الشعراء يتبعهم الغاوون
01-25-2011 07:34 مساءً
0
0
358
![]() | ![]() | |
الشعراء يتبعهم الغاوون للكاتب: سعيد الكندي قال تعالى ![]() كانت لي في هذه الاية وقفات كثيرة عندما كنت صغيرا , ولاكن لم اتعب نفسي في البحث عن سبب وجود هذه الفئة من الناس في هذه الاية واقترانهم بالفئة الغاوية , وما هو التفسير الصحيح لهذه الاية !!. كان ظني بالشعراء ظن الخير فما فهمته من الاية ان الشعراء مبرؤون من كل سوء وانهم ليسوا الا وسيلة لهؤلاء الغاوون الذين يجرون خلفهم بالخير والشر وان الاية التي جاءت بعدها لم يقصد بها الا هؤلاء الغاوون الذين في كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون . كبرنا وبحثنا وطالت ايدينا واعيننا الكتب الكثيرة ومنها كتب تفسير القران الكريم , لأتفاجأ في ما بعد أن ما قرءته يختلف اختلاف كبيرا عن ما ظننت, وتبين لي أن ما تقصده الاية الكريمة هم الشعراء وليسوا الغاوون. هذه الاية وما جاء قبلها وما أتى بعدها نزلت في مكة المكرمة قبل البعثة النبوية , فهي ايات مكية قصد بنزولها إظهار براءت النبي صلى الله عليه وسلم وتصفية ساحته من اقوال المشركين وادعاءهم اياه بالساحر والكاهن و الشاعر , حيث اتهموه بانه يستسقي هذا القران من الشياطين ومما تسمعه من اخبار اهل السماء . قال تعالى : (( هل أنبئكم على من تنزل الشياطين (221) تنزل على كل أفاك أثيم (222) يلقون السمع واكثرهم كاذبون (223) )) فقد بين الله سبحانه وتعالى لهؤلاء المشركين أن الشياطين لا تنزل الا على الكهنة والسحره و المشعوذين الكاذبين المفترين , حيث يسترق الشيطان الكلمة من أهل السماء وينزل بها للارض يزيد عليها مئة كذبة ويخلطها بالزور والبهتان ويلقيها على هذا الكاهن الكذاب . ما كان عليه حال هؤلاء الشياطين هوالكفر والظلال وما عليه حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم النور والهدى , فهو يتلقى القران الكريم مباشرة من جبريل الامين من كلام رب العالمين . ما ذكرته اعلاه يوضح تفسير الايات الكريمات , وحتى لايظن البعض أن الشعراء يأتون بهذا الشعر من افواه الشياطين كما يسمعها الكهنة و المشعوذين . لكي لا أذهب بكم بعيدا عن ما قصدت في هذه السطور , فقد فهمت فيما بعد أن الشعراء هم الذين يخوضون في كل وادي وانهم يقولون ما لا يفعلون , فالمقصود بالوادي في الاية الكريمة ليس الممر بين الجبلين الذي تجري به مياه الامطار للبحر وانما قصد به فنون الشعر المختلفة من المدح والذم والهجاء وغيرها الكثير من فنون الكلام المختلفة . وقد روى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسير كلمة (( وادٍٍ )) قال : في كل فن من الكلام . ويقول الحسن البصري : قد والله راينا أوديتهم التي يهيمون فيها مره في شتم فلان ومره في مدح فلان . وقال قتادة رحمه الله : الشاعر يمدح قوماً بباطل ويذم قوماُ بباطل . وخيراُ من ذالك جميعا ما جاء في صحيح أحمد من حديث ابي سعيد رضي الله عنه قال : (( بينما نحن نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم بالعرج اذ عرض علينا شاعر ينشد فقال النبي صلوات الله وسلامه عليه : خذوا الشيطان أو امسكوا الشيطان ثم اردف يقول : لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا خيرا له من أن يمتلئ شعرا )) . ولاكن السؤال الذي يطرح نفسه , هل كل الشعراء مذمومون ؟ وهل كل الشعراء كاذبون ؟ أم جاءت تزكية لمن هم صالحون منهم ؟ نعم , فبعد أن ذكر الله الفئة الضالة من الشعراء والذين يقولون ما لا يفعلون أستثنى الله تبارك وتعالى الذين أمنوا وعملوا الصالحات والذين لا يقولون الا الحق في شعرهم . فالمتتبع للسيرة النبوية الشريفة يجد أن العهد النبوي مليئ بالشعراء من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم كالصحابي الجليل عبدالله بن رواحة وحسان بن ثابت (( شاعر الرسول)) , والصحابي خبيب بن عدي ((الشهيد المصلوب )) وكعب بن زهير (( صاحب البردة)) وغيرهم من خيرة الصحابة رضي الله عنهم وارضاهم , فهل يعقل أن ينعت القران الكريم مثل هذه النجوم الزاهره والسبل المنيرة بالكذب والافتراء ؟؟ حشى لله وحاشى على هذه الصفوة الطيبة من هذا الوصف . فقد روى محمد بن اسحاق عن طريق يزيد بن عبدالله بن قسيط عن ابي الحسن سالم البراد مولى تميم الداري قال : لما نزل قوله تعالى : ((والشعراء يتبعهم الغاوون )) جاء حسان بن ثابت وعبدالله بن رواحة وكعب بن مالك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون فقالوا : قد علم الله حين أنزل هذه الاية انا شعراء , فتلا النبي صلى الله عليه وسلم (( الا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات )) ثم قال : أنتم . فكما ذكرنا سابقا ان نزول هذه الايات قبل الهجرة النبوية حيث لا يزال النبي صلى الله عليه وسلم بين أظهر المشركين وكفار قريش حيث نزلت في شعراءهم ومن تبعهم من المذمومين الا من استثنى الله من المؤمنين الصالحين ومن تاب وحسن اسلامه من المشركين . فقد روى مسلم في صحيحة عن ابن عباس رضي الله عنه أن ابا سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه لما اسلم قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ثلاث اعطنيهن قال : نعم , قال ابا سفيان : معاوية تجعله كاتبا بين يديك , قال صلى الله عليه وسلم : نعم , قال ابا سفيان : وتأمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين , قال صلى الله عليه وسلم : نعم , قال الراوي وذكر الثالثة . ( وهي ما نقصده ) وهو اسقاط كل ما فعله بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين من الذم والتشهير والسب , فقد كان رضي الله عنة من شعراء الجاهلية المشهورين بعداوتهم للاسلام والمسلمين . ولهذاقال تعالى: (( الا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا )) وقيل معناه ذكروا الله كثيرا في كلامهم وقيل في شعرهم وكلاهما صحيح. قبل الختام لابد وان نتطرق لتعريف الغاويين ومن المقصود بهم في هذه الاية , ولماذا قرنهم الله سبحانه وتعالى في أياته الكريمه بالشعراء ؟ كان المشركون قبل البعثة النبوية وحتى بعد البعثة يقيمون في أسواقهم مسابقات في مختلف فنون الشعر , حيث يتقابل الشاعران كلا يتحدى صاحبه بما جادت به قريحتة من الشعر وحتى يثير الطرف الاخر ويتغلب عليه , الجمهور في هذه المسابقة ينقسم قسمان لكل شاعر قسم يقفون خلفه يؤيدونه ويشدون من عزيمته ويحرضونه على خصمة , وترى الشعراء يتخبطون في كل ما تطوله السنتهم من أودية الشعر المختلفة , فلذالك نعت الله سبحانه وتعالى هذا الجمهور (( بالغاوون )) لانهم إنما حضروا لتأجيج نار الفتنة والعداوة بين الشعراء ولتحريض كل شاعر على الاخر وغوايته . التاريخ يعيد نفسه اليوم , فنجد أن المسابقات أخذت منحنى مغاير عن السابق ولكن بنفس الفكرة القديمة . اليوم الشعراء يعدون ما يستطيعون من الشعر في أشكاله المختلفة وكلا يحاول أن يتغلب على منافسه ليظفر في النهاية بما وضع من الجوائز المالية , ولكل شاعر جمهوره الذي يؤيده بالطرق المتطوره المختلفة . فالغاوون هم الغاوون والشعراء هم الذين يتخبطون في أودية الشعر المختلفة ويقولون ما لا يفعلون , الا أن ما يختلف عن السابق أنه لا يتعدى أحدهم على الاخر بالهجاء والذم وبذالك هم الشعراء المحترمون . | ||
![]() | ![]() |