 |
قسم مجموعة قصصية 1
لأجل جوري !! |
|---|
لأجل جوري !!
- يبدو لي بأنكَ فقدتَ عقلك !
- وهل أنا المجنون الوحيد هنا؟!
كالعادة كانت شجاراتهما لا تنتهي و الإحباطات متوالية .. وشبح الفراق بدأ يطل في الأفق!
حتى الحب فقدَ طعمه . وأصبحا فاقدان لكل شيء جميل ..العيوب طفت على السطح وقلصت احتمالات التغاضي عنها .. نظرت إلى ابنتها الصغيرة " جوري" التي ترقرقت الدموع في عينيها ..هل سيرحل هذه المرة أيضاً يا ماما ؟؟ ..زفرت نورة بحدة وصاحت: فليذهب ، فلربما سنعرف للسعادة طريقاً بدونه ! .. احتجت جوري وسط صرخاتها وبكائها : ماما ، لا تدعي والدي يرحل!
انحنت نورة والتقطت طفلتها ذات الخمس سنوات بين ذراعيها واحتضنتها برقة وهمست في أذنها :جوري .. آسفة يا حبيبتي إذا كنتُ قد قسوتُ عليك بالكلام .. كل شيء ضدي!!
تساءلت جوري ببراءة عذراء: ضدي؟؟؟ .. ماذا تعني هذه يا ماما ؟
حدقت إليها ثم قالت بضيق : تعني بأن الحياة صعبة جداً يا صغيرتي، يوماً ما ستفهمين ! وضعت الطفلة في سريرها ووعدتها بالعودة سريعاً وهرعت إلى غرفة النوم لتجد زوجها طارق قد بدأ يضع أغراضه في حقيبته السوداء التي لطالما حشاها بالملابس وأفرغها عدة مرات ، دائماً ما انتابتهما حالات الجنون والصراخ الهستيري .. باقتضاب سألته : هل سترحل؟ .. لم يكلف نفسه عناء الرد عليها بل أغلق حقيبته المتوسطة الحجم ومن ثم نظر إليها بتحدي : هذه المرة للأبد ، لم اعد قادراً على تحمل طباعك وغيرتك المجنونة .
- غيرة ؟؟ من يعطي للخلافات البسيطة أذرع و أرجل هو أنت !!
استنكر طارق غرابة ردها:
- خلاف بسيط؟؟؟ كان نقاشاً حاداً ارتفع صوتك فيه وقد حذرتك مراراً من مغبة رفع صوتك علي !!
قالت بصوت حميم : لا ترحـــل ! ... تجاهل طلبها وأضاف بحزن: سأرحل ،وسأقيم في فندق لبضعة أيام .. في هذه الأثناء فكري بعقلانية !
استفزته نظرات الشك والريبة في وجهها فاستطرد بعنف: ماذا الآن؟.. تشكين بي ! تعلمين بأنني لم أخنك قط ولن افعل ذلك ..اكتفت بالصمت وراقبته وهو يخرج من الغرفة حاملا حقيبته .. نظرت حولها وفجأة أصبح المكان موحشاً !! .. فصاحت :لا ! وركضت خلفه : لا تذهب ! وابنتك؟....
- هي ابنتك أيضاً !
- وأنا؟؟
- أنتِ؟؟ صمت ثم أردف بمرارة: أنتِ الحب الذي هدم استقراري!
ابتلعت حرقة البكاء في حنجرتها وظلت تنظر إليه ..هل ما يقوله حقيقة أم مجرد غضب عابر يطلق سيلاً من الكلمات الجارحة ؟؟ .. وصل إلى الباب وفوجئا بجوري تنطلق نحوهما بالأحرى إلى أبيها فركع على ركبتيه ليحتضنها وقد بدأت بالبكاء .. صرخت الفتاة بحدة وهي تشير بيدها الغضة إلى أمها : ماما ، أنت سيئة ! ، شهقت نورة وجمدت ملامحها للحظة ..سارع الأب إلى تهدئة الفتاة بكلمات مهدئة واختتمها بقوله: ماما ليست سيئة ، فقط متعبة ! نهض وحمل الفتاة بين ذراعيه وأعطاها لامها لكن الفتاة جاهدت بشدة كي لا تترك ذراعي والدها وهي تبكي بشدة ..خرج مسرعاً يجر خلفه أحزانه الثقيلة التي أحنت كتفيه!
افترسها الألم والضعف والعذاب بشدة خلال أيام غيابه عن المنزل وتآكلتها الأوهام والأفكار المرعبة ، ربما سيرحل هذه المرة فعلاً للأبد .بعد فترات تفكير استغنت فيها عن جنونها وغرورها اهتدت لحل !!
وضعت رجلها على أولى درجات الطريق الصحيح ..قامت بزيارة عيادة نفسية وأفرغت ما في جعبتها من تمرد وألم وساعدتها كثيراً نصائح الدكتورة في ضبط ذاتها والالتزام الجاد بمحاولة التغير .
فاجأته باتصال صباحي لم يتعود عليه قط فرد بسرعة وقلبه يخفق خوفاً من أن يكون قد حدث شيء لطفلتهما الوحيدة .. لكن الرقة المختلطة بالشوق في صوت زوجته جعلاه يصدم .. خصوصاً حينما قالت له بدلال :
- اجيك يسلم راسك وشلون ما اجيك ،، وياك أنا بالذات صعب اتغلى ! والله مدري من الغلا وين اوديك ،، تسوى عيوني ولا بعد يمكن أغلى !!
هز طارق رأسه مدارياً ابتسامته التي طغت على ملامح الذهول والصدمة العنيفة في وجهه ..ولأنه يعشقها ويعشق صغيرتهما الشقية انفرج ثغره عن ابتسامة حطمت كل الجليد .
تمت بتاريخ 06/05/2006 الساعة 23:05
لمياء الحراصي
|
|
|
| | |
