تخبرني إحدى الصديقات عن رجل لا تنفك تدعو له برغم أنها لا تعرفه و لم تره إلا عرضاَ ومن بعيد ذات يوم عابر, تلقّبه "بالرجل الخيّر" الذي لن تبخل بالدعاء له طالما عنّ لها في سماء الذكرى, فموقفه الذي قابلته بالامتنان والدعوات يعود إلى عشر سنيت مضت حين كانت في العشرين من عمرها, وكانت تذهب مع مدربتها وزميلتها في التدريب ليتعلمن قيادة السيارة, حيث اعتادت المدربة أن تصطحبهن إلى فسحة تتجمع فيها سيارات تعليم القيادة في منطقة روي, وقد حدث ذلك الموقف حين أضطرت إلى أن تجلس بانتظار المدربة التي أصطحبت زميلتها قبلها لتعلمها السياقة, فكان أن جلست تلك الصديقة مع متدربات ينتظرن أدوارهن مثلها في الساحة, لكن مدربتها تأخرت كثيراً بينما بقية الفتيات المنتظرات أنصرفن مع مدرباتهن ولم تبق إلا هي في ذلك المكان الذي أصبح موحشاً بعد حلول الظلام, تقول: شعرت بالخوف الشديد وأستكنت إلى شجرة بانتظار مدربتي فإذا بثلاثة شبان يقبلون من بعيد فيلمحونني, كانت أصواتهم تنبعث إليّ في وضوح, لذا فقد تمكنت من سماع الحوار الذي دار بينهم, قال الأول: هذه فتاة وحيدة هيا بنا إليها!! ثم بدء يتلفظ بصوت عال بكلمات بذيئة, قال له الشاب الثاني بصوت مرتبك: دع الفتاة ماذا تريد منها, دعها وشأنها!, قال الثالث: إنها ليست سوى فتاة!! ما بك يا صديق؟ ثم صرخ: تعالي يا بنت هنا, أم تريدين أن نأتي إليك؟ عندها عاد ذلك الصوت المرتبك للشاب مخاطباً صديقيه: "قلت أتركوا الفتاة وشأنها, هيا بنا نذهب من هنا" في تلك اللحظة نظر الشابين إلى صديقهما وقالا: لا بأس, هيا بنا ما دامت هذه هي رغبتك!, تتابع الصديقة قائلة: لم تبارح ذكرى ذلك الشاب ذاكرتي, وكلما تذكرته دعوت له في ظهر الغيب أن يجزيه خيراً كثيراً عني وأن يدخله الجنة ويحفظ عرضه وينجيه من كل سؤ في الدنياء والآخرة.
ربما أعتبر ذلك الشاب أن ما فعله أمراً بديهياً يجدر بأي رجل محترم أن يفعله, ربما نسي الموقف في اليوم الذي يليه, لكنه حتماً سيشعر بالغبطة يوم القيامة حين يرى الدعوات الطيبة تثقل ميزان حسناته, فلله در المحسنين والشاكرين!