*ما أجملها من تفاصيل حميمة عايشناها في ليلة الرابع عشر من شهر رمضان المبارك, حين صحونا وفي أذهاننا تقبع نبؤه مفادها أن ليلنا سيكون مختلفاً ومليئاً بالكثير من المباهج والطهر والفرح, مع طرقة أول طفل سيجيء برفقة صحبه ورفاق دربه ليترنموا معاً بصوتٍ واحد وبفرح الطفولة الغامر: "قرنقشوة يو ناس.. أعطوني شوية حلواه!"
*بصحبة تلك الترانيم الجميلة, جميل لو شردنا قليلاً وحلقنا لنعانق أطلال ماضينا الذي لن يعود إلا متجسداً من خلالهم, حين كنا صغاراً مثلهم, نستعيد جماليات اللحظات المسروقة من حاضر أثقلته الأعباء التي كثرت والتي مهما كثرت فإنها تعجز عن محو ما سكن في أعماقنا, كيف لا, وذكرياتنا فرح رمضاني متجدد, نورثه لأجيالنا المتعاقبه بكل بذخه وعنفوانه وطقوسه المزخرفة بالنبل والجمال, لتتجسد كلها في يوم عرس واحد يشهده الخليج بأسره, مشكلاً ذاكرة جماعية ذات أرث خصيب تطوف لتعمق فحواها في ذهن كل مواطن ينتظر إشارة البدء ليحتفي بهؤلاء الأحبة الذين سيملؤون الشوارع والأزقة والطرقات بنداءاتهم وشغبهم ومطالباتهم التي لا يمكن لإنسان أن يضيق بها حتى ولو كلّـت يداه من كثرة ما توزعان هنا وهناك من حلوى أو هدايا أو نقود.
*كلمة "قرنقشوة" من أين جاءت؟ وهي التي لا دلالة لها في المعجم, هل اُشتقت من الأًصل الثلاثي "قرن" ؟ ربما باستطاعتنا أن نظن ذلك! , لأن هذا الظن سيجعلنا نستنبط للكلمة دلالة تقترن بالحدث, فرمضان يصلنا
بليلة "القرنقشوة" التي لا تقترن بسواه, وليلة القرنقشوة بدورها تقرننا بالكثير من الجماليات والأخلاقيات المتمثلة في بعض جوانبها بالجود وإكرام الضيف والإحتفاء به والتبسم في وجهه والإحسان والتلطف والحنو واحياء التقاليد والقيم النبيلة وإذكاء الدعم المعنوي والمادي والعاطفي الذي نحن الآن في أشد الحاجة إليه لإعادة قرن القلوب المتباعده ببعضها!
*ها قد جاءت ورحلت هذه الليلة لكي لا يبقى لها من سكن سوى ذاكرة القلب المشتاق لهكذا حميمية قد ندرت وضاقت بها الأرض في هذا الزمان الشحيح من الحب, الخالي إلا قليلاً من الود والتواد والتراحم, جاءت لتغذي قلوبنا التي ضمئت شوقاً لجيران بالكاد قد سمحوا لأطفالهم بأن يطلوا بعفويتهم على جيران يتوقون للأحتفاء بهم في ليلة خالدة تصوغ "القرنقشوة" تفاصيلها بمنتهى الحب.