ريح الأبواب غير الموصدة بدقّه.
خلف الأبواب الموصدة بغير دقة، ريح ما تدخل دون أن تخرج... ولكن عليّ تعود كلما رجع لبيته أن يضع نظارته الطبية على التسريحة، ويلقي بجسده المنهك على السرير بجانب زوجته، ولا يبالي، لا بالباب الذي لم يوصد بدقة، ولا بالريح التي تدخل دون دعوة..
وحين اشتمّ الريح ذات مرة، تغافل،و ثلثا العقل تغافل، ولكن هذا الوديع كحمل، ارتاب في أمر زوجته حينما كثرت اتصالاتها، وازداد أكثر خروجها، وصاحب هذا وذاك كثرة التبرج وكثرة الهدايا التي تصل...
علي هذه المرة لم يتغافل، له أسبوع وهو يرصد قدر ما يستطيع دخول الريح من باب أهمل أن يوصده بدقه، وحين حاول أن يفعل كانت الريح تعبث بأثاث بيته وتُعكر ماءه وتسلبه هواءه، وهاهو الآن بعد ألم ويأس يترقب لحظة ربما تكون القاصمة، يُحدّث نفسه بدناءته حينما اتبع شكّه، وحينما قرّر الانعطاف بسيارته والذهاب قبل أن تلحظه زوجته، لمح سيارتها مقبله، لم يستغرب، هنا مقرّ عملها، ومن الطبيعي أن توقفها هنا، ولكن شيء ما ألزمه السكون والترقب، حينها سيارة أخرى وقفت خلف سيارتها، نزلت من سيارتها وركبت السيارة الأخرى.
علي الطيب استنفر كل قبائل الغضب داخله، تبع السيارة التي توقفت عند فندق ما، لم يُضِع فرصة ثورة القبائل وتمردها، تبع الريح وهي تحمل زوجته..تبع الريح وهو يراقبها كيف تعبث بأثاثه وهواءه وتُعكر ماءه، تبعها حتى همّا بالدخول لغرفة ما بطابق مرتفع، لم يُضيّع لحظتها عليّ الفرصة، قبل أن توصد الريح باب فجيعتها عليها وعلى زوجته، دفع عليّ الباب بقوّة، وحين أمسك بعنق الرجل تفاجأ بقوته ولحظ ذعر الريح في عينيه، وسمع شهقة زوجته، لم يُضع الوقت، فانهال بالضرب على الريح قدر ما شاء له غضبه أن يفعل، وسط شهيق امرأته المتقطّع، وحينما تأكد أن بُقع دم على قبضته، نهض واتجه لدورة المياه، اغتسل، عدّل من وضع عمامته، عدّل من اتجاه ياقة دشداشته، بعدها خرج وكان يقف أمام نظرات زوجته الهلعة المتوسّلة، وقف أمامها في صمت.. ونظرات ثاقبة خيّل له لقوّتها أنها ستثقب الجدار على الغرفة المجاورة، وحين امتلأت الغرفة بعمّال الفندق، ولأنه تعوّد منذ صغره أن لا يرفع يده على امرأة مهما كانت، قال لها وهو يشير للريح التي تئنّ تحت قدميه: أهذا الذي بدّلتِ سريري بسريره أيتها العاهرة، أنتِ طالق..
عليّ الآن في إحدى شقق الوطيّة الآثمة، امرأة ليست أخته ولا زوجته، التقاها صدفة أيام ما كان ينسى أن يُوصد الباب بدقة، كانت تُدلّك له ظهره العاري، وكلما مالت عليه التحف شعرها الأسود الغزير عنقه، أطلقت ضحكة قصيرة قبل أن تُكمل حديث قد انقطع: ولكنّ الذي يراك لا يعتقد بك كلّ هذا الشرّ وهذا العنف...
ولأنه لا يحب إضاعة الوقت، انقلب على ظهره، وجذبها إلى ان لاصق نهداها صدره العاري، انتزع من ثغرها قبلة بها بعض عنف، ثم قال وهو يمسّد خدّها: لا بد للشر الذي يسكن داخلنا أحيانا من الخروج في الوقت المناسب والمكان المناسب، وإلا لن يكون للإنسانية أيّ معنى في الحياة..
|