مقاربة نصية في ( آخر الشمس ) لبدرية الوهيبية
02-18-2010 12:33 صباحاً
1
0
1368
مقاربة نصية في ( آخر الشمس ) لبدرية الوهيبية
للكاتبة : سعيدة بنت خاطر
* تمرد الأنثى على تابوهات الإرث الجمعي (1)
بدرية الوهيبية شاعرة لديها اشتباك بين المرأة والحرية ، وقصيدتها ( آخر الشمس ) مكتوبة بشكل مقطعي قد يبدو لنا لأول وهلة أنها مقاطع لا رابط بينها، لكنها في الحقيقة هي مقاطع ينتظمها خيط رفيع من الوجع المشترك والبناء المتلاحم ، فعنوان النص هنا غفل لا يلقي إضاءة من أي نوع عليه ، بل بالعكس تقوم جملة المقاطع عندما يتكامل البناء النصي بإلقاء الضوء على العنوان فتتم الإنارة الواضحة له ، وهي مقاطع يشكل كل منها لوحة منفردة لصورة نفسية ، وبتكامل هذه اللوحات التي ترسمها الشاعرة لما يموج داخلها ، تتكامل الصورة النفسية الكلية ، ويتضح المضمون ،ويتبلور العنوان كما سنرى .
** المقطع الأول :
الغيمةُ .. أمي
تقيسُ لهاثَ الحجرِ
تخرجُ من كوّةِ النورِ
تسقطُ .. في الروحِ
قالت مرة :
( الغائبونَ ، يقتنصون الليلَ ويقتسمونَ أحلامنَا ).
الشمسُ تسترقُ الحكايةَ
يستدركها ضوءٌ في عينيِّ أمي
فتغيب )
تشتبك الشاعرة مع الأم وتبرز لنا رموز عدة , فالأم هي الغيمة ، والغيمة رمز الخصب والمطر أي الخير ، لكنها أيضا رمز لعدم الثبات ، وهي بعد أن تسكب الخير تأفل ، هل الأم خجولة خجل الأنثى السلبي المعيق لها عن المطالبة بفضاء الحرية الفاعلة ، وهي بذلك الخجل كالغيمة التي سرعان ما تتوارى بعد الظهور ، هل الأم أفلت وغابت بعد أن سكبت خصوبتها في الحياة ( أولادها / الروح / الشمس ) النص يحتمل هذا وذاك .
قالت الأم هذه العبارة ( الغائبون ، يقتنصون الليل ويقتسمون أحلامنا .. ) الشمس تسترق الحكاية ، يستدركها ضوءٌ في عيني أمي ... في النص اشتباك آخر وهو اشتباك صوتي سنسمعه من خلال مقاطع النص ، لقد قالت الأم مقولتها فمن هم الغائبون ؟ لعلهم الميتون حقيقة ، أو لعلهم الميتون معنويا وهم أحياء وأرجح الثانية لأنهم فاعلون ( يقتنصون الليل ، ويقتسمون أحلامنا ) فهل تشير الأم بذلك إلى الرجال الغائبين عن الفعل في بيوتهم ، والذين لا يعملون سوى ليلا حيث يقتسمون أحلام النساء .
الشمس هنا معادل موضوعي لذات الشاعرة المستنيرة وهي تسرق من الأم الحكاية ، لكن يستدركها ضوء بالمنع يلتمع في عيون الأم , وتلجأ الشاعرة إلى النقط المتعددة ، لتوحي لنا بما يعرف بظاهرة الحذف والإضمار ، أي انه يوجد هنا كلام كثير , قالته عيون الأم , وأضمرته الشاعرة في نفسها ، وقد نكتب صفحات كثيرة عن الكلام الذي دار بين الأم والبنت في أسباب منعها عن الكلام في هذا الموضوع ، وهو موضوع علاقة الرجال بالنساء ، وكلمة فتغيب في نهاية المقطع قد تشير إلى غياب الحكاية أي انتهائها ، أو غياب الأم أي رحيلها أو غياب الشمس وهي الشاعرة / الوعي ، أو غياب فضاء الحرية .
** المقطع الثاني : وجهُ جدتي يحملُ أسماءً منقوشةً على شواهدِ ذاكرتِها
كانت تقرأُ فاتحةَ الوجوهِ وتشهقْ
النهارُ يشتبكُ بدمعِها ويشتبكُ مع بصيرتِها
(وحدهنَّ الآراملُ يستيقظنَ في كنَفِ العفةِ
بعد كنفِ الدمعةِ )..
حين الرحيل .!!
****
هذا اشتباك آخر مع الجدة , ( النهار يشتبك بدمعها , ويشتبك مع بصيرتها ) النهار وهو رمز آخر للاستنارة , أي الحرية , يشتبك بحزنها ووعيها / بصيرتها , والوعي دائما مدعاة للحزن , فالواعي مغترب متأزم بوعيه بين الجموع الغافلة , وهنا أيضا اشتباك صوتي تقول الجدة :
( وحدهن الأرامل يستيقظن في كنف العتمة ، بعد كنف الدمعة حين الرحيل ) يتناول هذا المقطع نقطة أخرى من نقاط حزن المرأة فإذا كان المقطع الأول تناول عدم السماح للمرأة بممارسة وعيها وحريتها ، هنا الجدة امرأة واعية ، تسجل نقطة أخرى من نقاط الألم الأنثوي ، الأرامل المطلوب منهن العفة والدموع بعد رحيل الزوج ، وهن ( وحدهن ) المطلوب منهن ذلك ، على حين أن الرجل الأرمل لا يعنيه من الأمر شيء إذا رحلت زوجته وأصبح أرملا .وينتهي المقطع أيضا بالرحيل .
** المقطع الثالث :
خارجونَ عن طواعيةِ التابوّاتِ
رهناءُ الظلِ القاتمِ فوقَ الحكمةِ
رهناءُ الوجعِ الممتدِ فوقَ الرأسِ
إلى أخمصِ أرضْ .
****
يوضح هذا المقطع التمرد والمعاناة الأنثوية ، ويسجل اشتباكا ثالثا مع أعراف المجتمع وقيمه والدين والتقاليد ، ويبدأ المقطع بخبر محذوف مبتدأه ، لعله نحن النساء ( خارجون ) وجاء الخبر بصيغة جمع المذكر لنسف قيد نون النسوة ، فهنا تمرد على الوضع الاجتماعي وتمرد على اللغة والاشتباك لدى بدرية دائما اشتباك مركب أي انه اشتباك له عدة جهات ، إذن نساء اليوم خارجات ( عن طواعية التابوَّات ) وتابوَّات الممنوع هي الدين , والجنس , والسياسة ، والنساء ستخرج عن هذه التابوَّات فهن ( رهناء الظل القائم فوق الحكمة ) أي رهينات تابوه الدين ( رهناء الوجع الممتد فوق الرأس إلى أخمص القدمين ) أي رهينات الأعراف والتقاليد والعادات والضغوط الاجتماعية ، نلاحظ اللغة الذكورية ( رهناء ) والرهينة = السجينة ، فالمرأة سجينة الممنوعات ، ومن ثم تدعو الشاعرة إلى التمرد والخروج من هذه التابوَّات المقيدة لحرية المرأة .
** المقطع الرابع :
حين تستيقظَ لتجدَ الصبحَ مقتولاً على صدرِك
فاضحاً عريَّ أحلامِك
تتعرقُ الأزمنةُ تحت إبطيك
وأنت الخارجُ للتوِّ من سُرة ِ الطبيعةِ
تشذبُ أوراقَ الذاكرةِ الرافلةِ بالأسماءِ
والوجوهِ المرهونةِ للغيابْ
تقفُ محنطاً بغبطةٍ فارغةٍ/فاغرةً أشداقَها للريح
تتكسرُ فجأةً على موجةِ أسئلةٍ
لفظتها القطيعة ..
سارجاً ولعَ الروحِ في حضرةِ الموتِ
لا شيءَ يجعلك كقطعِ الهباءِ .. هكذا
غير الأصدقاءْ .
****
غابت اللغة الأنثوية تماما حتى مع الذات رغم كون الشاعرة تتحدث عن نفسها ، وكأن حدة التمرد تزداد لفظا ومعنى كلما تقدم البناء النصي ، إذن تستيقظ الذات لتجد ( الصبح مقتولا على صدرك ) والصبح هو النور / الشمس / الحرية ..) واليقظة بعث للوعي ، وهذا القتل للنور يجسد قتل أحلام الذات في الحرية ، ومن ثم هي أحلام عارية عن الحقيقة أي لا وجود لها ، هنا تشتبك الذات مع نفسها وهو أصعب أنواع الصراع ، فقد وجدت الذات أن أمنياتها بالتحرر لن تتحقق إلا إذا قتلت ذاتها الأنثوية وتحولت إلى ذات مذكرة متحررة من تابوهات المنع . هنا يوجد اشتباك رابع أولا مع بنات جنسها وثانيا مع الغياب غياب ذاتها الأنثوية ، نلاحظ أن اشتباكات الذات مركبة على أكثر من جهة ، وتبدو لنا الشاعرة تعاني من الوحدة والاغتراب والخوف من الفناء والموت وهو موت معنوي يتمثل في موت الوعي وفنائه..
للكاتبة : سعيدة بنت خاطر
* تمرد الأنثى على تابوهات الإرث الجمعي (1)
بدرية الوهيبية شاعرة لديها اشتباك بين المرأة والحرية ، وقصيدتها ( آخر الشمس ) مكتوبة بشكل مقطعي قد يبدو لنا لأول وهلة أنها مقاطع لا رابط بينها، لكنها في الحقيقة هي مقاطع ينتظمها خيط رفيع من الوجع المشترك والبناء المتلاحم ، فعنوان النص هنا غفل لا يلقي إضاءة من أي نوع عليه ، بل بالعكس تقوم جملة المقاطع عندما يتكامل البناء النصي بإلقاء الضوء على العنوان فتتم الإنارة الواضحة له ، وهي مقاطع يشكل كل منها لوحة منفردة لصورة نفسية ، وبتكامل هذه اللوحات التي ترسمها الشاعرة لما يموج داخلها ، تتكامل الصورة النفسية الكلية ، ويتضح المضمون ،ويتبلور العنوان كما سنرى .
** المقطع الأول :
الغيمةُ .. أمي
تقيسُ لهاثَ الحجرِ
تخرجُ من كوّةِ النورِ
تسقطُ .. في الروحِ
قالت مرة :
( الغائبونَ ، يقتنصون الليلَ ويقتسمونَ أحلامنَا ).
الشمسُ تسترقُ الحكايةَ
يستدركها ضوءٌ في عينيِّ أمي
فتغيب )
تشتبك الشاعرة مع الأم وتبرز لنا رموز عدة , فالأم هي الغيمة ، والغيمة رمز الخصب والمطر أي الخير ، لكنها أيضا رمز لعدم الثبات ، وهي بعد أن تسكب الخير تأفل ، هل الأم خجولة خجل الأنثى السلبي المعيق لها عن المطالبة بفضاء الحرية الفاعلة ، وهي بذلك الخجل كالغيمة التي سرعان ما تتوارى بعد الظهور ، هل الأم أفلت وغابت بعد أن سكبت خصوبتها في الحياة ( أولادها / الروح / الشمس ) النص يحتمل هذا وذاك .
قالت الأم هذه العبارة ( الغائبون ، يقتنصون الليل ويقتسمون أحلامنا .. ) الشمس تسترق الحكاية ، يستدركها ضوءٌ في عيني أمي ... في النص اشتباك آخر وهو اشتباك صوتي سنسمعه من خلال مقاطع النص ، لقد قالت الأم مقولتها فمن هم الغائبون ؟ لعلهم الميتون حقيقة ، أو لعلهم الميتون معنويا وهم أحياء وأرجح الثانية لأنهم فاعلون ( يقتنصون الليل ، ويقتسمون أحلامنا ) فهل تشير الأم بذلك إلى الرجال الغائبين عن الفعل في بيوتهم ، والذين لا يعملون سوى ليلا حيث يقتسمون أحلام النساء .
الشمس هنا معادل موضوعي لذات الشاعرة المستنيرة وهي تسرق من الأم الحكاية ، لكن يستدركها ضوء بالمنع يلتمع في عيون الأم , وتلجأ الشاعرة إلى النقط المتعددة ، لتوحي لنا بما يعرف بظاهرة الحذف والإضمار ، أي انه يوجد هنا كلام كثير , قالته عيون الأم , وأضمرته الشاعرة في نفسها ، وقد نكتب صفحات كثيرة عن الكلام الذي دار بين الأم والبنت في أسباب منعها عن الكلام في هذا الموضوع ، وهو موضوع علاقة الرجال بالنساء ، وكلمة فتغيب في نهاية المقطع قد تشير إلى غياب الحكاية أي انتهائها ، أو غياب الأم أي رحيلها أو غياب الشمس وهي الشاعرة / الوعي ، أو غياب فضاء الحرية .
** المقطع الثاني : وجهُ جدتي يحملُ أسماءً منقوشةً على شواهدِ ذاكرتِها
كانت تقرأُ فاتحةَ الوجوهِ وتشهقْ
النهارُ يشتبكُ بدمعِها ويشتبكُ مع بصيرتِها
(وحدهنَّ الآراملُ يستيقظنَ في كنَفِ العفةِ
بعد كنفِ الدمعةِ )..
حين الرحيل .!!
****
هذا اشتباك آخر مع الجدة , ( النهار يشتبك بدمعها , ويشتبك مع بصيرتها ) النهار وهو رمز آخر للاستنارة , أي الحرية , يشتبك بحزنها ووعيها / بصيرتها , والوعي دائما مدعاة للحزن , فالواعي مغترب متأزم بوعيه بين الجموع الغافلة , وهنا أيضا اشتباك صوتي تقول الجدة :
( وحدهن الأرامل يستيقظن في كنف العتمة ، بعد كنف الدمعة حين الرحيل ) يتناول هذا المقطع نقطة أخرى من نقاط حزن المرأة فإذا كان المقطع الأول تناول عدم السماح للمرأة بممارسة وعيها وحريتها ، هنا الجدة امرأة واعية ، تسجل نقطة أخرى من نقاط الألم الأنثوي ، الأرامل المطلوب منهن العفة والدموع بعد رحيل الزوج ، وهن ( وحدهن ) المطلوب منهن ذلك ، على حين أن الرجل الأرمل لا يعنيه من الأمر شيء إذا رحلت زوجته وأصبح أرملا .وينتهي المقطع أيضا بالرحيل .
** المقطع الثالث :
خارجونَ عن طواعيةِ التابوّاتِ
رهناءُ الظلِ القاتمِ فوقَ الحكمةِ
رهناءُ الوجعِ الممتدِ فوقَ الرأسِ
إلى أخمصِ أرضْ .
****
يوضح هذا المقطع التمرد والمعاناة الأنثوية ، ويسجل اشتباكا ثالثا مع أعراف المجتمع وقيمه والدين والتقاليد ، ويبدأ المقطع بخبر محذوف مبتدأه ، لعله نحن النساء ( خارجون ) وجاء الخبر بصيغة جمع المذكر لنسف قيد نون النسوة ، فهنا تمرد على الوضع الاجتماعي وتمرد على اللغة والاشتباك لدى بدرية دائما اشتباك مركب أي انه اشتباك له عدة جهات ، إذن نساء اليوم خارجات ( عن طواعية التابوَّات ) وتابوَّات الممنوع هي الدين , والجنس , والسياسة ، والنساء ستخرج عن هذه التابوَّات فهن ( رهناء الظل القائم فوق الحكمة ) أي رهينات تابوه الدين ( رهناء الوجع الممتد فوق الرأس إلى أخمص القدمين ) أي رهينات الأعراف والتقاليد والعادات والضغوط الاجتماعية ، نلاحظ اللغة الذكورية ( رهناء ) والرهينة = السجينة ، فالمرأة سجينة الممنوعات ، ومن ثم تدعو الشاعرة إلى التمرد والخروج من هذه التابوَّات المقيدة لحرية المرأة .
** المقطع الرابع :
حين تستيقظَ لتجدَ الصبحَ مقتولاً على صدرِك
فاضحاً عريَّ أحلامِك
تتعرقُ الأزمنةُ تحت إبطيك
وأنت الخارجُ للتوِّ من سُرة ِ الطبيعةِ
تشذبُ أوراقَ الذاكرةِ الرافلةِ بالأسماءِ
والوجوهِ المرهونةِ للغيابْ
تقفُ محنطاً بغبطةٍ فارغةٍ/فاغرةً أشداقَها للريح
تتكسرُ فجأةً على موجةِ أسئلةٍ
لفظتها القطيعة ..
سارجاً ولعَ الروحِ في حضرةِ الموتِ
لا شيءَ يجعلك كقطعِ الهباءِ .. هكذا
غير الأصدقاءْ .
****
غابت اللغة الأنثوية تماما حتى مع الذات رغم كون الشاعرة تتحدث عن نفسها ، وكأن حدة التمرد تزداد لفظا ومعنى كلما تقدم البناء النصي ، إذن تستيقظ الذات لتجد ( الصبح مقتولا على صدرك ) والصبح هو النور / الشمس / الحرية ..) واليقظة بعث للوعي ، وهذا القتل للنور يجسد قتل أحلام الذات في الحرية ، ومن ثم هي أحلام عارية عن الحقيقة أي لا وجود لها ، هنا تشتبك الذات مع نفسها وهو أصعب أنواع الصراع ، فقد وجدت الذات أن أمنياتها بالتحرر لن تتحقق إلا إذا قتلت ذاتها الأنثوية وتحولت إلى ذات مذكرة متحررة من تابوهات المنع . هنا يوجد اشتباك رابع أولا مع بنات جنسها وثانيا مع الغياب غياب ذاتها الأنثوية ، نلاحظ أن اشتباكات الذات مركبة على أكثر من جهة ، وتبدو لنا الشاعرة تعاني من الوحدة والاغتراب والخوف من الفناء والموت وهو موت معنوي يتمثل في موت الوعي وفنائه..