هل تنضب الأفكار ؟
09-27-2010 10:24 مساءً
0
0
1314
هل تنضب الأفكار ؟
للكاتب : مسعود الحمداني
(الأفكار مرمية على قارعة الطريق) كما يقول الجاحظ..كثيرة..ومبعثرة..ولكنها بحاجة إلى من يلتقطها، ويضعها في قالبها الخاص بها، ويبدأ في رسم سيرتها وبروزتها، وقد تتشابه هذه الأفكار، وتتقاطع في كثير من خطوطها، ولكن الحاذق هو من يصنع من المتشابه شيئا مختلفا، تماما كالبستانيّ الذي يجعل من الحقل الذي يعمل فيه إما تحفة رائعة المعالم، وإما قاعا صفصفا لا حياة فيه ولا تميّز.
والشعر كذلك في مادته الأولية عبارة عن فكرة يقوم الصائغ (الشاعر) بنحتها وتشكيلها وصياغتها حسب ذوقه وقدراته ورؤيته فتخرج إما حياة كاملة المعالم أو جنينا مشوّها وغير قادر على التأقلم والخروج إلى النور بشكله الصحيح.
فالفكرة هي أول مكوّنات القصيدة، وفي قالبها يصب الشاعر أخيلته، وصوره، ومراميه البعيدة والقريبة، ويرى البعض أن قوة الإبهار في النص الشعري يكمن في الاستهلال والخاتمة، أما ما بينهما فهو مجرد حشو لشرح ما يُراد قوله، وهو قول أرى أنه ليس دقيقا بما فيه الكفاية، فالقصيدة الجيدة هي التي لا تترهل بنيتها، ولا تترنح بين بيت وآخر، بل هي منزل متكامل الأركان إذا ما اختلت منه طوبة أو زاوية صارت عيبا فنيا يحتاج إلى تعديل وإعادة نظر.
والفكرة لا تعني انتقاء الحدث أو الغرض فقط، بل تعني ما هو أشمل من ذلك من حيث الدهشة في كل بيت، أو البناء العام، أو الطريقة التي يتناول فيها الشاعر نصه، كاختيار الأسلوب المسرحي أو القصصي أو طريقة (الفلاش باك) أو التسلسل الهرمي للنص أو غير ذلك مما يراه الشاعر مناسبا لطرح ما يود قوله، وهو أسلوب قد يحدد مسبقا ويتم البناء عليه، أو يأتي بشكل تلقائي غير مبرمج وفي كلتا الحالتين يبقى للإدهاش دوره في جذب عين المتلقي، وشد انتباهه أو تشتيته عن الهدف الأصلي للنص.
ولعل الكثير من الشعراء في الفترة الأخيرة باتوا أكثر عناية بالبحث عن الجديد من الأفكار أو (الجِدّة) التي يتناولونها في نصوصهم، وهذا ما يأتي غالبا في المسابقات الشعرية حيث يفتش الشاعر عن فكرة مغايرة ويختار منها ما يعتقد أنها توصله إلى المركز الأفضل..فظهرت ثيمة الموت والحضور والغياب والفقد والوطن والقومية والتراجيديا الإنسانية، وغير ذلك من أفكار قلّما طرقها الشعراء الشعبيون في الماضي، غير أن مساحة الثقافة لدى الشاعر حاليا وبحثه الدؤوب عن المغامرة، والتجريب، وعدم استسلامه للقوالب الجاهزة أدى به إلى سلوك الطرق الوعر وعدم الاكتفاء بالأفكار المتكررة، والتي لم تكن تخرج عن الغزل والعتاب والفخر..وحتى هذه الأغراض التقليدية يمكن أن تشكّل أفكارا جديدة إذا ما تناولها الشاعر من زاوية مختلفة، أو صاغها في قالب غير مطروق من قبل.
إن الشاعر وحده هو الذي يجعل لفكرته بُعدا جديدا، وهو وحده الذي يبتكر المعنى، ويوظف اللغة ويضع البناء العام الذي يوصل ما يرد توصيله..لذلك علينا البحث مرة تلو مرة عن الفكرة والصياغة الجديدتين اللتين بهما تتميّز القصيدة، ويتمايز الشعراء.
ولنا لقاء
للكاتب : مسعود الحمداني
(الأفكار مرمية على قارعة الطريق) كما يقول الجاحظ..كثيرة..ومبعثرة..ولكنها بحاجة إلى من يلتقطها، ويضعها في قالبها الخاص بها، ويبدأ في رسم سيرتها وبروزتها، وقد تتشابه هذه الأفكار، وتتقاطع في كثير من خطوطها، ولكن الحاذق هو من يصنع من المتشابه شيئا مختلفا، تماما كالبستانيّ الذي يجعل من الحقل الذي يعمل فيه إما تحفة رائعة المعالم، وإما قاعا صفصفا لا حياة فيه ولا تميّز.
والشعر كذلك في مادته الأولية عبارة عن فكرة يقوم الصائغ (الشاعر) بنحتها وتشكيلها وصياغتها حسب ذوقه وقدراته ورؤيته فتخرج إما حياة كاملة المعالم أو جنينا مشوّها وغير قادر على التأقلم والخروج إلى النور بشكله الصحيح.
فالفكرة هي أول مكوّنات القصيدة، وفي قالبها يصب الشاعر أخيلته، وصوره، ومراميه البعيدة والقريبة، ويرى البعض أن قوة الإبهار في النص الشعري يكمن في الاستهلال والخاتمة، أما ما بينهما فهو مجرد حشو لشرح ما يُراد قوله، وهو قول أرى أنه ليس دقيقا بما فيه الكفاية، فالقصيدة الجيدة هي التي لا تترهل بنيتها، ولا تترنح بين بيت وآخر، بل هي منزل متكامل الأركان إذا ما اختلت منه طوبة أو زاوية صارت عيبا فنيا يحتاج إلى تعديل وإعادة نظر.
والفكرة لا تعني انتقاء الحدث أو الغرض فقط، بل تعني ما هو أشمل من ذلك من حيث الدهشة في كل بيت، أو البناء العام، أو الطريقة التي يتناول فيها الشاعر نصه، كاختيار الأسلوب المسرحي أو القصصي أو طريقة (الفلاش باك) أو التسلسل الهرمي للنص أو غير ذلك مما يراه الشاعر مناسبا لطرح ما يود قوله، وهو أسلوب قد يحدد مسبقا ويتم البناء عليه، أو يأتي بشكل تلقائي غير مبرمج وفي كلتا الحالتين يبقى للإدهاش دوره في جذب عين المتلقي، وشد انتباهه أو تشتيته عن الهدف الأصلي للنص.
ولعل الكثير من الشعراء في الفترة الأخيرة باتوا أكثر عناية بالبحث عن الجديد من الأفكار أو (الجِدّة) التي يتناولونها في نصوصهم، وهذا ما يأتي غالبا في المسابقات الشعرية حيث يفتش الشاعر عن فكرة مغايرة ويختار منها ما يعتقد أنها توصله إلى المركز الأفضل..فظهرت ثيمة الموت والحضور والغياب والفقد والوطن والقومية والتراجيديا الإنسانية، وغير ذلك من أفكار قلّما طرقها الشعراء الشعبيون في الماضي، غير أن مساحة الثقافة لدى الشاعر حاليا وبحثه الدؤوب عن المغامرة، والتجريب، وعدم استسلامه للقوالب الجاهزة أدى به إلى سلوك الطرق الوعر وعدم الاكتفاء بالأفكار المتكررة، والتي لم تكن تخرج عن الغزل والعتاب والفخر..وحتى هذه الأغراض التقليدية يمكن أن تشكّل أفكارا جديدة إذا ما تناولها الشاعر من زاوية مختلفة، أو صاغها في قالب غير مطروق من قبل.
إن الشاعر وحده هو الذي يجعل لفكرته بُعدا جديدا، وهو وحده الذي يبتكر المعنى، ويوظف اللغة ويضع البناء العام الذي يوصل ما يرد توصيله..لذلك علينا البحث مرة تلو مرة عن الفكرة والصياغة الجديدتين اللتين بهما تتميّز القصيدة، ويتمايز الشعراء.
ولنا لقاء