 |
قسم قصص متنوعة الحب الصادق |
الحب الصادق
سوف تكون هو.. لا بل تكون أنت أيها الواقف هناك .. أبتسم فأنا أحبك ..!! الليلة الأولى .. غارق في بحر عميق ينظر إلى السقف ..!! الليلة الثانية .. يسمع الموسيقى الصاخبة ينظر إلى الصورة المعلقة في صدر الحائط .. ويتأفف ..!! الليلة الثالثة .. رأيته في الغرفة نفسها بدون إضاءة في ساعة متأخرة من الليل وهو مازال مستيقظا ..!! .. هل هذا جنون المرسوم في بعض العقول أم هو الوهم الذي قد تربع على القلوب المبهمة والذي يقال عنه (تنصيب الذات لما تطيب) .. أخذني الفضول وتطرق لهذه المسألة الصعبة .. مسألة أبو الشباب الذي بات عليه الكبت والشرود في عالمه الغريب عالم العزوبية والغرفة الضيقة التي تكتنز فيها الجثث المبعثرة هنا وهناك .. عالم الغربة والبعد والاشتياق والعمل الذي يفرض سيطرته عليك بأن تنمو لك قرون فوق رأسك لتعشش عليها الأسئلة وتزقزق فوقها الاستفهامات العديدة وأن ترضخ لما تأمر تحت وطأت الوهم والهموم .. وأن تنسى حياتك التي ولدت فيها لحياة أخرى معناها الاعتماد على الذات في كل شيء ..!! الليلة الرابعة .. لم يرتاح لي بال أردت أن أعرف الحقيقة المخبأة بين طيات فؤاده .. لما تغير هكذا فجأة وانقلب من حال لحال .. ولما باتت الوحدة هي أكبر همه .. لما لا يغادر الغرفة في المساء وما سر تلك العاطفة المنبعثة من المذياع لما لا يتعشى هل هو صائم فالذي أعرفه بأن الصوم يكون بالنهار وليس بالليل .. أين ذلك لشاب الضحوك الفرح الذي يفاجأنا بطلاته المضحكة وابتساماته البشوشة بعد أن صارت بعينه أطياف السكون والتحجر . هي القصة التي أريد أن أعرفها .. أطرق الباب بهدوء لا صوت يجيبني . دخلت الغرفة بدون استأذان .. كان متمددا على السرير .. عيونه مفتوحة في بادئ الأمر ظننته ميتا وبعد أن رأيت رموشه تتحرك عادت إليه الحياة وإلى قلبي كذلك .. كان ينظر للمروحة وهي تدور .. يده اليمنى مسندة تحت رأسه والأخرى على صدره. خالد .. خالد .. نظر إلي لبرهة ثم أشاح بوجهه للجهة الأخرى من السرير بدون أدنى اعتبار ولا مبالاة ... ماذا بك أرجوك أخبرني .. شغلت بالي عليك . هل تمر بضائقة مالية.. هل تشاجرت مع أحد من الشباب في العمل هل أنت غير مرتاح عندنا في السكن أم أنك تمتلك ظروف أسرية قاسية قهرية لا تريدنا بأن نعرفها .. ماذا بك أخبرني .. أرجوك ..؟! نهض من على سريره أتجه إلى النافذة .. كان ينظر للقمر والسكون يحيط بنا .. السماء صافية في الخارج والنجوم حلوة متلألئة .. صوت السيارات هو الذي يعكر تلك الرومانسية الحالمة لأنه الوقت الوحيد الذي تخرج فيه الأجساد وتعيد ما تبقى من هم وتلفظ الأنفاس المكبوتة في الجوف قبل أن تخلد في سبات عميق .. أستمر دقائق طويلة وهو مستمر هناك بدون حراك سوى أنفاسه المتلاحقة ورموشه المرتجفة من على نظارته الطبية .. سوف أسأله مرة أخرى لا لن أسأله فهو إنسان غير متفاهم في بعض الأمور .. سوف أفجر السكون الذي يحيط بنا .. ربما يقابل سؤالي ببرود وهدوء أعصاب .. لأني أعرفه صديق عزيز على الجميع .. ماذا بك يا ( خالد ) أخبرني ..؟! نهضت إليه .. ربت على كتفه أحسست برعشة وتنهيدة حزينة تخرج من جسده أطلّ عليّ بوجهه .. كانت الدموع تنزل من عينه .. دموع في عين رجل مسألة طويلة .. أعرف بأن المرأة إذا أرادت شيئا يكون سلاحها هو الدموع لتحصل على ما تريد لكن رجل يبكي .. تنهد بعد أن حضنني إلى صدره مثل طفل صغير فقد أمه في زحمة الحياة .. بكى بكاء مع حشرجة قاتلة .. الاستفهامات ما زالت تحيط بي ولسان الحال يسأل . هل فقد شخص عزيز عليه .. أم ماذا هناك يا ترى ..؟! خالد هيا قل لي ما في جوفك . أخرج المكنون الذي يغلف صدرك هذا كن رحبا في كلامك .. لا تظل صامتا هيا ..؟! سوف أكلمك لكن لا تقاطعني في شيء أرجوك .. فالكبت الذي يغلفني لن ينفعني بشيء أو ألقى الحل لديك ..؟! أحببتها .. نعم بعد قصة حب طويلة لكن والدي لم يرضى بأن يزوجني إياها وهذه المرة الثانية التي يحطم فيها أبي مرآة قلبي بعد الحب الأول الذي تكبد بالفشل ولم يأت بأي نتيجة ترجى وتزوجت بأقرب شخص يطرق باب دارهم بعد أن كبرت الإشاعات عنها ..؟! أحببتها وها هو ذا أبي يدفع فاتورة حبنا بأحزان كثيرة .. أنا وهي والعذاب الذي نعيشه كل يوم .. صارت أجسادنا ملاذا للألم وعقولنا باتت حبلى بالتفكير ..؟! أحببتها صارت الدنيا هي كل السعادة وأن العمر الراحل سوف يتبدل سوف نعيش يدا بيد.. نربي أبنائنا ونحمل السرور في قلوبنا.. نرسم الأمل في كل شيء .. الحياة والفرحة والذي تبقى من عمرنا..؟! هل هو سعيد برفضه .. هل أرتاح بعد أن غرس الهم في قلوبنا وجعل الخذلان هو الأساس .. أحببت أبي حبا القسوة التي بذرها في قلبي منذ صغري وأنا أتجرع طعم مرارتها في نفسي .. انفصال أمي وزواجه من أخرى .. الحياة التعيسة والخوف الذي رأيته وها هو الرفض أيضا أرى في أنيابه الشيء الكثير.. أنا لست طفلا صغيرا لا يعي معاني الدنيا .. مر ربع قرن منذ مثولي لوجهها وها أنا ما زلت أدفع أقساطها من حسابي.. عمري المتهالك الذي بدا يندثر رغم صلابة العود فيني.. عمري متقهقر أجني من ورائه حسرات الصمت وأن عليّ احترام والدي كما وجب الشرع في ذلك .. ولكن إلى متى أضل هكذا رخيص تحت إمرته يمشيني على هواه وعلى كيفه وأن عليّ الاستجابة تحت رهن إشارته في كل شيء..؟! هل أني طيب بمقارنة إخواني الآخرين..؟! هل لأني الأكبر وعلي السمع والطاعة ..؟! هل لأني لا أعرف معنى الغضب والعصبية..؟! هل .. وهل لم ألقى الإجابة أمام هذه الحيرة التي تجتاحني في كل لحظة..أريدها هي نعم أريدها .. سوف تشاركني العمر حتى لو خذلت والدي في ذلك ..؟! ربت على رأسه بعد أن واسيته وهدئت من روعه ووعدته بأن أساعده وأكلم أباه .. نام فأغلقت الغرفة بهدوء بظلامها المعهود سوى الموسيقى المناسبة منها ..؟! بعد انقضاء سنة على زواجه .. وقفت بجانب النافذة والسرير تذكرته وتذكرت تلك الدموع الصادقة التي انسابت من عيناه .. مسكين هو خالد ومسكين هو حبه .. فهل يا ترى يدري المرء ما بقلوب الآخرين حتى يفهموا النهاية في كل شيء .. إنك صادق .. إنك صادق ..!!
|
|
|
| | |