رئيسية الموقع المجلة مكتبة الصور دواويين الشعراء المسموعة المنتديات

  
 

قسم مجموعة قصصية 1
ألوان
تاريخ الإضافة: 13/09/2009 رشح | إهداء

ألوان 

التفتُ الى باب الغرفة عدة مرات رغم تيقني بإحكامه ، أصغيتُ برهة الى الأصوات الممتدة الصادرة من عدة أفواه متباينة ، أخرجتُ عدة الماكياج من الدولاب الصغير في غرفتي ، نظرتُ الى وجهي في المرآة ، تراى لي وجهًا مغبرًا كالستارة المجاورة لي ، تذكرتُ بسرعة طريقة وضع الماكياج التي قرأتها من المجلة الهامدة تحت قدمي، يجب أولا أن أضع كريم الأساس على معظم تقاسيم الوجه ، ثم أنثر البودرة على كامل الوجه لأقضي على هذه السمرة الطاغية على معالمي ، هذه السمرة التي بدأت تؤرقني ، يكذب من يقول إن السمراء امتداد للأرض ، للتراب العبق ، للخصب ،فلا أكاد أجد اللون الأسمر - الذي كان طاغيًا على وجوه العديد من فتيات قريتي ـ فكل واحدة منهن تحاول أن تخفي ذلك اللون تحت ستار ثقيل من الأصباغ لتظهر بيضاء بالمساحيق بعد أن رفضت الطبيعة منحها ذلك اللون .

..................... 

تنبهتُ الى علبة الماكياج بين يدي والألوان الكثيرة الموضوعة في قوالب صغيرة ، نظرتُ إلى عيني الضيقتين ،أحاول أن أكثف الكحل لتبدو أكثر اتساعًا وأضع ظلالا لها ، ولونًا آخر يناسب الشفاه الصغيرة وهذه الألوان يجب أن تكون منسجمة مع الثوب الذي سأرتديه .

..................... 

توقف ذهني عند هذه النقطة محاولا استرجاع مجموعة الأثواب التي أملكها راسمًا في الوقت نفسه صورة "منى" بأثوابها الكثيرة فلكل مناسبة ثوب خاص بها ،ولكل موعد تسريحة خاصة به ، دون أن تكترث بضوضاء الكثير من الأفواه التي تتسأل عن المصدر الذي يغدق عليها المال نظرا لعمل والدها المتواضع والأجساد العديدة التي تشاركها غرفتها!

لم أجد ـ للأسف ـ إلا ثوبي الأحمر الذي سيختفي تحت عباءتي الفاحمة المجردة من كل زخرفة ولون وستزيد في الوقت نفسه من حرارة جسدي الهزيل الملتف بالسواد بشكل شبه كلي .

لماذا أصرت ليلى على هذا الموعد لإقامة زفافها ؟ّ! 

..................... 

بدأت يدي ترتجف وأنا أمسكُ بعلبة الماكياج تذكرتُ ارتجاف جسدي الذي كان يستمر مع تدفق صراخ والدي الطويل وبكاء أمي الأطول الذي يصاحب خروجها من البيت ، وقع بصري على اللون الأسود ذكرني بآخر صراخ هزني اضطررت عندها الى البقاء مستيقظة الليل بطوله وأنا انتظر تبعاته المتوقعة . فررت ُمن اللون الأسود أمسكتُ علبة الماكياج بقوة حاولت ُ استحضار كل ما قرأته في المجلة التي اقتنيتها لهذا الغرض ازداد الارتجاف، صرختُ لأوقف هذا الارتجاف اللعين :

- لا أريد أن أبدو جاهلة بين الجموع . 

..................... 

تدفق العرق غزيرا وأنا ارسم ، ألون ، امسح وأضيف ملتفة في الوقت نفسه الى الباب ،منصتة  الى الصراخ والكلام المتداخل الذي بدأ يلفح جسدي ، مر الوقت سريعاً  وأنا أضع علبة الماكياج جانبا ، ترددتُ وأنا أنظر في المرآة ، بدت خطوط الماكياج مبعثرة بشكل مضحك كتبعثر أجسادنا في تلك الغرفة الضيقة في كل ليلة والتدرجات اللونية تتداخل مع بعضها لتعطي في النهاية مزيجا من الألوان الباهتة وسمرة وجهي تبتسم  عبر فجوات لم  تنجح الأصباغ في القضاء عليها هرشت رأسي بقوة لأبعد صورة "منى" وصدى ضحكتها المقيت .

..................... 

تنهدتُ بصوت مسموع ، أدخلتُ علبة الماكياج بقسوة الى الدرج ساعدت على زيادة الشرخ الذي بدأ يعلو جهته السفلى ، مسحتُ الألوان من على وجهي ، نظرتُ الى انعكاسه في المرآة لم تبق فيه إلا ومضات شاحبة من اللون الوردي الذي ظل ملتصقا بشكل غريب ، فكرت بالماء والصابون لإزالته ، خرجتُ من الغرفة بخفة وسط الثرثرة وسيل الكلام المتواصل ، فتحتُ صنبور الماء ، كان الماء يتدفق بغزارة الأصوات من حولي وذهني يوازن بين وجهي بالألوان وبدونها لم يظهر الفرق جليا بين الوجهين انزعجتُ وأنا أفكر بموعد الغد والوجوه المصبوغة بإتقان ووجه "منى" الذي سيحاول أن يبدو بلون مخالف وهيئة مغايرة لينافس وجه "ليلى" المكتنز الأبيض والملابس المزخرفة والمعدة خصيصا لهذه المناسبة ،تصورتُ وجهي ضائعا بين مجموعة الوجوه تلك وكياني ذابلا بين كومة الأثواب الكثيرة ،أغلقتُ صنبور الماء بسرعة وأنا أرى اللون الوردي الذي اخذ يتموج بسرعة ليتلاشى مع آخر صوت للماء وصدى آخر صوت من حولي .

..................... 

نظرتُ الى خطوط الماء على وجهي التي بدأت تجف بتأثير الهواء القادم من النافذة أغلقتها بسرعة  التفتُ إلى الأجساد الرابضة على مساحات واسعة تصل حتى  مقدمة الدولاب، قررتٌ عدم الذهاب الى الحفل سأتعلل بالمرض أو ما شابه ذلك كعادتي وأكتفي بسماع التفاصيل من عدة أفواه لن تقصر في إعطائي حتى أبسط التفاصيل وأدقها .

توجهتُ لأنام محاولة الابتعاد عن الأجساد الكثيرة التي فاضت بها الغرفة محاولة في الوقت نفسه تجاهل سؤال أختي المتكرر عن اللون الوردي العالق في ملابسي وأنا انظر الى البقعة الوردية التي لطخت ثوبي من الأمام بشكل عشوائي ومضحك.  
 
 




مجموعة قصصية 1

نقود
بين نجم وآخر
ثرثرة
تفاصيل
ألوان

بين نجم وآخر
ورقة
ساحرة
صُوْر
ألوان

أرقام هواتف الادارة للمساعدة : محمد الراسبي : 99811116 - إبراهيم الرواحي : 95158950

لا يجوز نشر أي قصة إلا بكتابة إسم صاحبها