قراءة (شاملة) في القصائد النبطية المشاركة في مسابقة الملتقى الأدبي الرابع عشر بصلالة 3
11-28-2008 11:51 مساءً
0
0
1323
![]() | ![]() | |
الشاعر الناجح هو من يتقبل أراء الآخرين ويحاول أن يجهد نفسه من أجل إثبات تفرده وإبداعه، ومهما كانت بعض الآراء حادة وقاسية وعنيفة إلا أن الشاعر الحقيقي هو من يستطيع البقاء في ذاكرة الناس بأبياته الشعرية القوية وبما أنجزه خلال تجربته الشعرية. إن الشاعر لا يملك أية وسيلة لإثبات شاعريته غير القصيدة، فليس من حق الشاعر أبدا أن يثبت تطوّره وتميّزه وإبداعه بالحديث والجدال مع الآخرين والتحدث عن نفسه بزهو وغرور وسذاجة بل عليه أن ينتقد نفسه قبل أن يُنتقد، حتى يتطوّر ويظل في قلق ٍ دائم مع الكتابة .. في مسابقة الملتقى الأدبي الأخير والذي أقيم بمحافظة ظفار شهر أغسطس 2008 م حصلت على النصوص المشاركة وعددها أربعة عشر نصا ((باستثناء قصيدة واحدة للشاعر علي الراسبي)) وقد تمعنت في نتائج المسابقة ووجدت من الضروري أن يكون لي رأيي الخاص في جميع القصائد المشاركة، وما هذه القراءة سوى رأي شخصي وانطباعي بحت يعتمد على ذائقتي البسيطة محاولا تبرير هذا الرأي ودعمه بما أعرفه عن الشعر أو بما قد تعرفت عليه خلال تجربتي القصيرة، متمنيا أن يتقبله الأخوة الشعراء بصدر رحب. وأولا، لابد أن أقدم بطاقة شكر وعرفان إلى الأساتذة الكرام: محمد البريكي وأبو قيس اللذان حكّما مسابقة الملتقى وهما من أعمدة الشعر الشعبي في السلطنة ولهما دور كبير وجهد عظيم في تطوير القصيدة العمانية وتفعيل الساحة الشعبية . نظرة عامة: لقد قمت بتقسيم القصائد إلى ثلاثة مستويات واعتمدت على أساسيات شعرية معروفة ومنها : 1- صحة الوزن و القافية . 2- عدم وقوع الشاعر في الأخطاء البديهية والمسلمات الشعرية والفنية . 3- سمو الموضوع وإمكانية تأويله للقارئ رغم غموض ورمزية اللغة الشعرية. 4- سلاسة اللغة الشعرية وعمق المعنى وقوته وغزارة العاطفة وتدفقها في القصيدة.. 5- ترابط الصور الشعرية وتناسق الأفكار .. 6- نجاح الشاعر في التشبيه و الاستعارة والتمثيل والرمز وابتكاره لما هو جديد وأصيل.. بعد أن خضعت القصائد إلى المعايير الفنية جاء توزيعها على ثلاثة مستويات متفاوتة بشكل تصاعدي فجاء في المستوى الثالث القصائد التالية: 14-(مجد الحضارة) للشاعر هزاع السعدي 13-(شموعي) للشاعر يوسف البلوشي 12-(منهج الغابة) للشاعر محمد الغافري 11-(تباشير الصباح) للشاعر قاسم الحضرمي 10-(أمل نافذ) للشاعر سعد اليحمدي 9-(بسملة عمر) للشاعرة أصيلة المعمري 8-(قول لهم أغيب) للشاعر مرهون العلوي *** المستوى الثالث: في هذا المستوى جاءت القصائد التي افتقرت إلى اللغة الشعرية الجميلة وذلك بتوظيفها لمفردات مستهلكة وربما منقرضة ، ليس بها روح؛ بسبب الاستخدام والتداول فانحدرت إلى مستوى الكلام العادي الذي لا يؤثر في النفس ولا يستفز الذهن فأزعجت القارئ بركاكتها وبساطتها فنفر منها، متمنيا من أصحابها الاهتمام بهذه النقطة تحديدا فاللغة هي روح القصيدة ولابد أن تكون هذه الروح متمردة ثائرة أو خفيفة ناعمة كالحرير ومن الأمثلة ما جاء في قصيدة يوسف البلوشي بعنوان \"شموعي\": كم زرع شوقه في قلبه ولا أرتشف منك رحيقه بس حلات الحب مرة وأنا بأحزاني قنوعي فمفردات مثل: (حلات الحب) و(صبوعي) أو( كيف أبحكي عن غلاتك) و(حاشا) وشبيهاتها قد أنطفئ بريقها ولم تعد مغرية للقارئ ، وهذا الحديث ينطبق على قصائد أخرى ومنها قصيدة محمد الغافري \"منهج الغابة\": فراق الزين جنني وأنا يا صاحبي منصاب أو إذا كان الأسد راقد طبيعي للذياب أنياب وإذا عين الصقر نامت ترى الغربان نهابه أو هذا البيت: أنا يا صاحبي عاشق رماه الدهر في الأتعاب هذا لا يعني أن الشعراء يعيبهم استخدام مثل هذه الألفاظ ولكن لابد من توظيفها بطريقة جديدة أو في قالب شعري يدهش القارئ ويفاجئه، ويكفي أن نتذكر غراب البين وكيف استخدمه بعض الشعراء بطريقة رمزية فيها الكثير من الذكاء والفطنة. وبجانب هذه القصائد أي التي افتقرت إلى اللغة الشعرية الجميلة هناك قصائد تميّزت مفرداتها بطراوة وعذوبة ولكنها اصطدمت بجدار القافية الخشن فلم تنجح في تجاوز هذا الجدار العازل فترهلت وفقدت نضارتها وحيويتها وسلاستها كما في قصيدة أصيلة المعمري الفائزة بالمركز الرابع والتي كان من أكبر عيوبها قافية الصدر : رزنامتك، كذبتك، سجدتك، ركعتك، طينتك، ساعتك، نيتك،....... ورغم أن الشاعرة تمتلك لغة شعرية جميلة وخيال خصب وتتحدث عن موضوع فلسفي إنساني وهو الموت وما بعده إلا أنها لم تكن موفقة في توظيف إمكانياتها بالطريقة المثيرة والناجحة، فعاب القصيدة ضعف الصور الشعرية وضمورها، والملاحظ أن بداية أي شطر في القصيدة تكون متوسطة ولكن النصف الثاني من نفس الشطر يكون ضعيفا جدا بسبب القافية : مهما نفخ هذا الملك (روحه يبلوّر وحشتك) خوفي تسولف للزمن عن جنتك و السوسنة فمفردة (يبلور) غير مستساغة وجافة وتحمل طابعا علميا وقد أضرت بالجملة الشعرية وكان لدى الشاعرة الكثير من الخيارات المناسبة. حتى حينما تحاول الشاعرة تعريف (البسملة) التي ذكرتها في بيت سابق فأنها تقع في فخ ركاكة المعنى و بساطته: البسملة ما هي زمن يكتم مواجع ساعتك البسملة: تغفر ذنب رزنامتك في دوزنة ولا أعرف ما علاقة هذا الشطر بالشعر، إن محاولة قراءة (رزنامتك في دوزنه) لأكثر من مرة محاولة مزعجة، فالجملة لا تصلح بأن تكون شعرا ! في القصيدة الكثير من الأبيات العادية، ويجب على شاعرتنا أن تتمهل في كتابة القصيدة وأن تختار ما يساعدها على اختراق مجاهيل الشعر وأن تجهد ذهنها وروحها حتى تصل إلى ما نتأمله منها ونتوقعه من شاعرة بإمكانياتها . كما اعتقد بأن فوزها بالمركز الرابع جاء كدافع وتشجيع من لجنة التحكيم لها وذلك لمشاركتها وجرأتها وحتى يكون تكريمها دافعا لزميلاتها المبدعات للمشاركة في المستقبل حيث أن مشاركتها كانت هي المشاركة النسائية الوحيدة وعليها أن تستفيد من هذا التكريم وتحاول أن تكتب الأفضل. ومن القصائد التي لم تتجاوز المستوى الثالث قصيدة بعنوان : \"تباشير الصباح\" للشاعر قاسم الحضرمي والتي تبدأ بهذا البيت: لاحت الدمعة خجول أول تباشير الصباح أعاب بعض الشعراء في هذا البيت أن الشاعر لم يستخدم تاء التأنيث في خجول وهي صفة للدمعة فاصبحت مذكرا ، وقد اعتقدوا ان الشاعر حذف التاء المربوطة لكي يستقيم الوزن لا أكثر، ولكني أخالفهم في ما ذهبوا إليه فالشعر الفصيح به الكثير من هذه الأمثلة والتي تأتي على وزن فعول مثل : إمرأة عجول وبقرأة حلوب و.......... يقول امروء القيس: ومثلك بيضـاء العـوارض طفلـة لعوب تنسينـي إذا قمت سربالـي فأمروء القيس لم يقل طفلة لعوبه مثلا !!.. فهل كان شاعرنا يعلم بذلك؟ البيت الثاني يجيب على السؤال السابق فالشاعر قد وقع في خطأ لا مبرر له عشوائية الكتابة وعدم وضوح الفكرة في ذهن الشاعر فعجز عن توصيلها للقارئ بالصورة الشعرية المناسبة ,, جيت في قلبي هدية تحملي وردك نجاح فهنا لا نعرف لمن تعود (الياء) في تحملي رغم أن الذي جاء حاملا الهدية في قلبه هو الشاعر نفسه !! ويجب أن أشير إلى أن في قصيدة الحضرمي بعض الأبيات الجميلة والتي تدل على شاعرية تحتاج إلى بعض التركيز، ويكفي أننا نقرأ في نفس القصيدة: ما انهزم قلب المدينة قبل طعنك بالرماح أو من يشد النور بيده قال حي على الفلاح من كتب مثل هذه الأفكار لابد أن لا يتنازل أبدا عن مستواه ولا يكتب مثلا أبياتاً مجانية لا تحمل معنىً شعريا وجزالةً لغوية وفكرا وبعدا جماليا ، فأستغرب من شاعرنا أنه كتب مثلا: لا تزيدي الهم فيني و أتبعثر في المزيد أو حرم الله قتل مسلم وأنا أنزف لك جراح أو لا يموت الحر مثلي والبكاء لأم الوليد أيضا في هذا المستوى تقبع قصيدة هزاع بن دانوق السعدي وهي قصيدة وطنية ورغم سمو موضوعها إلا أن الشاعر لم يوفق في التعبير عن حبه بطريقة شعرية قوية فجاءت القصيدة بسيطة. وأجمل ما في القصيدة أنها تتحدث عن عمان وعن باني نهضتها.. نقرأ في القصيدة أفكارا كتبت بسهولة وبساطة وعفوية الإنسان العادي: و أخبيها عن العين وعن الحاسد وأداريها لأن العين ما تعلى عن الحاجب وأنا إنسان كل ما قاله الشاعر لا يتعدى كونه صف كلام وحشو لا أكثر، على الشاعر أن يفجّر اللغة ويستخرج من أعماقها صورا خالدة وعبارات جديدة لا يصل إليها سوى الشاعر المبدع الذي يحب التجريب ويهوى السفر في دروب لم تُعبّد بعد، وهذا ما ننتظره من الشاعر هزاع السعدي الذي يتلّمس الخطوات الأولى في طريق الكتابة. ومن القصائد التي حملت من العاطفة والحزن الشفاف واللغة الجميلة ما يستحق الثناء قصيدة مرهون العلوي (قول لهم أغيب) ولكن شاعرنا أيضا وقع في أخطاء أضعفت القصيدة فظلم نفسه بنفسه رغم بصيص النور الذي يشع من بعض الأبيات والذي نلمح منه شاعرا جميلا يمتلك مقدرة أكثر من ذلك ، فالعلوي يقول: يالغريب الممتلي في داخلك هذا الزحام هذا البيت الذي يحمل بعدا فلسفيا شعريا جميلا، لم يوفق الشاعر في إكماله بنفس القوة والتفجّر فجاء الشطر الثاني منه باهتا: أسئلة بتزاحمك وتغيب في وقت المغيب أيضا من الأبيات الجميلة التي حملت صورة شعرية رائعة البيت الذي جاء فيه: تشعل شموعك على دربك ويطفيها الظلام تفسل بقلب الأوادم حب من نخلك يطيب إن شاعرا نجح في التقاط هذه الصورة الجميلة ووظف مفردة دارجة تحمل هوية الأرض و الإنسان يستطيع أن يتغلب على نفسه ويكتب الأجمل. فشاعرنا استعار مفردة (تفسل) وهي الطريقة التي يستخدمها الفلاح العماني في تنبيت النخيل حتى يجني بعد ذلك ثمار نخيله. الشاعر وظّف فعل التفسيل في قلوب الناس وهذا التفسيل يكون بالحب وهي إلتقاطة ذكية عابها فقط الجزء الآخر من الصورة، فجملة ( حب من نخلك يطيب) لم تكمل الصورة الجميلة للنص الأول (تفسل بقلب الأوادم) إن هذه الصورة العقلية الجزئية ضَعُفت حينما اجتمعت مع الجملة التي تكمل البيت,, فتلاشى تأثيرها وأنطفئ بريقها . ومن القصائد التي احتوت على صورا ضعيفة وباهتة قصيدة (أمل نافذ) للشاعر سعد اليحمدي فبرغم ترابط أفكار الشاعر وتتابعها وبرغم وضوح الحالة النفسية للشاعر في القصيدة إلا أن شاعرنا لم يوفق في اكتشاف صورا شعرية تجذب القارئ و تدهشه ومن الصور الضعيفة : سنين أغرس أمل نافذ وآثاري تربتي أوهام إن مفردة (نافذ) ليست سوى حشو، فمفردة نافذ تعني عابر ومخترق فكيف للشاعر أن يزرع أمل مخترق!!، و يتفاجأ بعد ذلك بأن الأرض أوهام ولا تصلح للأحلام!! ويقول أيضا في بيت آخر : تركتيني مثل طفل يتيم ٍ من قبل لا ينام وسط وحشه وبين أشباح ترسمها شياطيني كان على الشاعر أن يصوّر معاناته في صور شعرية أكثر تأثيرا وفعالية وأن تكون استعاراته وتشبيهاته أقوى وأجمل وقد نجح في هذا الشطر : حمم وادي تجر سمومها تتلف بساتيني وبعد أن مررت على قصائد المستوى الثالث، وحاولت كشف عيوبها وبعض جمالياتها سوف أنتقل بكم إلى المستوى الثاني حيث تضمّن هذا المستوى نصوصا أكثر جراءة وتجريبا، وأقل أخطاء وعيوبا لذلك سوف نقرأها بتمهل وتركيز أكثر وسوف نقارن ما بينها ونتفحصها حسب المعايير الفنية المقررة .. وللحديث بقية،،، | ||
![]() | ![]() |