 |
قسم روائح الفقراء ما لم يقله رجب!... |
ما لم يقله رجب!... (1) عـن الفقراء... ميزتان للفقراء: الضحك المفرط، والتناسل كذلك، ولأنهم يأتون -على غير العادة - من تكور الأنثى بزعيقهم، وضحكاتهم فإنهم لا يلبثوا أن يدخلوا في الحزن شيئا فشيئا حد التلاحم. مفارقتان أيضا: تناسلهم الموروث، وحزنهم المفرط في الضحك منذ الولادة.. - آمنت بالفقراء دائما دائما ( يقول رجب )، ويمضي مبتسما.. ينسجون الليل رداءً والنهار أقدامًا بعيد المغرب وحتى قبيل النهار التالي في ضحكهم المفرط كما خرجوا من تكور الأنثى.. شيئا فشيئا حد التلاحم بالحزن ( كان يفكر، وهو يكنس بقدميه طرقات القرية المعفرة ).. ميزتان تتفرقا للفقراء - ربما بفعل العادة اليومية - ضحكهم المفرط حد البكاء، وتناسلهم في الظلمة!.. كان رجب فقيرًا لم يحب الظلمة قط، ولم يفرط في الضحك بيد أنه كان دائم الابتسام.. (2) عـن المتناومين.. نصف نهار فارغ، وليلة كاملة، وما بينهما متناوما. أحيانا يكون بين النصف والكامل فارغًا كذلك!.. الرجال الذين كانوا في حلقة دائرية ناقصة أسرفوا في غلوهم - على غير العادة - واشتعل التذكار برؤوسهم - التي تحسب ما يبهج تشدقا وما يفرح ضغنًا - عن رجب.. - رجب الطيب .. يحب العصافير، والأطفال، والوطن ( قال الرجل ذو اللحية الكثة ).. - يخرج من هزيع الليل الأخير جامحًا.. يأتي بالمعجزات، وتأتي معه ( قال شاب لم تكتمل استدارة لحيته بعد ).. - كان معدمًا بالكاد يسد رمق جوعه ( قال الرجل الأكثر وقارًا ).. (3) عـن الصوت.. في السنوات التي اختفى فيها رجب من أمام أعين الحلقة الناقصة للرجال الملتحين في القرية كان يأتي الصوت كل ليلة: - أي هؤلاء الذين ينتهون إلى أكوام الأخطاء أما آن لكم أن تترجلوا عن ناصية الوزر ( كان الصوت يأتي كل ليلة، ولا يُثَنّي ).. في الليلة التي عاد فيها جسد رجب إلى القرية آخر مرة، وما عاد الصوت.. هز القرية صوتا بدا وجيبًا – أو حسبه الرجال الذين تجمعوا في حلقة ناقصة كذلك – خفتا .. تصاعد متواترًا لكأنه يصم الآذان: - مَن قتل رجب؟! تتداخل الأصوات، والحلقة الناقصة للرجال الملتحين، والنساء، وأم رجب كانت تصرخ بحرقة ( من قتل رجب!؟.. ) (4) عـن المقبرة.. كان بكاء النسوة، والدموع كافية لتطفو عليها الجثة!!، وثمة فرصة لتصاعد الوجيب الذي سرى خفتا يتصاعد بتواتر، والنسوة يجهزن كفن رجب.. ( أم رجب ) شيعت حزنها إلى المقبرة، ولم تعد تلك الليلة. صحبة الحلقة الدائرية الناقصة للرجال .. النسوة .. القرية: تنادوا للمقبرة.. كانت الخطى باتجاه ليلة فارغة، ونصف غبشة.. كان جسد أم رجب قد تخشب، ولفتها الظلمة التي يأنس الفقراء لها عند تناسلهم، وتأنس لهم عند رحيلهم، وثمة ميزة أخرى - للفقراء - إذ باستطاعتهم أن يدخلوا في الحزن شيئًا فشيئًا...
|
|
|
| | |