عزيزي القارئ, في هذا الطرح, أود معرفة وجهة نظرك حيال واقع ربما لمسته في محيطك الإجتماعي أو سمعت عنه, هو سؤال ظل يراوح ذهني لوقت طويل كلما التقيت فتيات يشكلن نماذج فيه, والدعوة هنا موجهه للوالدين وللأب على وجه التخصيص "بما أن سلطة القوامة بيده" , سؤالي هو باختصار: لم يزج بعض الأهالي (من سكان المناطق البعيدة عن مسقط) بناتهم ممن أكملن التعليم العام ولم يوفقن في الإلتحاق بجامعة أو كلية إلى سوق العمل في مسقط؟! بينما يبقون هم في القرية تفصلهم عن بناتهم مئات أو الآف الكيلومترات!, مع العلم بأنهن ما زلن صغيرات تتراوح أعمار أغلبهن ما بين الثامنة عشر والثالثة والعشرين!, وهن حين يأتين إلى مسقط يكدن لا يعرفن عنها شيئاً؟!, بدايتهن تكون في البحث عن أي وظيفة بأي راتب زهيد ليستطعن من ثمنها دفع إيجار الشقة التي سيتقاسمنها مع فتيات عاملات مثلهن, أمّا النزر المتبقي فيذهب كمساهمة في شراء مستلزمات المعيشة في مسقط من أكل وشرب والقليل القليل _إن بقي شيء من الراتب- يصدر للأب والأم أينما يكونان في هذه الأرض الواسعة!, الشيء الذي يصعب فهمه هو ما الدافع لأن يوافق أب أن تبتعد أبنته كل تلك المسافة الشاسعة من أجل العمل بمرتب زهيد وهو بمكانه لا يعرف من أخبارها شيئاً سوى ما تحكيه هي له, هذه الفتاة التي تعيش كمسؤولة عن نفسها في ظل ظروف صعبة, وهي أيضاً (باعتبار أن الوالد قد تفضل وسمح لها بالعمل) أصبحت تقتسم (أو تتحمل) مسؤولية العائلة معه أو عنه!
ذلك واقع وليس من رسم الخيال, واقع رأيت نماذج منه بيننا, ربما ليس بظاهرة نعم, ولكن وجوده أصلاً يدعونا لنتوقف عنده ونرسم علامة تعجب ودهشة, حيث ما المبرر لأن تعطى الفتاة هذه المساحة الغير مقبولة (دينياً وأجتماعياً) من الحرية, تعيش في سكن وتقرر هي كل أمورها وتحتمل النتائج وهي غير مؤهلة تأهيلاً أكاديمياً عالياً يدفعنا لنجد لها المبررات من حيث أن راتبها (الكبير) يغري بإعطاءها هذه المساحة من الحرية والغربة عن الأهل! كما أن عمرها الصغير وقلة تجاربها وعدم معرفتها الكافية بأحاوال المدينة لا تخولها للإقدام على هكذا خطوة...
هذه ليست دعوة أو تحريض للوالدين على الفتاة, وليست إشارة بإصبع إتهام لنزاهة أخواتي القادمات للعمل في مسقط من المناطق البعيدة, بل أنني أكن كل تحية وأحترام لكل فتاة نهجت هذا النهج من أجل إعزاز أسرتها المحتاجة, ولكني أسأل الآباء هل هناك مبرر قوي ومقنع وحقيقي للتخلي عن حق القوامة الذي يلزم الأب أن يكدح من أجل أن لا يجد نفسه أمام خيارٍ كهذا.. مفارقة أبنته الصغيرة قليلة الخبرات والتجارب والمؤهلات!
بعض الفتيات ممن رأيت ينتقلن من مهنة إلى أخرى , وبين المهنة والمهنة بحث يستغرق شهوراً, إذاً فهن يبقين بلا مصدر دخل "مهني" طوال فترة البحث وبرغم ذلك فهن يُقِمن في أرقى الأحياء بمسقط, ويتحملن نفقاتهن ودفع الإيجار وإرسال المعونة الشهرية لأسرهن ... ترى من أين يأتين بالمال؟!