(متى تكبر بعيني؟) لعبد الناصر السديري..الانعتاق من التقليدية نحو فضاء لا ينتهي..
02-22-2010 09:52 مساءً
1
0
1683
(متى تكبر بعيني؟) لعبد الناصر السديري..الانعتاق من التقليدية نحو فضاء لا ينتهي..
اشتغال على التلوين الصوتي في القصيدة يخلصها من الرتابة
لملحق المجلس يقرؤه نخلة ، نخلة : حمود الحجري
Hadakeh44@hotmail.com
عبد الناصر السديري ..
واحد من القلة الهائلة، الذين ينحازون إلى القصيدة، إلى القصيدة فحسب، ويؤسسون لتجربة مختلفة، ومغايرة، تجربة تتكئ على مخـزون قرائي ومعرفي واع.
ليس سوى شعراء من هذه الطينة النادرة بمقدورهم الذهاب بعيدا ، وبعيدا جدا ، في تخوم القصيدة ، والتأسيس لاسم جدير بالقراءة والمتابعة ، والبقاء ، بكل بهائه ، في دهاليز الذاكرة .
في قصيدته \" متى تكبر بعيني ؟! \" المنشورة بصفحة الشعر الشعبي بجريدة عمان الكثير من المغايرة و\" الانعتاق من التقليدي ، والباهت ، والبسيط الذي لا يغامر إلا بمقدار ما تتاح له المسافة بين وزن وقافية \"(1) .
يأتي صوت الشاعر ، من البعيد ، من الذاكرة ، متعبا ، مرهقا ، مبحوحا ، يخامره اليأس ، فهو لطالما رفع عقيرته مناديا الآخر ، فلا يأتيه سوى رجع الصدى :
صوتي استحى
وأنا أنادي لك تعال
شايب على باب البخيل
أضناه ذل الخبز
وأرعى الكلام لخاطرك
وعي وعتب
وانته ولا تسمع
الشاعر إذا يسترجع وجعه ، معاناته ، مكابدته ، ونداءه المُلـّح الذي تستحوذ عليه الريح ، ولا تصل ذبذباته ، وارتعا شاته إلى الآخر الذي يصر على وضع القطن في أذنيه .
استرجاعـًا ينفض الرماد عن الجمرة الكامنة في الأعماق
استرجاعـًا يمهد للسؤال الحارق :
وش رجعك تنقض من جروحي الصبر
وترش عذرك ملح
سؤال مكتوي بنار التجربة..
سؤال لا يتوخى الإجابة من الآخر ، بل يحمل إجابته في ثنايا حرقته .
سؤال يحمل بصيرته وبصره
سؤال يقذف حممه ، وتندلع فوهته :
تاجرت بدموعي هناك
نخاس وأحلامي رقيق
ياااااااه ، ما أقسى حرقة هذه الصورة ، وما أشد وطأتها على القلب ، فعندما تصبح الدموع تجارة ، والأحلام رقيقا تداس كرامتها وتهان في سوق النخاسة ، وتباع بثمن بخس ، دراهم معدودة ، ماذا يمكن أن يقال؟ ، وأي قلب بمقدوره أن يصفح وأن يتجاوز؟ :
وش عاد لك يشفع
و..
وتتموضع الواو وحيدة ، الا من غنائيتها الحزينة ، وترجيعها الموجع ، مُشرعَة على الصمت والبياض ، وممهدة للنقلة / الحكم القاطع الذي يستمد قسوته من غليان الجرح الذي أججته هذه العودة اللا مرغوبة ، التي نقضت خيوط الصبر وذرّت (رشت) الملح على الجرح :
اليوم تيهي شجر
ما هزته ريحك ولا
رفت لك طيور الحنين
ما أجمل هذه الصورة ، وهذه الالتقاطة
ما أجمل هذا التجانس ( شجر ، ريح ، طيور )
اليوم .. ليس بمقدور ريحك أن تحرك شجري وتهزه ، وليس ثمة طيور ترفرف لك حنينا ( لاحظ مدى توفق الشاعر في اختياره للفعل \" رفت \" ، لم يقل مثلا طارت أو حلقت ، أو ارتفعت )
لكن كذا من شافتك
مرت علي تسجع
تقووووول :
وش لك على باب الكرامة تلده
خيبت ظن الجرح من شر مسعاك
ايدك على يانع عذوقي ( تجده )
من هو دعاك وتدري الماي ما ماك ؟!!
أنصحك جنب عن طريقي وسده
مات الخفوق اللي بالأول تمناك
أجل ، أجل ..
وعلى العكس من ذلك ، بمجرد ما رأتك ، مرت ساجعة ، رامية في وجهك ، استنكارها ، وحنقها ، وامتعاضها الشديد والمر\" من هو دعاك وتدري الماي ما ماك؟!! \" .
والشاعر هنا ، وهو يمزج أو يداخل بين التفعيلة والعمودي ، في محاولة شكلية ، ليست بالجديدة ، ولا بالغريبة ، على قصيدتنا الشعبية ، يعطي الرابط العضوي لهذا الانتقال الشكلي ، والمبرر المستساغ ، لدخول العمودي هنا ويقدم له بالفعل (تقوووول) ويجريه على لسان \" طيور الحنين \" التي لم تقل الحنين أبدا ( الماي ما ماك أنصحك جنّب مات الخفوق اللي بالأول تمناك )
هنا اشتغال على التلوين الصوتي في القصيدة، رغم أن صوت \" طيور الحنين \" ليس في النهاية سوى صوت الشاعر ، ولكنه اشتغال يخلّص القصيدة من الوقوع في فخ الرتابة ، بـ هكذا تنويعات صوتية ، إذا ما لاحظنا أيضا انتقال الشاعر من حالة التذكر إلى وضعية السؤال المعجون بالمرارة إلى الزمن الحاضر ( اليوم ) .
وتأتي الواو مرة ثانية ، متبوعة ثلاث نقاط متتابعة على السطر ، لتترك المساحة للصمت المعبر والموحي ، \" الصمت الدال حيث الشاعر لا يقول كل شيء خطيا \" (2) ، ولتمهد للرجوع للتفعيلة ثانية :
و ...
أيقنت جرحك قضى
كلما تذكرتك ضحكت
أذكر سرير ...
ما تكبر أمثالك بعيني
أبد ..
إلا إذا
إلا إذا راحت ولا ترجع ..
القفلة ، قفلة النص ، تحيل إلى البداية ، فنحن بإزاء نص دائري ، نهايته تأخذك من يدك إلى بدايته ، فالكلام انتهى غير أن إلحاح الألم والوجع لما ينتهي بعد ، فهو لما يزل يلح على الشاعر ويؤرقه ويقض مضجعه ، ويعيد إنتاج نفسه باستمرار ، هذا عدا دائرية الزمن في النص والانتقال من الماضي إلى الحاضر وهكذا:
صوتي استحى
وأنا أنادي لك تعال
ثمة خصائص أسلوبية كثيرة نجدها في النص كاستخدام اللغة اليومية ولكن بحمولة شعرية ، والترابط العضوي في النص ، الذي أتى كقطعة فنية واحدة غير قابلة للتجزئة ، والتنويع الصوتي ، والتموضع البصري للنص على الصفحة ، فالنص الجديد نصا مقروءا أكثر منه مسموعا ، وبالتالي الحيز الذي يشغله على الورق يشي بشيء من الدلالة ، وتدوير النص / الزمن / الوجع .
الهوامش :
(1) مسعود الحمداني
(2) فتحية كحلوش ، بلاغة المكان ، الانتشار العربي ، الطبعة الأولى ، 2008
يقرؤه نخلة ، نخلة : حمود الحجري
Hadakeh44@hotmail.com
اشتغال على التلوين الصوتي في القصيدة يخلصها من الرتابة
لملحق المجلس يقرؤه نخلة ، نخلة : حمود الحجري
Hadakeh44@hotmail.com
عبد الناصر السديري ..
واحد من القلة الهائلة، الذين ينحازون إلى القصيدة، إلى القصيدة فحسب، ويؤسسون لتجربة مختلفة، ومغايرة، تجربة تتكئ على مخـزون قرائي ومعرفي واع.
ليس سوى شعراء من هذه الطينة النادرة بمقدورهم الذهاب بعيدا ، وبعيدا جدا ، في تخوم القصيدة ، والتأسيس لاسم جدير بالقراءة والمتابعة ، والبقاء ، بكل بهائه ، في دهاليز الذاكرة .
في قصيدته \" متى تكبر بعيني ؟! \" المنشورة بصفحة الشعر الشعبي بجريدة عمان الكثير من المغايرة و\" الانعتاق من التقليدي ، والباهت ، والبسيط الذي لا يغامر إلا بمقدار ما تتاح له المسافة بين وزن وقافية \"(1) .
يأتي صوت الشاعر ، من البعيد ، من الذاكرة ، متعبا ، مرهقا ، مبحوحا ، يخامره اليأس ، فهو لطالما رفع عقيرته مناديا الآخر ، فلا يأتيه سوى رجع الصدى :
صوتي استحى
وأنا أنادي لك تعال
شايب على باب البخيل
أضناه ذل الخبز
وأرعى الكلام لخاطرك
وعي وعتب
وانته ولا تسمع
الشاعر إذا يسترجع وجعه ، معاناته ، مكابدته ، ونداءه المُلـّح الذي تستحوذ عليه الريح ، ولا تصل ذبذباته ، وارتعا شاته إلى الآخر الذي يصر على وضع القطن في أذنيه .
استرجاعـًا ينفض الرماد عن الجمرة الكامنة في الأعماق
استرجاعـًا يمهد للسؤال الحارق :
وش رجعك تنقض من جروحي الصبر
وترش عذرك ملح
سؤال مكتوي بنار التجربة..
سؤال لا يتوخى الإجابة من الآخر ، بل يحمل إجابته في ثنايا حرقته .
سؤال يحمل بصيرته وبصره
سؤال يقذف حممه ، وتندلع فوهته :
تاجرت بدموعي هناك
نخاس وأحلامي رقيق
ياااااااه ، ما أقسى حرقة هذه الصورة ، وما أشد وطأتها على القلب ، فعندما تصبح الدموع تجارة ، والأحلام رقيقا تداس كرامتها وتهان في سوق النخاسة ، وتباع بثمن بخس ، دراهم معدودة ، ماذا يمكن أن يقال؟ ، وأي قلب بمقدوره أن يصفح وأن يتجاوز؟ :
وش عاد لك يشفع
و..
وتتموضع الواو وحيدة ، الا من غنائيتها الحزينة ، وترجيعها الموجع ، مُشرعَة على الصمت والبياض ، وممهدة للنقلة / الحكم القاطع الذي يستمد قسوته من غليان الجرح الذي أججته هذه العودة اللا مرغوبة ، التي نقضت خيوط الصبر وذرّت (رشت) الملح على الجرح :
اليوم تيهي شجر
ما هزته ريحك ولا
رفت لك طيور الحنين
ما أجمل هذه الصورة ، وهذه الالتقاطة
ما أجمل هذا التجانس ( شجر ، ريح ، طيور )
اليوم .. ليس بمقدور ريحك أن تحرك شجري وتهزه ، وليس ثمة طيور ترفرف لك حنينا ( لاحظ مدى توفق الشاعر في اختياره للفعل \" رفت \" ، لم يقل مثلا طارت أو حلقت ، أو ارتفعت )
لكن كذا من شافتك
مرت علي تسجع
تقووووول :
وش لك على باب الكرامة تلده
خيبت ظن الجرح من شر مسعاك
ايدك على يانع عذوقي ( تجده )
من هو دعاك وتدري الماي ما ماك ؟!!
أنصحك جنب عن طريقي وسده
مات الخفوق اللي بالأول تمناك
أجل ، أجل ..
وعلى العكس من ذلك ، بمجرد ما رأتك ، مرت ساجعة ، رامية في وجهك ، استنكارها ، وحنقها ، وامتعاضها الشديد والمر\" من هو دعاك وتدري الماي ما ماك؟!! \" .
والشاعر هنا ، وهو يمزج أو يداخل بين التفعيلة والعمودي ، في محاولة شكلية ، ليست بالجديدة ، ولا بالغريبة ، على قصيدتنا الشعبية ، يعطي الرابط العضوي لهذا الانتقال الشكلي ، والمبرر المستساغ ، لدخول العمودي هنا ويقدم له بالفعل (تقوووول) ويجريه على لسان \" طيور الحنين \" التي لم تقل الحنين أبدا ( الماي ما ماك أنصحك جنّب مات الخفوق اللي بالأول تمناك )
هنا اشتغال على التلوين الصوتي في القصيدة، رغم أن صوت \" طيور الحنين \" ليس في النهاية سوى صوت الشاعر ، ولكنه اشتغال يخلّص القصيدة من الوقوع في فخ الرتابة ، بـ هكذا تنويعات صوتية ، إذا ما لاحظنا أيضا انتقال الشاعر من حالة التذكر إلى وضعية السؤال المعجون بالمرارة إلى الزمن الحاضر ( اليوم ) .
وتأتي الواو مرة ثانية ، متبوعة ثلاث نقاط متتابعة على السطر ، لتترك المساحة للصمت المعبر والموحي ، \" الصمت الدال حيث الشاعر لا يقول كل شيء خطيا \" (2) ، ولتمهد للرجوع للتفعيلة ثانية :
و ...
أيقنت جرحك قضى
كلما تذكرتك ضحكت
أذكر سرير ...
ما تكبر أمثالك بعيني
أبد ..
إلا إذا
إلا إذا راحت ولا ترجع ..
القفلة ، قفلة النص ، تحيل إلى البداية ، فنحن بإزاء نص دائري ، نهايته تأخذك من يدك إلى بدايته ، فالكلام انتهى غير أن إلحاح الألم والوجع لما ينتهي بعد ، فهو لما يزل يلح على الشاعر ويؤرقه ويقض مضجعه ، ويعيد إنتاج نفسه باستمرار ، هذا عدا دائرية الزمن في النص والانتقال من الماضي إلى الحاضر وهكذا:
صوتي استحى
وأنا أنادي لك تعال
ثمة خصائص أسلوبية كثيرة نجدها في النص كاستخدام اللغة اليومية ولكن بحمولة شعرية ، والترابط العضوي في النص ، الذي أتى كقطعة فنية واحدة غير قابلة للتجزئة ، والتنويع الصوتي ، والتموضع البصري للنص على الصفحة ، فالنص الجديد نصا مقروءا أكثر منه مسموعا ، وبالتالي الحيز الذي يشغله على الورق يشي بشيء من الدلالة ، وتدوير النص / الزمن / الوجع .
الهوامش :
(1) مسعود الحمداني
(2) فتحية كحلوش ، بلاغة المكان ، الانتشار العربي ، الطبعة الأولى ، 2008
يقرؤه نخلة ، نخلة : حمود الحجري
Hadakeh44@hotmail.com