بعد قليل سيصل الباص ، ستخرجين بعد أن تسمعي صوت والدتك مترافقا مع الضوضاء التي يصدرها الباص .
تفتحين الباب بهدوء وتلقين التحية بنفس الهدوء وجسدك يستعد ليتخذ موقعه المعتاد بجانب النافذة التي تعكس لك وجوه السيارات والمارة وحرارة الشمس .
يستمر الباص في الحركة ويفتح الباب ويغلق أكثر من مرة وتزداد حدة الضوضاء من حولك .
من خلف الزجاج تحدقين في جسد الكلب المهروس بقسوة على وجه الإسفلت ، منذ ثلاثة أيام مضت كان يبدو أكثر طراوة وهو يصدر صوتا غريبا اثر كل مرور على أشلائه ، اليوم أصبح أكثر تصلبا وان كان الصوت الغريب لتحطم عظامه مازال موجودا وكتلة الذباب تجثم على معظم مابقي له من شعر .
تستعيدين _وبصرك يمتد بكسل خلف الأشجار المتراصة_ وقوفك الأول في الفصل ، عندما تنفست بعمق لتملئ رئتيك من الهواء الذي يحاول الفرار ، تصطدم رجلك بأقرب مقعد ، يلفت انتباهك صغر حجم الغرفة الذي يقيد حركتك ويعرقل حركة الأطفال فتبدأ سلسلة من السقطات المدوية يتبعها صراخ أو ضحكات بينما تمسك يدك بطرف عباءتك احتراسا من وقوع وشيك أو اصطدام اقرب ويدك تشير بأمر إغلاق النافذة حتى لا يدخل الذباب .
بالأمس فتحت شهادة التخرج" البكالوريوس" مع درجة الامتياز ، توقفت كثيرا وأنت تلمسين عبارة الامتياز بيدك ، وتسألت وأنت تمررين إصبعك للمرة الثانية :
"لماذا لم يكتب الامتياز بلون مخالف؟!" وقبل أن تضعي رأسك في الوسادة احترت في اللون الذي يجب أن يصبغ الدرجة وتذكرين أخيرا بأنك اخترت اللون الأحمر .
اهتزاز الباص يولد في ذاتك ارتجاف الصباح عندما استيقظت وبقايا حلم باهت مازال عالقا تنهضين ويدك تمسك بالشهادة وأناملك تمر بسرعة على كلمة الامتياز عدة مرات خوفا من تلاشيها السريع الذي مازالت صورته تجري بطنين مدوي في رأسك وفسرته بالنهاية على انه نتيجة طبيعية لنسيانك النافذة مفتوحة والسماح للذباب بالدخول إلى الغرفة.
تنظرين إلى بقايا النقش في يدك وتصل إليك كلمات عزيزة ـ بعد عودتك من حفل التخرج:
_أ_أمل نقشك حلو، عندك عرس أمس؟
تحدقين في النقش وتهزين رأسك عدة هزات متوهمة وجود طنين يصدر من أعلى وتتجاهلين صراخ الأطفال الذي بدأ ثورته بشكل مباغت وانسكب بين جدران الغرفة الصغيرة.
تحركين يديك محاولة طرد الذباب الذب أخذ يدخل ويخرج من النافذة بحركات مضحكة ، اصطدمت واحدة بيدك ، أبعدتها بسرعة ، تذكرت الكلب المهروس هل انتقل ذبابه إلى جسد الباص؟!
شعرت بالتقزز عندما استعاد ذهنك هيئته الرثة ودعيت ربك من قلبك أن تكون وفاتك على سرير أو ما يشبه ذلك وان لا يقترب الذباب من جسدك ما أمكن ذلك ، تذكرت الذبابة التي دخلت إلى انفك الصغير وجاهدتْ في التحرر وجاهدت في التنفس ولم تخرج إلا بعد أن أصبحت لزجة مشتتة الأطراف .
توقف اهتزاز جسدك مع توقف الباص ، بحركة رتيبة نظرت إلى اللافتة القريبة من عينك ،ـرفعت طرف العباءة تجاهلت الصراخ والغبار الذي كان يصدر من الأفواه القريبة منك لم يعد لشهادتك في تلك اللحظة أي لون ، فقط لون ترابي لزج وباهت وطنين ذباب هائل لم تستطيعي تبين مصدره كان يتبعك ويعكر نسق مشيتك .
