فجر مختلف

استيقظت لطيفة على صوت المؤذن الذي انساب بجلال عبر أروقة الحي, فتمطت وتثاءبت في كسل, ثم قامت متجهة لدورة المياه حتى تتوضأ لصلاة الفجر, لكنها فوجئت بعد أن فتحت الباب بدورة المياه وقد تلغمت بالصراصير.

على الأرضية تكتلت مجموعات لا حصر لها من الصراصير وهي تتراكض وتتطاير متداخلةً في حلقات حول بعضها مشكّلةً ما يشبه فريقين لكرة الرجبي. على الحائط وقف صرصوران كبيران عسليا اللون في مقابلة بعضهما, وقد تلامست قرون استشعارهما, فتبديا لمخيلة لطيفة كجارين حميمين يتبادلان التحايا أو كندينِ لدودين يصفيان الحساب في أمرٍ شجر بينهما.

مباشرةً أعلى النافذة في الجدار المقابل للباب ثبّت صرصور داكن اللون سيقانه المشعرة على الجدار ووجه ناظريه مباشرةً إلى الباب متخذاً وضعية حارس أنيطت به مهمة مراقبة الخارجين والداخلين من وإلى دورة المياه.

على الفوطة التي نسيتها لطيفة في دورة المياه بعد حمام البارحة, اعتزل صرصور بقية المجموعة وأخذ يضع بيضه على ظهر الفوطة, وبالقرب من المغطس استرخى صرصور معتلياً ظهر صرصور ساكن.

تضايقت لطيفة من المنظر المقرف وأقسمت بأن تدوس برجلها على ظهر كل صرصور يعترض خطاها إلى المغسلة, غير أنها سرعان ما تراجعت عن فكرتها حين تذكرت أنها ما دخلت دورة المياه إلا لتتوضأ للصلاة, لذا فقد تجاهلت الأمر وانتعلت قبقابها الخشبي المركون أمام الباب, ثم رفعت طرف بيجامتها الأنيقة وتقدمت بضع خطوات متخطيه ظهور الصراصير باتجاه المغسلة, وحين أحنت ظهرها ومدت يدها لتفتح صنبور الماء, لمحت صرصوراً صغيراً منحشراً بالقرب من فتحة الماء المغلقة داخل المغسلة بيضاوية الشكل, وقد حالت أطراف المغسلة اللزجة بفعل بقايا الصابون السائل الذي ظل ملتصقاً بجوانبها منذ ليلة البارحة دون السماح له بالخروج, هنا ضجت لطيفة وكادت أن تنفجر, وأقسمت أنها ستحمل على عاتقها – من يومها ذاك – مهمة ترصد وقمع الصراصير المزعجة على اختلاف أشكالها وأنواعها!.

فتحت لطيفة صنبور الماء عن آخره فاندلق قوياً وبارداً على ظهر الحشرة التي انتفضت وحركت جناحيها الصغيرين ثم سكنت حينما أغلقت لطيفة الصنبور ثانية, غير أن لطيفة سرعان ما عاودت فتحه لكن ببطء هذه المرة  فانسكب القليل من الماء وتجمع حول الغطاء حتى طال القائمتين الخلفيتين للحشرة التي أخذت تجري مذعورةً باتجاه عكسي إلى الحواف اللزجة للمغسلة, بدأت لطيفة التي ارتسمت على محياها ملامح عابثة بتجميع المياه في راحة يدها ومن ثم سكبها على ظهر الحشرة التي بدأت بالانزلاق ثانيةً إلى داخل المغسلة.

التمعت عينا لطيفة ببريق فيه نشوة وانداحت صور متلاحقة عابرةً مخيلتها لكل أولئك الذين تعست بمقابلتهم في الماضي وكانت تتمنى لو أن تدوس على رقابهم بكعب حذاءها حتى الموت.

حين بدأت الحشرة تغرق وتقاوم,  ضحكت لطيفة بجنون وأغلقت صنبور الماء ثم بدأت تضغط بسبابتها على ظهر الحشرة التي ظلت تنتفض أسفل الإصبع حتى همدت حركتها وسكنت إلى الأبد.

عندئذ, شعرت لطيفة بالكثير من الراحة وانزاحت عن صدرها هموم, حين نظرت حولها ثانية, كانت الصراصير قد بدأت تنفض هاربةً إلى مخابئها أسفل فتحة الصرف الصحي, ضحكت لطيفة مرة أخرى ثم فتحت صنبور الماء ثانيةً وبدأت تتوضأ للصلاة.