 |
قسم مجموعة قصصية 1 قصة غير مكتملة |
قصة غير مكتملة ابتسم لنفسه وهو ينزل من سيارة الأجرة إلى المكان الذي أراد أن يتعشى فيه منذ لحظة وصوله إلى ارض ويلز .. إلا انه لم يستطع أبداً أن يحضر سابقاً لقلة ذات اليد وتقشفه المعيشي والفقر المدقع الذي يعيشه ، ابتسم مرة أخرى حين دخل إلى المطعم الكبير الفخم ..لم تكن ابتسامته لمن حوله من ناس .. إنما كانت ابتسامة انتصار وغرور لأنه اثبت لنفسه انه قادر على فعل المستحيل حتى لو اضطره ذلك إلى العيش بتقشف إلى آخر العمر .. والله وحده يعلم انه تقشف امتد لشهور طويلة في حياته وطعامه وملبسه كي يوفر ثمن هذه الوجبة .. وسيتفاخر بذلك ، سيقول لكل أصدقائه انه تعشى في هذا المطعم .. وسيردد ذلك أمام صديقاته البريطانيات اللاتي سيتخذهن بعد ذلك .. وأيضا لن ينسى زملائه في العمل وكل من سيلتقي به ! سيستغربون بالتأكيد ..سيضحكون وربما سيغارون !! فليفعلوا وليقولوا ما يحلو لهم وليذهبوا إلى الجحيم انه رجل بمعنى الكلمة .. رجل يحقق أحلامه دائماً وينفذ ما يعد نفسه حتى لو طالت المدة !!! جلس على إحدى الطاولات الثنائية الكراسي اللامعة .. طاولة مربعة يفترشها مفرش بدرجات اللون البني ، يتناثر فوقها صحنين مع أداوت الأكل ..انتقل نظره هذه المرة إلى منتصف الطاولة حيث يتوسطها مزهرية بيضاء اللون صغيرة في داخلها وردة حمراء طبيعية طازجة..حينما انتهى من استكشاف المكان بلذة عاد إلى واقعه ليقرأ قائمة الطعام أمامه وكأنما شعر به النادل فظهر أمامه فوراً بابتسامة جوفاء .. وليتدارك الاضطراب الذي اعتراه طلب قهوة حلوة .. وانصرف النادل ! وعادت إليه روحه !! وبدأ يقلب قائمة الطعام بغباء وسرعة كي يجد شيئاً ما يستطيع أن يأكله بدون أن يقلق من تسديد ثمنه فهو لا ينوي أن يفتح فمه كالمعتوه إذا أتت الفاتورة متجاوزة المبلغ الذي بحوزته ... وأخيراً اختار الطبق المناسب ..شهي ويناسب المبلغ الذي في جيبه ولن ينسى أن يضع بعض المال ليدفع به أجرة سيارة الأجرة .. لعن الله الغربة !! إنها اكبر ذل يتعرض له الإنسان في حياته !! أن تتضور جوعاً وتموت عطشاً ..وتزهد في معيشتك أمر لا يطاق ..أن لا تستطيع أن ترى والدتك كل صباح تبارك لك يومك أمر مبكي .. أن لا تستطيع أن ترى جيرانك يلوحون لك حينما يروك في الشارع متوجهاً إلى عملك أو لقضاء حاجة أمر محزن !! أنه أمر مضن حقاً !! وقطع صوتها الرقيق تلاشيه في أفكاره البائسة ..رفع رأسه إلى مصدر الصوت فإذا بها شقراء رائعة الجمال تقول له بلكنة بريطانية : - هل استطيع الجلوس معك ؟؟ لقد اكتظ المطعم بالزائرين ويبدو انك شاب طيب ! للحظات ظن أنها من صنع خياله ..وما هي إلا تجسيد لخيالاته الخصبة .. إلا إن ابتسامتها أثبتت له أنها حقيقية ...دقات قلبه تسارعت وعن جموحها أعلنت !! بالكاد استطاع أن يقول : - بالطبع تفضلي !! وكاد أن يصفق فرحاً بالدخيلة الجميلة .. والآن هناك شيئاً آخر سيتباهى به أمام أولئك الأصدقاء البائسين !! ابتسمت له ولأنها امرأة ما كادت تقلب قائمة الطعام حتى سارع إليها النادل ليسألها بأدب عن طلبها ..طلبت ما أرادته بسرعة وانصرف النادل ونسيه !! لقد أتى إلى هنا أولاً ولكنه بكل بساطة نسيه ولكنه تدارك موقفه وعاد إليه سائلاً إياه بابتسامة جافة عن طلبه ..طلب عشاء خفيف وما هي إلا دقائق حتى وصلت القهوة الحلوة التي طلبها قبل فترة ..بدأت الفتاة بشرب الماء ثم سألته وهي تزيح بعض الخصلات المتمردة عن جبينها الأبيض : - هل أنت عربي ؟؟ - نعم ... ادرس هنا . - جيد .. ادعى جين ! - تشرفت بمعرفتكِ .. وأنا فيصل ! وليداري ارتباكه بدأ يرتشف قهوته .. هذه هي المرة الأولى التي يتناول عشائه فيها مع امرأة ..ولا يعرف كيف يجب أن يتصرف برقي أو كلاسيكية ..ماذا يقول لها وكيف يقنعها بالتواصل معه ؟!! يبدو أن جين هذه تود الكلام أكثر لكنه يقتل كل محاولاتها فهو يقلب نظره شمالاً ويميناً حين تحدثه بل انه لا ينظر إليها إلا بالخطأ !! كاد أن يصرخ بنفسه " هل هناك مغفل أكثر تغفيلاً منه؟؟!" وكلما تلاقت عيونهما كان يشعر بالاختناق . إن مجرد تواجدها بالقرب منه يرسل حريقاً في جسده .ما به إنها مجرد فتاة أجنبية .. إنها عادية كغيرها من الفتيات !! بعد فترة جاء العشاء الفخم ..وابتسمت حدقتاه قبل شفتاه .. وهم بتناول عشائه ناسياً أن يطلب من الفتاة الانضمام إليه من باب الأدب والرقي في التعامل رغم أنها طلبت منه أن يشاركها عشائها من باب التهذيب إلا انه لم يفعل !! وهذا خطأ آخر يضيفه إلى قائمة عيوبه الطويلة !! بصوت يفيض أنوثة سألته مجدداً : - أنا آتي إلى هنا دائماً ...هل تأتي أنت ؟؟ - بالطبع !! .......... وكانت هذه كذبة كبيرة ! ابتسم لها للمرة الأولى وبدآ تبادل الأحاديث رويداً رويداً .. حتى انفجرا ضاحكين فجأة .. انه يتقدم !! انه يحرز تقدماً .. لقد استطاع جعلها تضحك بقوة .. لقد استطاع جعل السعادة تلمع في زرقة عينيها القاتمتين !! كم هو فخور بنفسه .. وهذا شيئ آخر سيقوله لأصدقائه الذين سيغتاظون بالطبع !! إيه يا فيصل منذ الآن سيغار منك كل أصدقائك خصوصاً حين يعلمون ما جرى .. ومن يعلم ربما سيمن عليه القدر بشيء اكبر عند نهاية العشاء !! فتح فمه ليطلب منها موعداً خاصاً يلتقيان فيه إلا أن ظهور رجل بريطاني من العدم أمامهما جعله يطبق فمه بقوة بينما قفزت جين من مقعدها لتتعلق بعنقه قائلة : - لقد تأخرت حبيبي !! فغر فيصل فمه كمغفل ..لا سيما حين ابتسم له الرجل ومده يده ليصافحه ..اخذ فيصل يده وابتسامة متكلفة مرسومة على شفتيه .. صاحت جين : - هذا فيصل ..صديق تعرفت عليه للتو !! ابتسم له مرة أخرى صديقها وشكره على تسلية جين في غيابه .. ودعته جين متمنية أن تراه مرة أخرى هنا ..دفعت حسابها وانصرفت !! زفر بحدة ثم صاح بيأس : والآن كيف سأنهي القصة لأصدقائي المغفلين ؟؟!!
|
|
|
| | |