عبدالرزاق الربيعي
المشهد الأول:
( غرفة نوم الملك تظهر رؤيا في الجزء الخلفي للمسرح يبدو فيها الملك بشكل مشوه يرتدي ملابس حطاب , يحمل فأسا يقطع الأشجار وفي كل ضربة تسقط شجرة , فجأة تسقط أفعى من أعلى شجرة وتلتف على عنقه , تفتح فمها لابتلاعه يحدق في لسانها الأبيض مثل حد سيف ويصرخ , في هذه الأثناء يستيقظ من النوم مذعورا ثم يعود ليواصل نومه)
المشهد الثاني
( الملك يدخل مع موكبه في القصر ,أمه تسرع إلى استقباله )
الملك : السلام عليك يا أماه
الأم : أهلا , اهلا كيف أنت ؟, تبدو متعبا , لابد أن رحلة الصيد ليلة أمس كانت شاقة
الملك : نعم , إن الصيد في غابة مليئة بالأشجار الكثيفة يشبه حل مسائل رياضية , قد يتعب الصياد لكنه بالنتيجة يشعر بالمتعة , إذا توصل إلى فريسته
الأم : إذن يجب أن نشاركك متعتك هذه
الملك : أية متعة ؟ لقد عجز الرياضي عن حل مسالة واحدة , حتى بلغ به التعب حدا كبيرا ,فمزقها.
الأم : مزق الورقة التي دون عليها المسألة ؟
الملك : بل الغابة
الأم : الغابة ؟
الملك : أنا شديد التعب , وكلامي اقرب منه للهذيان
الأم : بل هو أقرب للشعر
الملك : لا فرق , فالشعر ضرب من الهذيان , لكن ليس هذا ما عكر مزاجي هذا الصباح
الأم : إذن ما الأمر ؟
الملك : لقد داهمتني في نومي رؤيا مفزعة
الأم : خير إن شاء الله
الملك : إنها رؤيا جعلت العرق يتصبب من جبهتي
الأم : إنها أضغاث أحلام ليس إلا
الملك : لكنني شعرت بالفزع
الأم : وهل يفزع فؤاد الملك الذي لم يفزعه الأعداء ؟
الملك : نعم , لقد تمكن مني الفزع
الأم : ارو ِ لي الرؤيا , وأنا سأفسرها لك
الملك : أقص لك الرؤيا ؟ هذا غير ممكن غير ممكن
الأم : لماذا ؟
الملك : لأنني بصراحة نسيت الرؤيا
الأم : كيف نسيتها ؟
الملك : هذا ما حصل بصراحة , لقد عدت للنوم ثانية فنسيت كل شيء
الأم : إذن انس موضوع الرؤيا تماما مادمت نسيت التفاصيل
الملك : هذه هي المشكلة
الملكة : أية مشكلة ؟
الملك : أريد أن أتذكر الرؤيا اللعينة , فربما يتحدد فيها مصير المملكة
الأم : وأية مملكة هذه ؟ التي تحدد مصيرها رؤيا عابرة
الملك : لا ليست عابرة, يجب أن اخذ الحيطة والحذر , لئلا يضيع من يدي الملك
الأم : حافظ على الملك يا ولدي بالعدل , بالتسامح , بإعطاء كل ذي حق حقه , بالأمن
الملك : يا أمي أنت تعيشين في الزمن الحاضر , وتفكرين بعقلية الماضي , هذا الزمان مختلف تماما , هذا زمان السيف ,والقوة وعلي أن أكون حذرا من كل شيء يتسلل للمملكة حتى لو كان عبارة عن رؤيا
الأم : ستعيش في جحيم مستمر , وخوف دائم
الملك : الحذر واجب , ورعايا المملكة بدأوا بالتمرد والتذمر , ولكنني كنت دائما مفتح العينين , لهذا أصدرت أوامري إلى حراسي بان القوا القبض على أي صوت يحاول التسلل إلى شرفات قلت لهم :حتى الريح امنعوها من اللعب مع أعالي أشجار القصر,بل اقطعوا أعناق الأشجار إن تواطأت على مولانا
الأم : لم لم تقل لهم :امنعوا الكوابيس من الدخول إلى مخدعك ؟
الملك : لقد قلت لهم بالحرف الواحد :تمنع الكوابيس دخول غرفة نوم الملك
الأم : لكنهم لم يستطيعوا أن يمنعوها
الملك : لهذا أريد أن اعرف هيئة ذلك الكابوس , لأتوصل إلى الثغرة التي تسلل منها, واقطع عنق الحارس المسؤول عنها
الأم : بأية تهمة ؟
الملك : بتهمة التواطؤ مع كابوس تسلل إلى مخدع الملك
الأم : هل تعتقد انك بهذا التفكير ستعيش سعيدا
الملك : سأعيش ملكا , وهذا يكفي
الأم : يا بني , انك تجعل نفسك تعيش في رعب مستمر , فتهلك نفسك والمملكة
الملك : بل سأبنيها يا أمي وسترين
الأم : لن أرى هذا الذي تحلم به
الملك : أنت متشائمة يا أمي , والآن كدت أن أنسى أمر الرؤيا
الأم : لقد تسللت تلك الرؤيا إليك من خلالك أنت
الملك : لا يا أمي , كفي عن هذه الاتهامات , هناك ثغرة ما في جدار حرسي الخاص , ولن أتوصل إليها إلا بعد أن أتذكر تلك الرؤيا
الأم : حاول أن تريح أعصابك , لعلك تتذكرها
الملك : لقد حاولت كثيرا , ولم أتذكرها
الأم : إذن انسها
الملك : لا يا أمي , سأعرف كيف أتوصل إلى تلك الرؤيا
الأم : ماذا ستفعل؟
الملك : سأستدعي جميع مفسري الأحلام في المملكة , واطلب منهم سرد حكاية تلك الرؤيا
الأم : ماذا تقول ؟ إن هذا الآمر جد معقد , و لا يمكن لأي مفسر أن يذكر لك رؤيا أنت نسيتها
الملك : سيسردون لي الرؤيا تحت قبضة السيف
الأم : هذا جنون
الملك : سأضرب عصفورين بحجر واحد , سأتوصل إلى الرؤيا , وأتخلص من قوم كثيرا ما افسدوا خططي بتفسيرهم أحلام الخوف التي تراود مخادع رعايا المملكة, لا أريد أن يحلم فرد في النجاة من سيف (مسرور) القاطع في المملكة
الأم : يا ولدي , دعك من هذه الأفكار السوداء, لماذا يتملكك الفزع من الرعايا
الملك : لأنهم متآمرين خونة
الأم : لقد اخلصوا لجدك وأبيك
الملك : لكنهم , حتما سيتمردون علينا , يجب أن لا نجعلهم يفكرون بهذا أبدا, لن اجعل المملكة تضيع من يدي
الأم : التذمر في كل مكان , فلا تخنق العصفور الذي بين يديك , فربما تحول إلى أفعى سامة
الملك : ( كالملدوغ ) أفعى ؟
الأم : نعم , يا ولدي , فإذا حوصرت القطة قد تتحول إلى نمر للدفاع عن نفسها
الملك : ما هذا الكلام يا أمي ؟ عصافير تتحول إلى أفاع , وقطط إلى حيوانات كاسرة , ووووو دعك من هذا الكلام يجب ألا أضيع وقتي , علي أن استدعي مفسري المملكة , لافتتح مهرجان الرؤوس
المشهد الثالث
( قصر الملك يكتظ بالمنجمين , يبدو الملك متجهما )
الملك : لقد جمعناكم لأمر عظيم
الجميع : نحن ما تشاء , إن كنت جمعتنا لتفسير حلم فما أسهل هذا الأمر علينا
أحدهم : سترى أن مفسري مملكتك من أمهر المفسرين على الأرض
أحدهم : كلنا يوسف في تفسير الرؤيا
الملك : أريدكم أن تفسروا رؤيا داهمتني ليلة أمس , واذا فشلتم في تفسيرها سأقطع عنق واحد منكم في فجر كل يوم
الجميع : ( يتحسسون أعناقهم ) قل ونحن نصغي ونفسر
الملك : لا تظنوا الأمر بهذه السهولة
احدهم : لماذا ؟
الملك : لأنني نسيتها
احدهم : نسيت ماذا ؟
الملك : الرؤيا
الجميع : ماذاااااااا؟
الملك : هذا ما حصل , نهضت صباحا وكنت لا أزال فزعا من تلك الرؤيا , ولكنني لم أتذكر منها شيئا
احدهم : مولاي , وكيف نفسر رؤيا لم نسمعها ؟
الملك : هذا شأنكم ,فإذا رغبتم بأن تبقى أعناقكم سليمة من القطع , فسروا لي رؤيتي
الجميع : وماذا لو فشلنا ؟
الملك ( يضحك ) إذا فشلتم فهيئوها للقطع , ( وجوم في المكان ) هه ماذا تقولون ؟ سأمهلكم للغد فإذا لم احصل على تفسير لرؤياي التي نسيتها , سأطلق فراشة عليكم فأينما تحط سأقطع رقبة ذلك المفسر
والان أيها الحراس , خذوهم للسجن
الجميع : السجن ؟
الملك : نعم , لكي تتفرغوا لرؤيتي , لا يشغلكم أمر عنه
احدهم : وماذا عن كتبنا ومراجعنا يا مولاي ؟
الملك : سأبعث من يحضرها من دياركم فورا
(يضع الحراس القيود في أيدي المنجمين , ويسحبونهم إلى الخارج )
المشهد الرابع
(المنجمين يصطفون أمام الملك وهم بحالة ذعر , يطلق الملك الفراشة , تحط على احدهم )
الملك : أيها الحراس , أعيدوا الجميع إلى السجن , ( يخرجونهم ) أما أنت ( للذي حطت عليه الفراشة ) فقد اختارتك الفراشة لسرد الرؤيا
المنجم : لقد ظهر لك يامولاي في المنام شبح عظيم سد عليك الافاق
الملك ( يبدو غير مكترث ): هه .. وماذا ايضا ؟
المنجم ( بارتباك ) : عندما ظهر لك ذلك الشبح شعرت بالخوف منه
الملك : ماذا تقول ايها الخرف ؟ هل اخاف من شبح ؟
المنجم: لم يدم الخوف طويلا , فقد رميته بحجر , فانهار الشبح
الملك : هل انتهت الرؤيا ؟
المنجم: بعد قليل تحول الحجر الى جبل عملاق يرتفع الى عنان السماء
الملك : هه .. هل انتهيت من رؤياك ؟
المنجم ( يتحسس رقبته ) : اجل يا مولاي
الملك : وما تفسيرك لهذه الرؤيا ؟
المنجم: ان المملكة ستنهار , ثم تقوم على أنقاضها مملكة قوية
الملك : ماذا تقول ؟ انك تسخر من زمني
المنجم: لكن الزمن القادم , سيجعلها تعود قوية
الملك : بعد أن امضي , من المؤكد انك من المتآمرين علي َ, أيها الحراس خذوه إلى الموت
المنجم: هذا ظلم , هذا ظلم
الملك : اخرج أيها الوغد
المشهد الرابع:
( ثلاثة من المنجمين في السجن , بين أكوام الكتب الرثة )
الأول: من أين جاءتنا هذه البلوى؟
الثاني: إنها مصيبة حلت بنا
الثالث: إننا بانتظار الموت
الأول: عسى أن يتذكر الملك تلك الرؤيا اللعينة
الثاني: لا أظن هذا , لقد دفع رفاقنا رقابهم ثمنا لتلك الرؤيا
الثالث: الأيام تمضي , ونحن يتناقص عددنا , ولاشيء يحدث
الأول : قد تعود الرؤيا إليه ثانية
الثاني: ستعود , لكن بعد أن يقضي علينا جميعا
الثالث: ربما هذه حجة للقضاء علينا
الأول : لا مفر لنا من الموت
الثاني : نعم لا مفر
الثالث : لا مفر ( صوت باب يفتح يدخل الحراس لاقتيادهم – صراخ )
المشهد السادس
( الحراس يتهامسون )
الأول : ماذا نفعل الآن , لقد قطعنا رؤوس جميع المنجمين ولم نعثر على ضالة الملك؟
الثاني : لنقل له هذا
الثالث : سيلقي بنا في السجن
الأول : انه واثق من أن أحدا ما سيعثر على رؤيته المفقودة
الثاني : وأين نجده ؟
الثالث : لنبحث عنه , قبل طلوع الصباح والا ...
الأول : والا ماذا ؟
الثاني : سيفتك بنا
الثالث : إذن علينا أن نجلب له أي شخص
الأول : علينا أن نفكر ( لحظات صمت )
الثاني : لقد سمعت عن احد قراء الكف الذين يقيمون في الجانب الأيمن من المملكة
الثالث : وهل تريد أن نجلب للملك قاريء كف لا يكاد يجد من يطرق بابه من العامة ؟
الأول : ربما نجد الحل الذي عجزنا عنه عند المنجمين لدى الدجال
الثاني : اتبعاني , وانأ سأرشدكم إلى منزله ( يخرجون )
المشهد السابع:
( الحراس أمام باب قاريء الكف , يطرقونه )
صوت من الداخل : من ؟
الحراس : نحن حرس الملك , افتح بسرعة ( يفتح الباب )
قاريء الكف : ماذا ؟ هل هناك أمر ما ؟ أنا بريء والله , الكل يشهد لي بالاستقامة
الأول : كن مطمئنا , لقد سمعنا عنك معجزاتك , فأرسل الملك بطلبك
قاريء الكف : هذا شرف كبير لي
الثاني : ولنا أيضا , فأنت قاريء كف كبير , ولك مكانتك في قلوبنا
قاريء الكف: شكرا شكرا , تفضلا * تفضلوا * ( يدخلون ) أهلا وسهلا , أهلا وسهلا
الثالث : شكرا , لا تتعب نفسك, فلاوقت لدينا للجلوس , فالملك يريدك صباح الغد
قاريء الكف: وهل لي أن اعرف عن سبب طلبه لي؟
الأول : انه أمر بسيط , يريدك أن تفسر له رؤيا
قاريء الكف: هذا أمر بسيط , في غاية البسيط , غدا صباحا سأكون في قصر الملك , هو يروي وأنا أفسر , هو يروي , وأنا أفسر
الثاني : لم تجعلنا نكمل الرواية
قاريء الكف: تفضلوا
الثاني : هناك مشكلة بسيطة
قاريء الكف: ماهي ؟
الأول : ان الملك لم يتذكر الرؤيا
الثالث : لقد نسيها
قاريء الكف: نسيها ؟
الأول : تماما
قاريء الكف: تماما ؟
الثاني : ونحن على ثقة من إننا سنجد الحل عندك , ولك جائزة كبيرة اذا وفقت في سرد الرؤيا وتفسيرها
قاريء الكف: ( يضحك ) أنا واثق من كرم مولاي , سأحاول , وإذا لم استطع فيكفيني شرف المحاولة
الثالث : لا , إذا لم تنجح سيأمر بقطع رقبتك فورا
قاريء الكف: قطع رقبتي ؟
الأول : هذا إذا فشلت َ , نحن واثقين من انك لن تفشل
قاريء الكف: انه أمر صعب , لماذا تعرضوه على مفسري المملكة؟
الأول : عرضناه وفشلوا , فأمر مولانا بقطع رقابهم
قاريء الكف: ( مع نفسه ) مصيبة , ( مع الحراس ) هل لي بطرح عدد من الأسئلة عليكم
الثلاثة : تفضل
قاريء الكف: متى زارت الرؤيا الملك ؟
الأول : قبل شهر
قاريء الكف: في الليل ؟ أم في النهار؟
الثاني : في الليل
قاريء الكف: ماذا فعل في ذلك اليوم ؟
الأول : خرج للصيد في الغابة , بين الأشجار
قاريء الكف: وهل ....؟
الثاني : كفى , هل هو تحقيق معنا
قاريء الكف: لا أبدا , إنما قلت ربما تعينني إجاباتكم على سرد الرؤيا
الثالث : لا وقت لدينا , لقد تأخرنا كثيرا
الأول : سنخرج الآن على أن نعود إليك قبل صلاة الفجر وداعا
قاريء الكف: وداعا ( يخرجون ينادي على زوجته التي تدخل فور خروجهم ) هل سمعت كل شيء؟
المراة : نعم
قاريء الكف: ومارايك ؟
الزوجة : مصيبة حلت بنا
قاريء الكف : أنت امرأة مخرفَة ,إنها فرصتي الكبرى
الزوجة : هل بدأت تهذي ؟
قاريء الكف: رؤوس المنجمين تدلت على النطع , , وحانت فرصتي , أنا المهمَل في زاوية منسية
الزوجة :ماذا تريد أن تقول؟
قاريء الكف : أريدك أن تشغلي دماغك معي , وحاولي مساعدتي بهذا الأمر , ما الذي حلم به الملك تلك الليلة ؟
الزوجة : هل تريد أن تسلم رقبتك لجلاد الملك ؟
قاريء الكف: تعبت من حياتي البسيطة المتواضعة , حتى الأكف جفت , وترهلت خطوطها من الجوع والفقر , ولم تعد بحاجة إلى قراءة , والآن سقطت رؤوس المنجمين العتاة َ وخلا الجو ُ لي
الزوجة : (تغني ) خلا لك الجو فبيضي واصفري
قاريء الكف: كفي عن هذه الضوضاء , أريد لدماغي أن يصفو ليفكر , حاولي أن تفكري معي زوجتي العزيزة, لنفكر في الأمر, حتما سنصل إلى حل
الزوجة : أي حل ؟ لقد قطع رقاب المفسرين العتاة مثل حطاب يهوي بلا رحمة على الأشجار ,
قاريء الكف: انتظري ,لم لا تكون هذه هي الرؤيا؟
الزوجة :أية رؤيا ؟
قاريء الكف: رؤيا الملك ؟
الزوجة : ماذا ؟ حطاب يهوي بلا رحمة على الأشجار؟
قاريء الكف:نعم
الزوجة : لحظة , الملك كان عائدا من رحلة صيد في غابة كثيفة الأشجار كما قال
قاريء الكف: هذا هو الحلم
الزوجة : وراء كل مفسر عظيم امرأة
المشهد الثامن :
( الملك مع قاريء الكف في القصر)
الملك : ( بفرح ) نعم , نعم , انك مفسر عظيم , أين كنت كل ذلك الوقت , إنها هي , هي , الرؤيا ذاتها , تلك التي عذبتني كثيرا , أشكرك أيها المفسر العظيم أشكرك , لكن هناك شيء مفزع , دعني أركز قليلا , شيء مفزع سقط من إحدى الأشجار ,
قاريء الكف: قد يكون عش حمامة
الملك : لا , شيء مفزع له لسان ابيض كحد السيف
قاريء الكف: لسان مفزع , لابد انه لسان أفعى
الملك : أحسنت , لقد وجدتها
قاريء الكف: هل تذكرت جيدا ذلك الشيء؟
الملك : نعم , لقد اكتملت الرؤيا , كنت احتطب في غابة , وكانت رؤوس الأشجار تسقط يمينا , شمالا , يمينا شمالا , وفجأة التفت أفعى حول رقبتي , أفعى مفزعة , تهيأت لالتهامي , فتحت فمها فتدلى لسان ابيض مثل حد سيف
, نعم هذا هو الحلم الذي عذبني طوال تلك الليالي , كأنك كنت في غرفة نومي , لقد نجت رقبتك , لكن الآن أريد منك تفسيرا دقيقا
قاريء الكف: أما الأشجار فهي( بحذر ) ...رؤوس أعدائك التي قطعتها ( يشير بحركة ذكية إلى رؤوس المنجمين التي قطعت )
الملك : أحسنت , إن لك جائزة ثمينة عندي , والآن أريد منك تفسيرا لخبر الأفعى؟
قاريء الكف: أمهلني ليلة أفكر بالأمر , وسأوافيك بالجواب صباحا
المشهد التاسع
(زوجة قاريء الكف في المنزل )
الزوجة : لا أعرف لماذا تأخر ؟ هل قطعوا رقبته ؟ إنها ليست ذات قيمة , لكنها ضرورية لي , أريدها أن تظل لإشباع طموحاتي , أنا واثقة من أن تفسيري مصيب وأن المكافأة تسعى في طريقها إلينا ( تسمع طرقات على الباب ) هاهو قادم
( تفتح الباب ) أهلا بزوجي العزيز عدت أخيرا برقبة كاملة , أين الجائزة ؟
قاريء الكف: لا تتعجلي يا امرأة , ما تزال رقبتي في خطر
الزوجة : لماذا ؟ هل أخطانا ؟ أم أصبنا ؟ وإذا أخطانا , فلماذا لم تقطع رقبتك ؟
قاريء الكف: أيتها البلهاء , ها انك تتعجلين قطع رقبتي ماديا بعد قطعتها بزواجي منك
الزوجة : ماذا ؟ هل زواجك مني قطع رقبة؟
قاريء الكف: دعيني من هذا الكلام الآن , فبين يدينا مشكلة جديدة
الزوجة : أما تنتهي مشاكلك ؟
قاريء الكف: أظن أنها المشكلة الأخيرة , بعد ذلك سأحصل على منصب محترم في المملكة
الزوجة : قل لي ما هي المشكلة , فأنا متشوقة للمنصب ولابد أننا سنحصل على مكافأة مجزية, أنا واثقة من هذا , سنشتري بيتا كبيرا ,
قاريء الكف:,لا تتعجلي الأحلام , فقد تذكر الملك تفصيلا مكملا للرؤيا
الزوجة : و ما هو هذا التفصيل ؟
قاريء الكف: لقد تذكر الملك أن أفعى التفت حول عنقه ... فما سر الأفعى؟
الزوجة : إنها فتاة جميلة
قاريء الكف: فتاة جميلة ؟ لكن لسانها أبيض كحد السيف
الزوجة : انه علامة لاكتشافها
قاريء الكف: كل ألسنة الفتيات حادات كحد السيف
الزوجة : ماذا تعني ؟
قاريء الكف: أعني الجميلات
الزوجة : ألا تكف عن مناكدتي؟
قاريء الكف: لنبق في أمر اللسان
الزوجة : ليجمعوا النساء الجميلات, ويخرجوا ألسنتهن , فربما وجدوا إحداهن , ونتخلص من الأمر
قاريء الكف: ستذهب رقبتي ورقبتك إذن
الزوجة : لساني أحمر أنظر
المشهد العاشر
( قصر الملك –الملك مع قاريء الكف)
قاريء الكف: الأفعى مولاي الملك في الأحلام فتاة جميلة
الملك : فتاة جميلة ؟
قاريء الكف: نعم فتاة جميلة
الملك : وماذا عن لسانها الأبيض؟ وحالة الفزع التي انتابتني
قاريء الكف :إن تلك الفتاة تضمر لك الشر, واللسان الأبيض دالة عليها ألهمتك بها العناية الإلهية التي تريدك أن تظل راعيا للعدالة على الأرض
الملك: هل تعني أن هناك فتاة تضمر لي الشر وعلامة ذلك أن لسانها ابيض
قاريء الكف: نعم
الملك : لقد نجح هذا المنجم العظيم في حل اللغز, ولهذا قررت أن اجعله وزيرا لي
قاريء الكف : شكرا شكرا مولاي
الملك :والآن , أريد منك أن توصلني إلى تلك الأفعى
قاريء الكف: أمر مولاي الملك ( يلتفت إلى العسس ) أيها العسس باعتباري الوزير الجديد أصدر إليكم أمرا بجمع فتيات المملكة , خصوصا الجميلات منهن , أريدهن فورا و بلا إبطاء
العسس : بعد دقائق سترى جميع الفتيات الجميلات بين يديك
المشهد الحادي عشر:
( جموع فتيات يسحبهن العسس من شعورهن , صراخ , يُعرضن أمام الوزير- وهي التسمية الجديدة لقاريء الكف - )
الوزير : لا نريد شيئا سوى إلقاء القبض على صاحبة اللسان الأبيض, والأفضل لها أن تسلم نفسها إلينا بدون عناء , سنقوم بمداهمة أفواهكن , وسنقطع ذلك اللسان .
المشهد الثاني عشر :
( قصر الملك – الملك يبدو غاضبا يقف مع الوزير)
الملك : كل ألسنة الفتيات حمر , لقد اختفت صاحبة اللسان الأبيض
أريدك أن تعيدها
الوزير( بعد تأمل ) : لا لم تختف , إنها موجودة
الملك : وهل تعرفها؟
الوزير : لا ولكن اللسان الأبيض سيصير احمر إذا تكلمت
الملك : إذن اجعلوا الفتيات يتكلمن , وراقبوا ألسنتهن جيدا
المشهد الثالث عشر :
( صامت – الفتيات يتكلمن والعسس يراقبون ألسنتهن جيدا , تظهر عليهم علامات اليأس –إحدى الفتيات تلزم الصمت – يحثونها على الكلام تواصل صمتها يجرونها من شعرها )
الوزير : ما اسمك ؟
الفتاة :.... ( صمت )
الوزير : هيا تكلمي , و إلا أجبرناك على الكلام بطرقنا الخاصة
الفتاة :...( تواصل صمتها )
الوزير : تكلمي واكشفي عن لسانك الأبيض ( يضربها بالسوط , الفتاة ترمقه بنظرات غاضبة دون أن تتكلم , يواصل ضربها )
احد الحرس : دعني أتولى المهمة عنك ( يأخذ السوط منه ) سأعرف كيف أجعلك تتكلمين ( يضربها )
الوزير :( للحارس ) أريد منك أن تجعلها تتكلم , بكل ما متاح لكم من وسيلة , أنا واثق من أنها تخفي أمرا , خصوصا أن لسانها يميل إلى البياض
الحارس : إنها لم تتناول الطعام منذ القينا عليها القبض قبل يومين , لكنها عنيدة تحدت كل الوسائل
الوزير : لابد أنها تخفي أمرا خطيرا يهدد سلامة مولانا الملك , أريد تقريرا مفصلا عنها لنقله إلى مولانا الملك .
المشهد الرابع عشر :
( قصر الملك , الملك مع الوزير )
الملك : إن أمر هذه الفتاة غريب ,لماذا ترفض الكلام ؟
الوزير : الأمر واضح ,إنها لا تريد أن تكشف عن الحقيقة المخبأة بين فكيها
الملك : هل تعني أنها قد تكون هي
الوزير : نعم , يا مولاي , إنها هي , ولو نظرت بعينيها الجامدتين على الصمت المطبق لتوصلت إلى هذه النتيجة فورا
الملك : هل تأكدتم من هويتها ؟
الوزير : لقد طلبت إعداد تقرير مفصل عنها وعن عائلتها , حتى الدرجة العاشرة
الملك : وماذا عرفت عنها ؟
الوزير : والدها تاجر يتنقل بين أقطار الأرض , فقدت أمها ساعة ولادتها , نشأت في حضن جدتها التي تعيش من رواية الحكايات على المارة وتدعى "شهرزاد"
الملك : ماذا؟ شهرزاد ؟
الوزير : نعم , إنها تدعى شهرزاد
الملك : وهل من خبر عن جدتها ؟
الوزير : لا , إنها رحلت على جناح إحدى حكاياتها منذ سنوات بعد أن علمت حفيدتها أطنانا من الخرافات التي ذهبت بعقلها وأورثتها كل هذا العناد
الملك : هل آذيتموها ؟
الوزير : لقد نزعنا عنها جلدها
الملك : ماذا قلت أيها الرجل الخرف ؟
الوزير ( يرتبك ) : إننا نطيع الأوامر
الملك : أية أوامر ؟ إنها .. إنها .. إنها شهرزاد
الوزير : لا يهمنا من تكون , المهم أن تكشف عن عورة لسانها
الملك : هل تصف اللسان الذي قص أحلى الحكايات بالعورة؟ انك أنت العورة في مملكتي
الوزير : ممممماذا ؟ اطلب عفو مولاي , هل أخطأت في شيء؟ إنها مهمتي الوزارية الأولى
الملك : كيف تكون عرافا وتجهل الطفلة التي عشتها معها أجمل أيام حياتي , عندما كانت جدتها تأتي إلى قصر والدي لتروي لي أحلى الحكايات ؟
الوزير : عفو مولاي , اطلب منك العفو
الملك : لن اقبل اعتذارك إلا بالكشف عن صاحبة اللسان الأبيض , عليك الآن أن تخرج ولن تعود إلى منصبك إلا مع صاحبة اللسان الأبيض ,اخرج فورا , أيها الحراس , أكرموا السجينة شهرزاد , واحضروها لمجلسي الآن
الحراس: أمر مولانا الملك ( يخرجون )
المشهد الخامس عشر
( الوزير في قصره مع زوجته )
الوزير : لا اعرف من أين ظهرت لي هذه المصيبة بعد أن كدت أن انتهي منها تماما
زوجته : وماذا ستفعل ؟ هل تريد أن نعود إلى ذلك الكوخ الحقير ثانية ؟
الوزير : هذا إذا لم نتوصل إلى حل سريع للغز صاحبة اللسان الأبيض
زوجته : إنها بالفعل مشكلة صعبة , ولكن أريد أن أتوجه إليك بسؤال
الوزير : وهل بقي سؤال لم اجب عنه؟
الزوجة : سؤال واحد
الوزير : هاته
الزوجة : ما عقوبة صاحبة اللسان الأبيض؟
الوزير : لا اعرف
الزوجة : هل تستطيع أن تقنع الملك بان إكرام صاحبة اللسان الأبيض هو السبيل الوحيد للقضاء على الفزع الذي شعر به في منامه؟
الوزير : وهل تريدينني أن أتلطف بتلك الماكرة التي عذبتني كل تلك الأيام وكادت أن تفقدني منصبي؟
الزوجة : وهل صدقت حكاية الأفعى ؟ ألا تتذكر إننا نحن اللذين نسجناها؟
الوزير : نعم , وليتني لم أطعك
الزوجة : عليك أن تطيعني مجددا
الوزير : وهل أنا مجنون كي افعل هذا ؟
الزوجة : ستفعل , من اجل أن تحافظ على منصبك, وأبقى في هذا القصر , بل ربما أستطيع أن اصل إلى قصر الملك
الوزير : اريني ما يدور في راسك المجنون , فأنا لا أفهم هذه الألغاز
الزوجة : ستفهم بعد قليل , تدور في راسي فكرة أرجو منك أن تساعدني على تنفيذها
الوزير : ما هي هذه الفكرة ؟
الزوجة : لم لا تقنع الملك بأنني أنا صاحبة اللسان الأبيض؟
الوزير : ماذا تقولين ؟ هل جننت ِ؟
الزوجة : هذا هو عين العقل , أقنعه بأنني صاحبة اللسان الأبيض
الوزير : كيف ؟ أنت ِ تغامرين براسك ؟ هذا غير معقول
الزوجة : هذا من شأني , واترك الباقي عليك
الوزير : وهل سيبقى شيء إذا قطعوا راسك؟
الزوجة : أنا أسألك , هل يبقى شيء لو عدنا إلى كوخنا الحقير؟
الوزير : لكن ...
الزوجة : بلا لكن .. لا تنس إن دورك مهم جدا لإقناع الملك , بان الأفعى في الرؤيا ليس بالضرورة أن تكون علامة شر
الوزير : المشكلة الكبرى إن لسانك احمر
الزوجة : هذه ليست مشكلة , سأنقطع عن تناول الطعام والشراب حتى يبيض لساني
الوزير : أنت ِ في غاية المكر
الزوجة : لولا مكري لم تصبح وزيرا
الوزير : لكن الوزارة ستدير لي ظهرها
الزوجة : لن يحصل هذا مادمت معك , اطلب لقاء الملك , واعرض عليه الفكرة , واترك الباقي على زوجتك
الوزير : نعم سأسرع إلى طرحها على الملك ( مع نفسه ) إذا نجحت حافظت على منصبي , وإذا فشلت سأتخلص من لسانها الأسود
المشهد السادس عشر
الملك ( وحيدا في القصر – ينطلق صوت أغنية )
الصوت : يزهر في عينيك يا حبيبتي الزمان
يمتليء الوجود
بالورود
بالأمطار
بالعواصف الخضراء
بالغناء
يمتليء المكان
بالمكان
تبتسم الأحجار
وترقص الأغصان
ويكسر اللسان
في عينيك
يا وجودي
صمته الفتان
الحاجب : شهرزاد عند الباب مولاي الملك
الملك : لتدخل ( تدخل شهرزاد صامتة ) اهلا بسيدة الحكاية (تكتفي بإيماءة برأسها ) هل أنت غاضبة لأنهم آذوك؟ لك كل الحق , إنها إجراءات روتينية , بل وضرورية , للوصول إلى الحقيقة, اعلمي إن الحقيقة لن تكون على السطح , لو كانت ظاهرة لصارت نفاية , الحقيقة دائما في الأعماق , والوصول إليها يتطلب خرط القتاد , نعم , للحقيقة طبيعة بئرية , ( بانفعال ) لماذا أنت ِ صامتة ؟ هذه الأساليب لن تنفع معي , لست ذلك الطفل الصغير الذي كان يلعب معك في حدائق القصر , أنا الآن الملك الذي بيده كل شيء في المملكة , حتى أنت ِ بيدي , لقد تجاهلتك تلك السنوات لكي تعرفي هذا , وكنت دائما تشكلين قاسما مشتركا للكثير من كوابيسي , يجب أن يكون الملوك بلا قلوب , ولهذا تجاهلت وجودك , حتى ظهرت ِ لي بصورة أفعى بلسان ابيض, أليس كذلك ؟تكلمي والا ... أريدك أن تعلمي إنني أستطيع أن اقطع لسانك ورقبتك هذه بإشارة مني لو بقيت ِ صامتة , أيها الحراس : أبعدوها عني ( يسحبها الحراس , يبقى وحيدا , صامتا , منفعلا , يدخل الحاجب )
الحاجب : الوزير على الباب مولاي الملك
الملك : ماذا يريد هذا القميء ؟ ( يفكر ) لعله جاء بالنبأ اليقين,( للحاجب ) دعه يدخل
الوزير : السلام على مولاي الملك
الملك : وعليكم السلام , هه هات ما عندك
الوزير : أما زلت غاضبا علي َ؟ سترتاح , وتنام الليلة هانئا
الملك : قل لي بسرعة , هل توصلت إلى صاحبة اللسان؟
الوزير : نعم , يا مولاي
الملك : وأين وجدتها؟
الوزير : في قصري
الملك : في قصرك ؟؟؟
الوزير :نعم يا مولاي
الملك : كيف ؟
الوزير : ليلة أمس لم استطع النوم , و كنت طوال الوقت أفكر بالأفعى ذات اللسان الأبيض الذي يشبه حد السيف , وعندما تعبت اضطجعت على السرير بجانب زوجتي مسبحا , متهجدا , وقبل أن يشق اللون الأحمر صدر السماء , دعوت الله كثيرا أن يحل لي هذا اللغز , وبعد دقائق أسفر الصبح على لسان ابيض تدلى جواري على السرير
الملك : سبحان الله !!
الوزير : التفت ُ إلى جانبي , وإذا بزوجتي تنهض من نومها مخفية أمر لسانها
الملك : وهل تعني ....؟
الوزير : نعم يا مولاي , وان إخلاصي لك جعلني انقل إليك هذا الخبر السار
الملك : ولكن ألا تعرف إن هذا الأمر قد يجعلني اقطع رأسها؟
الوزير: إخلاصي لمولاي فوق كل شيء , ولكن لماذا تقطع رأسها ؟
الملك : لأنها تسللت إلى مخدعي وأفزعت نومي
الوزير : المشكلة إن الأرواح الشريرة تظل تلاحق ضحاياها حتى بعد موتها
الملك : ماذا تعني ؟
الوزير : أتمنى من مولاي أن يجعلها تعمل في خدمته, معي , وبذلك يضمن مولاي أمنه في اليقظة والمنام
الملك : ولكن كيف لم تر لون لسانها من قبل؟
الوزير : إن اللون الأبيض لن يمكث إلا دقائق معدودة , ثم سرعان ما يزول
ليظهر في وقت آخر
الملك : لقد كنت دائما واثقا من رجاحة عقلك , والآن ناد زوجتك لأوكل إليها مهماتها في القصر
الوزير : لكن قبل هذا , أرجو منك أن تجعل الأمر سرا بيننا , لأنها لو علمت بهذا فان قواها ستزول .
الملك : حسنا
الوزير : إنها تنتظر , عند الباب
الملك : أيها الحاجب , ادخل زوجة الوزير ( تدخل )
الزوجة : السلام على مولاي الملك
الملك : وعليك السلام, تفضلي , لقد حدثني وزيري عن قواك الخفية والغيبية وقبل هذا عن جرأتك , وذكائك
زوجة الوزير : شكرا يا مولاي , مواهبي كلها تحت أمر مولاي وبخدمته دائما وأبدا
الملك : أريدك أن تكوني يدي اليسرى مثلما زوجك يدي اليمنى
زوجة الوزير :أنا خادمتك
المشهد الثامن عشر
( الوزير مع زوجته في جانب من القصر )
الزوجة : أرى أن الملك قلقا كثير الاضطراب
الوزير : انه متوتر بسبب شهرزاد التي مازالت تصر على صمتها
الزوجة : لا اعرف ما الذي وجده فيها !!
الوزير : الحكاية قديمة تعود إلى زمن الطفولة , حيث لعبت برأسه حكايات جدتها
الزوجة : والآن جاء زمن لعب صمتها
الوزير : إنها فتاة متكبرة , و قد مارسنا كل السبل لإذلالها دون جدوى
الزوجة : أظن أنها ترفضه , ولهذا هو متعلق بها , ودورنا هو محوها من كيانه
الوزير : وكيف نفعل هذا ؟
الزوجة : نفهمه أنها ليست كائنة , لا وجود لها ,إنها جنية فلتت من حكايات جدتها
الوزير : عند ذلك سنحرقها في ساحة المدينة لنتخلص من شرورها
الزوجة : وتفرغ الساحة تماما لنا
المشهد التاسع عشر
( الملك مع أمه )
الملك : لقد كنت اعرف إنها تخفي سرا , هذا السر هو الذي يشدني إليها
الأم : لا تصدق هذه الخرافات يا ولدي , أرى انك مشغول بهذه الفتاة كثيرا , بشكل لم اعهده عليك من قبل
الملك : لا يا أمي لا يوجد شيء, إنني فقط اشعر بالارتعاش أمام صمتها الجليدي
الأم : أظن إن سنوات الطفولة التي أمضيت شطرا منها معها جعلت تظن هذا الظن
الملك : أنا واثق من أنها متلبسة بروح جنية , هذه الجنية جعلتني افقد صوابي , وعليه لابد من شيء واحد
الأم : ما هو ؟
الملك : حرقها في ساحة المدينة
الأم : انك تعبر عن حرائقك التي خرج دخانها مع كلماتك
الملك : إن صمتها يقتلني
الأم : أنا اعرف هذا النوع من النساء , إنها لا تتكلم بالقوة , لأنها تحبك , خذها باللين لأنك تحبها وستر كيف تتخلص من هواجسك , وكيف ينطلق لسانها
( يتناهى إلى المسامع صوت أغنية )
لقد تطاول صمتك كثيرا
تطاول حتى التهم أطراف الكلام ,
تطاول مثل أماسي الحكايات ,
تطاول حتى على السيوف ,
والسياط ,
تطاول على قلبي
المشهد العشرون
( الملك في قصره , يدخل العسس شهرزاد مكبلة لكن رأسها شامخا )
الملك : ( لشهرزاد ) اعرف انك مستاءة , ومتعبة وحزينة , لكن كل شيء يمكن إصلاحه , لقد قلبت تلك الرؤيا حياتي , وجعلتني فريسة للوساوس , ( تنظر إليه بتشف ) لماذا تنظرين لي هذه النظرة ؟ هل أنت سعيدة بما حصل لي ؟ أريدك أن تتذكري أيامنا عندما كنا نلعب في حديقة القصر , عندما كانت جدتك تروي لنا الحكايات الجميلة الممتعة , هل تتذكرين تلك الأيام ؟ أنا أتذكرها جيدا , وأتذكر , عندما كنا نختبيء عن أنظار الجميع , فيما جدتك تواصل سرد حكاياتها , نأخذ فأس الحطاب , لنلعب في الغابة : لعبة الحطاب والأشجار , أنا اقطع الأغصان , و أنت تجمعينها , أنا اقطع وأنت تجمعين ثم نبني بها كوخا صغيرا ندس جسدينا الصغيرين فيه , مختبئين به عن الأنظار , لتقصي لي أحلى حكاية , تروينها بعينيك الجميلتين , ههههه كنت تحبين الصمت منذ طفولتك , وعندما يتفقدنا الجميع يسعون بالبحث عنا , في كل مكان دون جدوى , وقبل أن يستنفر القصر حراسه , نخرج فجأة هههههههه لماذا لا تضحكين ؟ اضحكي , أما زلت غاضبة على تصرف الوزير الأحمق ؟ لالا انه يؤدي واجبه بغباء , إنس ما حصل ولنتذكر معا أيامنا الغابرة , أريدك أن تذكرينني بحكاية واحدة من حكايات جدتك , لا تظني إنني أريد استدراجك لأرى لون لسانك , لا لا أنت خارج قوس الاتهامات , ثم إنني لا اصدق كلام ذلك الوزير الخرف , ولا اصدق الرؤى , الاتصدقين هذا ؟ من حقك , لقد أردت أن اقطع رؤوس مفسري الرؤى فاخترعت تلك الحجة , وأردت الوصول إليك ربما , ولم أجد سوى هذه الطريقة , طبعا أنت لا تصدقين كلامي , ولو كنت مكانك لما صدقت أيضا , لكن عليك أن تصدقي كل ما يقول الملك , نعم , فانا الملك في هذه البلاد , كل كلامي صواب ,أليس كذلك ؟ لا تتجاسري , فانا لا أروي حكايات مثل حكايات جدتك , زمن جدتك مضى , وحكاياتها دفنت معها , هذا زمان السياط , والسيوف ,هذا زماني , هههههههههه
أنا واثق من انك تخفين سرا خطيرا , وسأكشف هذا السر , نعم سأكشفه, أيها الحاجب ( يدخل الحاجب )
الحاجب : أمر مولاي
الملك : ناد العرافة
الحاجب : فورا يا مولاي
( تعود الأغنية إلى الظهور )
الأغنية :لقد تطاول صمتك كثيرا
تطاول حتى التهم أطراف الكلام
( تدخل زوجة الوزير )
زوجة الوزير : السلام على مولاي الملك
الملك : وعليك السلام , انظري إلى تلك الزاوية ( يشير باتجاه شهرزاد ) أريدك أن تمارسي قواك لتجعلي هذه الفتاة العنيدة تنطق
زوجة الوزير : ( تتفحصها ) إنها مسكونة , لسانها معقود بذيل واحد من العفاريت
الملك : إذن فكي عقدة لسانها
زوجة الوزير : علي أن اعقد صفقة مع العفريت أولا , اسمح لي بالانفراد بها
الملك : حسنا خذيها , ولكن لا تؤذيها
زوجة الوزير : لن أؤذيها , لكني مضطرة لإلحاق الأذى بالعفريت لأجل إخراجه
الملك : لك مطلق الحرية في التصرف مع العفاريت
زوجة الوزير : شكرا يا مولاي ( يسحبها من ذراعها برقة مصطنعة )
المشهد الحادي والعشرون
( زوجة الوزير مع شهرزاد في غرفة مظلمة , مليئة بالدخان , تحمل سوطا )
زوجة الوزير : أيها العفريت الشقي , اخرج من جسد هذه المراة ,اخرج , اطلق سراح لسانها لكي تروي لمليكنا الحكايات , اطلق سراح لسانها لكي تغني , في ليالي انسه , اخرج , ( تضربها بالسياط, شهرزاد صامتة , تشعر زوجة الوزير بالإعياء بدون فائدة) أيتها الخرساء , عليك أن تتكلمي والا ... تكلمي , مولاي الملك يريدك أن تتكلمي , إذن يجب أن تتكلمي , لا تخافي من ان يكشف أمر لسانك الأبيض , لأنني إنا من حمل تاج هذا اللسان , والآن يجب أن تتكلمي لكي أنال حظوة مولانا الملك , بعد ذلك عودي إلى صمتك , أليس كذلك ؟ ( تتجاهلها ) هل تسخرين من كلامي ؟ إذن لقد اخترت نهايتك بصمتك ( تواصل جلدها , تدخل أم الملك )
أم الملك : توقفي عن هذا أيتها اللئيمة
زوجة الوزير: إنني أنفذ تعليمات مولانا الملك
أم الملك : بل خرقت تعليماته , لقد أوصاك بعدم إيذائها
زوجة الوزير : إنها مسكونة بعفريت عقد لسانها
أم الملك : كفي عن هذا الهراء أيتها الشريرة , عليك أن تغادري القصر فورا
زوجة الوزير : مولاتي , إنني أقوم بواجبي فحسب
أم الملك : اخرجي , والا جعلت الملك يلقيك في السجن
زوجة الوزير : لا يامولاتي , أنت تتدخلين بصلب عملي
أم الملك : قلت لك اخرجي
زوجة الوزير : نعم سأخرج , لكن ليس قبل ان انقل خبر عفريت هذه الفتاة لمولانا الملك
( تخرج , فيما تحضن أم الملك شهرزاد )
المشهد الحادي والعشرين
( الوزير مع زوجته )
الوزير : كيف سنتصرف الآن , الأمور تسير في غير صالحنا ؟
زوجة الوزير : علينا إقناع الملك بان العفريت سيبدأ التسلل إلى أمه
الوزير : نعم علينا أن نقنعه بهذا , والا انكشف امرنا
زوجة الوزير : ولن نتخلص من هذا العفريت إلا بحرقها
الوزير : ولكنه لا يريد أن يمسها احد بسوء؟
زوجة الوزير : يجب إقناعه بأنها خطر عليه وعلى المملكة وعلى أمه
الوزير : حاولي , المهم أن نبقى في القصر أطول مدة حتى نتخلص منه , فأضع التاج على راسي
زوجة الوزير : نعم , مثلما وصلنا إلى القصر سنصل إلى العرش
الوزير : حاولي سريعا , فالزمان في غفلة منا , والا انكشف امرنا وعدنا لذلك الكوخ الحقير
زوجة الوزير : لم تبق إلا نقلة واحدة , ونحتفل بحرق ذلك الكوخ للأبد
المشهد الثاني والعشرون
( الملك مع شهرزاد في قصره )
الملك : سأعرف كيف اقتص من هذه المراة الماكرة , وزوجها , إنني لم اطلب منها شيئا سوى طرد العفريت , لكنها تمادت , بل اتهمت أمي بالجنون , لقد أخبرتني أمي بكل شيء , إنها تريد مع زوجها السيطرة على القصر , فيما تذمر الناس يزداد في كل مكان , وقد تناهى لسمعي إنهم يحشدون ضدي الجموع , شهرزاد أنا بحاجة إليك الآن اكبر من أي وقت آخر, تكلمي , احتاج إلى كلمة واحدة منك ( يتسلل صوت الأغنية )
افتحي النافذة
يا شهرزاد
افتحي النافذة
لأرى الطفولة تمرح
تحت أشجار الوقت
افتحي النافذة
فالظلام دامس
وأنا معزول
مثل وحيد القرن
والآن لماذا أنت صامتة ؟لقد تعبت كثيرا , تعبت معك , أريد أن ..أن أسمع نبرات صوتك ,التي ستعيدني إلى الوراء , لقد مللت كل شيء وأريد أن أعود إلى الوراء , وأنت من ستعيدني إلى الوراء , هل تقول نظراتك إن هذا غير ممكن ؟ لا , ممكن جدا , لاشيء يصعب على الملك , لم اعد ذلك الطفل المسحور بالحكايات التي ترويها جدتك , لقد كبرت ..كبرت ..كبرت على كل شيء, وأريد أن اريك إنني كبرت , ماذا هل تسخرين ؟ لقد تجاوزت كثيرا , أستطيع أن أعيدك إلى المكان السابق , أستطيع أكثر من هذا , لكنني لن افعل لك هذا , لأنني أريد منك أن نختبيء عن الأنظار , اسرق فأس الحطاب , ونمضي إلى الغابة , نجمع الأغصان لنشيد مملكتنا من أغصان الأشجار , نعم الأشجار مثلما كنا نفعل , هيا ( يسحبها من كفها ) نطارد الطفولة , مخلفين حكايات جدتك وراءنا , وهموم المملكة , والرعية الذين يتجمهرون ضدي , إنهم يريدون راسي يا شهرزاد , يريدون راسي , هيا , هيا (يسحبها بقوة , ليتوغلا في الغابة , يحمل فأسا , يقف الوزير في وجهه صارخا )
الوزير: لقد سحرت الملك , احرقها , احرقها
الملك : إنهم يريدون راسي يا شهرزاد , لتكن هذه آخر حكاياتك , إنهم يريدون راسي
( الملك يضربه بالفأس فيقتله , تظهر زوجته يقتلها بضربة فأس أيضا يمسك شهرزاد من يديها هائجا , صارخا)
الملك :هيا يا شهرزاد , ا جمعي الأغصان لنشيد مملكتنا الخاصة , أليس كذلك ؟ لماذا أنت صامتة ؟ إن صمتك يلتف على عنقي , يلتف , يلتف , آآآآآآآآآآآآآآآه
(يصرخ – تختفي شهرزاد – يستيقظ من الرؤيا –ثم يواصل نومه –ظلام –يسدل الستار)