هل مررت يوماً بمحنة خوض غمار تجربة عاطفية فاشلة أفقدتك سعادتك؟ هل وثقت يوماً بصديق فقابل ثقتك بخيانة زلزلت توازنك؟ هل تنكر أقرب الناس إليك بعد انقضاء مصلحته منك فتأزمت نفسيتك تبعاً لذلك؟ هل هدد سوء الفهم وعدم التوافق حياتك الزوجية والأسرية ووجدت نفسك عاجزاً عن وضع حلول مناسبة للتخلص منها وإعادة حياتك إلى صفائها المعهود؟ هل مررت بإخفاقات متتالية في محيطك الاجتماعي ومستقبلك الدراسي والمهني فانتابك اليأس والإحباط وفقدت ثقتك بنفسك جراء ذلك؟ 

في واقع الأمر فإن معظمنا إن لم يكن جميعنا معرض لأن يمر بإحدى تلك الظروف المذكورة آنفاً أو يجد نفسه أسيراً لأزمات مشابهة, لكن الذي يختلف هو مدى قدرة الأشخاص على استيعابها ومن ثم احتمالها ومواجهتها, فالقدرة على الوقوف في وجه الأزمات والمحن تتباين لدى الأفراد, فهناك من يتمكن من الصمود أمام المحنة وبالتالي ينجح في التغلب عليها وتجاوزها بأمان دون أن تتمكن من ترك أثر سلبي يؤثر على راحته النفسية و رغبته في الاستمرارية بروح معنوية مرتفعة في الحياة, بل أن المرور بأزمة قاسية تعني في مفهومة اكتساب خبرة حياتية ناضجة في التعامل مع الذات و مختلف الظروف والأشخاص. 

في حين يظل البعض الآخر أسيراً لمحنته عاجزاً عن الخروج منها إلا كحطام إنسان, فهو غالباً ما ينهار تماماً ويفقد الثقة بنفسه وبكل من حوله ويكتئب ثم ينزوي وقد يلجأ إلى الانتحار كحل لا يرى غيره بديلا, بعدما يكون قد استنزف تماماً جراء دخوله في سلسلة لا نهاية لها من صراعات ما بينه وقناعاته من جهة وبينه وبين محيطه من جهة أخرى, وإلى هؤلاء على وجه التخصيص أوجه مقالي, هؤلاء الذين تتلون حياتهم بالسواد ويكونون في أمس الحاجة إلى مساعدة ناجعة تأخذ بأيديهم برفق وتبحث معهم في جوانب المشكلة وأبعادها ثم تفكر بعمق ووعي علمي وإنساني عن الخيارات المتاحة لحلها بأسلوب يتصف بالخبرة المدربة وطرائق التفكير السليمة, هذه الكفاءة التي يجد الفرد المنهك فكرياً ونفسياً واجتماعياً نفسه في أمس الحاجة إليها لكنه في بعض الأحيان يعجز عن إيجادها لدى صديق أو حبيب أو قريب لأسباب كثيرة قد يكون من بينها احتمالية تعقيد المشكلة وتضخيمها بدلاً عن حلها, علاوةً على التهديد الذي قد يواجهه المرء في حال تسرب المشكلة إلى أطراف أخرى بقصد أو دون قصد عن طريق الطرف الذي ائتمنه على سره ولجأ إليه وقت الحاجة!. لذا فالحل هنا – في رأيي- يتأتى عن طريق اللجوء إلى أولئك الاستشاريين والخبراء في مجال الصحة النفسية أو الإرشادات المهنية, لأنهم هم أقدر الأشخاص على مساعدة الأفراد ومؤازرتهم بفكرهم وخبرتهم في المحن التي يمروا بها, وهم الأقدر على المحاورة بحيادية دون أن تُسيرهم العواطف أو المصالح أو الأهواء أو الانفعالات لصالح خيار معين, كما أن استشارتهم تمنح الفرد شعوراً بالراحة والطمأنينة والقدرة على فهم الآخر والتسامح مع الذات والتأقلم مع الظروف المحيطة, إن الكثيرين ممن مروا بظروف صعبة ظلوا يدورون في فلكها سنين عدة ثم لجئوا في النهاية إلى هؤلاء المتخصصين لمسوا جلياً الفرق بين من قدم لهم مساعدة عشوائية بتفكير متسرع وبين من قدم له الحل كمتخصص بعد دراسة وتفكير وتحليل وموازنة لكافة الظروف المحيطة بالفرد.