رئيسية الموقع المجلة مكتبة الصور دواويين الشعراء المسموعة المنتديات

  
 

قسم مجموعة قصصية 1
ورقة
تاريخ الإضافة: 11/08/2009 رشح | إهداء

ورقة

الأوراق الآن بين يديك، ملاحظة "أسئلة الامتحان في ست صفحات" تصفع وجهك، تنقلين القلم إلى قلب الورقة الفارغة، تغيرين من جلستك، ويلفت انتباهك تكوين الجسد الذي يجثم أمامك ويلتصق بالورقة ليشكل اتحادا آدميا مبعثرا ببياض وصرير ناعس ، وتسكت الحناجر ، ويجثم الصمت على صدر كل من في القاعة.

تضحكين في سرك وأنت تتذكرين الورقة التي صرفت يوماً كاملاً لكتابتها ، وجه المعلمة الأولى يشي بالضجر ، وقد اختارت أول القاعة مكانا لها ، وأعضائها دائمة الحركة تعدل من وضعية جلستها بطريقة غير منظمة لعلها ترجع إلى هيئة الكرسي الخشبي الحاد الحواف، المعلمة الثانية :تبدو عجوزاً بشكل ملفت ، والنظارة التي ترتديها ساعدت على تصغير عينيها وتكبير أنفها بطريقة مضحكة ، ونظرها المتكرر إلى الساعة يحمل إيحاء بملل يتسرب حيث لا وجود سوى لوقع الأقلام المضطربة فوق وجه البياض.

تفتحين قلب الورقة بسرعة، ويدك اليمنى تعبث في الوقت نفسه بالورقة الرابحة التي لففتها جيداً تحت كم قميصك الأيمن، تشعرين بالخوف، هل شاهدتك المعلمة ؟! تنصتين للسكينة المسيطرة على القاعة ، تتنفسين بهدوء ، تمسكين بالقلم تقرأين  السؤال الأول تفهمين من الوهلة  الأول انه يدور حول المتنبي ، توقعت السؤال منذ البداية ، فالمعلمة الفاضلة لم تكف طوال أسبوع كامل عن التذكير بالمتنبي ، وحياته ، وشعره ، وأنت بدورك لم تكفين عن الثرثرة التي كنت تصبينها في أذن صديقتك" علياء" حول "سالم" ولد العم الذي سيخطبك بعد انتهائك من الثانوية العامة مباشرة .

"سالم" يشبه المتنبي كثيراً ، لم تدرك هذا إلا بعد الإسهاب الذي فاض من فم المعلمة كانت تمدحه بطريقة هستيرية ولا تكف عن التلويح بيدها اليمنى بأسلوب هزلي يثير الضحك ، وبدورك أفضت في وصف أجزاء "سالم" لتتسع دائرة الثرثرة وتشمل " بدرية" و"غالية" وتذكرين عندما سألتك "بدرية " عن شِعْره وهي تغمز بطريقة أفزعتك ، لم يهدأ بالك وأنت تبحثين عن الجرائد المكومة في أرضية المطبخ ، ورغم إنك لا تفهمين في الشعر قصصت أول قصيدة لأول شاعر مغمور تدور حول الحب والشوق وكتبتها في ورقة حرصت على أن تحمل توقيع" سالم "، وبعدها لم تحدقي في وجه" بدرية" والخطوط التي ارتسمت عليه ف"سالم" أكبر من كل علامة أو غمزة.

  تعودين للورقة، تواصلين النظر في الأسئلة الباقية، تكتبين الكلمات منقولة عن الورقة المجعدة الأطراف، تحاولين الإفلات من قبضة " سالم" لتحصلي على هذه الشهادة، وبعدها تسكتين كل الأفواه فقد تزوجت وأنت صغيرة بمن تحبين!

تنتقلين إلى سؤال الحفظ الذي يدور حول قصيدة ابن زيدون في ولادة ، يمكن القول بأنك أحببت هذه القصيدة ، رغم بعض الألفاظ التي ظلت غائمة في مخيلتك ، تصورت قصة الغرام بينك وبين "سالم" وبالطبع فالمنزل الذي ستعيشين فيه سيكون مكتظاً بأشجار كثيرة ، ستعمل على تظليل حياتك بنكهة الورد والفل ، وتحرك وجدان "سالم" في الوقت نفسه ليقول قصيدة أو قصيدتين فيك ،وتشعرين بموجة فرح باردة تسيل لتصل إلى قلبك لان نهاية قصتك لان تكون كواقع  "ولادة" و"ابن زيدون"، تضعين يدك على رأسك محاولة وقف التيارات التي ازداد ثورانها في رأسك ، وتكتبين الأبيات التي نقلتها من الورقة بسرعة ، تشبه السرعة التي تركت بها مجموعة من الأسئلة في النحو والبلاغة ، كنت دائما تكرهين النحو والبلاغة وخاصة عندما لمحت "آمنة" أخت "سالم" بأنه يكره النحو أيضاً ، الأمر الذي دفعه للفرار إلى القسم الأخر، رغم أن النحو ظل يطارده كشبح يحاول خنقه كلما فتح الكتاب، ازداد كرهك له  وبكل قواعده الجافة ، كل مايثير أعصاب "سالم"أو يتعبه تكرهينه وتضعينه خارج نص حياتك ، والمحاور التي تجمعك ب"سالم" كثيرة تجعل منه الفارس الذي خلق لينتشلك من خندق بيتك المزدحم ، وراتب والدك الذي يكاد يتبخر قبل منتصف الشهر.

الوقت يمضي بسرعة ، تنظرين إلى الإجابات ، كتبت ما يوصلك إلى خط النجاح ، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار رصيدك من الدرجات المختبئة في حوزة المعلمة بعد أن رسمت لها لوحة كاملة لنشاطها نالت تقديرها بشكل كبير ، ولعبت لعبة الحظ في الأسئلة الموضوعية ، تلك اللعبة التي تعيدك إلى أيامك الأولى مع "سالم" رغم انه يكبرك بأربع سنوات ، مازلت تنفذينها في أمور كثيرة ، خاصة بعد أن قرر والدك تخفيض عدد الأفواه الجائعة من البنات بالزواج بأول طارق ، وكان "سالم" هو  محررك الذي ينتظرك بعد سنة كاملة  لتنالي شهادة الثانوية العامة هذا ماكان يتمناه وهذا ما أصبحت تطمحين له، بعد أن كتبت عدة أسماء لعدة رجال في مجموعة أوراق وكان"سالم" من نصيبك ، ضحكت وقتها كثيراً وأودعت كلاماً كثيراً في أذن"علياء" التي أصبحت تشعر بغيرة مكتومة تخفيها بتشاغلها الزائد بالمذاكرة وهي التي لاتعرف علاقة "ابن زيدون"ب"ولادة"!

يرجعك صرير الباب إلى الجو الخانق ،تفحصين الورقة لأخر مرة   ويلفت انتباهك تكوم الطالبة القابعة عن شمالك ومداد الحبر الذي طغى على سمرة يديها ، تقوم المعلمة الأقرب إلى الشيخوخة تحمل الأوراق بسرعة  لاتتفق مع تكوينها النحيل، نهضت وأنت تشعرين بلذة غريبة ، رغم التقوس الذي يكاد يشطر ظهرك ، خرجت من القاعة كنت تنتظرين "علياء" لتواصلي ثرثرتك ، تذكرتي الورقة ، بحثتي عنها في كم قميصك الأيمن ، ثم الأيسر ، كما انك لم تجديها في كافة الجيوب ، رجعت إلى القاعة ، كانت خالية إلا من الفراغ المتمدد ،شعرت بالفزع ، بالتلاشي ، عندما أدركت نسيانك لها بين أوراق الإجابة ، تنفست بصعوبة ،تخيلت رسوبك ووجه"سالم" الحزين ، هل سينتظرك سنة أخرى ؟! هل سيقبل بزوجة لاتحمل شهادة الثانوية ؟!

نزعت نفسك بصعوبة، تجاهلت "علياء" القادمة من بعيد، تخطيت مجموعة من الكتب والأوراق المرمية بطريقة عشوائية، تحركت وأنت تمنين نفسك بان يبتسم لك الحظ لآخر مرة.



مجموعة قصصية 1

نقود
بين نجم وآخر
ثرثرة
تفاصيل
ألوان

بين نجم وآخر
ورقة
ساحرة
صُوْر
ألوان

أرقام هواتف الادارة للمساعدة : محمد الراسبي : 99811116 - إبراهيم الرواحي : 95158950

لا يجوز نشر أي قصة إلا بكتابة إسم صاحبها