لا للتأخير

هذا الغبش الذي يرسم في وجهي الشي الكثير .. أتطلع في المرآة باحثا عن عيني الذابلة بالنعاس .. هل سأجدها أم أنها سقطت في إحدى أحلامي .. اقتل الكسل بماء بارد بعد أن هزمني التأخير عن المدرسة عدة مرات .."دشداشة" بيضاء من الأمس القريب ليهم .. "كمه" من الأمس القريب أيضا لا يهم .. أتريث قبل خروجي .. الكتب .. أقلام وبعض الدفاتر .. الإفطار غير مدرج في قائمة التأخير غير مهم ..!
الساعة قاربت على السابعة صباحا وأنا مازلت أترنح هنا .. نظرة خاطفة على الشارع وأخرى على الساعة .. هل تأخرت كالعادة أم الباص هذا اليوم لم يأتي ..أتى الذي أتى وانأ مازلت أتأفف من هذا التأخير يأتيني صوت المعلم مغاضبا ..
انك كسول وسوف تعيد السنة مرة أخرى على تكرار هذا التأخير ..!
ماذا افعل .. الدور الأوربي لا يبث إلا متأخرا .. والأفلام الهندية لا تبث إلا متأخرة ولا يحلو "الشات " إلا متأخرا ..!
ماذا افعل حيال هذا الأمر رغم انه ليس لدي أصدقاء سوء أكثر من هذين الصديقين البشعين .. التلفزيون والانترنت ..!
أحلامي المزعجة مازالت تتناثر بين جنبات هذا الشارع .. لاشي يكمل المعنى سوى أن اخذ سيارة أجرة لتقلني للمدرسة .. ادخل يدي في جيبي .. خمسمائة بيسه كل الذي معي .. ثلاثمائة للسائق ومئتان لفطيرة وعصير .. كم هو محرج لهذا اليوم ..!
هناك سيارة أجرة آتية مسرعة هي الغرض المنشود إليه ..
- إلى المدرسة لو سمحت ..!
أقراء السلام على السائق بعد أن تشبثت في المقعد الأمامي حتى لا يزعجني احد في الخلف وأنا اطرق الذاكرة بأستفهاماتي العديدة .. الفصل الدراسي الثاني شارف على الانتهاء وأنا مركون خلف ضميري البشع هذا فمتى سأهتم .. متى ..!؟
انظر إلى السائق .. لعينيه الصغيرتين المتقلصة من خلف النظارة الطبية .. كان سعيدا هذا الصباح وسعادته ظاهرة من خلال قلبه الذي يذكر الله في كل لحظة .. هل يا ترى له أولاد كسولين مثلي ..!؟
لماذا أنت متأخر يا ولدي ..!؟
بادرني بهذا السؤال وهو ينظر إلى الشارع .. كنت محطما حينها .. فماذا ابرر لنفسي حيال هذا المر .. هل بالتلفاز أم بالشات أم بكذبة بيضاء تجعل من سؤاله كلمة صدق في المعني تغير الحيرة التي تنتابني...
كنت نائما من كثرة التعب ..!
نعم يا ولدي .. المذاكرة تتعب أحيانا "أن لبدنك عليك حق " فذاكر بجد ونم مبكرا لتصحوا مبكرا..!
علامة استفهام فوق رأسي بعد أن ابللني الصمت .. صرت شاخص البصر انظر لجنبات الشارع .. وجوه.. بيوت ومحلات كثيرة فيها أجساد تعمل بجد واجتهاد..!
الدقائق تمر وحالي مسجى بعلامات الدهشة .. تأخير.. تأخير..!
على الجانب المقابل من الشارع فتاة تؤشر بيدها تعلن وقوف السيارة بجانبها .. كان رذاذ العطر يستقبلنا قبل أن تبدأ هي بالسؤال..!
- إلى المستشفى لو سمحت.. تأخرت ..!
تأخير.. تأخير.. لم تستطع هذه الكلمة أن تخرج من عقلي وليس لهؤلاء النسوة في الصباح سوى دله قهوة.. وفلان كذا وعلان كذا.. ووقت الاستراحة بين الشوطين طابور ليس له نهاية في المستشفيات والمراكز الصحية.. هل من اجل جسد مريض لا.. بل إنما غلب الروتين على الجلسة اليومية لعل هناك متنفسا أو وجوها جديدة أو بالأحرى أخبار جديدة لجلسة المساء .. نسيت بان امزج طابع لذلك الصراخ الذي اسمعه كل يوم..
- هل سيتزوج البطل البطلة في نهاية المسلسل أم يتركها.. زوجي اشترى لي ساعة ما بال زوجك بخيل .. هل رأيتي فلانة كيف هي تسير على الموضة .. عرس فلانة كان جميلا يكفي فستان الزفاف كان غاليا ..!
تلك .. ذلك .. تلك .. ذلك .. وهذا التأخير يجلدني ..!!
- لو سمحت بسرعة لم يتبقى شيء من الوقت..!
العجلة تدور والصمت بداخلي يكبلني .. ها نحن ذا نصل .. لم أكن الوحيد الذي تأخر بل ذالك التجمهر وتلك الملابس البيضاء كانت مثلي .. هل لديهم أصدقاء كأصدقائي أنا..!
- تفضل ..!
أدس الثلاثمائة بيسه في يده .. بعد أن خطفت بنظرة إلى الفتاة التي تقبع في المقعد الخلفي لكنها أشاحت وجهها للجهة الأخرى.. معلنه انطلاق السيارة والغبار خلفها .. الأجساد كثيرة وذلك الذي يزعق من خلف الباب الأسود الكبير .. اعرفه ..!
- أذهبوا إلى بيوتكم لن ندخل أي طالب.. وغدا سوف نرسل لأولياء أموركم رسائل لنعرف سبب التأخير..!
تأخير.. تأخير.. ماذا افعل .. أمي ستخبر أبي إذا رأتني .. وجيراني سيأخذون فكرة سيئة عني .. ماذا افعل ..!
هناك أصدقائي " التلفاز والنت " فلنكمل الوقت معا حتى انقضاء الوقت ولكن سيراني أهلي .. إذن هناك حل وحيد أن املك الطريق مشيا حتى البيت.. وأنا اردد لا للتأخير.. لا للتأخير..!