وجه لا يصلح للتكرار
هذا الذي يجلس قبالتي يكاد يثير جنوني، منذ أن جلست وهو لا ينفك عن مراقبتي، كلما رفعت رأسي رأيته يرقبني وابتسامة على ثغره، أغرق في كتابتي، وكلما أمسكت بكوب العصير، ألمحه يمسك بكوب أمامه.. لم أستطع تجميع فكرة واحده.. أشرت للساقية، حدثتها وأنا أشير إليه، ابتسَمت ولم تعلّق، تذكرت أنها الصين، فسألتها بالانجليزية فأشارت لي بالانتظار.. أتى ساقيا آخر.. سألني بانجليزية مكسّرة : كيف لي أن خدمك سيدي؟
أشرت إلى الرجل الجالس قبالتي إن كان يعرفه.. لمحت الرجل ينظر إلي ويبتسم مستخفا بي..ابتسم الساقي هو الآخر، ثم ذهب دون أن يجيبني، أخذ يهمس للساقية وينظران نحوي ويبتسمان.. غضضت ، انكببت على ورقي أكمل ما كتبت ولكني ما استطعت، كنت اشعر بعينيه تعريّاني.. جال في بالي خاطر: يا ربي! لمَ لا يكون من الاستخبارات الصينيه؟ نعم لما لا يكون ذلك، البارح حين أقبل عليّ الشاب الأمريكي / الأفريقي "ديفيد"، عرض عليّ أن أشاركه في توزيع دولارات مبيّضه، لم أرفض مباشرة، تحججت باضطرار نزولي لبهو الفندق بسبب صديق ينتظرني هناك، ولكن ما يدريني، لربما كان "ديفيد" مراقبا من قبل الشرطة الصينية.
ولكن لا، هذا الجالس قبالتي ملامحه شرق أوسطيه، الابتسامة الخبيثة لا تكاد تُخفي الخيبات المتنامية خلف عينيه، نعم كأني قد رأيته من قبل في مكان ما.. لربما كان عربيا آخر، يودّ أن يتقاسم ترف الغربة..
انشغلت عنه بالكلمات التي ترفض الانصياع، وكأنها بمجرد أن عبرت الحدود غادرتني، وهذا الجالس هناك، أتراه يتعمد هذه البسمة الخبيثة، ومالي كلما حركت يدي حرك يدا، وكلما غيرت من هيئة جلستي غير هو كذلك... دفعت بكوب العصير.. اندلق على الورق. أشرت على النادل بالحساب..أقبل والابتسامة نفسها، قلت داخلي :"أهو اليوم العالمي للابتسام؟!". دفعت الحساب، وخرجت مستعجلا، تاركا الورق، ودون أن انظر للذي يجلس قبالتي..بحثت في جيب سترتي عن هاتفي النقال، أخرجته بعجل.. فسقط جواز السفر.. اخذته.. شعور غريب دفعني لفتحه.. كدت أصرخ حين تبيّن أنها صورة الرجل الذي كان يجلس قبالتي... هممت لأعود للمقهى، وقفت وأنا أقرأ البيانات.. كان إسمي.. كان تاريخ ميلادي..كان... أنا!!!.
|