصيغ ترتفع وتهبط في مسار الدوران حول عالم الأنثى , والتي قد لا يكون لها مؤثر في حال مجيئها بهذه الطريقة , لكن \" مسار الكحل \" ضخ تلك الصيغ بهذا الحضور الذي ساعد على تكثيف الخصوصية الأنثوية لدى الشاعر.
من يلحظ تفاوت استخدام الشاعر للطريقة الحركية في استخدام بعض الصيغ التعبيرية , أو الأسلوب الشعري الذي يتوافق مع الخصوصية الأنثوية يجد أن الشاعر من حيث علمت أو لم تعلم كانت تزاوج بين هذين الاتجاهين كقولها في هذا البيت \" هنا دخان أنفاسك طواحين المسا المنثـال .. وشنطة هالرحيل وصورتك تذكار دولابـي \" , فتارة تكتفي بالخصوصية ويتراجع النفس الحركي لديها , وتارة تكون العملية معكوسة , وفي بعض الأحيان تعمل على دمج الاثنين معًا في سياق واحد , وفي هذين البيتين تمايزت الخصوصية على ما سواها , وكانت الشاعرة مع ذاتها أوضح من اعتمادها على الحركة الارتدادية التي تظهر هنا وهناك.
كنني بلا روح ...لا عشتـك ولا متـك!!!
كني بلا درب....لا أوطـان...لا ديـره!!!
تأتأ حنينـي علـى شوفـك وتأتأتـك!!!!
صكيت باب الجمـر وأنعيـت تأثيـره!!!
يا حلم وينك....حرمني الصبح من وقتك!!!
والنوم سافـر ...وهلـل فـي تكبيـره!!!!
لوسادتي عطر....لا جا الليل عطرتـك!!!!
ولعيوني الملح وأنت....أهدبتنـي خيـره!!!
يا مرعب النبض ...يا مهووس ..يا بختك!!
كلما فضى البال ...ألقى فيـك تفكيـره!!!
ليست في هذه الأبيات عبارات دالة على الخصوصية بشكل صارخ , لأن الشاعرة لم تكن مهتمة بالحرص على إبراز الخصوصية , وهذا ما جعلها تكون قريبة من نفسها بشكل أكثر , وهذا القرب عائد لارتدادها إلى الداخل والتفكير بذاتها كإنسان مما جعلها تكون أكثر حميمية مع حالتها النفسية , الأمر الذي تركها في حوار ذاتي مع الروح لا يخرج عن حديث المشاعر للمشاعر , وهو ما أوصلها للاستغراق بجو من الشاعرية عوضها عن تلك الخصوصية المفقودة هنا \" عشتك متك يا حلم وينك - - حرمني الصبح لوسادتي عطر يا بختك \" فهذه الصيغ جعلت الشاعرة تكون قريبة من نفسها , وهذا ما جعلها تقضي الليل بالسهر سواء من مناداتها للحلم \" يا حلم وينك \" وذلك أنها غير قادرة على استجلابه في مثل هذه الظروف , علاوة على أنها كانت متسايرة مع السهر سواء برضاها أو بعدم رضاها , وذلك من خلال قولها \" والنوم سافر \" أو قولها \" ولعيوني الملح \" , فهي رغم جنوحها لمثل هذه التعابير , فإنها تعمل على الاتكاء على كل ما يدعم الخصوصية الأنثوية في شعرها .
يوم اذكر السكر اللي ذاب لك في الشاي
يذوب بعضي ويكسر بعض اسـواري
يوم اذكر اسمك اموت تموت بي اناي
أعيش اسمك حيـاه ويندفـن ثـاري
جاتك كفوفي طفل خضبتهـا حنـأي
جرحت فيها المزن وانهـل مـدراري
جاتك عيوني سفر يالراحـل لمنفـأي
ياول حروف القصيدة واخر اشعـاري
تستعيض هنا بشاعرية غارقة في الحب والتأمل , وهذا الاستغراق جاء كذلك كما كان في المقطع السابق لترسيخ الخصوصية , حيث جاءت بمفردات تعني التلاشي أو تشير إليه كإشارة دلالية , وهذه المعاني الشعرية توحي كذلك بالحركة , لكنها حركة في الاتجاه المعاكس , إذ كانت تلك الحركة السابقة ظاهرة العيان تبرزها الشاعرة هنا وهناك , وهي تلك الحركات تبرز حركة الشاعرة الظاهرية , غير أنها جاءت بشكل ارتدادي إلى الداخل.
لقد كانت الكلمات أو الجمل الشعرية الموحية بالتلاشي تحضر وفق سياق \" الخضاب \" الذي فعلته الشاعرة \" جاتك كفوفي طفل خضبتها حناي \" لأن الخضاب الذي يلتصق بالكفوف يشير إنه ذاب واندمج مع الجلد , وهذا كفعل ايحائي لا على الحقيقة , حيث يبدو من ملمسه أنه جزء من الكف , وهذا ما كانت تشير إليه بعض المعاني \" السكر يذوب بعضي أموت تموت بي أناي - - ويندفن ثاري \" فهذه التعابير الشعرية توحي بالتلاشي والذوبان من الحب في حضرة الحديث عن الحبيب والحب , وهي كذلك تدل على الحركة أيضًا لكنها حركة في الاتجاه المعاكس , وهذا التوظيف هو الذي خلق هذه الشاعرية الممتعة التي سيطرت على المشهد العاطفي هنا , وينما ننظر إلى قولها \" جاتك كفوفي طفل خضبتها حنـأي\" تبرز أمامنا خصوصيتها الأنثوية كامرأة علاوة على تصرفها الشعري كشاعرة لتتعاضد هذه المكونات وتقوي من حضور الذات الأنثوية في السياق الشعري , الأمر الذي كرّس حضور الذات الأنثوية في شعرها سواء مع هذا المقطع أو بقية المقاطع الشعرية الأخرى من هذه القراءة .
قراءة إنطباعيه للناقد السعودي/ محمد مهاوش
توطئة :
اعتمدت هذه القراءة على عنصرين هامين هما عنصر الاكتشاف وعنصر الربط , ومسألة الاكتشاف مثل عمل الغواص الباحث عن الدرر في أعماق البحار , وذلك أن موضوع الغوص مثل مسألة قراءة النصوص , كليهما بحاجة إلى الدخول في العمق والابتعاد عن السطح الظاهري من أجل اكتشاف المخبوء المستقر في القاع , ومن خلال هذا الفهم المبسط يمكننا التقريب بين البحر الحقيقي المعروف والبحر المجازي المتصل بالشعر , وهناك فرق بين الاثنين , باعتبار أن مسألة الاكتشاف هي بمثابة محاولة لإعادة خلق العمل الفني مرة أخرى , وذلك من خلال الانطلاق من النصوص المطروحة للقراءة , والتعمق بالغوص فيها من خلال النفاذ من السطح الخارجي لنصوص والدخول إلى أعماقها الداخلية , وهذا الوضع ما أعمل عليه دائمًا وأحرص على إبرازه في كل ما أكتب , لايماني بأن القراءة النقدية عملاً أدبيًّا متكاملاً أي موازيًا لنصوص , لا عملاً تكميليًّأ لها , أي أنها تخرج عن العمل الانطباعي الذي يحركه الشعور الانفعالي اللحظوي , مع العلم أن القراءة الانطباعية تعتبر عملاً نقديًّا كما يعلم المشتغلون بهذا المجال , غير أنني حاولت إضافة شسء آخر لهذا الاكتشاف وهو عامل الربط , وهذا العامل كنت ألجأ إليه لكن في فترات متعاقبة , وذلك من أجل تقوية العمود الفقري للقراءة وضخها بدماء فنية جديدة تساعدها على الوقوف , وتكون أكثر مرونة بالنسبة للقارئ بعد ذلك , وتشكل دفعة فنية تمنح النص القدرة على الثبات , وذلك أن المسألة التي أرمي لها في هذه القراءة مسألة دقيقة لا تكاد تلتفت لها العديد من الشاعرات بمثل ما التفتت إليها الشاعرة أصيلة السهيلي
قد تبدو هذه الكتابة نوعًا من التجريب لكنها على أية حال تظل أمرًا لا يمكن إغفاله من حيث كونه يرتبط بمسألة التوثيق الأدبي للذاكرة , لهذا تظل كتاباتنا أشبه بجزر متناثرة في محيط اسمه الشاعر أو الشاعرة أو الروائي أو الروائية , وهكذا دواليك حيث إننا نعبر في هذه الكتابات عن حالات منفصلة تعرض لنا في هذه الدنيا , منها ما يأتي في نظام قصيدة عمودية ومنها ما يكون متوافقًا مع شعر التفعيلة , وقد نخرج عن هذا وذاك لنقتحم فنونًا أدبية أخرى لا عهد لنا بها كالقصة أو الرسم أو المسرحية لأن الحالات التي تأتي عندما تجيء فإنها تأتي بجنسها الأدبي , أي أنها بالطريقة التي تشاء , فقد يفكر المرء بكتابة مقال أدبي , لكنه حينما يلمس الورق والقلم تتدفق منه المعاني بشكل غير مسبوق , وغير معد له ليكون العمل في آخر المطاف قصيدة أو لوحة فنية نرسم حدودها ولا تحتاج منا بعد ذلك إلا الألوان لتكتمل في آخر المطاف .
هذا ما حدث معي حينما اطلعت على النصوص الشعرية التي أرسلتها لي الشاعرة أصيلة السهيلي بعد أن طلبت منها فعل ذلك , باعتبارها تجربة شعرية لا يمكن نسيانها أو تناسيها , لا سيما وأنا أعمل على إعداد هذا الكتاب الذي يحتوي التجارب الشعرية لعدد لا بأس به من الشاعرات في منطقة الخليج العربي . لقد كنت أظنني أن سأتحدث عن موضوع آخر رسمته في ذهني , وهو موضوع السهر والليل في قصائدها غير أن الحماس لتناول هذه الفكرة لم يكن قويًّا , لذا فضلت التريث وعدم العجلة في هذا الشأن , كما أنني لا أحبذ طرق المواضيع ذات السياج الشكلاني في الغالب , فأعدت قراءة النصوص التي كانت بين يدي إلى أن لمعت هذ الفكرة في مخيلتي كلمعان البرق من وراء السحب في الأفق البعيد , فرحت بها وسجلتها في ورقة جانبية , ثم بدأت فرز المقاطع الشعرية المختارة , وبدأت العمل للكتابة
القراءة :
تحاول الشاعرة أصيلة السهيلي التوقف عند الخصوصية الذاتية التي تتمحور حولها حياتها , وهي خصوصية الذات الأنثوية التي لا تكاد تظهر كثيرًا أو تطل على استحياء عند بعض الشاعرات وفق ما اطلعت عليه من تجارب , ولا أدعي أنني كنت ملمًّا بكل إنتاج المرأة الشاعرة في منطقة الخليج العربي , وذلك أن الشاعرات أصبحن كما الشعراء كذلك يتكاثرون هذه الأيام كما تتكاثر حشائش السافانا في المناطق الاستوائية , وبما أن الشاعرة أصيلة تجربة شعرية امتدت لسنوات فإن شعرها استقر ولم تعد تجربتها الشعرية في طور التشكل , وعلاوة على الخصوصية الأنثوية لمحت عنصرًا آخر في شعرها , وهو اعتمادها على الحركة التي جاءت كداعم لهذه الخصوصية من حيث كونها تعمل على تركيز حرصها على مبدأ البقاء في الحب والتشبث في علاقتها مع الحبيب.
أجي منا .. تجي منا.. وأجيلك تمتمة أطفال
مثل طفلة وسط غيمة مطر أشتاق ألعابـي
تحاول الشاعرة الإحاطة بالمحبوب كما يفعل الأطفال الصغار مع آبائهم حين التوسل لهم والبكاء أمامهم , وذلك أنهم أي الأطفال لا يقوون إلا على فعل هذا التصرف الدالة على الضعف والبراءة للبرهنة على تعلقهم بالأشياء التي يريدونها , وهذه الأفعال تعتمد على الإكثار من الحركة , وهذا ما سنلحظه عند الشاعرة أصيلة السهيلي علاوة على تدقيقها بالأمور ذات الخصوصية النسوية الموجودة في شعرها , والتي تدل على أنها تسعى للانفراد عن مجموعة حواء في تعاملها الشعري , وذلك أن غالبية النساء لا تكاد تحرص على طرق هذه الجزيئية أثناء ممارسة العملية الشعرية .
تعلن الشاعرة هنا بأنها مع حبيبها أشبه بالطفلة الحريصة على حوائجها الطفولية \" الألعاب \" وهي في هذا التوظيف لا تريد إشعار المتلقي بأن الحبيب لديها لا حول له ولا قوة , أي أنه كالألعاب التي بيد الأطفال الصغار , ولا تشير كذلك أنها تتعامل مع الحب كمشروع للعب والعبث الساذج الطفولي , بل توحي بأنها أنانية تعشق التملك , ولا تريد من الحبيب أن يفلت من بين أيديها , لذا فهي متعلقة بحبيبها كما يتعلق الأطفال الصغار بألعابهم التي في حوزتهم , إضافة إلى أن الأطفال دائمو الحركة بين آبائهم , وهذا فيه خصوصية الإنطلاق والحركة في المحيط المكاني الذي يعيشه الطفل , والذي يعادل عند الشاعر الحب , وهذا الوضع يخلق حالة من الحنين والحميمية في العلاقة , غير أن هذا المجال لا نتحدث عنه في هذه القراءة.
هنا تاريخ ميـلادك أساطيـرٍ تهـد جبـال
أمررهـا تمررنـي أسـد بوجههـا بابـي
هنا دخان أنفاسك طواحيـن المسـا المنثـال
وشنطة هالرحيل وصورتك تذكار دولابـي
هنا ذكراك يا بعضي على بعضي تجي تختال
هنا عطر الدخون الغاير المسترسـل ثيابـي
هنا دفتر قصيد ومحبرة وأقصوصة الترحال
هنا عصفور شباكك رحل مع طير أسرابـي
تكثف الشاعرة من الألفاظ أو التعابير الشعرية ذات الصلة بالحركة أو ذات العلاقة بالخصوصية الأنثوية , حيث تبدو الصيغ اللغوية المرتبطة بالحركة سواء المرتبطة بالشاعرة أو تلك التي تراها أو تريد أن تراها في المحبوب \" تهدّ أمررها تمررني أسدّ - دخان - أنفاسك تجي تختال الدخون المسترسل الترحال رحل \" وهذه الألفاظ الحاضرة بكل هذا الزخم تؤكد بأن رغبة القبض على الحب وامتلاك الحبيب تتحرك في ذات الشاعرة وتنعكس هذه التصرفات على تعامل الشاعرة مع لغتها الشعرية التي تتواصل وفق هذا المسار , أما ما يخص الحضور الأنثوي في هذه المقطوعة فهو لا يقل عن الحضور الحركي كذلك \" أسدّ بوجها بابي \" لأن مثل هذا التوظيف لا يكون جميلاً بالرجل , لأنه يوحي بعدم المواجهة والخوف والتردد , بينما هذه الصفة أو ما يشابها تكون مقبولة في سلوك المرأة , وفي أضعف الايمان تكون غير معابة في هذا التصرف , ولم يقف هذا الاستعمال الشعري عند هذا الحد , حيث تأتي صيغ شعرية متناغمة مع الخصوصية الأنثوية \" شنطة هالرحيل صورتك تذكار دولابي عطر الدخون ثيابي \" , فهذه التعابير رغم دلالتها على الخصوصية الأنثوية فإنها تعمق من حالة حب التملك المواكب لهذا السياق , حيث إن الثياب والصورة والشنطة والدولاب المصاحب للتذكار علاوة على عطر الدخون أو الدخون والعطر في محاولة للتفكيك بين المفردتين , فإن كل هذه المسميات تدل على الخصوصية الفردية وتوحي بوجود نزعة للتملك والإنفراد بالشيء , وهو ما جُبلت عليه المرأة , وهذا بدوره يقوي من مسألة خصوصية الأنثى الواضحة في نصوص السهيلي
يا عمري ما بقى فيني ولا حالي بقاله حال
تصدق حتى من شوقي شربت الهم وأشقابي
نسيت ومن تذكرتك سجد هذا الدمع همـال
تعال امسح بكفينك بقايـا الملـح بترابـي
تعال اجلس على حزني وبعثرني بريح الفال
تعال تنام في عيني وأصحى فيك أهدابـي
لعل هذه الأبيات لا تقل فيها الخصوصية التي نرمي إليها في نصوص الشاعرة , إذ أنها تكون حاضرة ضمن سياق المقطوعة التي أمامنا , غير أنها في المقابل تعمل على استحضار التكثيف الحركي لديها أيضًا , وذلك من خلال \" تعال \" التي تكررت أكثر من مرة , أي التكثيف الحركي كحالة مطلقة هنا , علاوة على \" امسح اجلس بعثرني \" , وكأن هذا النهج من الشاعرة محاولة لضخ هذا المقطع بكل ما لديها من زخم نفسي , ومن ناحية يكاد أن يكون حضورها الحركي عامل مساعد لهذه الخصوصية , وذلك من أجل الإحاطة به والسيطرة عليه , بالإضافة إلى أن قولها المتكرر \" تعال \" إيحاء بالتملك الدال على أنانية المحب ورغبته بعدم منازعة الآخرين له هذا العالم , لهذا كانت تحرضه على القدوم وعدم التردد سواء من خلال قولها \" تصدق يا عمري امسح بكفينك تعال تنام في عيني \" الموحية بالمسكنة والانهزامية والتمسكن له من أجل المجيء إليها , وهذا ما دفعها للقول له كذلك \" بعثرني \" للتدليل على مدى استسلامها ورضوخها له , لأن الأنانية في الحب سبيل للتمسكن فيه , فحب الامتلاك يحرض صاحبه للرضوخ , وذلك من خلال عملية التقاء الأضداد , وهو ما أشار إليه أحد الزعماء العالميين بمسألة التقاء أقصى اليمين بأقصى اليسار.
أنـتهينا
قال أنا ما بي قيود!
يا أعود أو ما أعود
ما مهلني،،
أرتشف باقي جنوني من جنونه
من هجير الشوق فيني!
كيف ناح ؟؟
ما سألني-
ليه أموت- وكنت أعيـش
وكنت أشيله بماي عيني،،
لين ساح
في الوقت الذي تحاول فيه الشاعرة اقتحام المحبوب ومحاصرته بهذا الزخم العاطفي , وذلك من خلال هذا الوجع المتصاعد , وهو اقتحام ليس على سبيل الواقع بل عن طريق الانسياق وراء الخيال والحلم لأنه راحل عنها , إلا أنها تبدو ضعيفة رغم هذا الحماس المتصاعد , ويتجلى ذلك في توظيفها الشعري لهذه المقطوعة , والذي بدأ متموّجًا من خلال استخدامها لبعض الجمل الشعرية \" يا أعود أو ما أعود أرتشف باقي جنوني من جنونه كيف ناح \" حيث إنها تحاول التبرير لنفسها اتخاذ مثل هذه المواقف , مع العلم أن المسألة لا تحتاج لمثل هذا التناول , ولا تحتاج لكل هذا التبرير , ومن ناحية أخرى , وقد تبدو انقلابًا على الكلام السابق , أن مثل هذه المواقف مؤشر على وجود صراع نفسي يعتمل في وجدانها بين الواقع , وهو واقع الرحيل والفراق وبين المأمول المرجو المكتنز لديها في الذاكرة.
ما مهلني،،
أرتشف باقي جنوني من جنونه
فعدم منحه لها فرصة \" ارتشاف الشوق \" كما تقول هو ما دفعها للانزلاق في التخيل والجري وراءه وذلك من أجل تحقيق حالة من الاتزان الروحي بين ما هو حاصل وما هو مأمول .
ما سألني-
ليه أموت- وكنت أعيـش
وكنت أشيله بماي عيني،،
لين ساح
هذا التحسر الحاصل هنا جعلها لا تلوذ إلا بما يختص بها كأنثى \" وكنت أشيله بماي عيني،، لين ساح \" حيث استحضرت الكحل الذي يعتبر مرتبطًا بعالم المرأة خاصة أنها قالت : \" أشيله بماي عيني \" لخلق تلازم بين \" ماي عيني \" و \" ساح \" علاوة على موافقة هذه الخصوصية بعامل الحركية التي لازمت هذا التوظيف \" يا أعود أو ما أعود - أرتشف باقي جنوني من جنونه - وكنت أشيله بماي عيني،، لين ساح \" وكأن هذه الخصوصية المخبوءة فيها والتي تظهر في مثل هذه السياقات تعتبر حالة سلبية لديها ما لم تدعمها بالحرص والمتابعة الناتجة في الرغبة بأن تكون متواجدة هنا وهناك وفي كل مكان , وذلك من أجل إيهام الحبيب بأنها تحاصره من كل ناحية حتى على المستوى اللغوي , ومن ناحية أخرى من أجل إقناع نفسها بأنها متعلقة فيه وليس لديها رغبة على التنازل عنه , وهذا ما جعل روح التملك تظهر جلية عندها في العديد من نصوصها
لمي شتاتك.. دموعي والزمي صمتك!!!!
خارت قوى الدمع ما باقي معي خيره!!!
طبطب حنيني ع كتف الهم وطبطبتـك!!
وأتلف مسار الكحل عيني مشاويـره!!!!
عدد لا بأس به من الشاعرات توقعك كقارئ بالحيرة حينما تتصفح قصائدها , لا لكونها تكتب بلغة ذكورية أي تستخدم الصيغ ذات المدلول الذكوري , بل لأنك لا تستطيع اكتشاف أن وراء هذا النص أو ذاك امرأة , أما أصيلة السهيلي لا تكاد تجد هذا العائق يقف أمامك حينما تقرأ قصائدها , وذلك أنها تمد نصوصها الشعرية بمفاهيم ذات صلة بالأنثى سواء تلك التي تتصل بها اتصالاً مباشرًا أو تلك التي تدور الأنثى حولها , وهي في الأمر الثاني تكاد تقترب من الشاعرات الأخريات , بينما الأمر الآخر , وهو الأمر الذي يتصل بها اتصالاً مباشرًا , فإنها من الشاعرات القليلات اللائي يطرقن هذا المجال , وبعيدًا عن المفردات الأنثوية \" لمّي الزمي \" تطل علينا هذه الصيغ التي لا تخرج عن خصوصية المرأة كقولها \" مسار الكحل \" التي جاءت وحيدة في هذين البيتين , غير أن هذا المجيء ساعد الصيغ التي تدور الأنثى حولها كقولها \" لمّي شتاتك والزمي صمتك خارت قوى الدمع طبطب حنيني وطبطبتك \" على التماسك وتقوية دعائم الخصوصية الأنثوية , إذ أن هذه الصيغ ترتفع وتهبط في مسار الدوران حول عالم الأنثى , والتي قد لا يكون لها مؤثر في حال مجيئها بهذه الطريقة , لكن \" مسار الكحل \" ضخ تلك الصيغ بهذا الحضور الذي ساعد على تكثيف الخصوصية الأنثوية لدى الشاعر.
من يلحظ تفاوت استخدام الشاعر للطريقة الحركية في استخدام بعض الصيغ التعبيرية , أو الأسلوب الشعري الذي يتوافق مع الخصوصية الأنثوية يجد أن الشاعر من حيث علمت أو لم تعلم كانت تزاوج بين هذين الاتجاهين كقولها في هذا البيت \" هنا دخان أنفاسك طواحين المسا المنثـال .. وشنطة هالرحيل وصورتك تذكار دولابـي \" , فتارة تكتفي بالخصوصية ويتراجع النفس الحركي لديها , وتارة تكون العملية معكوسة , وفي بعض الأحيان تعمل على دمج الاثنين معًا في سياق واحد , وفي هذين البيتين تمايزت الخصوصية على ما سواها , وكانت الشاعرة مع ذاتها أوضح من اعتمادها على الحركة الارتدادية التي تظهر هنا وهناك.
كنني بلا روح ...لا عشتـك ولا متـك!!!
كني بلا درب....لا أوطـان...لا ديـره!!!
تأتأ حنينـي علـى شوفـك وتأتأتـك!!!!
صكيت باب الجمـر وأنعيـت تأثيـره!!!
يا حلم وينك....حرمني الصبح من وقتك!!!
والنوم سافـر ...وهلـل فـي تكبيـره!!!!
لوسادتي عطر....لا جا الليل عطرتـك!!!!
ولعيوني الملح وأنت....أهدبتنـي خيـره!!!
يا مرعب النبض ...يا مهووس ..يا بختك!!
كلما فضى البال ...ألقى فيـك تفكيـره!!!
ليست في هذه الأبيات عبارات دالة على الخصوصية بشكل صارخ , لأن الشاعرة لم تكن مهتمة بالحرص على إبراز الخصوصية , وهذا ما جعلها تكون قريبة من نفسها بشكل أكثر , وهذا القرب عائد لارتدادها إلى الداخل والتفكير بذاتها كإنسان مما جعلها تكون أكثر حميمية مع حالتها النفسية , الأمر الذي تركها في حوار ذاتي مع الروح لا يخرج عن حديث المشاعر للمشاعر , وهو ما أوصلها للاستغراق بجو من الشاعرية عوضها عن تلك الخصوصية المفقودة هنا \" عشتك متك يا حلم وينك - - حرمني الصبح لوسادتي عطر يا بختك \" فهذه الصيغ جعلت الشاعرة تكون قريبة من نفسها , وهذا ما جعلها تقضي الليل بالسهر سواء من مناداتها للحلم \" يا حلم وينك \" وذلك أنها غير قادرة على استجلابه في مثل هذه الظروف , علاوة على أنها كانت متسايرة مع السهر سواء برضاها أو بعدم رضاها , وذلك من خلال قولها \" والنوم سافر \" أو قولها \" ولعيوني الملح \" , فهي رغم جنوحها لمثل هذه التعابير , فإنها تعمل على الاتكاء على كل ما يدعم الخصوصية الأنثوية في شعرها .
يوم اذكر السكر اللي ذاب لك في الشاي
يذوب بعضي ويكسر بعض اسـواري
يوم اذكر اسمك اموت تموت بي اناي
أعيش اسمك حيـاه ويندفـن ثـاري
جاتك كفوفي طفل خضبتهـا حنـأي
جرحت فيها المزن وانهـل مـدراري
جاتك عيوني سفر يالراحـل لمنفـأي
ياول حروف القصيدة واخر اشعـاري
تستعيض هنا بشاعرية غارقة في الحب والتأمل , وهذا الاستغراق جاء كذلك كما كان في المقطع السابق لترسيخ الخصوصية , حيث جاءت بمفردات تعني التلاشي أو تشير إليه كإشارة دلالية , وهذه المعاني الشعرية توحي كذلك بالحركة , لكنها حركة في الاتجاه المعاكس , إذ كانت تلك الحركة السابقة ظاهرة العيان تبرزها الشاعرة هنا وهناك , وهي تلك الحركات تبرز حركة الشاعرة الظاهرية , غير أنها جاءت بشكل ارتدادي إلى الداخل.
لقد كانت الكلمات أو الجمل الشعرية الموحية بالتلاشي تحضر وفق سياق \" الخضاب \" الذي فعلته الشاعرة \" جاتك كفوفي طفل خضبتها حناي \" لأن الخضاب الذي يلتصق بالكفوف يشير إنه ذاب واندمج مع الجلد , وهذا كفعل ايحائي لا على الحقيقة , حيث يبدو من ملمسه أنه جزء من الكف , وهذا ما كانت تشير إليه بعض المعاني \" السكر يذوب بعضي أموت تموت بي أناي - - ويندفن ثاري \" فهذه التعابير الشعرية توحي بالتلاشي والذوبان من الحب في حضرة الحديث عن الحبيب والحب , وهي كذلك تدل على الحركة أيضًا لكنها حركة في الاتجاه المعاكس , وهذا التوظيف هو الذي خلق هذه الشاعرية الممتعة التي سيطرت على المشهد العاطفي هنا , وينما ننظر إلى قولها \" جاتك كفوفي طفل خضبتها حنـأي\" تبرز أمامنا خصوصيتها الأنثوية كامرأة علاوة على تصرفها الشعري كشاعرة لتتعاضد هذه المكونات وتقوي من حضور الذات الأنثوية في السياق الشعري , الأمر الذي كرّس حضور الذات الأنثوية في شعرها سواء مع هذا المقطع أو بقية المقاطع الشعرية الأخرى من هذه القراءة .