رحِمكِ اللهُ يا جدَتيَ كم قِيلَ لي مِراراً بِأنَ مِثلِيَ لنْ تستطِيعَ أَن يتَحملَ تقلُباتِ الطَقسَ وتغيُراتِ الحياةَ ِ فضَلاً عن أَحزانِها المُؤلِمةُ ، واليومَ أَيقنتُ بإِنَ لي قلباٌ قوياً ليس بِقلبِيَ فعجبتُ مِنهُ حَقا وسأَعجبُ ما حييِتُ إِذ لايزَالُ نابِضاً في صدرِيَ ولم يقِفَ ساكِناً مِنْ أقوى حُزنْ . قَبلَ ذلِكَ الحُزنَ بسنواتٍ كانْ للحياةِ في نَظريَ طعمً ونكهةً ولِلأشياءِ مِنْ حوليَ أَهمِيةً ودلالاتٍ. فقد عُشتُ في حُضِنِ جدتِي آَمِنةً علِىَ نفسيَ ,سعيدةً بعيشيَ,مُمسِكةً الدُنيا كُلها بيدي عِندما أَرى وجهُها مُشرِقاُ كُلَ صباح أَمامَ عينيَ,ولم يَكُن حِينها يُكدرَ صفويَ ويُقلقَ نومِيَ إِلا خوفِي الشديدُ مِنْ أنْ أُغمِض عيني وأَفتحُها لإِقُولَ لا إِشراقة بعدهُ. فقدَ كُنتُ على يقينٍ بِأنَ الدُنيا لابُدَ وأنْ تُعكِرَ صفونا وتنهشَ يوماً بأنيابِها قُلوبَ أَحِبتيِ. فكانَ ذلِكَ الإِحساسُ يُحطِمني ويقتُلني كلما لاحَ في مخيلتي فتنقادُ بِفعلهِ خُطاي لتقِفَ بي في مُنتصِف بيتنا كُلَ ليلة لِأرقبَ يدُّ الزمنِ حتى لا تمتدُ إِليهمُ وإِنْ كُنتُ لا أستطِيعَ أن أمنعهَا ,ولكِنَ على الأقَلِ كُنتُ مُتأكدً بأنني سأُريحُ نفسيَ مِنْ ذلِكَ البركانُ الثائِرِ في أعماقيِ والذي لا يهدأُ إِلا بوقُوفِي على أبوابِ غُرفِهمُ وتفقدِهمُ واحداً واحداً وكأنني أتفقدُ أعضائِيَ التي فِي جسدي فقد كانوا هُم روحَ الحياةِ الذي يُنعِشُني والذي لا أَستطِيعُ العيش بِدونه ولو لدقيقةً واحِدة. ولكِن الدُنيا لم تترِكنا وشأننا فلم تقِفَ صامتةً بل أَبت إِلا أَنْ تعزُفَ لحن الفِراقَ على مسامِعنا فأشهرت مخالِبها في وجهِيَ وأبعدتهمُ عن مواطِننا. شاءت مقدرةُ الله وذبلت تِلكَ الزهرةُ اليانِعهُ، وذبلت معها رُوحيَ الصغيرةُ المرهفهُ بالحنانِ الدائِم، رحلت تِلكَ الجِدةُ الحنون وغرستَ زهراتها في بيتِ مِنْ قُصورِ الجنهِ إنشاء الله ، ولم تعلم بأننِي ساذكُرها فِي كُلِ دقيقه وأنا بعيدٌ عنها، فلِماذا الفِراقُ يالله ولِمَ لم نتوارَ في باطِنها معاً، لِماذا يُبنى سوراً مِنْ الفِراقِ ونحنُ غيرُ قادِرونَ على تحطِيمهِ. فحطمت العُش بيديها ، وتمضي الأيامُ والشهور ويلوح في الأُفقِ غياب لا نستطِيعُ دفعهُ ويقَبِلُ الموجَ ثائراُ ليطرُقَ بابنا ، فالشوكُ في طريقي ، و ضِقتُ مِنْ نفسيَ وأحسستُ بِعبئِها الثقيل على جسدِي فلم أدرِ أَين أذهبُ ببِضاعةً مُزجاةٍ حُكِمَ عليها بانتهاءِ صلاحيتُها فلم يعدُ يحِقُ لها إِلا أَن تقِفَ في إِنتظارِ أَن تطوى صفحتهِ . فآثرتُ حُزنيَ بفقدِها وربطتُ الحبلَ في عُنقِي وجررتُ خُطايَ وسحبتُ نفسِيَ في آخرِ عربةً مِنْ تِلكَ العرباتِ المهشمةِ التي لا سقفَ لها في قِطارِ الحزِينينَ على أمثالِيَ . وبلعتُ غِصتيَ ورحلتُ وبلعتُ غِصتيَ ورحلتُ وبلعتُ غِصتيَ ورحلتُ
|