 |
قسم ورد اليتامى حمامة بيضاء |
حمامة بيضاء
يعدها مرة أخيرة كل مساء: ثلاث وعشرون حمامة وادعة تتوزع ألوانها بين خليط من اللونين الأبيض والأسود؛ ليس فيها أسود مدلهم أو أبيض صاف عدا واحدة صافية البياض كندفة ثلج أسماها (اللول) كانت جميلة السرب قال : سأجد لها وليفـًا أبيض يشبهها تمامـًا لتكون سلالتهما بيضاء. الحمام الأبيض رمز السلام!
يعرف الحمامات جميـعًا. يحفظها عن ظهر قلب وهي تتوزع، إلى السماء، كطلقات طائشة من معقلها على سطح الدار وتتشكل في دائرة العين ثم تعاود الهبوط متهادية على خط الجدار، وما تكاد تلتقط مناقيرها بعض الحبات أو قطرات الماء حتى تدور الذكور بصخب وتنتفخ أوداج رقبتها ... تسحب ذيلها على شاكلة مروحة ... تزحف المروحة في رقصتها ويهدل صوت الغزل رقيقـًا ... تدور الذكور بسرعة ويأتي صوتها فخيمـًا ... تنقب في أحد جناحيها ويتوقف الذكر الأسود (الدغم) الآتي من بيت الجيران عن الغناء ... تمد اللول منقارها إلى منقاره الذي توقف عن الغناء ليحتضنها. ينفجر مشهدهما الرومانسي على حين ركضة منه زاعقـًا. هادرًا يفرقهما. تيممان صوب الأعالي متفرقتين ذات اليمين وذات الشمال لكنهما تلتقيان في نقطة ما من السماء ثم تغيبان في عين الشمس.
يحفظها عن لوح غيب واحدة واحدة رغم تشابه ألوانها واختلاطها ببعضها. اخترع لبعضها أسماء من شكلها ولبعضها أسماء من لونها ولبعضها من حركتها ولبعضها من طيرانها، ومن علاماتها الفارقه. يركض نحوها فتنفلت إلى الأعالي يصرخ: اذاك (الشمسي روّح فوج) . تهبط شبه البيضاء التي على رجليها ريش أبيض فيفرح هذيه (المْـكـُـوشه) لا تستطيع الطيران بعيدًا عن عشها وفراخها.
يتسلى بعدها عدة مرات في اليوم لكنه يواظب على عادة عدها أول الصبح وهي تخرج من أقفاصها خماصـًـا واحدة واحدة ، وفي المساء وهي تؤوب بطانـًا بالقمح والدال. يستبقي اللول كآخر الداخلين يتملى لونها كهبة تسقط من الأعالي لكنه يتجرع غصة: لو يجد لها ذكرًا أبيض يشبهها. لم يجد بغيته عند أقرانه في الحارة والحارات المجاورة. ذهب بعيدًا اشترى واحدًا كان خاملا وقد نقبته اللول وصّى على واحد من منطقة أبعد لكنه كان صغيرًا ولم يـُـعَـمّـر إزاء صراع الذكور على اللول وجده ميتـًـا بعد يومين.
قرّر أن لا يدعها توالف إلا ذكرًا أبيض كقطعة ثلج يشبه شتاءات المدن البعيدة يحلم بهما وبفراخهما البيضاء حيث يتناسل عرقهما الأبيض وتفرخ صغارا معروفين بالجمال والروعة حيث تغدو السلالة موصوفة في النواحي جميعـًـا لا شيء للنسبي فقط للجميل المطلق.
عدها مرة أخيرة هذا المساء أيضـًا: اثنتان وعشرون حمامة وادعه فقط تتوزع ألوانها في أقفاص يزنرها الحديد لكن لم تكن (اللول) البيضاء من بينها قط!
|
|
|
| | |