Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/init.inc.php on line 55

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/init.inc.php on line 56

Deprecated: Function split() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 268

Deprecated: Function split() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 271

Deprecated: Function split() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 271

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/members.php on line 227

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 29

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 29

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 29

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 29

Deprecated: Function ereg_replace() is deprecated in /home/alsultanah/public_html/story/functions.inc.php on line 29
المجموعات القصصية للسلطنة الأدبية
  
 

قسم نصوص مسرحية
لا شمس في الدائرة
تاريخ الإضافة: 09/11/2009 رشح | إهداء

 لا شمس في الدائرة  
 

                    عبدالرزاق الربيعي 

           مونودراما في فصل واحد  

( رجل في أواخر الأربعينيات , يقيم في قبو ضيق, الإضاءة خافتة , رف من الكتب خلفه, أدوات طبخ , سجادة للصلاة , مرآة صغيرة , مذياع , ينام بوضع أشبه بوضع الطفل في رحم أمه , ينهض من نومه اثر ضربات يسمعها من الأعلى )

صوت الأم :جواد ..جواد..انهض ..انهض ..هل مازلت نائما؟

جواد : لا ياامي , هل من شيء جديد ؟

صوت الأم : نعم يا ولدي , هل سمعت الأخبار ؟ المحتلون دخلوا المدينة , والكابوس سينتهي

جواد : دخلوا المدينة ؟ إذن سنستبدل كابوسا بكابوس ؟

صوت الأم : افرح يا بني , ستخرج للحياة من جديد

جواد : وهل بقيت حياة تستحق أن تعاش بعد كل هذه السنوات ؟

صوت الأم :نعم بقي الكثير , بقي الكثير , بقيت أنا وإخوانك وأخواتك واهلك وبلدك

جواد : بلدي الذي خرج من ظلام ليدخل في ظلام

صوت الأم : افرح يا بني افرح , لقد حان الوقت لعودتك للحياة والناس والشوارع والشموس

جواد : تأكدي أولا من الخبر , لااريد أن أغامر بحياتي بعد كل تلك السنين الطوال التي أمضيتها في هذه الدائرة هل الوضع آمن فوق ؟

صوت الأم : نعم يا ولدي والا لما تكلمت معك

جواد         :هل أغلقت الأبواب والشبابيك جيدا ؟

صوت الأم : نعم , فالمخبرون منتشرون في كل مكان من القرية

جواد         :عن أي شيء يبحثون ؟

صوت الأم: عن كل شيء , لكنهم كانوا في حالة ذعر , ولم يسألوني عنك هذه المرة

جواد        : وهل تعتقدين أنهم  في حال يمكنهم من السؤال عني ؟

صوت الأم: لم لا ؟ لقد سالوا عنك قبل أسبوعين من بدء الحرب

جواد        :وماذا يريدون مني بعد كل هذه السنوات ؟

صوت الأم: أسئلة روتينية اعتدنا على سماعها

جواد        :وماذا قلت لهم ؟

صوت الأم: كالعادة , انك خرجت منذ عام 1981 ولم تعد

جواد       :لقد سقطت حكومات , وتغير وجه العالم , وتفتت الاتحاد السوفيتي     , وصارت أمريكا سيدة العالم , وهم لم يتغيروا أبدا ؟

صوت الأم: ستنتهي الحرب , وسينتهي كل شيء معها, وسيعود صديقك نزار من الخارج , ستواصلان أحاديثكما  فوق السطح إلى الصباح

جواد : هل حقا ستعود تلك الأيام ؟ كم أنا مشتاق إليها !!كم أنا مشتاق لجلسة مسائية  صيفية واحدة على السطح

صوت الأم : سيعود كل شيء , سيعود كل المهاجرين , وستخرج من الحفرة بمجرد انتهاء الحرب وزوال الكابوس الذي أشعلها

جواد        :بمناسبة الحرب , البطاريات في مذياعي أصبحت ضعيفة , إذا تمكنت حاولي  إنزال بطاريات ولو نصف عمر , لا أظن أنني سأمكث طويلا

صوت الأم: حاضر , إن شاء الله تنفرج , وتعود إلينا من جديد

جواد        :إن شاء الله , وهل  يوجد قتال في الشوارع ؟

صوت الأم: لا ,فالمدينة تسقط بدون مقاومة

جواد        :وهل تقاتل الشاة من اجل السكين التي في يد جلادها؟

صوت الأم : انظر للأعلى هذا الرغيف هو فطورك وقد دهنته بالزبدة والسكر ومعه دلو الماء

جواد : شكرا يا أمي أبقاك الله لي ( تنزل سلة الطعام )

صوت الأم : هل وصلت السلة ؟

جواد : نعم وصلت , شكرا , شكرا

صوت الأم: هناك من يطرق الباب سأذهب لأرى من يكون , وداعا, خل بالك من نفسك

جواد       :اطمئني يا أماه , لا تخافي علي َمن حوادث المرور , وأصدقاء السوء , فانا في الحفظ والصون مادمت أتنفس وسط الدائرة ( للجمهور ) نعم منذ أكثر من عشرين سنة وأنا في هذه الدائرة الضيقة , أترقب لحظة الخلاص , دخلته شابا يافعا , وها أنا شيخ متهدم , يحلم برؤية الشمس , والسير تحتها لنصف ظهيرة , بل لربع ظهيرة , ساعة من ظهيرة  شتائية وسط لسعات البرد , الله !!! الشمس , لا احد يشعر بوجودك إلا في الأيام الغائمة , حيث يتكثف حضورك في الغياب , مثل الله , اذكر إنني رأيت في أيامي المشمسة فلما ً لـ (باز وليني ),  اذكر جيدا صورة ذلك الشاب الفقير الذي طلب من حفار القبور أن يدفنه , عندما تحين ساعته , في ارض تسقط عليها أشعة الشمس , آنذاك يعتقد انه سيحقق سلامه الكامل , وها أنا أعيش نصف عمري بعيدا عن  حنانها , محروما من اشراقتها , هنا في هذه الدائرة حيث يتعفن الهواء , والماضي , والذكريات , والخوف , والأمل , أمضيت نصف عمري , كل شيء بدا يزول ويتلاشى شيئا فشيئا ,تساوى الليل والنهار , الحياة والموت , الطعام ومخلفات الإنسان , أصبح الصوت البشري –سوى صوت أمي – يرعبني, الشمس نسيت شكلها ,البرد نسيته , لانهار ولا فصول , لا أطفال , كم أحب مشهد خروج الأطفال للمدارس في الصباح , ووقوفهم في الطوابير

 ( يغني ) :

لاحت رؤوس الحراب        تلمع فوق الروابي

هاكم وفود الشباب              هيا فتوة للجهاد

هيا هيا هيا هي                هيا فتوة للجهاد 

الإضاءة ضيقة هنا , لا أريدها أن تكون أفضل من هذا , والا انقطع عني الهواء

منذ عشرين سنة والدائرة تلتف على عنقي , مثل حبل المشنقة الذي هربت منه إلى الدائرة , الطفل الذي رايته آخر مرة صار رجلا يحمل على صدره طفلا من صلبه , وأنا هنا في هذا القبو أتابع حركة الأرض وهي تدور ببطء شديد على دائرتي التي حفرتها بيدي َ هاتين , كنت حينها اشعر كأني حفار قبور يحفر لنفسه زاوية يدفن بها جثته , لتكون آخر عمل يقوم به , دون مقابل , انه يرتبها وفق مزاجه الشخصي , هنا مكان الرأس , راسي , وهناك تسترخي القدمان المتعبتان , قدماي , وحينما يصادف أثناء حفره دودة , يحملها بإشفاق ويناديها : يا دودتي , سأقدم لك جثتي وجبة طازجة , صحيح إنها ليست دسمة , لكنها تكفيك , أنت ِ وعشيرتك ِ لسنين طويلة , فابقي هنا لازمي المكان جيدا , عما قريب ستذبل الروح وتسمنين من لحم هذا الجسد , ليس أنت ِ فحسب , بل سيسمن الظلام , ستسمن عناصر الأرض , سيسمن الموت أيضا , لكني لن اسلم نفسي له بسهولة , لن اسلم نفسي للموت ولا لحفار القبور ولا لحبل المشنقة ,سأظل احتفظ بنَفَسي , شهيقا وزفيرا , لن أكلف العالم سوى الشهيق والزفير , لن أكلف الشمس شيئا , ولن يطأ قدمي الأرض مثلما يفعل البشر العاقون , كيف يسحقون  جسد  أمهم الأرض ؟ أنا أنام في رحمها مثل جنين يسترخي في رحم أمه , لا لا يجب أن نغير هذه العلاقة , حتى لو سقط الطاغية وعادت الأمور إلى نصابها , يجب ألا أدوس جسد الأرض بقدمي , يجب أن أصافحها بيدي عندما أسير , إذن علينا أن نسير بالمقلوب , هكذا , نعم هكذا ينبغي أن نعامل أمنا الأرض بكل شفافية , واحترام , إنها تشعر بنا مثل الأشجار , وتحس بالمهانة التي تتلقاها من جراء سير الإقدام , لكنها تسامحنا , وتغفر لنا زلاتنا , تتحاور معنا ,  وحدهم الطغاة لا يمكن لهم الحوار مع الشعوب , عندما  القوا القبض على عمي , وفلت نزار من قبضتهم , وكنا قد اتفقنا نحن الثلاثة على الهروب من الحدود , بمساعدة مهرب كردي , فوشى احد كتبة التقارير بنا , هرب نزار  إلى الخارج  وقع عمي في قبضتهم قلت: إن الدور سيصلني حتما , سيسالون :مع من كانا  يريدان السفر ؟ سيجيبون ؟ مع جواد , سيسالون : أين جواد ؟ كان علي َ أن أفكر بطريقة تبقيني على وجه الأرض , تبقي هذا النَفَس يصعد ويهبط , ولم أجد سوى أن اشق لنفسي حفرة داخل الأرض , كيف ؟ سألتني أمي , قلت لها : على الإنسان ألا يسلم رقبته لمشنقة مصابة بجنون المشانق ,  ستقول : جنون المشانق ؟ نعم جنون المشانق , , وتصاب بهذا النوع من الجنون المشنقة  إذا التفت على عنق بريئة , ومشانق الطاغية كلها مصابة بهذا المرض الخطير , وعليه يجب أن أجنبها عنقي التي لا املك سواها , لم تفهم أمي كلامي لكنها رأت إصرار الحياة في عيني َ , بحثنا عن مكان مناسب لم نجد سوى أرضية المطبخ لأنها مخفية عن الأنظار أثناء عملية الحفر التي امتدت إلى أكثر من أسبوع , وعندما أنهيت كل شيء كانت جثة عمي قد  وقعت فريسة لجنون المشانق , وتعقبوا آثار نزار التي أمحت تماما و بدأوا البحث عن رقبتي , حينها , وضعت كل ما احتاجه لاستمرار تنفسي , أدوات طبخ , مذياع لربطي بحبل سري مع العالم الخارجي , أنا الآن اسمع الأصوات مصحوبة بمؤثرات موسيقية ولاأتخيل أن يتكلم الإنسان دون مؤثرات موسيقية , حتى إنني استنكر أحيانا صوت أمي , لولا موسيقى القلب التي تسبق دفء صوتها , وضعت هذه المرآة لأعد التجاعيد , ومقصا صغيرا لتشذيب شعري ولحيتي , أما عن الحاجة , فقد حفرت هذه الحفرة التي تحت قدمي , وضعت ساعة لمعرفة مواعيد الصلاة واصطحبت معي كتاب الله , وكتبا أخرى ومصباحا , وقليلا من الخوف , هذا كل ما احتاجه للدائرة التي أطبقت علي َالذي كل هذه السنين مثل قبر , سهل  على الميت أن يوضع في قبر,  لكن من الصعب جدا أن يتنفس تحته , انه الجحيم الأرضي , لكن مادمت قد قررت أن  أعاند الموت , علي أن استخدم كل الوسائل المتاحة لمعاندة الموت , خصوصا إذا كان يأتيك على يدي مشنقة مجنونة يقف وراءها جلاد مثل جلادنا  الذي ألهب ظهر ارضنابرشقات وسياط   عظام ضحايا ه  مقوضا بناء الله , أما سمعت ( الإنسان بناء الله , ملعون من هدمه ) , والجلاد هدم  التاريخ  والآن  والغد  , هدم المساجد  والبيوت والمقابر , هدم الأنهار , والاهوار , والجبال , هدم غابات النخيل والبساتين والأعشاش , هدم الفرحة في الشفاه   , علينا ألا نفرط بالحياة أبدا .. والا نستسلم للموت , لأنه يجعلنا نفقد الكثير من الامتيازات التي يحصل عليها الأحياء , الموت اكبر كارثة يمكن أن يواجهها الإنسان , خصوصا إذا كان ما يزال قادرا على العطاء , على الإنسان أن يتمسك بالحياة ويقاوم الموت إلى أن يعطي كل ما عنده للآخرين ...علينا أن نقاوم الموت , والعيش في هذه الدائرة لكل تلك السنوات شكل من أشكال المقاومة , لا ليس هروبا أبدا , لم اهرب من الحياة , إنما هربت ممن يريدون قتل الحياة داخل كينونتي , هربت من الموت المجاني , مدافعا عن  كرامة الحياة , أتذكر إنني كنت ذات يوم محبطا , فذهبت إلى عمي - قبل أن يلتف على عنقه حبل الموت-  بصحبة نزار  , كان عمي يتمتع بحيوية عجيبة , وعندما راني على هذا الحال , قال لي , وكان يزرع في حقل , : هون عليك يابن أخي , انظر إلى هذه النبتة الصغيرة , المنقطعة عن الماء , أتعرف كيف تحصل على الماء ؟ أجبته بالنفي , ضحك , ثم ضرب الأرض بمسحاته , فأخرجها وإذا هي مربوطة بحبل يبلغ سمكه عشرات أضعاف حجم النبتة , وقال : هذا جذر هذه النبتة , وقبل أن تصعقني الدهشة قال : سأريك من أين تحصل على مائها ,سار شاقا الحقل بمسحاته   مزيحا التراب عن الجذر الذي امتدت لأكثر من أربعين مترا , حتى وصلنا إلى ساقية صغيرة وقال : تلك النبتة  تمد كل هذا الجذر لكي تحصل على غذائها الذي يجعلها تستمر في الحياة , ثم التفت لي وقال : أما زلت محبطا ؟؟ حينها ربت نزار على كتفي وقال لي : علينا لا ننهار أمامهم , فذلك يسرهم , علينا أن نحافظ على تماسكنا , علينا أن نضحك , لكي نغيظهم نضحك , نضحك , هههههههههه

اسمع الآن حركة فوق , علي أن اخفض صوتي , تعودت أن أتكلم مع نفسي لكي لا أنسى صوتي , مثلما تعودت أن احلق ذقني  صباح كل جمعة , واغتسل , اقرأ القران الكريم , أقيم فرحي الخاص , فرحي بنجاتي من براثن الموت , لا تتصوروا إنني أخاف الموت , ولست متهالكا على الحياة , لكن لن أفرط بحياتي  , ماداموا هم من يريد ذلك , ودائما اردد ما قال جيفارا ( لايهم أن يفاجئنا الموت ..أهلا به , إذا كانت صرختنا ستسمع ) ووجودي هو صرخة ستشق فضاء الديكتاتورية عندما أطلقها بعد اندحارها ونجاتي

هل سمعتم حكاية المراة العجوز مع الحكيم كونفوشيوس ؟ التي رواها لي نزار الذي سيعود , وأنا سأخرج ونجلس على سطح المنزل في ليالي الصيف  مواصلين أحاديثنا , لكن من ذا الذي يعيد عمي إلى حقله ؟ من ذا ؟ من ذا ؟ ( يبكي ) آسف , لم ابك منذ زمن بعيد منذ ثلاث سنوات , عندما ماتت شقيقتي بداء عضال , ماتت دون أن أتمكن من رؤيتها , كانت تحتضر فوق , وأنا أعض التراب حزنا , وعندما سمعت الصراخ , كان كل شيء قد انتهى , قبل ذلك بسنوات بكيت على أخي  الصغير الذي سقط في الحرب مع إيران , دون أن يعرف لماذا سقط ؟ كانت إذاعة النظام تردد :

احنه مشينه مشينه مشينه للحرب

دون أن يسال احد لماذا مشينا ؟ ولماذا عدنا ؟ ولماذا سقط أخي في شرق البصرة ,  قالت أمي إن القرص دلهم على   أجزائه المبعثرة اثر انفجار لغم فجمعوها في تابوت لف بالعلم العراقي , وقالوا : ابنك شهيد الوطن ,  وقبل أن ينتهوا  من خطابهم الجاهز , سألوا أمي عني , فانفجرت بالبكاء , عند ذلك غادروا العزاء مستائين , لأنهم لم يظفروا بمعلومة يحصلون من ورائها على ترقية , ألا يحق لعجوز كونفوشيوس  في القصة التي رواها لي نزار أن تغادر المدينة , لا تظنوا إنني نسيتها , هل انتم متشوقون لسماعها ؟ حسنا ,لا تستعجلوا سأرويها لكم بعد هذا الفاصل ( يضحك  يجلس على الحفرة التي تحت قدميه ) زار كونفوشيوس قرية تقع على مشارف غابة  ,فوجد امرأة تبكي , سألها :لماذا تبكين ؟

المراة العجوز : لأن الوحش أكل ابني

كونفوشيوس : انه  خطب مؤلم جدا , أعانك الله , وهل لديك غيره؟

المراة : كان لي ولد , واكله الوحش أيضا

كونفوشيوس :  هذا أمر مؤسف جدا , لابد من الصبر , وهل لديك ولد ثالث ؟

المراة العجوز : نعم , ولكن أكله الوحش هو الآخر

كونفوشيوس :  ماذا ؟ أكله الوحش ؟ انك امرأة  شقية جدا

المراة العجوز : وهكذا بقيت وحدي بعد رحيل أولادي الثلاثة

كونفوشيوس : ولماذا لم تذهبي إلى المدينة لتتخلصي من شرور الوحش ؟

المراة العجوز : هناك من هو أشر من الوحش

كونفوشيوس : وهل هناك من هو أشر من الوحش الكاسر ؟

المراة العجوز : نعم

كونفوشيوس : وما هو ؟

المراة العجوز : الحاكم الظالم

كونفوشيوس : ماذا تقصدين ؟

المراة العجوز : يوجد في المدينة حاكم ظالم , ومجاورة الوحش أهون من العيش  تحت سلطة الحاكم الظالم

حينها  التفت كونفوشيوس لطلابه وقال لهم : دونوا هذا عندكم ومجاورة الوحش أهون من العيش  تحت سلطة الحاكم الظالم

وأنتم ( للجمهور ) دونوه كذلك , وهكذا فضلت العيش في هذه الدائرة المغلقة على الخروج إلى  عالم الحاكم الظالم

( صوت الأم يعود من جديد وبشدة )

صوت الأم : جواد , جواد , رأيت بعيني دبابة أمريكية , والحكومة فص ملح وذاب

جواد : اخفضي صوتك ياامي لكي لا يسمع احد ويشي بنا

صوت الأم : من يشي بنا ؟ لقد انتهوا تماما وجاءت الدبابات

جواد         : إذن جاءت الدبابة تنظف أوساخها القديمة

صوت الأم : انظر للأعلى سأنزل السلة وفيها البطاريات لتسمع بنفسك الخبر السعيد

( تنزل السلة )

جواد : شكرا ياامي , أريد أن اسمع خبرا واحدا طالما تمنيت سماعه

صوت الأم : ستسمعه لكن..

جواد : لكن ماذا ؟

صوت الأم : ما زالوا يبحثون عنه, ومع ذلك هدموا تمثاله , ومزقوا صوره , تستطيع الآن أن تخرج

جواد : لا , ياامي لم يحن الوقت بعد

صوت الأم : إذا كنت ترى هذا فلا باس, الاحتياط واجب , علي أن اذهب الآن لكي أتابع الأخبار في الخارج

جواد : احترسي ياامي

صوت الأم : إن شاء الله

( جواد يضع البطاريات في المذياع بخفة , الإذاعات تعلن عن سقوط التمثال )

جواد :إذن الخبر مثلما قالت أمي , يبدو  إن الحلم قد تحقق ( يقفز إلى الأعلى راقصا فيصطدم رأسه بالسقف ) آه , دائما هناك سقف , للفرح سقف , للكلمة سقف , للصرخة سقف , للقبر سقف , لذا عندما اخرج , سأنشيء غرفة بلا سقف , نعم بلا سقف , وإذا نزل المطر , سأقول له : تفضل أنت في بيتك , منذ أكثر من عشرين سنة وأنا لم أر قطرة مطر بل لم اسمع صوت تساقطه وضرباته على السقوف , سأغسل وجهي بالمطر , بل سأغتسل كلي بالمطر , نعم سأرفع السقوف ولن اسمح لها  بمصادرة امتداداتي مع الطبيعة , الجدران والسقوف تشوه علاقاتنا بالطبيعة , والديكتاتوريات  جدران حديدية تحول بيننا والحياة , وهاهي تنهار إلى الأبد فيتحقق حلمنا جميعا , ماذا سأفعل  بعد خروجي ؟ هل سأتزوج ؟ وانهض صباحا للعمل ؟ نعم انهض صباحا للعمل مثل كل الرجال الذين يعيشون تحت الشمس , سأعمل وأتزوج , ويصبح لي أولاد , سأعلمهم أن يعيشوا مثلي  بدون سقف , وسأحيط بيتي بالأشجار العالية , كم أحب الأشجار , آخر شجرة رايتها قبل  أكثر من عشرين سنة , لابد أن أوراق الأشجار أصبحت أكثر خضرة , وأكثر علوا , لكن متى سأخرج ؟سؤال يحتاج إلى مراجعة وقراءة ذاتية عميقة , عليَ إذن أن أجهز أشيائي , ارتب محيط الدائرة , أين علبة أسناني ؟ نعم تذكرت , إنها فوق الرف لقد مضت عشر سنوات على سقوط آخر سن , سمعت في الإذاعة إن سبب تساقط الأسنان هو نقص الكالسيوم , هنا كل شيء ناقص , إلا الحرية ,لذا سقطت الأسنان ولم يسقط حلمي بالحرية , والآن تحقق الحلم , هذه علبة أسناني , أما ذاك فهو الكيس الذي جمعت به شعري الأبيض الذي كنت أشذبه بمقصي , أنا هنا حلاق نفسي , وطباخها , و خادمها وممرضها والاهم من كل هذا سيدها ( يتناهى إلى سمعه خبر عن  مسؤول أمريكي يشير إلى احتلال العراق ) ما هذا ؟  ماذا يقول هذا الجنرال ؟ لابد إنها زلة جنرال ,  من المؤكد إنها زلة جنرال , الجنرالات يزلون كثيرا , وأهونها  زلات ألسنتهم , علي أن أواصل عملي متناسيا هذه الزلة غير المقصودة , ( تتكرر العبارة نفسها على لسان آخر ) ماذا حدث ؟ هل كلهم أخطأوا التعبير ؟ أم تواطأوا على الخطأ ؟ الهي ماذا يحدث فوق ؟ هل وقع الوطن في زلة جديدة ؟لم تمر سوى ساعات على  ولادة الحلم , لكنه ولد جريحا , لقد صرنا كمن يخرج من حفرة ليقع في حفرة أخرى , لأطرد هذه الأفكار السوداء عني , الحلم مازال رضيعا ويحتاج إلى عناية, علينا ألا نفرط في هذا الحلم أبدا , لقد تعبنا في رسمه ( يسمع أنباء عن فوضى في البلاد  وحرق مكتبات وسرقة متاحف وبنوك , والأمريكان يحرسون  وزارة النفط  ) يا للخيبة !! ما الذي حصل ؟ لماذا يحصل هذا ؟ ولماذا وزارة النفط ؟  عندما كنت في الإعدادية , قال لنا مدرس  مادة الجغرافيا , عام 1973 بعد حرب أكتوبر : لدي ثلاث أمنيات , سألناه : ما هي ؟ قال : الأولى : أن تردم قناة السويس , سألناه : والثانية : أجاب : الثانية أن تجف آبار النفط العربي , ازددنا عجبا , قلنا والثالثة ؟ أجاب الثالثة احتفظ بها لنفسي , رفعت إصبعي : وقلت له : لماذا تتمنى  جفاف النفط الذي رفلنا بخيراته ؟ ضحك وأجاب : عندما تكبر ستعرف لماذا ؟ والآن عرفت يا مدرس الجغرافيا الذي لم يحضر الدرس التالي في اليوم التالي , سألنا المدير عنه : أجاب : لقد وصلنا تقرير من احد الطلاب  عن أفكاره السوداء التي يبثها في الدرس , فذهب لينال جزاءه , واتينا لكم بمدرس جديد أفكاره تتماشى مع المرحلة الراهنة , وجاء المدرس الجديد , الذي  كان يكرر لنا بسعادة ( انتم محظوظون , لان بلدنا يطفو على بحيرة من النفط )  صدقناه , ولم نعرف أن بلدنا يطفو على بحيرة من المصائب , هاهو النفط يحرق الأحلام , والبنايات , وسبعة آلاف سنة من الحضارة , هاهو النفط  قطعة الجبن الشهية التي تتجمع حولها الجرذان من كل مكان , هاهو النفط يحرق سماءنا وأنهارنا , ويقف سيدا يحرسه الأمريكان

  هاهو  سوط الطاغية يتلاشى , وينتهي زمنه لكنه أبى إلا أن يترك آخر سيئاته , الغزاة , لقد كنا نعرف انه لن يخرج بسلام  , وأين هو السلام ؟ أين هي الحرية ؟والديمقراطية ( نبأ عن اقتحام  الأمريكان بيوت العراقيين بحثا عن أعوان النظام والأسلحة )

جواد : ( يضحك ) إنهم يفتشون البيوت هههههههه   المهزلة تشهر أنيابها , وليس لنا إلا الضحك ومرادفاته من العويل , انه العويل الذي يسير بالمقلوب , ويريدونني أن أخرج ههههههههه , أخرج لمن  ؟ للاشيء الذي بقي بعد ذبول جميع الأشياء ؟ هل للخروج جدوى مثلما كان للاختباء جدوى ؟

لأرى كيف تسير الأمور ؟ وبعد ذلك أقرر , لكن ماذا أقرر ؟

الدبابات التي أوصلته إلى السلطة فأوصلني إلى هذه الدائرة  هي نفسها الآن في شوارعنا !!ما الذي تغير إذن ؟هل سأخرج لأعانق شمسا سوداء ؟

صوت الأم :جواد , جواد

جواد : نعم يا أمي

صوت الأم : تأخرت عليك , لأن الجنود الأمريكان بدأوا بتفتيش البيوت

جواد : نعم سمعت الخبر في النشرة , لكن لم أتوقع إنهم يصلون إلى قريتنا بهذه السرعة

صوت الأم : كل شيء يسير بسرعة يا ولدي

جواد : إلا أنا فمنذ عشرين سنة لم أتحرك  إلا خطوات

صوت الأم :  ستتحرك وتركض أيضا

جواد : لا يا أمي , كيف أفهمك إنني لا اقصد الحركة الميكانيكية , إنها الحركة داخل العمق, داخل الزمن

صوت الأم :  الزمن يمر يا ولدي , وخطواتهم تقترب

جواد : ماذا يريدون منا ؟

صوت الأم :  إنهم يفتشون كل مكان بحثا عن  أعوانه

جواد : ولماذا لا يفتشون عنه ؟

صوت الأم : يقولون إنهم خصصوا جائزة لمن يعثر عليه

جواد : أمي أنت ِ مضطربة ,لماذا هذا الاضطراب ؟

صوت الأم : أخشى اختلاط الأوراق

جواد : ماذا تعنين يا أمي باختلاط الأوراق ؟

صوت الأم : أخشى أن يعثروا عليك ويظنونك منهم

جواد : منهم ؟؟؟

صوت الأم : انه قلق أم ليس أكثر

جواد : يا أمي لقد أمضينا عمرنا في القلق فمتى نرتاح منه ؟

صوت الأم : إنها بداية النهاية يا ولدي , هل جهزت نفسك للخروج؟

جواد : ليس بعد يا أمي , ليس بعد

صوت الأم : ليس بعد ؟ ماذا تعني؟

جواد : يبدو أن الأمور  تحت أفضل منها فوق

صوت الأم : هل أنت متردد ؟

جواد : نعم يا أمي

صوت الأم : كيف ؟ هل هذا معقول ؟ تأتيك الحرية وترفسها بقدمك؟

جواد : نعم  إنها حرية, لكن داخل قفص

 صوت الأم : ستغادر القفص يا ولدي

جواد : لا يا أمي , أنا في قفصي هذا أكثر حرية

صوت الأم : لكن ماذا لو جاء الأمريكان ووجدوك في هذه الحفرة؟

جواد : وماشاني بهم ؟

صوت الأم : سيظنون انك من أعوان النظام

جواد : ليظنوا الذي  يظنون , لقد تعبت من الظنون

صوت الأم : دعك من هذا الكلام و اخرج يا جواد ,لقد انتهى كل شيء

جواد : نعم , انتهى كل شيء

صوت الأم : إذن, لماذا لاتخرج ؟

جواد : هل امسكوا به ؟

صوت الأم : لا , لكنهم اسقطوا تمثاله , ومزقوا صوره, ومازالوا يبحثون عن أعوانه

جواد :وأين هو ؟

صوت الأم : يقولون انه تحت الأرض   يعيش في مخبأ

جواد : يعيش في مخبأ ؟مثلي ؟

صوت الأم : نعم , لكنك الآن لست مطلوبا لأحد , بينما رأسه مطلوب للملايين

جواد : لكنه تحت الأرض,و  الأرض تمنح الإنسان قوة مضاعفة , لأنها   رحمه الأول , السرمدي

صوت الأم : وهل تخشى عودته ؟

جواد : لا , إنما أريد أن أغادر دائرتي على عالم جديد

صوت الأم : ها نحن ندخل عالمنا جديدا

جواد : ونزار , هل عاد من منفاه ؟

صوت الأم : لا يا ولدي , لقد اتصل أهله به , قال : سأتريث قليلا

 جواد : أغلقي النافذة ياامي , أنا أيضا أريد أن أتريث ,اتركيني  هنا أتابع الأخبار من جديد , فانا هنا بحاجة إلى عزلة

صوت الأم : عزلة ؟

جواد : نعم , عزلة

صوت الأم : أما كفتك سنوات العزلة الطويلة ؟

جواد : كانت عزلة مفروضة علي , والآن هي عزلة اختيارية , دعيني اختر  الوضع الذي يناسبني, فلقد تعبت تعبت , والأخبار الجديدة زاد تني تعبا , كيف فلت من أيديهم ؟ ولماذا هم باقون ؟ متى يخرج الوطن من دائرته ؟ متى يغادر نزار دائرته ؟ الدوائر تلتف تلتف تلتف على رقابنا ,ماذا جرى ؟ وكيف ؟ ولماذا ؟

صوت الأم : كل شيء سيعود ابهى مما كان , فقط نريد منك أن تخرج

جواد : ليخرج الجميع , هو من مخبئه , وهم من بلدنا , عندها سأخرج من دائرتي

( ينقطع صوت الأم بعد إطلاق صرخة , أصوات في الأعلى تتحدث بالإنكليزية )

جواد : أمي أمي هل حصل شيء؟

الضابط الأمريكي : what is thear under the ground؟

جوادwho are you ?

الضابط الأمريكي: what are you doing down?

جواد : أنت ماذا تفعل فوق ؟ إنها القذارة نفسها , اتركوني وشاني

صوت الأم : افهموهم , انه ليس من أعوان النظام , انه ضحية من ضحاياه, افهموهم هذا , وأنا سأجعل جواد يخرج ,جواد جواد

جواد : دعيني يا أمي , قلت لك : أنا بحاجة إلى عزلة , لأفهم الذي حصل

صوت الأم : الأمر واضح إنهم جاءوا لمساعدتنا, اخرج يا ولدي اخرج

جواد : لن اخرج حتى يخرج هو من مخبئه ويخرجون

صوت الأم : سيخرج , وسيخرجون , اخرج يا ولدي اخرج

أصوات أخرى : اخرج اخرج يا جواد

( أتربة تسقط من الأعلى – هلاهل –صوت قذائف – صراخ -  دخان -ظلام يسدل الستار )

  




نصوص مسرحية

لا شمس في الدائرة
أبيض مثل حد السيف ...
البهلوان
كأسك يا سقراط
مسرحية : على سطحنا طائر ...

أبيض مثل حد السيف ...
أمراء الجحيم
آه ... أيتها العاصفة
كأسك يا سقراط
لا شمس في الدائرة

الشعراء الدواوين القصائد

Powered by: kahf diwan Version 2.1.0 Copyright ©1999-2025 www.alkahf.net