نَافِذَةٌ لِلْبَحْر .. مَشْهَدٌ لِلْضَّيَاع..
كَيْف مَن الْمُمْكِن أَن يَأْتِي فَرَض الْيَوْم الْتَّالِي..
نَافِذَة الْبَحْر الْمُشَرَّعَة لِلْرِّيح تَلْتَهِم نَظْرِتَه الْمَأْخُوْذَة بِالْتَوَجُس، وَالْتَّرَقُّب، غَالِبا، مِن تَكَدُّس عَشَائِر الْطَّوَائِف، وَصَلَف الْمَوَالِي الْأَقَل رُجُوْلَة عَن سَلَفِهِم..
كَان الْمَشْهَد يَبْدَأ فِي الْتَّضَخُّم، وَالِاتِّسَاع: لَكَأَنَّه أَكْبَر مُن تِلْك الْنَّافِذَة الْمُشَرَّعَة لِلْرِّيح حَيْث الْمَسَاء يَبْدَأ فِي اعْتِصَار فَلَوْل الْنَّهَار، وَمِن ثَم يَبْدَأ أُحِسْاس الاعْتِصَار الْلَّذِيْذ لِقَوَافِل الْظَّلام بِالْوُلُوْج شَيْئا فَشَيْئا..
رُّبَمَا كَان ذَلِك قُبَيْل مُنْتَصَف الْشَّهْر عَادَة.. الْشَّهْر بِدَورَتِه الْعَرَبِيَّة الَّتِي يَعْرِفُهَا (رَجَب)..
***
كَأَن الْلَّيْل كَيْنُوْنَة الْبَحْر الَّذِي مَا زَال يَرْسُف بِسَاقَيْه عَلَى بَقَايَا الْصُّخُوْر..
الْظَّلام يُلَف الْغُرْفَة الْمُنْتِنَة بِرَوَائِح الْأَجْسَاد الْمُعَلَّبَة دَاخِلِهَا. أَكْوَام لَحْم بَشَرِي اخْتَلَط عَرَقِهَا بِالْدِّمَاء الْمُتَقَيحَة مِن قُرُوْح قَدِيْمَة، وَبَعْضُهَا مَا زَال طَرِيا يَنْبَجِس بِسُخُونَة، وَثَمَّة رَائِحَة يَوَد قَرِيْبَة تَأْتِي مِن كُوَّة صَغِيْرَة عَالِيَه..
تَتَسَاوَى فِي الْغُرْبَة وَالْضِّيَاع أَحْلَام الْفُقَرَاء الْمُمْتَدَّة إِلَى آَخِر هَذَا الْقَبْر الْخُرَسَانِي الْمُحْتَشِد بِالْبَقَايَا الْمُتَحَرِّكَة..
- الْظُّلْمَة الْظَّلَمَه.. أَيَّتُهَا الْعَشِيرَة الْظَّالِمَة! كَم أَكْرَهُك يَاقَاتِلَة الْحُلُم! ( كَان رَجَب يَصْرُخ كُل لِيْلَه )..
***
مِن الْكُوَّة الْصَّغِيْرَة الْمُرْتَفَعَة كَان رَجَب يَسْتَنْشِق رَائِحَة الْبَحْر الْمُنْتَشِيَة بِالْيُود، وَيُفَكِّر: فِي قَرْيَتِه الْصَّغِيْرَة الْبَعِيْدَة حَيْث أَطْفَال الْفُقَرَاء يَبْدَّأُوْن فِي دُخُوْل الْحُزْن شَيْئا فَشَيْئَا.. تَمَامَا كَالْظُّلْمَة تَعْتَصِر نِهَايَات الْنَّهَار..
كَان يُفَكِّر لِمَاذَا جِيْء بِه إِلَى هُنَا، وَلَم تَتَلَبَّد ذَاكِرَتِه قَط.. أَحَب الْجَمِيْع..
كَان يُفَكِّر، وَنَظْرَتُه تَلْتَهِم نَافِذَة الْبَحْر الْمُشَرَّعَة لِلْرِّيح، لَيْلَا بِفَرْض الْيَوْم الْتَّالِي الَّذِي يُدْرِك أَنّه سَيَأْتِي عَلَى شَاكِلَة سَابِقِه..
ثَلَاث سَنَوَات مِن الْظُّلْمَة وَالَظَلَمَه، وَفُرُوْض الْنَّهَارَات الْمُتَشَابِهَة..
كَان صَوْت رَجَب وَهُم يَنْقُلُون رُفَاتَه عَالِقا فِي تِلْك الْغُرْفَة الْمُظْلِمَة، وَكَان صَوْت الْبَحْر أَكْثَر قِرَبَا مِن ذِي قِبَل وَهُو يَرْسُف بِسَاقَيْه عَلَى الْبَقَايَا..
|